مشكلة أن تكون بندر بن سلطان، ومشكلة ألا تكون بندر بن سلطان، ففي كلتا الحالتين أنت تحت ضوء لم تختر زمانه ولا مكانه. مجرد غيابك يتحول إلى مهرجان كبير، من أخبار لا يتوقف منتجوها عن إدهاشك، بحجم قدرتهم على الخيال. أن تكون بندر فهذا يعني أنك لا تمرض، ولا تغيب، كونك بالنسبة الى اعدائك كائنا مخيفا، لا علاقة له بالبشر!
تحول ظهور بندر بن سلطان قبل أيام، جوار عمه وملكه في الطائرة الملكية، إلى قصة لم تتوقف، ولم تنته حتى الان. في السعودية كما في غيرها تعتبر الاستقبالات، والابتسامات، بل حتى الهمسات بين المسؤول الكبير، والآخرين، مشكاة نور لقصة جديدة، ودور جديد، لهذا تفاؤل البندريون، وهم محبو الأمير، ورواد مدرسته، بظهور أميرهم على الطائرة الملكية بعد غياب.
للأمير بندر علاقات طويلة مع الإشاعات. حين غاب الغيبة الأولى بسبب ظروفه الصحية، والتي منعته فيما بعد من حضور جنازة والده، خرجت القصص المثيرة: انقلاب، اغتيال، إقامة جبرية. كان اصحاب الإشاعات يتخيلون انهم يتكلمون عن الحزب الشيوعي الصيني، وليس عن أسرة ملكية منذ ثلاثة قرون، تحكمها ضوابط قاسية، وحدود للخلافات، والاختلافات. لا صوت، ولا همس، لخلاف خارج القصر، ولا بوابته، ولا سوره!
كان بندر يسخر من هذه الإشاعات التي ينقلها له أصدقاؤه، بينما هو يتنقّه صحيا، ويتفقّه بصحبة كتاب، ونسائم أم كلثوم، أو محمد عبده، تحوّمان حول المكان، في مرّاكش النخيل.
السوريون والإيرانيون يكتبون القصص الخيالية عن بندر بشهوة بغيضة. مصنع الإشاعات دمشق، وأجهزة مخابراتها، ثم يأتي دور الأكشاك الملونة في بيروت، التي يسمونها صحفا، كي تعيد تدوير صناعة الكذب إلى خارج الحدود!
بشار الاسد يعرف بندر أكثر من غيره، لذلك توسل للملك عبد الله في بداية الخلاف مع سورية ألا يرسل له بندر مفاوضا مرة اخرى. ونظرا لاعتبارات قومية وعربية، رأى الكبير الملك الحاكم إعطاء بشار فرصة تلو الأخرى، قبل ان تحترق المراكب على الضفاف، وتصبح العودة مستحيلة والذهاب انتحارا.
حين قرر ديفيد آتووي، صحافي «الواشنطن بوست» الكبير، الكتابة عن بندر، التقيته في الرياض. تحدثنا عن قصة الكتاب، والمشروع، ثم طفنا في حديث الحاضر، والمستقبل. تكلم عن غيابات «السفير السوبر» في التسعينات، إبان حقبة كلينتون، وحين سأل آتووي بندر عن سبب قضائه معظم الوقت خارج واشنطن حينها، قال له بثقة: «لم تعد هنالك جبال أتسلقها»، وهي إشارة إلى الأدوار التي لعبها، وهدأت مؤقتا، بعد تحطم الاتحاد السوفياتي.
رغم كمية الأضواء الكبيرة المسلطة عليه، لا يحب الأمير السعودي المثير للجدل، العمل تحت الأضواء. شخص مثله يتعبه الضوء، والنور، فقد تعوّد العمل خلال ثلاثين عاماً، تحت السُتُر والستار، والحُجّاب والحُجُب.
خلال الأشهر الفائتة، وفي مقر إقامته الرائع، في مرّاكش الحمراء، على أطراف ضاحية النخيل الهادئة، كان الأمير الذي لازمه سوء الطالع طبيّاً، يتعافى من آثار عمليات جراحية، وصلت إلى حد ست عمليات خلال عامين، بدلاً من عملية واحدة كانت مقررة مسبقاً، ويمارس الرياضة بانتظام. مع ذلك لا يزال لديه الشغف في العمل، وخدمة بلاده، وإغاظة شانئيه، وهم كثر.
قدم الأمير بندر الكثير لبلاده خلال مسيرته التي جاوزت ثلاثين عاما: طيارا حربياً، وملحقاً عسكرياً، وسفيرا في أهم عاصمة في الدنيا، وأمامه الان التحديات ذاتها التي واجهها طوال ربع قرن: الأمن القومي السعودي، على محاور إيران العراق سورية، ثم يضاف إليهما قطر واليمن، تحديث القدرات العسكرية، حشد التأييد الدولي لموقف المملكة في المنطقة.
عند الحديث عن الأمير العائد، لابد من جرس تنبيه لمن يجهل، أنه سواء ظهر بندر أو غاب، فإن الاستراتيجية واحدة، لا تتغير، ولا أحد في السعودية كلها، أسرة وشعبا، يساوم على الحدود، أو يمكن أن يفكر، أن تلك العواصم المخادعة طوال تاريخها، يمكن أن تكون عواصم شقيقة!
*سلطان القحطاني - كاتب سعودي
تحول ظهور بندر بن سلطان قبل أيام، جوار عمه وملكه في الطائرة الملكية، إلى قصة لم تتوقف، ولم تنته حتى الان. في السعودية كما في غيرها تعتبر الاستقبالات، والابتسامات، بل حتى الهمسات بين المسؤول الكبير، والآخرين، مشكاة نور لقصة جديدة، ودور جديد، لهذا تفاؤل البندريون، وهم محبو الأمير، ورواد مدرسته، بظهور أميرهم على الطائرة الملكية بعد غياب.
للأمير بندر علاقات طويلة مع الإشاعات. حين غاب الغيبة الأولى بسبب ظروفه الصحية، والتي منعته فيما بعد من حضور جنازة والده، خرجت القصص المثيرة: انقلاب، اغتيال، إقامة جبرية. كان اصحاب الإشاعات يتخيلون انهم يتكلمون عن الحزب الشيوعي الصيني، وليس عن أسرة ملكية منذ ثلاثة قرون، تحكمها ضوابط قاسية، وحدود للخلافات، والاختلافات. لا صوت، ولا همس، لخلاف خارج القصر، ولا بوابته، ولا سوره!
كان بندر يسخر من هذه الإشاعات التي ينقلها له أصدقاؤه، بينما هو يتنقّه صحيا، ويتفقّه بصحبة كتاب، ونسائم أم كلثوم، أو محمد عبده، تحوّمان حول المكان، في مرّاكش النخيل.
السوريون والإيرانيون يكتبون القصص الخيالية عن بندر بشهوة بغيضة. مصنع الإشاعات دمشق، وأجهزة مخابراتها، ثم يأتي دور الأكشاك الملونة في بيروت، التي يسمونها صحفا، كي تعيد تدوير صناعة الكذب إلى خارج الحدود!
بشار الاسد يعرف بندر أكثر من غيره، لذلك توسل للملك عبد الله في بداية الخلاف مع سورية ألا يرسل له بندر مفاوضا مرة اخرى. ونظرا لاعتبارات قومية وعربية، رأى الكبير الملك الحاكم إعطاء بشار فرصة تلو الأخرى، قبل ان تحترق المراكب على الضفاف، وتصبح العودة مستحيلة والذهاب انتحارا.
حين قرر ديفيد آتووي، صحافي «الواشنطن بوست» الكبير، الكتابة عن بندر، التقيته في الرياض. تحدثنا عن قصة الكتاب، والمشروع، ثم طفنا في حديث الحاضر، والمستقبل. تكلم عن غيابات «السفير السوبر» في التسعينات، إبان حقبة كلينتون، وحين سأل آتووي بندر عن سبب قضائه معظم الوقت خارج واشنطن حينها، قال له بثقة: «لم تعد هنالك جبال أتسلقها»، وهي إشارة إلى الأدوار التي لعبها، وهدأت مؤقتا، بعد تحطم الاتحاد السوفياتي.
رغم كمية الأضواء الكبيرة المسلطة عليه، لا يحب الأمير السعودي المثير للجدل، العمل تحت الأضواء. شخص مثله يتعبه الضوء، والنور، فقد تعوّد العمل خلال ثلاثين عاماً، تحت السُتُر والستار، والحُجّاب والحُجُب.
خلال الأشهر الفائتة، وفي مقر إقامته الرائع، في مرّاكش الحمراء، على أطراف ضاحية النخيل الهادئة، كان الأمير الذي لازمه سوء الطالع طبيّاً، يتعافى من آثار عمليات جراحية، وصلت إلى حد ست عمليات خلال عامين، بدلاً من عملية واحدة كانت مقررة مسبقاً، ويمارس الرياضة بانتظام. مع ذلك لا يزال لديه الشغف في العمل، وخدمة بلاده، وإغاظة شانئيه، وهم كثر.
قدم الأمير بندر الكثير لبلاده خلال مسيرته التي جاوزت ثلاثين عاما: طيارا حربياً، وملحقاً عسكرياً، وسفيرا في أهم عاصمة في الدنيا، وأمامه الان التحديات ذاتها التي واجهها طوال ربع قرن: الأمن القومي السعودي، على محاور إيران العراق سورية، ثم يضاف إليهما قطر واليمن، تحديث القدرات العسكرية، حشد التأييد الدولي لموقف المملكة في المنطقة.
عند الحديث عن الأمير العائد، لابد من جرس تنبيه لمن يجهل، أنه سواء ظهر بندر أو غاب، فإن الاستراتيجية واحدة، لا تتغير، ولا أحد في السعودية كلها، أسرة وشعبا، يساوم على الحدود، أو يمكن أن يفكر، أن تلك العواصم المخادعة طوال تاريخها، يمكن أن تكون عواصم شقيقة!
*سلطان القحطاني - كاتب سعودي
تعليق