السعودية تواجه تحديات المنطقة بعقيدة دفاعية جديدة
باحث سعودي يؤكد أن الاضطرابات الإقليمية وإيران والإرهاب تمثل تهديدات رئيسية تقلق الرياض التي تعمل على بحث استراتيجيات لتحقيق الاستقرار.
لندن- في ظل المخططات والأحداث الإقليمية والعالمية المتداخلة يرى الباحث نواف عبيد أن المملكة العربية السعودية يجب أن تتخذ موقعها الاستراتيجي كلاعب أساسي وقوّة مؤثّرة في منطقة الشرق الأوسط. لكن هذه المسؤولية الأمنية تتطلب عقيدة دفاعية قوية واستثمارات عسكرية سريعة وضخمة.
الحروب والتوترات التي تشهدها دول المنطقة تجعل السعودية تشعر بشكل ما بعدم الاستقرار على المستوى الأمني والدفاعي. وإذا كانت المملكة تسعى إلى تعزيز مكانتها، كدولة رائدة عربيا وإقليميا، وتعمل على مساعدة جيرانها في مسيرتهم نحو الاستقرار، فعليها أن تستعدّ جيّدا لمواجهة التحديات القادمة، سواء في الداخل أو من خارج حدودها.
ولتحقيق هذا الهدف، يرى الباحث السعودي نواف عبيد أن المملكة العربية السعودية تحتاج إلى مراجعة استراتيجياتها العسكرية ضمن عقيدة دفاعية قوية واستثمارات عسكرية سريعة وضخمة.
هذه العقيدة قدّم تصوراتها نواف عبيد، الباحث في جامعة هارفرد، في دراسة حملت عنوان “عقيدة الدفاع السعودي”، ومن خلالها يرسم الباحث السعودي، الخطوط العريضة لمبدأ دفاع سعودي شامل، ويشرح لماذا يتوقع أن تضاعف المملكة العربية السعودية من جهودها في مجال قدراتها العسكرية والأمنية في السنوات الخمس القادمة.
ويرى نواف عبيد أن المملكة العربية السعودية قد بدأت بالفعل في تطبيق عقيدتها الدفاعية الجديدة بميزانية تزيد على 150 مليار دولار مخصصة للدفاع.
وفي هذا الإطار، وقع السعوديون عدة عقود مع شركات أميركية وفرنسية وبريطانية، ومن المتوقع أنه في غضون فترة عشر سنوات سوف تصل هذه الميزانية إلى أكثر من 250 مليار دولار.
بالإضافة إلى الزيادات الضخمة في الموارد العسكرية، يقترح عبيد أن تطال الزيادة أيضا القوة البشرية بنسبة 30 بالمئة للجيش و35 بالمئة للحرس الوطني و30 بالمئة للدفاع الجوي وقوات الصواريخ الاستراتيجية و50 بالمئة للبحرية والقوات الجوية.
تقارير تكشف أن الرياض زادت من إنفاقها العسكري بنسبة 14 بالمئة في عام 2013
هواجس الرياض
على مدى العقد الماضي، شهد العالم تغييرات وثورات وسقوط أنظمة وانتشار الفتن الطائفية، وأغلب هذه الأحداث جرت في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني مسبقا من عدم الاستقرار.
هذه التغييرات لم تعشها المملكة العربية السعودية، ميدانيا، لكنّها تشكّل تهديدا كبيرا على أمنها الاستراتيجي. وتشير التقارير الدولية إلى أن الرياض زادت من إنفاقها العسكري بنسبة 14 بالمئة في عام 2013، ليصل إلى 67 مليار دولار بعد الأحداث التي وقعت خلال السنوات الأخيرة في المنطقة وبعد التغييرات التي طرأت على العلاقات الإقليمية والدولية.
يشير نواف عبيد إلى أن هناك ثلاثة تهديدات رئيسية تقلق المملكة العربية السعودية، أكثر من غيرها، وهذه التهديدات هي: الاضطرابات الإقليمية وإيران نووية “أو انتقامية” والإرهاب. في ما يخص الاستقرار الإقليمي، يوضح الباحث السعودي أنه بإمكان العربية السعودية – ومن واجبها – أخذ دور القيادة في مساعدة كل البلدان العربية التي تسمى ببلدان الربيع العربي في رسم طريقها إلى النظام المدني.
وبالنسبة إلى إيران تتوجس المملكة كثيرا من نشاطاتها وتدخّلها في شؤون الدول الأخرى، فضلا عن طموحاتها النووية. أما في ما يتعلّق بملف الإرهاب، فيقول نواف عبيد إن المملكة ملتزمة بالتعاون من أجل صدّ الهجمات الإرهابية التي من الممكن أن تصدر في أي مكان من العالم.
وتشير الدراسة، التي يؤكد معدّها أنها لا تعدّ وثيقة رسمية بل هي تقديرات واقعية لما يمكن أن تكون عليه القدرات العسكرية السعودية في غضون خمس سنوات، إلى أن العقيدة العسكرية الجديدة للمملكة العربية السعودية ستعتمد في المستقبل على زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري لضمان تحقيق سبعة أهداف هي: الدفاع عن الأراضي السعودية، والانتصار على الجماعات الإرهابية، وتعزيز موقف جيوش الدول الصديقة، والظهور كقوة على المستوى الإقليمي ومكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل وإنشاء قيادتين جديدتين للحرب الإلكترونية وحرب الفضاء وتعزيز التعاون الإقليمي.
مقترح مبدأ الدفاع السعودي
يحدّد مقترح “مبدأ الدفاع السعودي”، النقاط التي يتوجّب تعزيزها داخل آليات الأمن الوطني السعودية، والاستراتيجيات التي يمكن تنفيذها لتحقيق هذا الهدف، والوسائل اللازمة لذلك. وتمثّل هذه الأهداف العسكرية والأمنية والاستخبارية، محاولة للدفاع عن المملكة العربية السعودية ضد التهديدات الخارجية وسبلا لحماية الشرق الأوسط والعالم العربي من عدم الاستقرار والفوضى.
من أجل تحقيق هدفها الأول المتمثل في الدفاع عن الوطن، يتوجّب على المملكة العربية السعودية إعادة النظر في قواتها العسكرية الداخلية، البحرية منها والجوية (المنظومات المضادة للقذائف).
كما يتوجّب عليها الحفاظ على قدراتها العسكرية وتعزيزها على الحدود الشمالية والجنوبية والممرات البحرية، مع التركيز على حماية الثغرات الأمنية المحيطة باليمن والعراق وفي عرض البحر.
في إطار تحقيق الهدف الثاني، تلتزم المملكة العربية السعودية بمسؤولية مشاركة الدول الأخرى في استراتيجياتها المتقدّمة لمكافحة الإرهاب، مع المحافظة على الدفاع الناجع ضد الفكر المتطرف والهجمات الإرهابية في الداخل.
وعلى وزارة الدفاع ووزارة الداخلية ووزارة الحرس الوطني المحافظة على هذه الموارد وتعزيزها بهدف مساعدة البلدان المجاورة والحلفاء الاستراتيجيين في جهود مكافحة الإرهاب.
نواف عبيد: السعودية بصدد الاضطلاع بمسؤوليات أمنية في المنطقة كانت سابقا على عاتق الغرب
لتحقيق الهدف الثالث، يرى عبيد أن المملكة العربية السعودية مطالبة بدعم بيئة الأمن القومي الإقليمي لحلفائها الاستراتيجيين، في إطار “اتحاد الخليج” القادم الذي يشمل تعزيز مجلس التعاون الخليجي كمؤسسة قيادية عسكرية، تتمتّع بقوات قتالية مشتركة وأسلحة واستخبارات. وستتمثّل مهمة هذه “القيادة العسكرية الخليجية الموحدة” الجديدة في تحقيق الاستقرار في البلدان التي اجتازت مرحلة الانتفاضات العربية في 2011، والحفاظ على السلام في المنطقة.
يتطرّق الهدف الرابع للمقترح إلى مسألة نفوذ المملكة العربية السعودية إقليميا ودوليا، وفي جميع أنحاء العالم الإسلامي. إذ يؤكد المقترح على ضرورة تعزيز استقلال المملكة العربية السعودية من أقدم حلفائها الاستراتيجيين الغربيين، مشددا على أهمية التوصّل إلى تكافؤ عسكري والتعجيل بتوسيع خطط الأمن الوطني، ممّا يسمح للمملكة العربية السعودية بالتدخل في الأزمات الإقليمية والدولية والعمل الفعلي كأمة عربية تستند على أسس المحافظة على المبادئ الإسلامية التقليدية في كافة قراراتها.
يتعلّق أكثر أهداف المقترح حساسية بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وينادي بضرورة إرساء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، ويدعو كذلك إلى تعزيز قدرات الكشف والمنع والاحتواء. ويضع هذا الهدف كذلك خطّة لخلق قوّة عسكرية نووية رادعة قد تشمل الحصول على ذخيرة خاصّة من أسلحة الدمار الشامل، في حال قامت إيران بنفس المبادرة.
يدعو الهدف السادس المملكة العربية السعودية إلى إنشاء قيادتين مستقلتين للإنترنت والفضاء، بهدف تحديث أنظمتها الدفاعية. يستند تحقيق الأمن الإلكتروني على ضرورة التشاور مع قطاع الأعمال المتقدمة تكنولوجيا في الداخل والخارج لتحصيل أفضل الموارد والخبرات في هذا المجال. كما يتوجّب على المملكة العربية السعودية تدعيم فريق الاستجابة الإلكترونية وتوسيع آليات الأمن الإلكتروني.
ويعتمد نجاح القيادة الفضائية كذلك على التعاون مع خبراء خارجيين، فضلا عن مواصلة بحوث مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية والنهوض بقدراتها في مجال الملاحة الجوية.
وعلى المملكة العربية السعودية أن تلتزم، أخيرا، بتحقيق الشراكات بين وكالاتها الداخلية في مجالات الدفاع والأمن والاستخبار، وذلك من خلال تمكين مجلس الأمن القومي من تنسيق الاستراتيجيات اللازمة وتقييم قدرات جميع الوكالات والعراقيل، والتكيف مع أي تغيير متوقّع. ويضمن هذا الهدف النهائي أن تتحقّق جميع الأهداف السابقة في ظلّ مجهودات سعودية موحّدة.
السعودية تتبوأ المركز الرابع على قائمة أعلى معدلات الإنفاق على التسلح في العالم
يترجم “مبدأ الدفاع السعودي”، وفق دراسة عبيد، التزام المملكة العربية السعودية بالدفاع عن الوطن، ودعمها القوى للاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط والعالم العربي الأوسع. وفي إطار سعيها إلى تحقيق هذه الأهداف السبعة، على المملكة العربية السعودية أن تسخر مواردها السياسية والمالية والعسكرية الواسعة بهدف تهدئة الأزمات المستمرة التي تعصف بالعالم العربي والإسلامي، مع تعزيز قوتها وضمان استمراريتها.
ويخلص الباحث نواف عبيد قائلا: “بالرغم من أنه يمكننا القول بكل وثوق تقريبا إن المملكة العربية السعودية تسلك طريقها باستقلالية أكثر من أي وقت مضى على امتداد تاريخها – وهي حقيقة يؤكدها خيارها الأخير برفض مقعد في مجلس الأمن – فإن ذلك لا يعني أن علاقاتها مع حلفائها الغربيين في تدهور.
إن استقلالية السعودية أمر جيد سواء بالنسبة إلى السعودية أو البلدان الغربية. ما يحدث هو أن المملكة العربية السعودية بصدد الاضطلاع تدريجيا بمسؤوليات أمنية في المنطقة كانت سابقا على عاتق الغرب، لكن المبادئ لم تتغير، وهي الاستقرار والنظام والسلام. نظرا إلى معرفتها الأصلية بالمنطقة ودورها باعتبارها مهد الإسلام”.
ويستطرد موضّحا أنه “بعيدا من الانطباع القائل إن السعودية دولة هشة، قامت المملكة، في السنوات الأخيرة، بتثبيت موقعها كدولة عربية زعيمة تدفع نحو استقرار المنطقة، وتشكّل حصنا قويّا ضد الإرهاب والتسلح النووي الإيراني”. وشدّد الباحث السعودي على أن أكبر فكرة خاطئة عن المملكة العربية السعودية تتمثل في أنها دولة سلبية وتابعة للولايات المتحدة، ومن ثم ليست مستعدة لتوسيع مواردها واستخدامها للاضطلاع بدور قيادي مستقل في إحلال السلام والأمن بين جيرانها.
واليوم، نتيجة لقيام الدول الغربية بفك ارتباطها التدريجي من الشرق الأوسط، يدرك السعوديون أنه عليهم – وهم عازمون على ذلك بالكامل – أخذ مبادرات دبلوماسية وأمنية خاصة بهم حتى يمكنهم القيام بدور قوة استقرار أساسية في المنطقة. لكن، لاتزال قدرات المملكة الاستراتيجية غير متلائمة مع الأهداف المرسومة. ومع توسيع الرياض لدورها الإقليمي والدولي ستزيد الحاجة إلى “عقيدة دفاعية” جديدة وقوية.
تعليق