المختصر/ أصدر مركز "مجموعة الأزمات الدولية" تقريراً جديداً اليوم حول تأثير تورّط حزب الله في الحرب السورية على الحزب نفسه. وفيما يلي ملخّص للتقرير:
* الملخص التنفيذي:
لقد استثمر حزب الله كل طاقاته في الدفاع عن الرئيس السوري بشار الأسد. وقد أظهر أنه سيدعم النظام السوري بكل الوسائل الضرورية، رغم الشكوك في قدرة هذا الأخير على تحقيق نصر حاسم وبصرف النظر عن مخاطرة حزب الله بمكانته الأخلاقية وجاذبيته العابرة للطوائف. مع انغماسه بعمق أكبر في الحرب الأهلية في سورية، والتي يبدو أنها ستستمر لسنوات، فإن حزب الله يجد نفسه منشغلاً على نحو متزايد عن محور تركيزه الأصلي المتمثل في محاربة إسرائيل ومُخاطراً بإحداث إعادة تشكيل عميقة لهويته.
كانت الأهداف العسكرية الأصلية لحزب الله في سورية واضحة، وتتمثل في إنقاذ نظام يرى فيه حليفاً محورياً وإبعاد الجهاديين السنة عن حدوده وأحيائه.
لقد كانت مساهمته بالغة الأهمية؛ فقد تمكنت قواته من إعادة الزخم المتلاشي للنظام ومكّنته من تحقيق التقدم النسبي الذي يتمتع به اليوم. لقد عززت محاربته للمعارضة السورية، التي يُشخّصها بتعابير طائفية حادة، من قاعدة دعمه.
غير أن التكلفة بعيدة المدى، بالنسبة لحزب الله والمنطقة، لانخراطه في حرب طائفية صفرية، تعني أن الثمن الذي سيدفعه مقابل ذلك قد يكون جسيماً بقدر أهمية المكاسب قصيرة الأمد التي يحققها.
رحّب الحزب بانتفاضات "الربيع العربي" الموجّه ضد أعدائه وخصومه. لكنه وضع حداً عند سورية؛ ومع تراخي قبضة بشار الأسد، بات يرى بقاءه هو مرتبطاً ببقاء حليفه.
كان سقوط الأسد سيحرمه من حليف محوري ومن ممر مهمّ للتزوّد بالأسلحة من إيران. إضافة إلى ذلك، ومع تحوّل الانتفاضة السورية إلى حرب إقليمية بالوكالة، فإن سقوط النظام كان سيؤدي إلى تغيير في التوازن الإقليمي يصب في غير مصلحته، أخيراً، مع ظهور تنظيمات مرتبطة بالقاعدة (أو انفصلت عنها) داخل صفوف المجموعات المسلحة، فإن الحزب الشيعي، كجمهوره، بات يرى في الحرب الأهلية في سورية حرباً وجودية.
ظهرت مزاعم مشاركة حزب الله العسكرية في سورية في أواسط عام 2012، بعد تحقيق مجموعات المعارضة المسلحة مكاسب مهمّة جنوب وشرق سورية؛ وإحاطتها بدمشق، بشكل جعل النظام في خطر محدق؛ وسيطرتها على مناطق حدودية رئيسية مكّنتها من التواصل مع الجيوب السنية على الجانب اللبناني.
بعد شهور من ذلك، لعب الحزب، في مايو 2013 وبشكل علني، دوراً قيادياً في إخراج الجماعات المسلحة من بلدة القصير الحدودية. عزز سقوط البلدة من قوة النظام وشجّع الحزب على توسيع معركته إلى جبال القلمون وما وراءها.
دفع التدخل العسكري الكامل حزب الله إلى منطقة مجهولة المعالم. من منظوره، لم يكن لديه خيار آخر؛ فقد أكدت الأحداث اللاحقة للحزب بأنه اتخذ القرار الصائب.
لقد كانت حملته العسكرية ناجحة، وعززت موقع الأسد؛ ورغم مقتل عشرات الشيعة في لبنان في موجة من التفجيرات الانتحارية غير المسبوقة، على نمط التفجيرات التي تنفذها القاعدة، منذ معركة القصير، فإن الحزب مقتنع بأن عدداً أكبر كان سيُقتل لو إنه لم يُبعد المجموعات المسلحة السورية عن الحدود اللبنانية.
كما كانت الهجمات الانتقامية مفيدة للحزب من حيث إنها عززت قاعدته الشعبية من خلال التأكيد على أن المجموعات المسلحة السورية ما هي إلا مجموعات من المتطرفين السنّة الذين كانوا دائماً يستهدفون شيعة لبنان.
لكن على المدى البعيد، فإن انخراط حزب الله في سورية يشكل تهديداً للحزب، كما إنه إشكالي بالنسبة للبنان والعالم العربي الأوسع.
لقد عمّق هذا التدخل الانقسام الطائفي الإقليمي، وغذى التطرف نفسه الذي يرمي الحزب إلى محاربته وأدى إلى تلاشي شرعيته بين شرائح من المجتمع كانت تدعمه في السابق.
ومن خلال تصوير معركته على أنها هجوم استباقي على التكفيريين، فإن حزب الله صبغ جميع شرائح المعارضة، وفي الواقع جميع السنّة، بفرشاة التطرف السوداء.
لقد بالغ في توصيف مذهبية المعارضة السورية كما خصومه المحليين، وبالتالي فاقم من هذه المذهبية.
حزب الله، الذي كان يحظى باحترام واسع لدى جميع شرائح الطيف السياسي والطائفي، بات يُشار إليه على نحو متكرر الآن بـ"حزب الشيطان".
لقد تضاءلت الحاضنة الشعبية التي كان يعتبرها الحزب بمثابة عمق إستراتيجي، وكذلك السمعة التي كان حققها لنزاهته الأخلاقية. وتكمن المفارقة هنا في أن تعزيز حزب الله لجبهته الشرقية قد جعله أكثر هشاشة.
هذه التطورات لا تبشّر بالخير بالنسبة للبنان، الذي يعتمد استقراره على العلاقات بين الكتل السياسية والمجموعات الطائفية فيه.
لقد تم احتواء الصدامات المذهبية التي مرّت بها البلاد عام 2013 ومطلع عام 2014 تحت مظلة ما يعرف بـ"الخطة الأمنية"، إلاّ أن هذه الهدنة مؤقتة على الأرجح.
مع شعور سنة لبنان بالإحباط، وحرص الشيعة على عدم خسارة المكاسب التي حققوها خلال العقود الماضية ووقوع المجموعات الأخرى بين الطرفين، فإن التصعيد الذي شهده هذا العام ما هو إلاّ مقدمة لما سيحدث إذا انهارت الاتفاقية الأمنية.
في بلد طالما اشتكى من الشلل السياسي، فإن غاية ما يأمله الكثيرون الآن بات استمرار هذا الركود، بوصفه أفضل السيناريوهات.
قد يرى بعض منتقدي حزب الله الإقليميين ومنتقديه الدوليين، المتحالفين مع خصومه، جانباً إيجابياً في هذه التطورات: أي غرق حزب الله في ما يبدو حرباً لا نهاية لها في سورية، وقتاله لعدو متطرف وعنيد، وانشغاله عن تركيزه التقليدي على إسرائيل.
إلاّ أن الدوامة نفسها التي تجتذب الحزب تجتذب أيضاً أعداءه، دون أن يكون هناك مخرج محتمل لأي من الطرفين. كما إن هؤلاء النقاد لا يرحبون بانتشار الجهادية الشيعية التي تغذيها الحرب في سورية.
ما هو ضروري، ليس فقط من أجل لبنان، بل أيضاً من أجل المنطقة بأسرها، أي الإحجام عن الخطاب المذهبي وسحب جميع المقاتلين الأجانب من سورية وطردهم، من غير المحتمل أن يحدث.
حزب الله يؤمن بإستراتيجيته الحالية، وأعداؤه مصممون على محاربة ما يرون فيه قوة احتلال شيعية.
طالما ظل الصراع في سورية ثقباً أسود، فإن حزب الله سيبقى عالقاً في نطاق جاذبية هذا الثقب، وهو ما سيُحدث فيه تحوّلاً لا يقلّ عن التحوّل الذي سيحدثه انخراطه في الصراع برمّته.
المصدر: العصر
* الملخص التنفيذي:
لقد استثمر حزب الله كل طاقاته في الدفاع عن الرئيس السوري بشار الأسد. وقد أظهر أنه سيدعم النظام السوري بكل الوسائل الضرورية، رغم الشكوك في قدرة هذا الأخير على تحقيق نصر حاسم وبصرف النظر عن مخاطرة حزب الله بمكانته الأخلاقية وجاذبيته العابرة للطوائف. مع انغماسه بعمق أكبر في الحرب الأهلية في سورية، والتي يبدو أنها ستستمر لسنوات، فإن حزب الله يجد نفسه منشغلاً على نحو متزايد عن محور تركيزه الأصلي المتمثل في محاربة إسرائيل ومُخاطراً بإحداث إعادة تشكيل عميقة لهويته.
كانت الأهداف العسكرية الأصلية لحزب الله في سورية واضحة، وتتمثل في إنقاذ نظام يرى فيه حليفاً محورياً وإبعاد الجهاديين السنة عن حدوده وأحيائه.
لقد كانت مساهمته بالغة الأهمية؛ فقد تمكنت قواته من إعادة الزخم المتلاشي للنظام ومكّنته من تحقيق التقدم النسبي الذي يتمتع به اليوم. لقد عززت محاربته للمعارضة السورية، التي يُشخّصها بتعابير طائفية حادة، من قاعدة دعمه.
غير أن التكلفة بعيدة المدى، بالنسبة لحزب الله والمنطقة، لانخراطه في حرب طائفية صفرية، تعني أن الثمن الذي سيدفعه مقابل ذلك قد يكون جسيماً بقدر أهمية المكاسب قصيرة الأمد التي يحققها.
رحّب الحزب بانتفاضات "الربيع العربي" الموجّه ضد أعدائه وخصومه. لكنه وضع حداً عند سورية؛ ومع تراخي قبضة بشار الأسد، بات يرى بقاءه هو مرتبطاً ببقاء حليفه.
كان سقوط الأسد سيحرمه من حليف محوري ومن ممر مهمّ للتزوّد بالأسلحة من إيران. إضافة إلى ذلك، ومع تحوّل الانتفاضة السورية إلى حرب إقليمية بالوكالة، فإن سقوط النظام كان سيؤدي إلى تغيير في التوازن الإقليمي يصب في غير مصلحته، أخيراً، مع ظهور تنظيمات مرتبطة بالقاعدة (أو انفصلت عنها) داخل صفوف المجموعات المسلحة، فإن الحزب الشيعي، كجمهوره، بات يرى في الحرب الأهلية في سورية حرباً وجودية.
ظهرت مزاعم مشاركة حزب الله العسكرية في سورية في أواسط عام 2012، بعد تحقيق مجموعات المعارضة المسلحة مكاسب مهمّة جنوب وشرق سورية؛ وإحاطتها بدمشق، بشكل جعل النظام في خطر محدق؛ وسيطرتها على مناطق حدودية رئيسية مكّنتها من التواصل مع الجيوب السنية على الجانب اللبناني.
بعد شهور من ذلك، لعب الحزب، في مايو 2013 وبشكل علني، دوراً قيادياً في إخراج الجماعات المسلحة من بلدة القصير الحدودية. عزز سقوط البلدة من قوة النظام وشجّع الحزب على توسيع معركته إلى جبال القلمون وما وراءها.
دفع التدخل العسكري الكامل حزب الله إلى منطقة مجهولة المعالم. من منظوره، لم يكن لديه خيار آخر؛ فقد أكدت الأحداث اللاحقة للحزب بأنه اتخذ القرار الصائب.
لقد كانت حملته العسكرية ناجحة، وعززت موقع الأسد؛ ورغم مقتل عشرات الشيعة في لبنان في موجة من التفجيرات الانتحارية غير المسبوقة، على نمط التفجيرات التي تنفذها القاعدة، منذ معركة القصير، فإن الحزب مقتنع بأن عدداً أكبر كان سيُقتل لو إنه لم يُبعد المجموعات المسلحة السورية عن الحدود اللبنانية.
كما كانت الهجمات الانتقامية مفيدة للحزب من حيث إنها عززت قاعدته الشعبية من خلال التأكيد على أن المجموعات المسلحة السورية ما هي إلا مجموعات من المتطرفين السنّة الذين كانوا دائماً يستهدفون شيعة لبنان.
لكن على المدى البعيد، فإن انخراط حزب الله في سورية يشكل تهديداً للحزب، كما إنه إشكالي بالنسبة للبنان والعالم العربي الأوسع.
لقد عمّق هذا التدخل الانقسام الطائفي الإقليمي، وغذى التطرف نفسه الذي يرمي الحزب إلى محاربته وأدى إلى تلاشي شرعيته بين شرائح من المجتمع كانت تدعمه في السابق.
ومن خلال تصوير معركته على أنها هجوم استباقي على التكفيريين، فإن حزب الله صبغ جميع شرائح المعارضة، وفي الواقع جميع السنّة، بفرشاة التطرف السوداء.
لقد بالغ في توصيف مذهبية المعارضة السورية كما خصومه المحليين، وبالتالي فاقم من هذه المذهبية.
حزب الله، الذي كان يحظى باحترام واسع لدى جميع شرائح الطيف السياسي والطائفي، بات يُشار إليه على نحو متكرر الآن بـ"حزب الشيطان".
لقد تضاءلت الحاضنة الشعبية التي كان يعتبرها الحزب بمثابة عمق إستراتيجي، وكذلك السمعة التي كان حققها لنزاهته الأخلاقية. وتكمن المفارقة هنا في أن تعزيز حزب الله لجبهته الشرقية قد جعله أكثر هشاشة.
هذه التطورات لا تبشّر بالخير بالنسبة للبنان، الذي يعتمد استقراره على العلاقات بين الكتل السياسية والمجموعات الطائفية فيه.
لقد تم احتواء الصدامات المذهبية التي مرّت بها البلاد عام 2013 ومطلع عام 2014 تحت مظلة ما يعرف بـ"الخطة الأمنية"، إلاّ أن هذه الهدنة مؤقتة على الأرجح.
مع شعور سنة لبنان بالإحباط، وحرص الشيعة على عدم خسارة المكاسب التي حققوها خلال العقود الماضية ووقوع المجموعات الأخرى بين الطرفين، فإن التصعيد الذي شهده هذا العام ما هو إلاّ مقدمة لما سيحدث إذا انهارت الاتفاقية الأمنية.
في بلد طالما اشتكى من الشلل السياسي، فإن غاية ما يأمله الكثيرون الآن بات استمرار هذا الركود، بوصفه أفضل السيناريوهات.
قد يرى بعض منتقدي حزب الله الإقليميين ومنتقديه الدوليين، المتحالفين مع خصومه، جانباً إيجابياً في هذه التطورات: أي غرق حزب الله في ما يبدو حرباً لا نهاية لها في سورية، وقتاله لعدو متطرف وعنيد، وانشغاله عن تركيزه التقليدي على إسرائيل.
إلاّ أن الدوامة نفسها التي تجتذب الحزب تجتذب أيضاً أعداءه، دون أن يكون هناك مخرج محتمل لأي من الطرفين. كما إن هؤلاء النقاد لا يرحبون بانتشار الجهادية الشيعية التي تغذيها الحرب في سورية.
ما هو ضروري، ليس فقط من أجل لبنان، بل أيضاً من أجل المنطقة بأسرها، أي الإحجام عن الخطاب المذهبي وسحب جميع المقاتلين الأجانب من سورية وطردهم، من غير المحتمل أن يحدث.
حزب الله يؤمن بإستراتيجيته الحالية، وأعداؤه مصممون على محاربة ما يرون فيه قوة احتلال شيعية.
طالما ظل الصراع في سورية ثقباً أسود، فإن حزب الله سيبقى عالقاً في نطاق جاذبية هذا الثقب، وهو ما سيُحدث فيه تحوّلاً لا يقلّ عن التحوّل الذي سيحدثه انخراطه في الصراع برمّته.
المصدر: العصر