أنور مالك- الخليج أونلاين
شخص ظل يتواصل معي لمدة فاقت الثلاثة أشهر على أساس أنه أحد أمراء تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروف اختصاراً بـ"داعش" في سوريا، وكان يحدثني عن أمور البلد بدقّةٍ متناهيةٍ لا نظير لها، بل دائماً يحذّرني من التطاول على "المجاهدين". وصل حدّ تبليغي في أحد المرات بأنهم حكموا عليّ بالردة بسبب عملي مع الأمم المتحدة والجامعة العربية.قضى هذا "الأمير" أوقاتاً وهو يصول ويجول في توزيع الاتهامات على السعودية وحكامها وعلمائها، وحتى شعبها لم يسلم منه، ويتهم آل سعود بدعم المشروع الإيراني في المنطقة.في إحدى المرات، وبالتنسيق مع المشرف التقني على موقعي الإلكتروني، تمّ استدراجه بطريقةٍ ذكيةٍ للغايةٍ لم ينتبه لها، فاكتشفنا أن هذا الشخص كان في ذلك اليوم يتحدّث معنا من ضواحي العاصمة الإيرانية.
أعدنا العملية عدة مرات وتأكدنا أنه دائماً يوجد في إيران وليس بمكان آخر.ولما واجهته بالأمر اضطرب في البداية وزعم أنه يخشى المخابرات السورية لذلك قام بتغيير رقم "الأيبي" الخاص به عبر برامج "بروكسي"، ولما قلت له عن أيّ أجهزة يتحدث وهو يوجد في "خلافة" تمتد من الموصل العراقية إلى الرقة السورية ومساحتها أكثر من عدة دول؟ تلعثم وراح يقول إنه من أنصار "المجاهدين" لكنه سيعترف لي بوجوده في مكة المكرمة ويخشى الأجهزة الأمنية السعودية من ملاحقته.هذا الشخص كانت لديه حسابات في "فيسبوك" و"تويتر" وكان يشيد بتنظيم "داعش" ويحرّض الشباب، وخاصة السعوديين منهم، على الالتحاق بالدولة الإسلامية والتمرّد على حكامهم، والعمل على "تحرير" الحجاز من المشركين والمنافقين والمرتدّين على حدّ تعبيره، ولكن بمجرّد أن اكتشفت أمره قطع اتصاله بي نهائياً، وحتى حساباته في شبكات التواصل الاجتماعي أغلقها ولم يعد لها أثر، ويبدو أنه فتح حساباتٍ أخرى بهويات جديدة ليواصل رسالته هذه.
القصة التي رويتها، ويوجد غيرها الكثير، تعبّر عن نفسها وتؤكد حجم ما يحاك عبر شبكات التواصل الاجتماعي من مخططات قذرة لتغليط الرأي العام وتوجيهه، وحتى توريطه في أمور تخدم جهات وجدت مصالحها تتحقق عبر هذه المستنقعات النجسة.لقد توفّرت لدي معلومات من مصادر مهمة أنه توجد مكاتب استخباراتية في إيران ولبنان والعراق وسوريا، أوكلت لها مهمة النشاط على شبكة الإنترنت بهويات مستعارة، أو تنتحل أسماء أشخاص من الخليج عموماً، ومن السعوديين بصفة أخص؛ من أجل تحريضهم على الالتحاق بتنظيمات كـ"داعش" وغيرها،
وعندما حذّرت الشباب السعودي من هذه الشباك التي تحاك لهم تعرّضت لحملات منظمة من جهات أغلبيتها الساحقة تحمل هويات مزيفة أو مستعارة، تكيل لي الاتهامات وتنسب لي حسابات مزيفة في الفيسبوك وتويتر، كما تستغل أيضاً مقالات مفبركة تنسبها لي وأخرى جرى التلاعب في محتواها من قبل جهات مجهولة، ودسّت فيها فقرات تطعن في هذا أو ذاك،
\
وسبق أن ندّدت بهذا التزوير والتلفيق منذ أكثر من سنتين.حتى وثائق مخابرات بشار الأسد التي حصلت عليها من مصادر موثوقة لا يرقى لها الشك، فيها الكثير من الإشارات الواضحة تؤكد وجود مخطط لاستدراج الشباب المتديّن من كل أنحاء العالم، وخاصة السعودي، إلى مستنقع كان يريد النظام ومعه إيران صناعته وذلك من أجل تحويل مسار الثورة نحو بؤرة نزاع مع جماعات مصنّفة دولياً في قوائم الإرهاب.
الحملة القذرة لا يهمّني أصلاً محتواها بقدر ما أريد الاستفادة من أفقها، والتي ازدادت حدّتها بسبب تغريداتي عبر حسابي في تويتر حول ما رأيته أثناء أدائي لفريضة الحج العام الماضي (1434) ضمن حملة الراجحي، وليس مع "ضيوف الملك" كما يدّعون، حيث أشدت فيها برجال الأمن الذين قدّموا خدمات جليلة وسهروا على رعاية ضيوف الرحمن. الغريب أن الحملة التي استهدفتني جمعت ما بين شبّيحة الأسد وصفويين من الفرس والعرب وحتى "معارضين" في الغرب، وهكذا ألّف بين قلوبهم ذلك الحقد على كيان الدولة السعودية وعلى شخصي المتواضع، بطريقة توحي أن غايتهم واحدة من كل الصراعات التي يفتعلونها.الذين يتحاملون عليّ يرون شهادتي بحق رجال الأمن هي خدمة للنظام السعودي فقط حسب زعمهم، وكأن رجال الأمن الذين تحدثت عنهم هم من الأسرة الحاكمة وليسوا من عموم أبناء الشعب السعودي، الذي يدّعي البعض أنهم يدافعون عنه في معارضتهم لآل سعود.
كما أن منطق المعارضة الأعوج هذا لا يمكن أن يأتي بنتيجة، ما داموا يريدون أن نتحدث عن السلبيات حصرياً كي نخدم أجندتهم، أما الإيجابيات فيجب أن نتجاهلها أو نزوّرها حتى يتم الانتقام من الحكام. وهذا من أكبر الأخطاء التي لا يمكن أن أقع فيها، فقد توقعت أن الذين يحسبون أنفسهم من "المعارضة السعودية" سيقولون إن رجال الأمن الذين يكلّفون بخدمة حجاج بيت الله الحرام، يُختارون بعناية فائقة من طرف الجهات الوصيّة، حيث لا ينتدب للمهمة المقدّسة إلا المتديّنون وأصحاب الأخلاق العالية، وذلك في إطار استغلال – إن صحّ التعبير - موسم الحج الذي يأتيه الناس من كل فج عميق، وهذه أفضل فرصة للدعاية الإعلامية ونشر صورة مثالية عن الأمن السعودي في كل العالم، وهو عكس ما يجري في المخافر والسجون، كما قالوا في هجوماتهم على شخصي، رغم أن حديثي عن أمن يعمل في الحرم وليس في الزنازين التي لم أزرها ولا عندي شهادات موثقة حتى أحكم عليها.أدرك أنهم لو قالوا ذلك لكانت شهادة منهم أن الأجهزة الأمنية فيها الصالح والطالح، وهذه هي الحقيقة عن كل المؤسسات الأمنية العربية التي لا تخلو من الشرفاء دائماً،
ولكن بحكم منطقهم فهم لا يريدون أن يسمعوا أخباراً عن الصالحين، بل كل ما يهم أخذ هذا بجريرة ذاك وتعميم الصورة السوداوية فقط لتحقيق مآربهم من معارضة يتبنونها لحسابات شخصية، وليست سياسية تحتاج إلى الكثير من الفهم والوعي لم يصل له بعد أمثال هؤلاء.ترى ماذا يريدون منّي؟هل وجب علي أن أعود من الحج كيوم ولدتني أمي كما يرجو كل حاج من ربّه،
وبعدها أشهد الزور أو أفتري على رجال أمن لم أر منهم غير الخير؟للأسف الكثير من المعارضات العربية لا تفرق بين الوطن وحاكمه، لذلك تحاملوا عليّ لما غرّدت محذّراً الشعب السعودي من مخططات ماكرة تستهدف أبناءهم، ولا أدري سبب غضبهم من تحذيرات تخدم أمن الوطن واستقراره، فإما أنني كشفتهم لأنهم يعملون لصالح هذا المخطط التدميري، أو أنهم يريدون تخريب الوطن بسبب كراهيتهم لحكامه ذات الخلفيات الشخصية في أغلبها، أو أنهم جاهلون لا يفهمون في السياسة إلا كما أفهم أنا في جراحة العيون.
زعموا أنني أقيم في السعودية وهو شرف لم أحظ به، مع العلم أن آخر تأشيرة نلتها منذ أشهر كانت للعمرة وقضيت أياماً حينها بين مكة المكرمة والمدينة المنوّرة مثلي مثل عموم الناس، وسبقتها تأشيرتان بدعوة من قناة "وصال" الفضائية حيث سجّلت حلقات تلفزيونية معهم.
لقد ذهلت من مدى الحقد على بلاد الحرمين والذي زاد في يقيني أن ما أقوم به هو عين الصواب، ولن أتوقف مهما كالوا التهم وتفنّنوا بما هو موجود فيهم وينضح منهم، ليس تزلّفاً للحكام وليس من أخلاقي ولا عادتي ذلك ولو أردت فعلها لفعلتها مع بلدي الجزائر أو في سوريا وقد عرضوا الكثير، إنما انتصاراً لله أولاً ثم للحق والحقيقة.
أذكر في هذا السياق أن عقيداً في المخابرات السورية كان مسؤولاً عن أمن بعثة مراقبي الجامعة العربية، اتصل بي هاتفياً بعد مغادرتي دمشق وعرض علي أن أطلب ما أريد من الأموال وستصلني فوراً حيثما أكون، مقابل أن أتراجع في شهادتي وأعتذر لرئيسه بشار الأسد، فقلت له: "أطلب منك أمراً"، فقال بصوت متهلل: "تفضّل نحن في خدمتك"، فقلت له: "اضمن لي أن أعيش سنوات حتى أستمتع بكل تلك الأموال"، فرد: "نحن لن نقتلك بل سنفتح لك آفاقاً أخرى تفيدك في حياتك". فقلت له: "ليس هذا قصدي لكن أخشى أن أموت حتى بزكام أو صداع في الرأس ولا أستمتع بالأموال التي سآخذها منكم". قال: "الأعمار بيد الله ولا تضيّع الفرصة،
وحتى إن رحلت من الدنيا ستترك لأسرتك ثروة طائلة". فأجبته: "بل سأحمل معي ذنبي إلى قبري، وأترك العار لأسرتي، عندما يكبر أطفالي سيخجلون من تاريخ أبيهم الذي انتصر للحق ولم يثبت، فباع نفسه للباطل مقابل المال الحرام".بعد فترة من تهديدات مسّت حتى عرضي، اخترقوا موقعي الشخصي على شبكة الإنترنت ولفّقوا رسالة اعتذار لبشار الأسد، وبسببها اتصلت بي حينها مسؤولة من قناة رجل الأعمال رامي مخلوف ابن خالة الأسد وعرضت علي أن أكون في ضيافتهم مقابل "هدايا" ثمينة يكرمونني بها، وكان ردّي حينها: "والله الذي رفع السماء بغير عمد لو أن بشار الأسد يعيد شهداء الثورة للحياة ويعتذروا له ما اعتذرت؛ لأنني كنت شاهد عيان على جرائمه".الدولة لا تعني حاكماً ولا إقليماً ولا شعباً، بل تعني الثلاثة معاً كما قال ابن خلدون، وأنا لما أدافع عن الجزائر أو السعودية أو قطر أو مصر أو أي دولة أخرى من العالم العربي والإسلامي، فأنا أدافع عن وجود بلد يراد تفتيته أو محوه من الخريطة وليس عن أهواء أشخاص أو جماعات أو تنظيمات أو أحزاب، مهما كان شأنهم سواء في الحكم أو المعارضة.
في الأخير للعبرة يحكى أن الزعيم الهندي غاندي، الذي حرّر بلاده من الاحتلال الأجنبي، كان يجري للحاق بقطار شرع في السير، وعند صعوده سقطت إحدى فردتي حذائه، فما كان منه إلا أن أسرع بخلع الفردة الثانية ورماها بجوار الفردة الأولى على السكة.فتعجب أحد أصدقائه وسأله: "لماذا رميت فردة الحذاء الأخرى؟"فأجاب غاندي بأنه أفضل للذي سيجد الحذاء أن يجد فردتين معاً فيستطيع الانتفاع بهما فلو وجد فردة واحدة فلن تفيده، ولا أفادت غاندي إن بقيت معه الفردة الأخرى أيضاً.هكذا هو منطق المناضلين الحقيقيين الذين يفكرون في التغيير وصناعة مستقبل بلادهم، ويوجد الكثير من القصص الرائعة في تاريخنا الإسلامي يحتاجها هؤلاء الأدعياء... وللحديث بقيه
شخص ظل يتواصل معي لمدة فاقت الثلاثة أشهر على أساس أنه أحد أمراء تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروف اختصاراً بـ"داعش" في سوريا، وكان يحدثني عن أمور البلد بدقّةٍ متناهيةٍ لا نظير لها، بل دائماً يحذّرني من التطاول على "المجاهدين". وصل حدّ تبليغي في أحد المرات بأنهم حكموا عليّ بالردة بسبب عملي مع الأمم المتحدة والجامعة العربية.قضى هذا "الأمير" أوقاتاً وهو يصول ويجول في توزيع الاتهامات على السعودية وحكامها وعلمائها، وحتى شعبها لم يسلم منه، ويتهم آل سعود بدعم المشروع الإيراني في المنطقة.في إحدى المرات، وبالتنسيق مع المشرف التقني على موقعي الإلكتروني، تمّ استدراجه بطريقةٍ ذكيةٍ للغايةٍ لم ينتبه لها، فاكتشفنا أن هذا الشخص كان في ذلك اليوم يتحدّث معنا من ضواحي العاصمة الإيرانية.
أعدنا العملية عدة مرات وتأكدنا أنه دائماً يوجد في إيران وليس بمكان آخر.ولما واجهته بالأمر اضطرب في البداية وزعم أنه يخشى المخابرات السورية لذلك قام بتغيير رقم "الأيبي" الخاص به عبر برامج "بروكسي"، ولما قلت له عن أيّ أجهزة يتحدث وهو يوجد في "خلافة" تمتد من الموصل العراقية إلى الرقة السورية ومساحتها أكثر من عدة دول؟ تلعثم وراح يقول إنه من أنصار "المجاهدين" لكنه سيعترف لي بوجوده في مكة المكرمة ويخشى الأجهزة الأمنية السعودية من ملاحقته.هذا الشخص كانت لديه حسابات في "فيسبوك" و"تويتر" وكان يشيد بتنظيم "داعش" ويحرّض الشباب، وخاصة السعوديين منهم، على الالتحاق بالدولة الإسلامية والتمرّد على حكامهم، والعمل على "تحرير" الحجاز من المشركين والمنافقين والمرتدّين على حدّ تعبيره، ولكن بمجرّد أن اكتشفت أمره قطع اتصاله بي نهائياً، وحتى حساباته في شبكات التواصل الاجتماعي أغلقها ولم يعد لها أثر، ويبدو أنه فتح حساباتٍ أخرى بهويات جديدة ليواصل رسالته هذه.
القصة التي رويتها، ويوجد غيرها الكثير، تعبّر عن نفسها وتؤكد حجم ما يحاك عبر شبكات التواصل الاجتماعي من مخططات قذرة لتغليط الرأي العام وتوجيهه، وحتى توريطه في أمور تخدم جهات وجدت مصالحها تتحقق عبر هذه المستنقعات النجسة.لقد توفّرت لدي معلومات من مصادر مهمة أنه توجد مكاتب استخباراتية في إيران ولبنان والعراق وسوريا، أوكلت لها مهمة النشاط على شبكة الإنترنت بهويات مستعارة، أو تنتحل أسماء أشخاص من الخليج عموماً، ومن السعوديين بصفة أخص؛ من أجل تحريضهم على الالتحاق بتنظيمات كـ"داعش" وغيرها،
وعندما حذّرت الشباب السعودي من هذه الشباك التي تحاك لهم تعرّضت لحملات منظمة من جهات أغلبيتها الساحقة تحمل هويات مزيفة أو مستعارة، تكيل لي الاتهامات وتنسب لي حسابات مزيفة في الفيسبوك وتويتر، كما تستغل أيضاً مقالات مفبركة تنسبها لي وأخرى جرى التلاعب في محتواها من قبل جهات مجهولة، ودسّت فيها فقرات تطعن في هذا أو ذاك،
\
وسبق أن ندّدت بهذا التزوير والتلفيق منذ أكثر من سنتين.حتى وثائق مخابرات بشار الأسد التي حصلت عليها من مصادر موثوقة لا يرقى لها الشك، فيها الكثير من الإشارات الواضحة تؤكد وجود مخطط لاستدراج الشباب المتديّن من كل أنحاء العالم، وخاصة السعودي، إلى مستنقع كان يريد النظام ومعه إيران صناعته وذلك من أجل تحويل مسار الثورة نحو بؤرة نزاع مع جماعات مصنّفة دولياً في قوائم الإرهاب.
الحملة القذرة لا يهمّني أصلاً محتواها بقدر ما أريد الاستفادة من أفقها، والتي ازدادت حدّتها بسبب تغريداتي عبر حسابي في تويتر حول ما رأيته أثناء أدائي لفريضة الحج العام الماضي (1434) ضمن حملة الراجحي، وليس مع "ضيوف الملك" كما يدّعون، حيث أشدت فيها برجال الأمن الذين قدّموا خدمات جليلة وسهروا على رعاية ضيوف الرحمن. الغريب أن الحملة التي استهدفتني جمعت ما بين شبّيحة الأسد وصفويين من الفرس والعرب وحتى "معارضين" في الغرب، وهكذا ألّف بين قلوبهم ذلك الحقد على كيان الدولة السعودية وعلى شخصي المتواضع، بطريقة توحي أن غايتهم واحدة من كل الصراعات التي يفتعلونها.الذين يتحاملون عليّ يرون شهادتي بحق رجال الأمن هي خدمة للنظام السعودي فقط حسب زعمهم، وكأن رجال الأمن الذين تحدثت عنهم هم من الأسرة الحاكمة وليسوا من عموم أبناء الشعب السعودي، الذي يدّعي البعض أنهم يدافعون عنه في معارضتهم لآل سعود.
كما أن منطق المعارضة الأعوج هذا لا يمكن أن يأتي بنتيجة، ما داموا يريدون أن نتحدث عن السلبيات حصرياً كي نخدم أجندتهم، أما الإيجابيات فيجب أن نتجاهلها أو نزوّرها حتى يتم الانتقام من الحكام. وهذا من أكبر الأخطاء التي لا يمكن أن أقع فيها، فقد توقعت أن الذين يحسبون أنفسهم من "المعارضة السعودية" سيقولون إن رجال الأمن الذين يكلّفون بخدمة حجاج بيت الله الحرام، يُختارون بعناية فائقة من طرف الجهات الوصيّة، حيث لا ينتدب للمهمة المقدّسة إلا المتديّنون وأصحاب الأخلاق العالية، وذلك في إطار استغلال – إن صحّ التعبير - موسم الحج الذي يأتيه الناس من كل فج عميق، وهذه أفضل فرصة للدعاية الإعلامية ونشر صورة مثالية عن الأمن السعودي في كل العالم، وهو عكس ما يجري في المخافر والسجون، كما قالوا في هجوماتهم على شخصي، رغم أن حديثي عن أمن يعمل في الحرم وليس في الزنازين التي لم أزرها ولا عندي شهادات موثقة حتى أحكم عليها.أدرك أنهم لو قالوا ذلك لكانت شهادة منهم أن الأجهزة الأمنية فيها الصالح والطالح، وهذه هي الحقيقة عن كل المؤسسات الأمنية العربية التي لا تخلو من الشرفاء دائماً،
ولكن بحكم منطقهم فهم لا يريدون أن يسمعوا أخباراً عن الصالحين، بل كل ما يهم أخذ هذا بجريرة ذاك وتعميم الصورة السوداوية فقط لتحقيق مآربهم من معارضة يتبنونها لحسابات شخصية، وليست سياسية تحتاج إلى الكثير من الفهم والوعي لم يصل له بعد أمثال هؤلاء.ترى ماذا يريدون منّي؟هل وجب علي أن أعود من الحج كيوم ولدتني أمي كما يرجو كل حاج من ربّه،
وبعدها أشهد الزور أو أفتري على رجال أمن لم أر منهم غير الخير؟للأسف الكثير من المعارضات العربية لا تفرق بين الوطن وحاكمه، لذلك تحاملوا عليّ لما غرّدت محذّراً الشعب السعودي من مخططات ماكرة تستهدف أبناءهم، ولا أدري سبب غضبهم من تحذيرات تخدم أمن الوطن واستقراره، فإما أنني كشفتهم لأنهم يعملون لصالح هذا المخطط التدميري، أو أنهم يريدون تخريب الوطن بسبب كراهيتهم لحكامه ذات الخلفيات الشخصية في أغلبها، أو أنهم جاهلون لا يفهمون في السياسة إلا كما أفهم أنا في جراحة العيون.
زعموا أنني أقيم في السعودية وهو شرف لم أحظ به، مع العلم أن آخر تأشيرة نلتها منذ أشهر كانت للعمرة وقضيت أياماً حينها بين مكة المكرمة والمدينة المنوّرة مثلي مثل عموم الناس، وسبقتها تأشيرتان بدعوة من قناة "وصال" الفضائية حيث سجّلت حلقات تلفزيونية معهم.
لقد ذهلت من مدى الحقد على بلاد الحرمين والذي زاد في يقيني أن ما أقوم به هو عين الصواب، ولن أتوقف مهما كالوا التهم وتفنّنوا بما هو موجود فيهم وينضح منهم، ليس تزلّفاً للحكام وليس من أخلاقي ولا عادتي ذلك ولو أردت فعلها لفعلتها مع بلدي الجزائر أو في سوريا وقد عرضوا الكثير، إنما انتصاراً لله أولاً ثم للحق والحقيقة.
أذكر في هذا السياق أن عقيداً في المخابرات السورية كان مسؤولاً عن أمن بعثة مراقبي الجامعة العربية، اتصل بي هاتفياً بعد مغادرتي دمشق وعرض علي أن أطلب ما أريد من الأموال وستصلني فوراً حيثما أكون، مقابل أن أتراجع في شهادتي وأعتذر لرئيسه بشار الأسد، فقلت له: "أطلب منك أمراً"، فقال بصوت متهلل: "تفضّل نحن في خدمتك"، فقلت له: "اضمن لي أن أعيش سنوات حتى أستمتع بكل تلك الأموال"، فرد: "نحن لن نقتلك بل سنفتح لك آفاقاً أخرى تفيدك في حياتك". فقلت له: "ليس هذا قصدي لكن أخشى أن أموت حتى بزكام أو صداع في الرأس ولا أستمتع بالأموال التي سآخذها منكم". قال: "الأعمار بيد الله ولا تضيّع الفرصة،
وحتى إن رحلت من الدنيا ستترك لأسرتك ثروة طائلة". فأجبته: "بل سأحمل معي ذنبي إلى قبري، وأترك العار لأسرتي، عندما يكبر أطفالي سيخجلون من تاريخ أبيهم الذي انتصر للحق ولم يثبت، فباع نفسه للباطل مقابل المال الحرام".بعد فترة من تهديدات مسّت حتى عرضي، اخترقوا موقعي الشخصي على شبكة الإنترنت ولفّقوا رسالة اعتذار لبشار الأسد، وبسببها اتصلت بي حينها مسؤولة من قناة رجل الأعمال رامي مخلوف ابن خالة الأسد وعرضت علي أن أكون في ضيافتهم مقابل "هدايا" ثمينة يكرمونني بها، وكان ردّي حينها: "والله الذي رفع السماء بغير عمد لو أن بشار الأسد يعيد شهداء الثورة للحياة ويعتذروا له ما اعتذرت؛ لأنني كنت شاهد عيان على جرائمه".الدولة لا تعني حاكماً ولا إقليماً ولا شعباً، بل تعني الثلاثة معاً كما قال ابن خلدون، وأنا لما أدافع عن الجزائر أو السعودية أو قطر أو مصر أو أي دولة أخرى من العالم العربي والإسلامي، فأنا أدافع عن وجود بلد يراد تفتيته أو محوه من الخريطة وليس عن أهواء أشخاص أو جماعات أو تنظيمات أو أحزاب، مهما كان شأنهم سواء في الحكم أو المعارضة.
في الأخير للعبرة يحكى أن الزعيم الهندي غاندي، الذي حرّر بلاده من الاحتلال الأجنبي، كان يجري للحاق بقطار شرع في السير، وعند صعوده سقطت إحدى فردتي حذائه، فما كان منه إلا أن أسرع بخلع الفردة الثانية ورماها بجوار الفردة الأولى على السكة.فتعجب أحد أصدقائه وسأله: "لماذا رميت فردة الحذاء الأخرى؟"فأجاب غاندي بأنه أفضل للذي سيجد الحذاء أن يجد فردتين معاً فيستطيع الانتفاع بهما فلو وجد فردة واحدة فلن تفيده، ولا أفادت غاندي إن بقيت معه الفردة الأخرى أيضاً.هكذا هو منطق المناضلين الحقيقيين الذين يفكرون في التغيير وصناعة مستقبل بلادهم، ويوجد الكثير من القصص الرائعة في تاريخنا الإسلامي يحتاجها هؤلاء الأدعياء... وللحديث بقيه
تعليق