رد: متابعات الثورة السورية - ثورة الكرامه
استشهاد قادة أحرار الشام, تفكيكٌ للألغام
شَكّل مقتل قادة من حركة “أحرار الشام”، التي تعد إحدى أكبر المجموعات المقاتلة في المعارضة السورية، ضربة قوية للثورة السورية، لاسيما أن الانفجار الذي وقع أودى بحياة ما يقارب 70-75 قيادياً، جلهم من الصفين الأول والثاني. كانوا مجتمعين في مقر سري تحت الأرض في بلدة رام حمدان في ريف إدلب عندما استهدفهم الانفجار.
مكان الاجتماع هو المقر صفر، أنشئ في منطقة بعيدة عن الطريق العام. تحديدا في منطقة مقرات البحوث الزراعية. وقد أقيم هذا المقر في مجرى سيل قديم، بشكل طولي مع سقف خرساني سميك، ثم تم ردمه بالتراب ليصبح تحت الأرض بنحو 30 درجة. وهذا جعله محصنا ضد الطيران. وكانت عدة حواجز تحيط بالمكان بدائرة واسعة، ما يجعل وصول سيارة مفخخة أو حتى ركنها في المكان مستحيل عمليا. كما أن هناك من يحرس المقر بالمعدات الثقيلة في أماكن محيطة بالمكان. والمقر لا يدخله الغرباء، بل ولا الأصدقاء إلا بإذن لاسلكي من القادة. كما لا يوجد للمقر إلا باب واحد محروس حراسة شديدة، ما يجعل وصول أي انتحاري للمجتمعين مستحيلا، إلا إن كان من حركة الأحرار نفسها.
هذا المقر مكون من غرفة للاستقبال وغرفة كبيرة للاجتماعات لا يوجد بها منفذ أو فتحات للتهوية. ويوم حصول الانفجار كان قد تم تخزين أسلحة حديثة في غرفة الاستقبال، فلما اشتعلت النار بها كان الشهداء تقبلهم الله بين أمرين: إما أن يبقوا فيموتوا اختناقاً، وإما أن يخرجوا فيموتوا حرقاً.
ولم يتم تحليل لعينات من ضحايا التفجير، بل تم دفنهم على وجه السرعة. لكن من صور الجثث يظهر على أكثرها أعراض انفجار قنبلة فراغية صغيرة في مكان مغلق، حيث كان هناك نزيف من الأنف. والبعض كان جسده سليما تماما. وهذا يعني أن سبب الوفاة إما تأثير الانفجار أو الاختناق. حيث ظهرت على الجثث حالات الاختناق من انتفاخ في الوجه، وازرقاق في الجلد، وأحيانا محاولة تمزيق الثياب وبعض الخدوش بالأظافر. وبعضهم مزق ثيابه وعمل كمامات غاز بدائية، وظل حيا لفترة طويلة بعد الانفجار.
ولا يوجد على الجثث آثار استعمال أي سلاح كيماوي، ولا توجد أي جروح في الجسم تؤدي للوفاة، ولا أي شظايا. ومن المستبعد أن تكون الإصابة ناتجة عن استنشاق أحد أنواع الفوسفات العضوية أو السارين. أيضا من غير الممكن أن يكون سبب الوفاة غاز الخردل، لأنه يتسبب بِبُثور على الجلد وفقاعات برتقالية، وهذا لم يحصل. وغاز الكلور له رائحة مميزة لم تكن موجودة. وغاز الأعصاب أو السيانيد لو كان استعمل لمات عدد من المسعفين. بينما مسممات الدم لا تسبب جروحاً في الرئة وانتفاخات، كما قد حدث. ويبقى هناك احتمالا ضعيفا باستخدام غازات خانقة مثل الفوسجين والديفوسجين.
وعلى الفور عرض البعض على مسؤولي الأحرار أخذ عينات من الجثث قبل دفنها لإرسالها لمخابر دولية لها مصداقية عالية. وإرسالها كذلك للأستاذ سامي شرف (معارض مصري وبروفيسور كيمياء وله مصداقية علمية دولية). حيث يمكن بتحليل كرنوغرافي بسيط أن يكشف أي سم حتى لو كميته قليلة. حتى السموم البيولوجية له خبرة بها. كان يطلب فقط عينة من الماء الزجاجي للعين، لأنها أكثر حفظاً للسموم عادة. وأي طبيب مبتدأ بإمكانه كمية من هذا السائل للشهداء ويضعه في امبولة معقمة وحافظة، ويرسل العينات. لكن هذا الطلب قوبل بتجاهل مريب، وتم دفن الجثث بسرعة تحت حراسة مشددة لمنع أخذ أي عينات.
إذا فاحتمال استعمال الكيماوي ضعيف جدا، وهناك من تعمد إصدار تصريحات مضللة بشأنها. والسبب الأكيد لوفاة الأكثرية هو الانفجار الفراغي. حيث نجد أنسجةً سليمةً خارجيا، ونزيف في الداخل، وتمزق شديد في الرئتين، مع انتفاخ في الوجه. والقنبلة الفراغية قد تتسبب بالإزرقاق، وقد لا تتسبب. لكن خروج دم من نسيج سليم يؤكد أعراضها. وعدم ازرقاق بعض الجثث ينفي نظرية الاختناق. لأن الاسكفسيا (أعراض انقطاع الهواء عن الرئة) تتسبب بإزرقاق.
أي أن هناك من مات بتأثير القنبلة الفراغية، وهناك من نجى من هذا بسبب مكانه في الغرفة لكنه مات بالاختناق، حيث تم ترك القادة يختنقون بغرفة مغلقة لمدة ساعتين. ولم ينج إلا شخص بحالة وفاة سريرية، وأخ لحسان عبود نجى وكانت حالته جيدة، ثم أخذ للمستشفى وبعد أيام تحسنت حالته وأصبح يتكلم. ثم مات فجأة دون ذكر أسباب الوفاة، وكأن أحدا أراد إسكاته.
وللعلم فالاجتماع كان مقررا في مقر آخر، فلما اجتمعوا هناك، اقترح أحد أن يتوجهوا للمقر صفر لمشاهدة الأسلحة الحديثة التي كانت قد وضعت قرب مدخله في قاعة الاستقبال. الانفجار الذي حصل في المعمل لم يكن حادثا عرضيا بل كان مقصودا. والأسلحة الحديثة لها أنظمة أمان ولا تنفجر وحدها. كما أنه تم الانفجار عند عودة من خرج من القادة للاستراحة.
إننا أمام شخصية كانت موجودة أثناء الاجتماع، يمكنها التحرك بسهولة قرب المدخل، لكن ليس ضمن قاعة الاجتماعات، فوضعت العبوة عند المدخل. وقد تكون من المرافقة لكن غالباً ليست من الشخصيات المسؤولة عن المقر (جماعة أبو أيمن رام) لأنه لو كان الفاعل مسؤولا عن أمن هذا المقر، لتمكّن من زرع العبوة داخل القاعة الرئيسية قبل الاجتماع، وتفجيرها عن بعد بأول الاجتماع. فالتوقيت يظهر أن القنبلة جرى زرعها أثناء الاجتماع وليس قبله. حيث جرى التفجير وقت العصر، بينما الاجتماع بدأ التاسعة صباحا. ولا يمكن أن يكون من زرع عبوة في المصنع إلا من صفوف أحرار الشام ومن الملمين بجغرافية المكان. مما يدل على أنه هناك خيانة من داخل الحركة، وما يؤكد ذلك أيضا هو قلة عدد الأشخاص الذين كانوا على علم بساعة ومكان الاجتماع، الذي أتى إليه حسان عبود من خارج سوريا.
ومعلوم أن قادة احرار الشام ينتقون من يرافقهم ويعتمدون في ذلك على أشخاص ذوي عقيدة ويعرفونهم منذ زمن، سواء كانوا من أقاربهم أو رفاق سجنهم. ما يبعد فرضية تنفيذ العمل من أجل المال. فلم يبق إلا الاختراق الأيديلوجي والذي لم يفلح به إلا داعش والنصرة، كما حدث في اغتيال يعقوب العمر وأبو خالد السوري، أو أن الاغتيال من الداخل.
كما أن حالة اللامبالاة والتقصير بإسعاف المصابين تثير الريبة. فهناك انفجار واحد سُمع صداه في المنطقة في الساعة الرابعة وعشرين دقيقة. واستمرت عملية انبعاث الدخان لأكثر من ساعتين من الساعة الرابعة وعشرين دقيقة حتى الساعة السادسة والنصف. وبالرغم من قرب المنطقة النسبي من مدينة الدانا (ربع ساعة) ومن معبر باب الهوى، تم ترك الحريق ساعتين دون إنقاذ القادة داخله. وكان بإمكان المرافقين اقتحام المكان عن طريق سيارة حسان عبود المصفحة وإنقاذ من تبقى، لكنهم بقوا متفرجين وكأن هناك أوامر بعدم الدخول.
كما أن المقر مجهز بكاميرات مراقبة، فتم على الفور تشكيل لجنة تحقيق مريبة قامت بإتلاف أشرطة المراقبة. كما قامت فورا بتطويق المكان ومنعوا بالسلاح أي تصوير للمقر ممن أتى للإنقاذ. كما قاموا في اليوم التالي بإخلاء المقر من جميع محتوياته وسحب بقايا الأسلحة والتأكد من دفن الجثث دون أخذ عينات. أي كان عملهم إتلاف أي أدلة تظهر القاتل ومنع أي لجان تحقيق أخرى من الاقتراب من المكان ومعرفة الحقيقة.
وبنفس الوقت حصل اجتماع سري خلال الليل وتم تشكيل قيادة جديدة معظم أعضائها كانوا تنظيميا خارج حركة الأحرار، ليتم إعلان هذا في اليوم التالي بشكل أدهش المراقبين. وتم وضع شخصية ضعيفة كواجهة حسنة للتنظيم وهي هاشم الشيخي أبو جابر المسكني، أي من بلدة مسكنة على الفرات، أميراً وقائداً عاماً لها خلفاً للحموي. بينما القيادة الحقيقية هي لنائبه خالد أبو أنس سراقب. ومن الشخصيات القوية الجديدة أبو جميل قطب من بنش. وكذلك أبو صالح الطحان من قرية تفتناز بريف إدلب وهو القائد العسكري الجديد. وأبو محمد الصادق الشرعي الجديد.
أبو أنس سراقب لم يكن تنظيميا من قيادات الصف الأول، لكن كان له نفوذ كبير لأنه يعرف الداعمين، ومعظم تمويل الحركة يتم عن طريقه. وكان أبرز الشخصيات التي كانت تُعطّل الاندماجات والعمل السياسي، حيث أنه يحمل نفس فكر القاعدة. وكان أشد المعارضين للفكر الإصلاحي الذي قاده القياديون الشهداء. والسؤال الغريب هو كيف يغيب عن أحد أهم اجتماعات الحركة مع أنه عضو في مجلس الشورى؟ كيف يغيب وقد حضر أشخاص أقل أهمية منه بكثير؟ وكيف يقرر مصير الحركة ويتفرد بإعلان قيادة جديدة من شخصيات من خارج الأحرار دون استشارة أمراء الكتائب؟
علما أن عدد من قيادات الحركة في الجنوب مثل دمشق وريفها لم يحضروا الاجتماع لصعوبة السفر للشمال، ومع ذلك لم يتم استشارتهم في القيادة الجديدة. وقد كان أبو العباس الشامي المسؤول الشرعي للجبهة الإسلامية فلماذا لم يتم إرجاعه كمسؤول شرعي بعد استشهاد نائبه أبي عبد الملك بدلا من جلب شخص من خارج الأحرار كلها وهو أبو محمد الصادق؟ مع أن الأخير كان مرفوضا دخوله للأحرار لأنه كان أمير القاعدة في سوريا قبل الثورة.
أبو صالح طحان كان معارضا جدا للإصلاحات الفكرية التي قام بها القادة الشهداء. وقد ترك الحركة لأنه رآها “تتحول إلى جيش حر” كما قال. كما كتب على صفحته في الفيس بوك أن من سيقاتل جبهة النصرة فسيقاتله هو “كائنا من كان”. وقد ترك الحركة معه أبو جميل قطب، قبل شهر من الحادثة. وكانا يفكران في إنشاء تجمع جديد.
فما الذي حدث وجعلهما يرجعان فجأة؟ هل تلقيا ضمانات بأن أحرار الشام قد ألغت الفكر الإصلاحي وسترجع لفكر القاعدة وأخوة المنهج؟ كيف تم اختيار هؤلاء خلال الليل، وتم تجاهل باقي أعضاء مجلس الشورى وقادة الألوية العسكرية؟ ولماذا تم اختيار القيادة الجديدة ممن يحملون فكر القاعدة ويتعاطفون مع النصرة؟ أم هو أمر دبّر بليل؟
ويزول الاستغراب عندما نعلم أن قادة “أحرار الشام” اجتمعوا، قبل مقتلهم بأيام قليلة، مع الجولاني لمناقشة العلاقة بينهما ومشاريع كل طرف. وكان الاجتماع عاصفاً، غلب فيه على الجولاني الغضب على غير عادته، وشهدت المناقشات بين الطرفين مشاحنات عنيفة، حتى أن الجولاني خرج عن طوره أكثر من مرة ووبّخ “قادة الأحرار” على تراجعهم عن نهج “القاعدة”، ملمحاً إلى التخوين والخذلان. وأبلغهم الجولاني نيته استكمال مشروعه بإنشاء إمارة إسلامية في ريف إدلب، وعندما عارضوه في ذلك، هدد بأن الحرب ستكون بينه وبين كل من يقف بوجهه. وانتهى الاجتماع ليقتل “قادة الأحرار” بعده بأيام فقط.
علما أن قادة الحركة كانوا في اجتماعهم يهيّؤون لإعلان توحد مع جيش المجاهدين ومع كتائب نور الدين الزنكي، أقوى الفصائل في حلب. وكان سيتم بحث تفعيل مبادرة “واعتصموا”. وأيضا تحويل أحرار الشام من تنظيم نخبوي جهادي، إلى تنظيم شعبي يضم كافة أصناف الشعب. وكان هذا هو أشد ما يعارضه أبو أنس سراقب، ومن يحمل نهج القاعدة. والعجيب أن أول شيء اقترحه بعد اجتماع القيادة الجديدة هو فك الارتباط مع لواء التوحيد وإيقاف الاندماج مع الزنكي وجيش المجاهدين. هل هذا صدفة؟ فلماذا لم يصدر أي تقرير رسمي عما حدث بعد شهرين ونصف؟
استشهاد قادة أحرار الشام, تفكيكٌ للألغام
شَكّل مقتل قادة من حركة “أحرار الشام”، التي تعد إحدى أكبر المجموعات المقاتلة في المعارضة السورية، ضربة قوية للثورة السورية، لاسيما أن الانفجار الذي وقع أودى بحياة ما يقارب 70-75 قيادياً، جلهم من الصفين الأول والثاني. كانوا مجتمعين في مقر سري تحت الأرض في بلدة رام حمدان في ريف إدلب عندما استهدفهم الانفجار.
مكان الاجتماع هو المقر صفر، أنشئ في منطقة بعيدة عن الطريق العام. تحديدا في منطقة مقرات البحوث الزراعية. وقد أقيم هذا المقر في مجرى سيل قديم، بشكل طولي مع سقف خرساني سميك، ثم تم ردمه بالتراب ليصبح تحت الأرض بنحو 30 درجة. وهذا جعله محصنا ضد الطيران. وكانت عدة حواجز تحيط بالمكان بدائرة واسعة، ما يجعل وصول سيارة مفخخة أو حتى ركنها في المكان مستحيل عمليا. كما أن هناك من يحرس المقر بالمعدات الثقيلة في أماكن محيطة بالمكان. والمقر لا يدخله الغرباء، بل ولا الأصدقاء إلا بإذن لاسلكي من القادة. كما لا يوجد للمقر إلا باب واحد محروس حراسة شديدة، ما يجعل وصول أي انتحاري للمجتمعين مستحيلا، إلا إن كان من حركة الأحرار نفسها.
هذا المقر مكون من غرفة للاستقبال وغرفة كبيرة للاجتماعات لا يوجد بها منفذ أو فتحات للتهوية. ويوم حصول الانفجار كان قد تم تخزين أسلحة حديثة في غرفة الاستقبال، فلما اشتعلت النار بها كان الشهداء تقبلهم الله بين أمرين: إما أن يبقوا فيموتوا اختناقاً، وإما أن يخرجوا فيموتوا حرقاً.
ولم يتم تحليل لعينات من ضحايا التفجير، بل تم دفنهم على وجه السرعة. لكن من صور الجثث يظهر على أكثرها أعراض انفجار قنبلة فراغية صغيرة في مكان مغلق، حيث كان هناك نزيف من الأنف. والبعض كان جسده سليما تماما. وهذا يعني أن سبب الوفاة إما تأثير الانفجار أو الاختناق. حيث ظهرت على الجثث حالات الاختناق من انتفاخ في الوجه، وازرقاق في الجلد، وأحيانا محاولة تمزيق الثياب وبعض الخدوش بالأظافر. وبعضهم مزق ثيابه وعمل كمامات غاز بدائية، وظل حيا لفترة طويلة بعد الانفجار.
ولا يوجد على الجثث آثار استعمال أي سلاح كيماوي، ولا توجد أي جروح في الجسم تؤدي للوفاة، ولا أي شظايا. ومن المستبعد أن تكون الإصابة ناتجة عن استنشاق أحد أنواع الفوسفات العضوية أو السارين. أيضا من غير الممكن أن يكون سبب الوفاة غاز الخردل، لأنه يتسبب بِبُثور على الجلد وفقاعات برتقالية، وهذا لم يحصل. وغاز الكلور له رائحة مميزة لم تكن موجودة. وغاز الأعصاب أو السيانيد لو كان استعمل لمات عدد من المسعفين. بينما مسممات الدم لا تسبب جروحاً في الرئة وانتفاخات، كما قد حدث. ويبقى هناك احتمالا ضعيفا باستخدام غازات خانقة مثل الفوسجين والديفوسجين.
وعلى الفور عرض البعض على مسؤولي الأحرار أخذ عينات من الجثث قبل دفنها لإرسالها لمخابر دولية لها مصداقية عالية. وإرسالها كذلك للأستاذ سامي شرف (معارض مصري وبروفيسور كيمياء وله مصداقية علمية دولية). حيث يمكن بتحليل كرنوغرافي بسيط أن يكشف أي سم حتى لو كميته قليلة. حتى السموم البيولوجية له خبرة بها. كان يطلب فقط عينة من الماء الزجاجي للعين، لأنها أكثر حفظاً للسموم عادة. وأي طبيب مبتدأ بإمكانه كمية من هذا السائل للشهداء ويضعه في امبولة معقمة وحافظة، ويرسل العينات. لكن هذا الطلب قوبل بتجاهل مريب، وتم دفن الجثث بسرعة تحت حراسة مشددة لمنع أخذ أي عينات.
إذا فاحتمال استعمال الكيماوي ضعيف جدا، وهناك من تعمد إصدار تصريحات مضللة بشأنها. والسبب الأكيد لوفاة الأكثرية هو الانفجار الفراغي. حيث نجد أنسجةً سليمةً خارجيا، ونزيف في الداخل، وتمزق شديد في الرئتين، مع انتفاخ في الوجه. والقنبلة الفراغية قد تتسبب بالإزرقاق، وقد لا تتسبب. لكن خروج دم من نسيج سليم يؤكد أعراضها. وعدم ازرقاق بعض الجثث ينفي نظرية الاختناق. لأن الاسكفسيا (أعراض انقطاع الهواء عن الرئة) تتسبب بإزرقاق.
أي أن هناك من مات بتأثير القنبلة الفراغية، وهناك من نجى من هذا بسبب مكانه في الغرفة لكنه مات بالاختناق، حيث تم ترك القادة يختنقون بغرفة مغلقة لمدة ساعتين. ولم ينج إلا شخص بحالة وفاة سريرية، وأخ لحسان عبود نجى وكانت حالته جيدة، ثم أخذ للمستشفى وبعد أيام تحسنت حالته وأصبح يتكلم. ثم مات فجأة دون ذكر أسباب الوفاة، وكأن أحدا أراد إسكاته.
وللعلم فالاجتماع كان مقررا في مقر آخر، فلما اجتمعوا هناك، اقترح أحد أن يتوجهوا للمقر صفر لمشاهدة الأسلحة الحديثة التي كانت قد وضعت قرب مدخله في قاعة الاستقبال. الانفجار الذي حصل في المعمل لم يكن حادثا عرضيا بل كان مقصودا. والأسلحة الحديثة لها أنظمة أمان ولا تنفجر وحدها. كما أنه تم الانفجار عند عودة من خرج من القادة للاستراحة.
إننا أمام شخصية كانت موجودة أثناء الاجتماع، يمكنها التحرك بسهولة قرب المدخل، لكن ليس ضمن قاعة الاجتماعات، فوضعت العبوة عند المدخل. وقد تكون من المرافقة لكن غالباً ليست من الشخصيات المسؤولة عن المقر (جماعة أبو أيمن رام) لأنه لو كان الفاعل مسؤولا عن أمن هذا المقر، لتمكّن من زرع العبوة داخل القاعة الرئيسية قبل الاجتماع، وتفجيرها عن بعد بأول الاجتماع. فالتوقيت يظهر أن القنبلة جرى زرعها أثناء الاجتماع وليس قبله. حيث جرى التفجير وقت العصر، بينما الاجتماع بدأ التاسعة صباحا. ولا يمكن أن يكون من زرع عبوة في المصنع إلا من صفوف أحرار الشام ومن الملمين بجغرافية المكان. مما يدل على أنه هناك خيانة من داخل الحركة، وما يؤكد ذلك أيضا هو قلة عدد الأشخاص الذين كانوا على علم بساعة ومكان الاجتماع، الذي أتى إليه حسان عبود من خارج سوريا.
ومعلوم أن قادة احرار الشام ينتقون من يرافقهم ويعتمدون في ذلك على أشخاص ذوي عقيدة ويعرفونهم منذ زمن، سواء كانوا من أقاربهم أو رفاق سجنهم. ما يبعد فرضية تنفيذ العمل من أجل المال. فلم يبق إلا الاختراق الأيديلوجي والذي لم يفلح به إلا داعش والنصرة، كما حدث في اغتيال يعقوب العمر وأبو خالد السوري، أو أن الاغتيال من الداخل.
كما أن حالة اللامبالاة والتقصير بإسعاف المصابين تثير الريبة. فهناك انفجار واحد سُمع صداه في المنطقة في الساعة الرابعة وعشرين دقيقة. واستمرت عملية انبعاث الدخان لأكثر من ساعتين من الساعة الرابعة وعشرين دقيقة حتى الساعة السادسة والنصف. وبالرغم من قرب المنطقة النسبي من مدينة الدانا (ربع ساعة) ومن معبر باب الهوى، تم ترك الحريق ساعتين دون إنقاذ القادة داخله. وكان بإمكان المرافقين اقتحام المكان عن طريق سيارة حسان عبود المصفحة وإنقاذ من تبقى، لكنهم بقوا متفرجين وكأن هناك أوامر بعدم الدخول.
كما أن المقر مجهز بكاميرات مراقبة، فتم على الفور تشكيل لجنة تحقيق مريبة قامت بإتلاف أشرطة المراقبة. كما قامت فورا بتطويق المكان ومنعوا بالسلاح أي تصوير للمقر ممن أتى للإنقاذ. كما قاموا في اليوم التالي بإخلاء المقر من جميع محتوياته وسحب بقايا الأسلحة والتأكد من دفن الجثث دون أخذ عينات. أي كان عملهم إتلاف أي أدلة تظهر القاتل ومنع أي لجان تحقيق أخرى من الاقتراب من المكان ومعرفة الحقيقة.
وبنفس الوقت حصل اجتماع سري خلال الليل وتم تشكيل قيادة جديدة معظم أعضائها كانوا تنظيميا خارج حركة الأحرار، ليتم إعلان هذا في اليوم التالي بشكل أدهش المراقبين. وتم وضع شخصية ضعيفة كواجهة حسنة للتنظيم وهي هاشم الشيخي أبو جابر المسكني، أي من بلدة مسكنة على الفرات، أميراً وقائداً عاماً لها خلفاً للحموي. بينما القيادة الحقيقية هي لنائبه خالد أبو أنس سراقب. ومن الشخصيات القوية الجديدة أبو جميل قطب من بنش. وكذلك أبو صالح الطحان من قرية تفتناز بريف إدلب وهو القائد العسكري الجديد. وأبو محمد الصادق الشرعي الجديد.
أبو أنس سراقب لم يكن تنظيميا من قيادات الصف الأول، لكن كان له نفوذ كبير لأنه يعرف الداعمين، ومعظم تمويل الحركة يتم عن طريقه. وكان أبرز الشخصيات التي كانت تُعطّل الاندماجات والعمل السياسي، حيث أنه يحمل نفس فكر القاعدة. وكان أشد المعارضين للفكر الإصلاحي الذي قاده القياديون الشهداء. والسؤال الغريب هو كيف يغيب عن أحد أهم اجتماعات الحركة مع أنه عضو في مجلس الشورى؟ كيف يغيب وقد حضر أشخاص أقل أهمية منه بكثير؟ وكيف يقرر مصير الحركة ويتفرد بإعلان قيادة جديدة من شخصيات من خارج الأحرار دون استشارة أمراء الكتائب؟
علما أن عدد من قيادات الحركة في الجنوب مثل دمشق وريفها لم يحضروا الاجتماع لصعوبة السفر للشمال، ومع ذلك لم يتم استشارتهم في القيادة الجديدة. وقد كان أبو العباس الشامي المسؤول الشرعي للجبهة الإسلامية فلماذا لم يتم إرجاعه كمسؤول شرعي بعد استشهاد نائبه أبي عبد الملك بدلا من جلب شخص من خارج الأحرار كلها وهو أبو محمد الصادق؟ مع أن الأخير كان مرفوضا دخوله للأحرار لأنه كان أمير القاعدة في سوريا قبل الثورة.
أبو صالح طحان كان معارضا جدا للإصلاحات الفكرية التي قام بها القادة الشهداء. وقد ترك الحركة لأنه رآها “تتحول إلى جيش حر” كما قال. كما كتب على صفحته في الفيس بوك أن من سيقاتل جبهة النصرة فسيقاتله هو “كائنا من كان”. وقد ترك الحركة معه أبو جميل قطب، قبل شهر من الحادثة. وكانا يفكران في إنشاء تجمع جديد.
فما الذي حدث وجعلهما يرجعان فجأة؟ هل تلقيا ضمانات بأن أحرار الشام قد ألغت الفكر الإصلاحي وسترجع لفكر القاعدة وأخوة المنهج؟ كيف تم اختيار هؤلاء خلال الليل، وتم تجاهل باقي أعضاء مجلس الشورى وقادة الألوية العسكرية؟ ولماذا تم اختيار القيادة الجديدة ممن يحملون فكر القاعدة ويتعاطفون مع النصرة؟ أم هو أمر دبّر بليل؟
ويزول الاستغراب عندما نعلم أن قادة “أحرار الشام” اجتمعوا، قبل مقتلهم بأيام قليلة، مع الجولاني لمناقشة العلاقة بينهما ومشاريع كل طرف. وكان الاجتماع عاصفاً، غلب فيه على الجولاني الغضب على غير عادته، وشهدت المناقشات بين الطرفين مشاحنات عنيفة، حتى أن الجولاني خرج عن طوره أكثر من مرة ووبّخ “قادة الأحرار” على تراجعهم عن نهج “القاعدة”، ملمحاً إلى التخوين والخذلان. وأبلغهم الجولاني نيته استكمال مشروعه بإنشاء إمارة إسلامية في ريف إدلب، وعندما عارضوه في ذلك، هدد بأن الحرب ستكون بينه وبين كل من يقف بوجهه. وانتهى الاجتماع ليقتل “قادة الأحرار” بعده بأيام فقط.
علما أن قادة الحركة كانوا في اجتماعهم يهيّؤون لإعلان توحد مع جيش المجاهدين ومع كتائب نور الدين الزنكي، أقوى الفصائل في حلب. وكان سيتم بحث تفعيل مبادرة “واعتصموا”. وأيضا تحويل أحرار الشام من تنظيم نخبوي جهادي، إلى تنظيم شعبي يضم كافة أصناف الشعب. وكان هذا هو أشد ما يعارضه أبو أنس سراقب، ومن يحمل نهج القاعدة. والعجيب أن أول شيء اقترحه بعد اجتماع القيادة الجديدة هو فك الارتباط مع لواء التوحيد وإيقاف الاندماج مع الزنكي وجيش المجاهدين. هل هذا صدفة؟ فلماذا لم يصدر أي تقرير رسمي عما حدث بعد شهرين ونصف؟
تعليق