تاريــــخ البحــث الروســــي فــي مجــــــال الحمايـــــــة الديناميكيـــــــة
في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، مضي الاتحاد السوفييتي قدماً في تطوير دباباته ، وفي العام 1964 كان السوفييت هم أول من أدخل الدروع الطبقية المركبة على دبابتهم المبدعة T-64 . كان الباعث وراء تطوير الدروع المركبة وطرحها هو الإدراك أن تصميمات الدبابات المعاصرة بلغت الحدود العملية لأوزانها القتالية . ومن شأن أي زيادة إضافية ملحوظة في مستويات الحماية من خلال استخدام صفائح فولاذية أكثر سمكاً ، أن تؤدي إلى تحميل العربة فوق طاقتها ، وهو ما يتطلب بدوره محركات أكثر قوة وأكبر حجماً ، وجنازير أعرض .. الخ . هكذا ، الدروع المركبة وفق المفاهيم السوفييت آنذاك كانت ليست وسيلة لزيادة الحماية فحسب ، بل أيضاً كتدبير واقعي وعملي لتوفير عامل الوزن .. في منتصف الستينات أعيد في الاتحاد السوفييتي ابتداع الحواف أو الحواشي skirts الجانبية لحماية جانبي الدبابة وعجلاتها الدوارة من الرؤوس حربية ذات الشحنة المشكلة shaped charge . وقد أجريت اختبارات شاملة على سلسلة أشكال ممكنة ، وتألف المخطط المقبول من خمس صفائح ألمنيوم مستقلة الشكل ، على مرتكزات عمودية ذات نوابض لولبية مثبته بالرفارف التي تحمي الجنازير من الطين . وفي وضعية الانتقال ، كانت الصفائح موازية لجدران البدن ، وكان يتوجب قبل القتال تحريرها ونقلها إلى الأمام بزاوية 90 درجة تقريباً ، لحماية العجلات من تأثير الشحنات المشكلة فوق القوس الأمامي +/-25 درجة . لقد تسببت هذه الصفائح في التعجيل من انفجار الرؤوس الحربية الكيميائية ، فأحدث ذلك خفضاً حاداً لقدرة نفاث هذه الشحنات على الثقب بسبب مسافة المباعدة المفرطة ، كما تتيح النوابض القدرة على إعادة ثني وطي الصفائح الجانبية مرة أخرى لدى عبور الدبابة عوائق ضيقة أو شاذة .
أما فكرة مقاومة ومواجهة مخاطر أسلحة الطاقة الكيميائية بواسطة قراميد الدروع المتفجرة ، فقد اقترحت أولاً في معهد "بروميتي" Prometey في موسكو بعد الحرب العالمية الثانية بقليل (بروميتي أو معهد البحث العلمي المركزي للمواد الهيكلية الذي أسس في العام 1939 ويضم مئات الأفراد من العلماء والمختصين في علم المواد والمعادن وعلم المواد غير المعدنية والمركبة والنانو وغير ذلك ، وكان مسئولاً عن تطوير صفائح الدروع الفولاذية للدبابات والسفن السوفييتية) حين درس الباحثين جملة من الأفكار حول آلية ممكنة لإضعاف أو تحويل transfer تأثير نفاث الشحنة المشكلة قبل وصوله لصفيحة التدريع الرئيسة . المبدأ الأساس لمقاومة نفاث الشحنات المشكلة أو الشحنة التراكمية Cumulative Charge كما أسماها السوفييت تمحور حول الاستعانة بتفجير مضاد لتخفيض مستوى تأثير نفاث الشحنة . لقد هذبت هذه الفكرة وأتقنت بعد ذلك في معهد البحث العلمي للفولاذ NII stali في الاتحاد السوفييتي العام 1949 ، لكن بسبب العديد من التعقيدات التقنية technical complexity ، توقف العمل بالمشروع .
في أواخر الخمسينات مزيد من البحث جرى انجازه في معهد البحث العلمي للفولاذ من قبل فريق عمل برئاسة الأكاديمي Bogdan V. Voitsekhovsky (عالم ومهندس سوفيتي ولد في شهر يناير العام 1922 . عمل في حقل ديناميكا السوائل وديناميكا الغازات ، لديه عشرات البحوث العلمية وأكثر من 50 براءة اختراع مسجلة بإسمه . منح وسام المقاتل للشجاعة كما فائز بجائزة لينين) وتم إجراء أولى التجارب ضمن اختبارات نار شاملة وذلك باستخدام صفيحة فولاذية بسماكة 100 ملم وضعت عليها طبقة من المتفجرات ومثبتة بزاوية 60 درجة للوضع العمودي ، أطلق عليها بعد ذلك قذائف ذات شحنة مشكلة من عيار 85 ملم . التحليلات النظرية والبحث الناقص أدى إلى إخفاق هذه الاختبارات الميدانية مره أخرى ، حيث تبين من خلال التجارب أن القراميد الملاصقة للمنطقة المصابة بقذيفة شحنة مشكلة ، تبدأ في الانفجار بعد إصابة أحد القراميد التفاعلية . كان هناك أيضاً تأثير المواد المتفجرة على تصفيح الدبابة الرئيس عند الانفجار ، وأعتقد السوفييت لوهلة أن دروع دباباتهم الأصلية ، كانت أكثر من كافية لوقايتها من أسلحة حلف الأطلسي المضادة للدروع آنذاك ، ونتيجة لذلك ألغي البرنامج بأكمله .
في العام 1974 أعلنت وزارة الصناعات الدفاعية السوفيتية عن مسابقة لإيجاد أفضل مشروع حماية للدبابات . وباشر السوفييت من جديد العمل على تطوير دروعهم التفاعلية ، واجروا مجموعة من الاختبارات العام 1978 ، ولكن النتائج لم تكن مبشرة لأسباب تتعلق بجزئية السلامة والأمان ، لذلك لم يتخذ قرار نشرها ضمن وحدات الخط الأمامي . حتى جاء التحول الأبرز في هذا المجال ، عندما أستقبل السوفييت في العام 1982 دبابة إسرائيلية من طراز M48A3 ، أسرها السوريون في لبنان أثناء معركة السلطان يعقوب في 11 يونيو عام 1982 . كانت هذه الدبابة مزودة بالتدريع التفاعلي الإسرائيلي Blazer (الدبابة موجودة حالياً مع دبابات أمريكية آخري من طراز M60 وM46 وغيرها ، في متحف الدبابات كوبينكا في روسيا) واستطاع السوفييت الاستفادة من تقنيات تصنيع قراميد هذه الدروع وتطويرها ، لتخرج نسختهم الخاصة منها في العام 1983 مثبتة أولاً على الدبابة T-80B ، التي أصبح اسمها بعد الإضافة T-80BV (المصادر الروسية تتحدث عن بداية أعمال التطوير في شهر يونيو العام 1982 وذلك مباشرة بعد استلام عينات من التدريع الإسرائيلي بليزر) . وتشير بعض المصادر إلى أن مكتب تصميم موروزوف المسمى اختصاراً KMDB ، باشر العمل في 5 يونيو العام 1982 على تحسين خصائص الدبابة T-64B وزيادة حمايتها ، وذلك بعد صدور قرار من القيادة السوفييتية آنذاك لتنفيذ وإصدار المخططات والوثائق التقنية اللازمة لتركيب رزم الدروع التفاعلية المتفجرة والمطورة من قبل مركز البحث العلمي للفولاذ على النماذج الأولى من هذه الدبابة ، التي قدمت بالفعل العام 1984 ، لتدخل الدبابة الخدمة في الجيش السوفيتي بتاريخ 14 يناير العام 1985 وهي مجهزة بهذه الدروع ويصبح أسمها T-64BV . لقد كانت هذه أول دبابة سوفيتية من هذه السلسلة تجهز بهذا النوع من الدروع . الجيل الأول من الدروع التفاعلية المتفجرة السوفييتية التي أطلق عليها كفكرة عمل اسم "عناصر الحماية الديناميكية" dynamic protection elements أو اختصاراً EDZ ، حمل التعيين "كونتاكت" Kontakt-1 وضم في حاويته المستطيلة عناصر الحماية 4S20 . وفي العام 1985 كانت جميع الدبابات النموذجية السوفيتية المنتشرة ضمن قواتها في ألمانيا الشرقية مجهزة برزم الدروع كونتاكت .
تعليق