إيران ستكون من أكثر الدول التي ستتأثر بانخفاض أسعار النفط، والتي قد تؤدي إلى كوراث اقتصادية كبيرة، إذ أن طهران تتعرض إلى ضغوطات اقتصادية عالية، فالفساد الضارب والحصار الاقتصادي العالمي وضعف النقد، كلها عوامل أنهكت إيران التي كانت تتنفس عبر النفط الذي في ما يبدو قد ذهب إلى معدلات منخفضة وبطريقة غير مسبوقة، ولنلخص المعادلة ببساطة فإذا كان سعر برميل النفط انخفض من حدود 110 دولار إلى ما يقرب الــ55 دولار، فهذا يعني أن الأرباح من النفط ستنخفض إلى النصف تقريباً، أي أن معدلات الإنفاق في دول عدة سيهبط إلى النصف وهذا سيؤدي إلى انهيارات في كثير من الدول، نتيجة قلة أرباح النفط، وفي دول تعيش على الكفاف ويدعم النفط اقتصادها.
نبقى في إيران التي فيما يبدو ستعاني بشكل غير مسبوق من هذه الانخفاضات العالمية في الأسعار، ومع أن التوقعات أن هذه الانخفاضات لن تكون طويلة الأمد إلا أن تأثيرها على بعض الدول سيكون كارثياً ومنها إيران، التي لا تعتمد قواعد اقتصادية حقيقية فيما نصف شعبها جائع ومهددة بثورة الرغيف، ثورة الجياع الباحثين عن لقمة العيش في بلد ينخر فيه الفساد حتى العظم، فأكثر من 15 مليون إيراني تحت خط الفقر، فيما تستمر أسعار المواد الأولية في الارتفاع، وحتى الخبز ارتفع بعدل 30%، كل ذلك سينهك ما تبقى من الاقتصاد، ويذهب بفقراء البلد إلى الشوارع بحثاً عن لقمة تسد الرمق، فيما رجال نظام الملالي يرفلون بالحرير وأبناؤهم يتجولون بسيارات فارهة، كل ذلك سيخلق نقمة في الوقت الذي يتكلم فيه رجال الدولة في طهران عن أن انخفاض أسعار النفط مؤامرة كونية عليهم، كل تلك الظروف ستكسر اقتصاد إيران، وليس من المعلوم كيف ستتصرف طهران مع هذه الانخفاضات، لكن الأكيد أنها لن تستطيع تخطي هذه الأزمة إن استمرت طويلاً.
ويبدو أن إيران ستلجأ إلى صندوق الثروة السيادية لمواجهة تأثير انخفاض أسعار النفط العالمية على اقتصادها، لكن المشكلة أن بعض أرصدة هذا الصندوق قد تكون مجمدة بسبب العقوبات على طهران بسبب برنامجها النووي، حتى أن مسؤولين حكوميين طالبوا بأن يتم رفع ضريبة الدخل على المواطنين، مما سيؤدي إلى إنهاكهم بلا شك، كما طالبوا بفرض سياسة التقشف في البلاد على الرغم من أن إيران أصلاً تعاني من أزمة اقتصادية وتقشف غير معلن، كل ذلك في الوقت الذي أشار فيه صندوق النقد الدولي إلى أن تحقيق توازن في ميزانية إيران يتطلب أن يكون سعر برميل النفط 130 دولاراً، ويقل سعر خام برنت حالياً عن 60 دولاراً، لكن ذلك بكل تأكيد لن يحدث، أما عن الآثار طويلة الأمد التي ستتعرض لها البلاد فستتوضح خلال الأشهر القليلة المقبلة، وبكل تأكيد ليس طهران وحدها التي ستعاني، إنما أيضاً الدول والمنظمات التي تتلقى دعماً مباشراً من طهران، والتي تأتمر بأمرها والتي تعتمد في ميزانياتها على دعمها، والتي هي الأخرى قلقة أشد القلق من خفض أو إلغاء التمويل.
بالنسبة لدولة الإمارات فإن وضعها جيد جداً وليس هناك تأثير لتلك الانخفاضات، فقد قال وزير الطاقة الاماراتي سهيل المزروعي أن الامارات مستمرة في استثماراتها في صناعة النفط والغاز وقطعت شوطاً كبيراً، ولديها سياسة متزنة وطويلة الأمد، وهي لن تتأثر بانخفاض الأسعار خصوصاً إذا لم يستمر تراجع الأسعار لفترة طويلة، فيما أكدت صحيفة ذا ميدل إيست إيكونومي دايجست أن موقف الإمارات قوي للغاية، في حين أن جميع البلدان المصدرة للنفط سوف تتأثر بانخفاض عائدات التصدير، فإن الإمارات توجد في موقف قوي نسبياً بسبب ماليتها المتينة، وأشارت وكالة ستاندرد أند بورز الأمريكية مؤخراً إلى أن التصنيف السيادي لأبوظبي عند مستوى +AA/A1على المديين القصير والطويل مع نظرة مستقبلية مستقرة، قائلة أن التصنيف تدعمه المواقف المالية القوية والخارجية لأبوظبي، مما يمنحها مرونة السياسة المالية، وقالت وكالة التصنيف أن "القوة الاستثنائية لصافي أصول أبوظبي توفر منطقة عازلة لمواجهة الأثر السلبي لتقلبات أسعار النفط على النمو الاقتصادي والإيرادات الحكومية، وكذلك على الحساب الخارجي"، فالإمارات في عهد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله بلد مستقر ومزدهر، ويستمر في تعزيز مكانته كقوة اقتصادية وسياسية كبرى في الشرق الأوسط.