بعد نكسة العام 67 دأب السوفيت على رفض الطلبات المتكررة للرئيس جمال عبد الناصر بإمدادمصر بمقاتلة قوية بعيدة المدى تستطيع أن تجابه طائرات الميراج الإسرائيلية. ولم تتعد الاستجابة السوفيتية إعادة إمداد مصر بنوعيات جديدة من الميج-21 كانت قدراتها أكثر محدودية مقارنة بالطراز السابق ميج-21 – أف-13 والمزود بالمدافع القوية لتمد القوات الجوية المصرية بطائرات الميج (( نسخة التصدير )) عديمة المدافع الرشاشة والمسلحة بصاروخين من طراز "أتول" العديم الفائدة وقد مثلت تلك الطائرات "أهدافاً طائرة " للميراج خلال حرب الاستنزاف نظراً لكونها عديمة التسليح تقريباً. مما ترك الجيش المصري في حالة خضوع للسيطرة الجوية الإسرائيلية نتيجة الفارق الواضح بين الميراج-3 والميج-21. لقد كان وقود الميج-21 ينفذ وهي تقاتل فوق قواعدها الجوية طائرات الميراج التي تأتي من عمق سيناء لتشتبك وتقصف وتعود إلى قواعدها .
لقد استمر هذا الرفض إلى عهد الرئيس السادات لكن الروس سمحوا أخيراً لمصر بامتلاك سربين لا غير من الميج -21 أم أف المحسن والمزود بمدفع رشاش واحد ورادار محدود القدرات مما سمح للقوات الجوية المصرية اخيراً بتسجيل عدد معقول من الإصابات في الاشتباكات الجوية في حرب اكتوبر. لكن لمحدوديتها في المدى وأجهزة الملاحة لم تشكل الميج-21 أم أف أبداً طائرة تفوق جوي وظلت عاجزة عن توفير سيطرة جوية للقوات المصرية في سيناء نظراً لمحدودية قدراتها والنقص الكبير في أعدادها.
وقد انعكس هذا الأثر بشكل كبير على القوات المصرية في معارك التطوير ومعارك الثغرة خلالحرب أكتوبر 73 , حيث لم تنجح القوات الجوية في حماية القوات المصرية بمفردها في غياب الدفاع الجوي وهو الأمر الذي لم يغب عن ذهن المخطط المصري من الأساس حيث أن الخطة الأصلية توفر مظلة دفاعية تكاملية تدمج بشكل شديد الفاعلية بين الطائرات الاعتراضية والدفاع الجوية وهو ما شكل منطقة حظر طيران للقوات الجوية الإسرائيلية فوق منطقة القناة.
ولآن الثمن الذي دفعته مصر بسبب رفض السوفيت المستمر لإمداد مصر بطائرات متقدمة لجاء الكثير من أصدقاء السوفيت في العالم العربي إلى ترويج أراء غير صحيحة أن الاتحاد السوفيتي لم يكن يمتلك طائرات أفضل من التي أمدنا بها – وهو الأمر الغير صحيح بالمرة على اتجاهين .
أولها أن الأنواع التي استحوذنا عليها من الطائرات كانت نسخ مخفضة من نفس الطرازات العاملة في الاتحاد السوفيتي والتي هي بالأساس كانت اضعف من الطائرات الغربية .
وثانيهما وجود طائرات أخري لم يوافق الروس على تصديرها مثل الميج-25 الجبارة والتي كانت ولا شك تتفوق على كل الطائرات الموجودة في الشرق الأوسط في تلك الفترة وبشكل كبيرة .
غير أن الميج-25 والتي تعد إنجازاً تكنولوجياً غير مسبوق للروس حيث لم تبلغ طائرة مقاتلة اخرى وقتها الارتفاع أو السرعة التي تستطيع أن تؤديها يمكن للمرء أن يتفهم كونها من الأسرار العسكرية .
أما الطائرة الأخرى والتي هي موضوع هذا المقال فهو الرفض الذي ما لا يمكن فهمه إنها الفلاجون --- السوخوي-15 الطائرة التي لم تصدر ابداً خارج الاتحاد السوفيتي السابق.
وهي الطائرة التي كانت تستطيع اصطياد الفانتوم والميراج والقفز فوق عيوب الميج-21 مع الاحتفاظ بمزاياها في ضربة واحدة.
بدأ تطوير تلك المقاتلة القوية في بداية الستينات حيث طارت النسخ الاختبارية منها في عامي 1962 ، 1963 . ويشبه الشكل الخارجي للطائرة الميج-21 إلى حد بعيد حيث تم اعتماد نموذج الأجنحة على شكل دلتا للطائرة مع وجود زعانف الذيل على عكس الميراج . إلا أن هذه الطائرة كانت أكبر حجماً بأربعة أمتار كاملة من الميج-21 كما تم التخلي عن مبدأ دخول الهواء من مقدمة الطائرة والذي على الرغم من بساطته يحول الطائرة إلى أنبوب فارغ لتمرير الهواء حارماً الطائرة من الاستفادة من مساحتها الداخلية . ولهاذا تم تزويد الفلاجون بمدخلي هواء جانبيين مفسحين المجال لاستغلال مقدمة الطائرة في تركيب رادار قوي من طراز أيجل دون أن يحول ذلك من تحميل الطائرة بمدفعين رشاشين قويين من عيار 30 مللي . بالإضافة إلى ذلك أمكن تخزين المزيد من الوقود داخل بدن الطائرة ليصل مداها الأقصى إلى 1780 كم ومدى العمليات إلى 590 كم لتحل إلى حد بعيد مشكلة المدى لدى الميج-21 .
وتم توفير محركين من نوع تومانسكي R-11 للطائرة، استبدل لاحقاً بالمحرك الأقوى R-13 إضافة إلى ذلك فقد تم إدخال تعديل طفيف على شكل الأجنحة لتخرج من أطرافها زوائد (( جنيحات )) ساهمت مع قوة الدفع الجيدة من محركيها في تحسين أداء الطائرة على الارتفاعات المنخفضة .
أما بالنسبة للتسليح للقتال الجوي فيعد التسليح الأساسي للطائرة إلى جوار مدافعها أربعة صواريخ جو-جو يمكن زيادتهم إلى 6 صواريخ حسب تجهيز الطائرة وطبيعة المهمة . وتم تخصيص نوعين من الصواريخ للطائرة
· R-98 وهو صاروخ موجه بالرادار ( نصف إيجابي ) والذي يبلغ مداه 19 كيلومتر كما يمكن أن يتتبع الأثر الحراري للطائرة أيضاً .
· R-60 وهو صاروخ يعمل بالتوجيه الحراري يبلغ مداه 12 كيلومتر ويعده البعض افضل من السايد ويندر الأمريكي.
ومن المقطوع به أن هذه الطائرة تتفوق بشكل هائل في إمكانيات القتال الجوي سواء من ناحية المدى أو التسليح أو القوة الدافعة أو التصميم على الميج-21 وهي تعد بحق الفرصة الضائعة التي لم تحظ القوات الجوية المصرية بها .
وذلك كون تلك الطائرة تستطيع بإمكانياتها التي تتفوق بشكل كبير على الميج-21 ، وخاصة نسخ التصدير التي وفرها الروس لمصر، أن تتعقب طائرات مثل الفاتنوم والميراج بكل سهولة وتسقطها نظراً لقوة رادارها وصواريخها.
إن تلك الطائرة احتفظت بمميزات الميج-21 حيث احتفظت بالمميزات العامة للجناح الدلتا وأداؤه العالي في الارتفاعات الكبيرة ، كما أن صغر حجم الجناح مقارنة بالميراج-3 يجعل الفاقد في قوة الدفع أثناء المناورة ، وهو العيب الأساسي في الأجنحة الدلتا، اقل بشكل كبير من الميراج والتي تمتد منها أجنحة كبيرة للغاية، غير أن الطائرة تخلصت بشكل واضح من أهم عيبين للميج-21، أذ لعب محركاها مع جناحها المعدل دوراً كبيراً في تقليل أثر فقد الطاقة الناتج عن الجناح الدلتا على الارتفاعات المنخفضة. والثاني هو قصر مدى الميج-21 ، إن هذه القدرة عندما تضاف إلى الصواريخ المتطورة والتي سمحت تجهيزات الطائرة بها تجعل اصطياد الفانتوم على الارتفاعات المنخفضة امراً ممكنا ًبعد أن كان بالغ الصعوبة بالنسبة لليمج-21.
لا شك أن مصر فقدت فرصة كبيرة في حرب أكتوبر بغايب تلك الطائرة عن ترسانتها ، فحتى لو توفر منها سربين أو ثلاثة أسراب فبلا شك كانت ستوفر حماية قوية للقوات البرية المصرية على الأقل ستخفف إلى حد بعيد من تأثير القوات الجوية الإسرائيلية على قواتنا إذا ما تقدمت خارج مظلة الدفاع الجوي، إن توفر طائرة تفوق جوي يسمح بتوفير الحماية الجوية للقوات البرية فوق أجواء معادية فضلاُ عن توفير غطاء يسمح للمقاتلات المصرية الأخرى من تنفيذ عمليات هجومية أكثر طموحاً وعمقاً من التي تمت خلال الحرب.
لاشك أن هذه العوامل كان من شأنها تغيير القيود التي تم على أساسها وضع خطة الحرب المصرية، بما يكفل استفادة افضل من العبور المبكر للقوات قبل تعبئة الاحتياط الإسرائيلي، وفي تقديري أن توفر تلك الطائرة بأعداد معقولة في الترسانة الجوية المصرية كان من شأنه تمكين قواتنا من الاستيلاء على خط المضائق نظراً للتغيير الجذري المنتظر في أسلوب التخطيط للحرب والذي كان محدود الأهداف بسبب التسليم بالتفوق الجوي الإسرائيلي.
منقول بتصرف
http://kenanaonline.com/users/AhmedIbrahim/posts/116412
تعليق