إن أجلّ رسالة يؤديها المرء في الحياة ، وأعظم عمل يقوم به ليرضي الله ، ويكتسب المنزلة الكريمة عند خلق الله ؛ هو دعوة الخلق إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، والقدوة الطيبة ، والخلق الكريم ، وذلك لقول الله عزَّ شأنه : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} فصلت30
وتلكم هي أعظم رسالة يقوم بها الصالحون ، نيابة عن الأنبياء والمرسلين ؛ سر قوله صلى الله عليه وسلم : {العلماءُ ورثةُ الأنبياء}{1}
وبيّن صلى الله عليه وسلم حقيقة هذا الإرث فقال : {نحنُ معاشرُ الأنبياء لا نوَرِّثُ درهماً ولا ديناراً ، وإنما نوَرِّثُ علماً ونورا}{2}
والقائمون بهذا الأمر ، والحاملون لواء هذا العمل الجليل في كل زمان ومكان ، يقول فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : {قال الله إن أوليائي من عبادي ، وأحبائي من خلقي ؛ الذين يُذْكَرُون بذكري ، وأُذْكَرُ بذكرهم}{3}
وقد نعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم أولياء الله وذلك حين سئل صلى الله عليه وسلم : من أولياء الله ؟ فقال : {الذين إذا رءوا ؛ ذُكِرَ الله}{4}
وأخبر صلى الله عليه وسلم أنهم خيار هذه الأمة ؛ وذلك حين قال : {ألا أخبركم بخياركم ؟ قالوا : بلى يارسول الله ، قال : خياركم الذين إذا رُءوا ؛ ذُكِرَ الله}{5}
وذكر صلى الله عليه وسلم حال هؤلاء القوم ، وموقفهم من الفتن التي تتعرض لها الأمة ، وأنهم المحفوظون من الفتن الموقون ؛ فقال: {إن لله عز وجل ضنائنَ من عباده يغذوهم في رحمته ، ويحييهم في عافيته ، وإذا توفَّاهم توفَّاهم إلى جنته ، أولئك الذين تمر عليهم الفتن كقطع الليل المظلم ، وهم منها في عافية}{6}
وقد وصف ذو النون المصري رضي الله عنه هؤلاء القوم ، ومنزلتهم عند الله ، ومهامهم التي يقومون بها لخلق الله ؛ طلباً لمرضاة الله ؛ وذلك إجابة لسؤال أحد مريديه حيث يقول : قلت لذى النون المصري رحمه الله : صف لي الأبدال؟ فقال : {إنك لتسألني عن دياجي الظلم ؛ لأكشفنها لك يا عبدالباري : هم قوم ذكروا الله عز وجل بقلوبهم ؛ تعظيماً لربهم لمعرفتهم بجلاله ؛ فهم حجج الله على خلقه
ألبسهم النور الساطع من محبته ، ورفع لهم أعلام الهداية إلى مواصلته ، وأقامهم مقام الأبطال لإرادته ، وأفرغ لهم الصبر عن مخالفته ، وطهَّر أبدانهم بمراقبته ، وطيَّبهم بطيب أهل مجاملته، وكساهم حللا من نسج مودته ، ووضع على رؤسهم تيجان مسرته ، ثم أودع القلوب من ذخائر الغيوب ؛ فهي معـــلقة بمواصلته ، فهمومهم إليه ثائرة ، وأعينهم إليه بالغيب ناظرة ، قد أقامهم على باب النظر من قربه ، وأجلسهم على كراسي أطباء أهل معرفته ثم قال :
إن أتاكم عليلٌ من فقري فداووه ، أو مريضٌ من فراقي فعالجوه ، أو خائفٌ مني فأمِّنوه ، أو آمنٌ مني فحذِّروه ، أو راغبٌ في مواصلتي فهنِّئوه ، أو راحلٌ نحوي فزوِّدوه ، أو جبانٌ في متاجرتي فشجِّعوه ، أو آيسٌ من فضلي فعدوه ، أو راجٍ لإحساني فبشِّروه ، أو حسنُ الظن بي فباسطوه، أو محبٌ لي فواظبوه ، أو معظمٌ لقدري فعظِّموه ، أو مستوصفكم نحوي فارشدوه ، أو مسيءٌ بعد إحسان فعاتبوه
ومن واصلكم فيَّ فواصلوه ، ومن غاب عنكم فافتقدوه ، ومن ألزمكم جناية فاحتملوه ، ومن قصرَّ في واجب حقي فاتركوه ، ومن أخطأ خطيئة فناصحوه ، ومن مرض من أوليائي فعودوه ، ومن حزن فبشِّروه ، وإن استجار بكم ملهوف فأجيروه
يا أوليائى : لكم عاتبت ، وفيّ إياكم رغَّبت ، ومنكم الوفاء طلبت ، ولكم اصطفيت وانتخبت ، ولكم استخدمت واختصصت ؛ لأني لا أحب استخدام الجبارين ، ولا مواصلة المتكبرين ، ولا مصافاة المخلِّطين ، ولا مجاوبة المخادعين ، ولا قرب المعجبين ، ولا مجالسة البطَّالين ، ولا موالاة الشرهين
يا أوليائى : جزائي لكم أفضل الجزاء ، وعطائي لكم أجزل العطاء ، وبذلى لكم أفضل البذل ، وفضلي عليكم أكثر الفضل ، ومعاملتي لكم أوفى المعاملة ، ومطالبتي لكم أشد المطالبة
أنا مجتبي القلوب ، وانا علام الغيوب ، وأنا مراقب الحركات ، وأنا ملاحظ اللحظات ، أنا المشرف على الخواطر ، أنا العالم بمجال الفكر ؛ فكونوا دعاةً إلي ، لا يفزعكم ذو سلطان سوائي ، فمن عاداكم عاديته ، ومن والاكم واليته ، ومن آذاكم أهلكته ، ومن أحسن إليكم جازيته ، ومن هجركم قليته}
وإلى جانب الدعوة إلى الله ، فللصالحين رسالة اجتماعية عظيمة ، يقوم أساسها على نشر المحبة والمودة بين الناس ، واقتلاع جذور الأحقاد والشحناء والإحن من النفوس ، والسعي للإصلاح بين المتخاصمين ، ونشر التكافل الإجتماعي ، وإحياء القيم الإسلامية بالقدوة الطيبة والأخلاق الكريمة ، ومقاومة التيارات المادية والإلحادية كالوجودية والعلمانية
وأعظم ما في رسالة الصالحين أنها تربِّي الفرد تربية أخلاقية مثالية ، وعن طريق تربية الأفراد الفاضلة نصل إلى مجتمع متكامل متكافل
فليتنا معشر المسلمين والمؤمنين في هذا الزمان نطرح الخلافات السطحية والشخصية جانباً ، ونتخلى عن العصبيات المذهبية والطائفية ونتكاتف ونتعاون ونضع أيدينا في أيدي بعض لنعلي شأن دين الله ، ونعمل على تطبيق شرع الله ، وتنفيذ سنة حبيبه ومصطفاه ، لا طمعاً في زخارف فانية ، أو مناصب دانية ، وإنما طمعاً في رضاء الله جلَّ في علاه
وتلكم هي أعظم رسالة يقوم بها الصالحون ، نيابة عن الأنبياء والمرسلين ؛ سر قوله صلى الله عليه وسلم : {العلماءُ ورثةُ الأنبياء}{1}
وبيّن صلى الله عليه وسلم حقيقة هذا الإرث فقال : {نحنُ معاشرُ الأنبياء لا نوَرِّثُ درهماً ولا ديناراً ، وإنما نوَرِّثُ علماً ونورا}{2}
والقائمون بهذا الأمر ، والحاملون لواء هذا العمل الجليل في كل زمان ومكان ، يقول فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : {قال الله إن أوليائي من عبادي ، وأحبائي من خلقي ؛ الذين يُذْكَرُون بذكري ، وأُذْكَرُ بذكرهم}{3}
وقد نعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم أولياء الله وذلك حين سئل صلى الله عليه وسلم : من أولياء الله ؟ فقال : {الذين إذا رءوا ؛ ذُكِرَ الله}{4}
وأخبر صلى الله عليه وسلم أنهم خيار هذه الأمة ؛ وذلك حين قال : {ألا أخبركم بخياركم ؟ قالوا : بلى يارسول الله ، قال : خياركم الذين إذا رُءوا ؛ ذُكِرَ الله}{5}
وذكر صلى الله عليه وسلم حال هؤلاء القوم ، وموقفهم من الفتن التي تتعرض لها الأمة ، وأنهم المحفوظون من الفتن الموقون ؛ فقال: {إن لله عز وجل ضنائنَ من عباده يغذوهم في رحمته ، ويحييهم في عافيته ، وإذا توفَّاهم توفَّاهم إلى جنته ، أولئك الذين تمر عليهم الفتن كقطع الليل المظلم ، وهم منها في عافية}{6}
وقد وصف ذو النون المصري رضي الله عنه هؤلاء القوم ، ومنزلتهم عند الله ، ومهامهم التي يقومون بها لخلق الله ؛ طلباً لمرضاة الله ؛ وذلك إجابة لسؤال أحد مريديه حيث يقول : قلت لذى النون المصري رحمه الله : صف لي الأبدال؟ فقال : {إنك لتسألني عن دياجي الظلم ؛ لأكشفنها لك يا عبدالباري : هم قوم ذكروا الله عز وجل بقلوبهم ؛ تعظيماً لربهم لمعرفتهم بجلاله ؛ فهم حجج الله على خلقه
ألبسهم النور الساطع من محبته ، ورفع لهم أعلام الهداية إلى مواصلته ، وأقامهم مقام الأبطال لإرادته ، وأفرغ لهم الصبر عن مخالفته ، وطهَّر أبدانهم بمراقبته ، وطيَّبهم بطيب أهل مجاملته، وكساهم حللا من نسج مودته ، ووضع على رؤسهم تيجان مسرته ، ثم أودع القلوب من ذخائر الغيوب ؛ فهي معـــلقة بمواصلته ، فهمومهم إليه ثائرة ، وأعينهم إليه بالغيب ناظرة ، قد أقامهم على باب النظر من قربه ، وأجلسهم على كراسي أطباء أهل معرفته ثم قال :
إن أتاكم عليلٌ من فقري فداووه ، أو مريضٌ من فراقي فعالجوه ، أو خائفٌ مني فأمِّنوه ، أو آمنٌ مني فحذِّروه ، أو راغبٌ في مواصلتي فهنِّئوه ، أو راحلٌ نحوي فزوِّدوه ، أو جبانٌ في متاجرتي فشجِّعوه ، أو آيسٌ من فضلي فعدوه ، أو راجٍ لإحساني فبشِّروه ، أو حسنُ الظن بي فباسطوه، أو محبٌ لي فواظبوه ، أو معظمٌ لقدري فعظِّموه ، أو مستوصفكم نحوي فارشدوه ، أو مسيءٌ بعد إحسان فعاتبوه
ومن واصلكم فيَّ فواصلوه ، ومن غاب عنكم فافتقدوه ، ومن ألزمكم جناية فاحتملوه ، ومن قصرَّ في واجب حقي فاتركوه ، ومن أخطأ خطيئة فناصحوه ، ومن مرض من أوليائي فعودوه ، ومن حزن فبشِّروه ، وإن استجار بكم ملهوف فأجيروه
يا أوليائى : لكم عاتبت ، وفيّ إياكم رغَّبت ، ومنكم الوفاء طلبت ، ولكم اصطفيت وانتخبت ، ولكم استخدمت واختصصت ؛ لأني لا أحب استخدام الجبارين ، ولا مواصلة المتكبرين ، ولا مصافاة المخلِّطين ، ولا مجاوبة المخادعين ، ولا قرب المعجبين ، ولا مجالسة البطَّالين ، ولا موالاة الشرهين
يا أوليائى : جزائي لكم أفضل الجزاء ، وعطائي لكم أجزل العطاء ، وبذلى لكم أفضل البذل ، وفضلي عليكم أكثر الفضل ، ومعاملتي لكم أوفى المعاملة ، ومطالبتي لكم أشد المطالبة
أنا مجتبي القلوب ، وانا علام الغيوب ، وأنا مراقب الحركات ، وأنا ملاحظ اللحظات ، أنا المشرف على الخواطر ، أنا العالم بمجال الفكر ؛ فكونوا دعاةً إلي ، لا يفزعكم ذو سلطان سوائي ، فمن عاداكم عاديته ، ومن والاكم واليته ، ومن آذاكم أهلكته ، ومن أحسن إليكم جازيته ، ومن هجركم قليته}
وإلى جانب الدعوة إلى الله ، فللصالحين رسالة اجتماعية عظيمة ، يقوم أساسها على نشر المحبة والمودة بين الناس ، واقتلاع جذور الأحقاد والشحناء والإحن من النفوس ، والسعي للإصلاح بين المتخاصمين ، ونشر التكافل الإجتماعي ، وإحياء القيم الإسلامية بالقدوة الطيبة والأخلاق الكريمة ، ومقاومة التيارات المادية والإلحادية كالوجودية والعلمانية
وأعظم ما في رسالة الصالحين أنها تربِّي الفرد تربية أخلاقية مثالية ، وعن طريق تربية الأفراد الفاضلة نصل إلى مجتمع متكامل متكافل
فليتنا معشر المسلمين والمؤمنين في هذا الزمان نطرح الخلافات السطحية والشخصية جانباً ، ونتخلى عن العصبيات المذهبية والطائفية ونتكاتف ونتعاون ونضع أيدينا في أيدي بعض لنعلي شأن دين الله ، ونعمل على تطبيق شرع الله ، وتنفيذ سنة حبيبه ومصطفاه ، لا طمعاً في زخارف فانية ، أو مناصب دانية ، وإنما طمعاً في رضاء الله جلَّ في علاه
(1) صحيح ابن حبان و سنن أبن ماجه عن أبي الدرداء (2) سنن أبي داود عن أبي الدرداء ، حلة الأولياء (3) رواه أبو نعيم عن عمرو بن الجموح {4} الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البزار - المصدر: الأحكام الشرعية الكبرى - الصفحة أو الرقم: 3/293 ، (5) أسماء بنت يزيد فى سنن إبن ماجه {6} الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البوصيري - المصدر: إتحاف الخيرة المهرة - الصفحة أو الرقم:8/74
تعليق