في ظل الأداء الهزيل ومحدودية الرؤية
تنامي وتزايد خسائر سلاح الدروع العراقي
تنامي وتزايد خسائر سلاح الدروع العراقي
تواجه القوات العراقية الحكومية المزيد من الخسائر في قواتها المدرعة وذلك أثناء تقدمها لتحرير المناطق التي يسيطر على المنتفضين السنة في مناطق بيجي وديالى وصلاح الدين وتكريت وغيرها من مناطق المثلث السني الملتهبة . القوات العراقية النظامية لا تزال تستخدم تكتيكات خاطئة ومكلفة خلال عملياتها المتقدمة ، تكتيكات يشوبها التردد والخوف والحذر من المجهول !! فقد أعد المعارضون السنة في مناطقهم الكثير من الكمائن المحكمة Ambushes وزرعوا الأرض التي يخبرونها جيداً بمئات العبوات والشحنات الناسفة لمواجهة القوات والدوريات العراقية الصاعدة والراجلة وأوقعوا بها خسائر وإصابات كبيرة . كمائن سريعة ومحكمة نفذت من قبل مجموعات صغيرة لا يتجاوز عددها بضعة عشرات من المقاتلين ، قسموا عادة إلى عناصر دعم ناري وأخرى هي مجموعة الهجوم assault group . أكثر الهجمات بدأت بنيران الأسلحة الخفيفة والمتوسطة الموضوع على عربات النقل الخفيفة ، تليت بعد ذلك بوابل من الأسلحة الكتفية المضادة للدبابات . في الغالب هؤلاء المقاتلين لا يحملون أسلحة دعم ناري ثقيلة ، بل هم يعتمدون على مدافع الهاون الخفيفة والمتوسطة العيار التي يسهل نقلها عبر شتى التضاريس . مدافع الهاون Mortars ، بغض النظر عن طريقة أو وسيلة النقل ، هي أسلحة زاوية عالية ، بمعني أن القذيفة تذهب عالياً فوق قبل أن تبدأ من جديد في الانحدار والهبوط . سلاح الهاون صمم في الحرب العالمية الأولى لتوفير نيران صاعدة ونازلة على خنادق العدو trenches حيث واجهت المدفعية صعوبة في ضربها . الحقيقة الأخرى هي أن خفة وزنهم جعلتها سلاحاً مثالياً لأفراد المشاة حيث تطلب الأمر نيراناً غير مباشرة indirect fire . لقد مال المقاتلون للانتشار في مجموعات صغيرة نسبياً مع المحافظة على حركيتهم وسرعة تنقلهم ، لجعل النيران المضادة غير مؤثرة . القوات الحكومية في معظم الحالات فضلت الهروب والتقهقر بدلاً من مواجهة الموقف ، وتركت أسلحتها الخفيفة والثقيلة في أرض المعركة !! ومن المفيد التوضيح هنا أن إن القادة الجيدين هم الذين لا يلقون بجنودهم ووحداتهم العسكرية إلى خطوط مواجهة العدو فحسب ، بل إن إجراء العمليات القتالية يجب أن يخضع للتخطيط والتنسيق coordination المسبق بين مجمل الوحدات والأسلحة . فعندما تتحرك الوحدات المقاتلة وتتقدم ، هي لابد أن تبدأ وتنطلق من مكان ما لتبلغ مواضع العدو ، هذا المكان هو الموضع الذي يمكن للعدو فيه أن يحقق معظم الخسائر والأضرار للمهاجمين .
لقد إستفادت قوات المعارضة العراقية من معلوماتها الإستخباراتية الدقيقة التي كانت تصلها بشكل مسبق وعاجل !! واستخدمت أفراد الكشافة scouts لاستطلاع ومراقبة حركة القوات الحكومية ، حيث حرص المراقبين الأماميين المتخفين على نقل جميع تفاصيل القوافل العسكرية المارة ، مثل عددها وأنواع العربات المستخدمة وخط السير المزمع . في الحقيقة القوات الحكومية كانت على الدوام تحت الملاحظة الثابتة والمتواصلة constant observation . بالنتيجة ، هو كان مستحيل تقريباً على هذه القوات استغلال عنصر المفاجأة أو المباغتة . في العديد من المناطق (كما هو الحال مع طريق سامراء/تكريت) هذه القوات تعرضت للكمائن التي تولتها خلايا التلغيم وزرع متفجرات الطريق IED في المناطق المزروعة (أدوات IED كانت السبب الرئيس والأول لحالات الوفيات بين القوات الحكومية في العراق) حيث تعقب أفراد هذه الخلايا وتقصوا حركة تقدم الدوريات العراقية في المنطقة ، وأعطوا إشارة التفجير . الإنكسار كما عرضته صور المقاومة العراقية شمل أيضاً الدبابات العراقية الأحدث من طراز أبرامز !! التي بدت عاجزة على ما يبدو من تقديم الدعم المطلوب بسبب محدودية خبرة أطقمها !! فتلقت هي الأخرى ضربات موجعة ، وأحياناً كثيرة بأسلحة بدائية مثل المولوتوف !!
الأحداث المتسارعة منذ نحو الشهر أو أكثر بقليل أثبتت أن القوات الحكومية العراقية لا تجيد فن استخدام جميع أنظمة الأسلحة المختلفة مع بعضها البعض بطريقة فعالة ومدمرة ضمن مصطلح أو مفهوم "الأسلحة المشتركة" Combined arms . كان على القادة العراقيين إستثمار قواتهم المدرعة وإعطاء مجال أكبر لسلاح الدبابات بما يمتلكه من قابلية حركة تكتيكية tactical mobility وقوة نيران وحماية مدرعة ، لإنجاز دوره الريادي كرأس حربة لقواتهم المتقدمة .. ولا تشكل الدبابات والمشاة الجزء الوحيد المدمج في فريق الأسلحة المشتركة ، فهناك عربات النقل ، بطاريات المدفعية ، المروحيات ، المقاتلات النفاثة وغيرها ، مما يشكل فريق أسلحة مشتركة متكامل ، بحيث ينجز كل عنصر دوره الحاسم في المعركة . مدافع الهاون ومدفعية الهاوتزر الثقيلة يمكن أن تقصف الأهداف المحددة وتوقع الإصابات بقوات العدو قبل هجوم وتقدم القوة المدرعة . تمتلك المدفعية والهاونات والأسلحة المساندة الأخرى ، قابلية متميزة وفاعلة على دعم معركة الأسلحة المشتركة supporting arms . فهم قادرون على إيصال نيران مقذوفاتهم لمسافات بعيدة نسبية دون الحاجة لاتصال بصري مباشر من أهدافهم ، فهم يمكن أن يكونوا خطرين لدرجة أكبر على المديات الأبعد في ذات الوقت الذي لا يكون من الضروري لهم رؤية الهدف لقتله . ومع تقدير أو تقرير موقع الهدف وموقعه الخاص ، هم يمكن أن يقرروا زاوية ارتفاع السلاح المناسبة وأي اتجاه وكم عدد شحنات الدافع المتطلبة للوضع خلف المقذوف . ويساهم المسار القوسي للمقذوفات في تجاوز العقبات والتلال والأشجار والموانع الأخرى للسقوط على موقع العدو ، حيث تتفاوت أنواع الذخيرة المستخدمة من القذائف شديدة الإنفجار (يمكن أن تخلق وتحدث حفر كبيرة وشظايا كثيرة ، التي على الأرجح ستحطم المخابئ والخنادق وتصيب الأفراد المكشوفين) وصولاً حتى تلك المتخصصة لإنشاء حقول الألغام minefields (تكوين ما يماثل حقل ألغام على موقع تمركز القوات المعادية المفترضة) . حقل الألغام يشمل ألغام عديدة ، يضرب بعضها عند ارتطامه بالأرض سلك ممتد للخارج . بعد فترة زمنية محددة اللغم سيتسلح وستتسبب أي عملية إقلاق أو مقاطعة لسلك الإعثار الممتد في انفجار اللغم . وتطلق المدفعية والهاونات نيرانها في أغلب الأحيان في مجموعات من اثنتان أو أكثر ، حيث يتولى محدد المواقع spotter مسئولية إخبار مركز السيطرة على النيران FCC أو مركز توجيه النيران FDC بمواقع تواجد قوات العدو .
تكتيكات التقدم الخاطئة وضعف أداء سلاح الهندسة ووحدات الصيانة والدعم وإنحسار أو تراخي الدعم الناري Fire support ، وإهمال الدور الرئيس الذي يمكن للمروحيات إنجازه ولعبه ، كل ذلك ضاعف من معانات القوات العراقية وبالغ من خسائرها . لقد أهملت القوات العراقية أهمية الدعم الجوي القريب close air support وبالتالي إستثمار قدرات مروحياتها الجديدة من طراز Mi-35 وتوظيفها التوظيف الصحيح ، حيث كان من المفترض الإستفادة من قدرات هذه الطائرات في مرافقة القوات المتقدمة وتوفير الدعم الجوي أو البحث عن كمائن المعارضة المتقدمة ومحاولة تشتيتها . كما كان بالإمكان القيام بإنزال قوات خاصة على المناطق المشبوهة بقصد كشف الكمائن الأخرى المتسترة بالتضاريس ، ثم العودة لإلتقاط هذه القوات وإنزالها في مواقع متقدمة أخرى . هكذا يتم توفير أمن الأجنحة flank security للقوات المتقدمة حتى تجاوزها المنطقة المشبوهة .
تعليق