أهمية إنشاء وكالة الفضاء السعودية
د. حمد بن عبدالله اللحيدان
الإسلام دين الانفتاح على الآخر والبحث والتحقق والريادة في كل شيء، سواء في الحياة أو بعد الممات. وقد كان من أهم وسائل دين الإسلام للاقناع والفهم، دعوته إلى التفكير في كل شيء متاح، بما في ذلك ملكوت السموات والأرض، وهذا يعني إطلاق ملكة التفكير والبحث عن الحقائق، قال الله تعالى: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الأرض كيف سطحت). وقال تعالى: (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون). وقال تعالى: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون). نعم القرآن يشتمل على عدد كثير من الآيات التي تحث على التدبر والتفكر في ملكوت السموات والأرض والكون بصورته العامة، وذلك للوصول إلى الإيمان من خلال الحقائق التي يجب أن يكون المسلمون روادها والمبدعين فيها، خصوصاً ان العرب برعوا في الاهتداء بالنجوم والكواكب في حلهم وترحالهم. والعلماء المسلمون برعوا في علم الفلك، فكانوا الرواد في هذا المجال، وتفوقوا على من سبقهم من علماء الحضارات السابقة مثل اليونان والرومان وغيرهم. نعم ان الإيمان مع العلم هو أسمى أنواع الإيمان، وقد قال تعالى:
(هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون). هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن العبادات الإسلامية لها بعد كوني، مثل: أهمية رؤية الأهلة لتحديد بداية الشهور العربية، خصوصاً شهري رمضان وذي الحجة، ومثل متابعة حركة الشمس لتحديد أوقات الصلوات. وكذلك أهمية تحديد اتجاه القبلة، والجهات الأصلية، وقد حدد الإسلام صلوات خاصة للأحداث الفلكية، مثل: صلاة الخسوف، وصلاة الكسوف، وأهمية تدبرهما. كل ذلك جعل علم الفلك ذا أهمية في حياة المسلمين الأوائل. أما مسلمو اليوم فإنهم يكتفون بالحصول على المعلومات من مراكز الفلك المتقدمة في الدول المتقدمة، وكأن الأمر لا يعنيهم. لقد حمل المسلمون الأوائل لواء البحث والتحقيق والاستكشاف في مجال علم الفلك، وقد برز منهم البيروني، وابن الهيثم، وأبو برزة الجبلي، والبرزجاني، وتعاسيف، وثاقب بن قدة، والخوارزمي، والدينوري، والسرقطي، وشجاع بن أسلم، والصاغاني، والضرير البيهقي، وغيرهم كثير. وقد اشتهرت كل من بغداد ودمشق والقاهرة كمراكز للبحث في علم الفلك وكمواقع للعدد من المراصد الفلكية المشهورة والعلماء المميزين. وقد نشطت في تلك العهود حركة الترجمة والتأليف في علم الفلك، خصوصاً في عهد الدولة العباسية وما بعدها. وقد امتد البحث من شرق الدولة الإسلامية إلى غربها في الأندلس. وقد خلفت تلك الجهود عدداً كبيراً من المؤلفات العربية والفارسية وغيرها من المواقع واللغات الإسلامية. ولا زال عدد من تلك المؤلفات مجهولة؛ لأنها لا تزال على شكل مخطوطات لم تمتد إليها يد الباحثين والمحققين المتخصصين، ولا يزال تاريخ الفلك الإسلامي غير مكتمل. هذا وقد كان من أهم معالم اهتمام المسلمين بعلم الفلك بناء المراصد، حيث بنى الخليفة المأمون مرصداً عظيماً في بغداد، وآخر على جبل قاسيون في دمشق، وبنى الحاكم بأمر الله الفاطمي مرصداً على جبل المقطم قرب القاهرة. وكانت هناك مراصد في كل من أصفهان، وانطاكية، والشام، واستنابول، إضافة إلى أعداد أخرى في أماكن متفرقة من الدولة الإسلامية. أما أهم الآلات الفلكية الإسلامية فهي الاصطرلاب، ثم ذات الربعين. نعم لقد كانت جهود المسلمين في مجال علم الفلك هي المنطلق الذي بدأ من الغرب بانطلاقته الفلكية، التي جعلته اليوم يغزو الفضاء ويجوب أركانه بينما المسلمون يتفرجون مبهورين بما يحققه غيرهم من إنجاز وتفوق وطموح. العالم العربي يقع في قلب العالم، ولديه من المميزات الجغرافية، والديموغرافية، والثروات الطبيعية، والممرات المائية، إضافة إلى توسطه العالم وملتقى مواصلاته جواً وبراً وبحراً فضلاً عن امتداد مساحته، وتنوع طبوغرافيته، لذلك فهو مؤهل لأن يؤدي دوراً حيوياً في جميع المجالات السياسية، والاقتصادية، والعلمية. إلا ان ذلك قد تم إدراكه من قبل أعداء الأمة لذلك لجؤوا إلى سياسة فرق تسد، لحرمان هذه الأمة من تلك المميزات التي قل أن تجتمع لأمة واحدة. وسياسة فرق تسد هي التي مزقت الصف العربي، وأذهبت ريحهم، وجعلت منهم أضحوكة العالم؛ لأنهم غير مدركين وغير قادرين على الارتقاء إلى مستوى النعمة التي يملكونها. إن العصر الحاضر يشهد ثورة تقنية هائلة في مجال الاتصالات وأبحاث الفضاء، وقاعدتها الأساسية علوم الحاسب الآلي، فضلاً عن أهمية ذلك في مجال اقتصاد المعرفة ومفرداته. إن مواكبة التطور العالمي لا تتم من خلال استيراد مخرجات التقنية واستخدامها إنما يتم من خلال توطين تلك التقنية، ومن ثم تطويرها من خلال البحث والتطوير والابتكار، وبالتالي تصديرها وجعلها سلعة وطنية المنشأ، واستخدامها في الأغراض المختلفة، سواء كانت علمية، أو صناعية، أو استكشافية، أو اقتصادية، ذلك أن من يملك الوسيلة يستطيع الوصول إلى الغاية. نعم إن التقدم ليس مظاهر، بل هو جوهر لابد من امتلاكه؛ لكي يكون المظهر انعكاساً للجوهر. إن الجوهر يصمد عند الاحتكاك، أما المظاهر البراقة فإنها تسقط عند وضعها على المحك. وقد أثبتت الأزمة المالية والاقتصادية التي أحاقت بالعالم صدق ذلك، وأهمية الاعتماد على الأمور الجوهرية، وعدم الركون إلى المظاهر البراقة. نعم لقد تم إنشاء عدد من المؤسسات العلمية العربية، وذلك مثل المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية، إلا أن الأهداف الكبرى لتلك المؤسسة لاتزال أقل من الطموح، حيث إن دورها في مجال إجراء البحوث والدراسات الخاصة بعلوم الفضاء وتشجيع الصناعات اللازمة لتجهيزات القطاع الفضائي، والمحطات الأرضية، والمساعدة على توطين تقنية الاتصالات لم يتم. ومازالت تلك المؤسسة مثل غيرها من المؤسسات تعتمد على غيرها في وضع أقمارها الصناعية في مدارها حول الأرض، على الرغم من عمرها المديد. نعم الأمريكيون يملكون وكالة ناسا الفضائية، والفرنسيون يملكون وكالة إيروسباسيال الفضائية، والأوروبيون يملكون وكالة ايربان الفضائية، واليابانيون يملكون وكالة ان اي سي الفضائية، والألمان يملكون شركة ديناكون الفضائية. أما العرب مجتمعين، أو متفرقين، لا يملكون محطة فضاء واحدة، بل هم يعتمدون على الوكالات السابقة في مجال التصميم، والاشراف، والتصنيع، والإطلاق، لكل من الجيل الأول والثاني والثالث، من أقمار عرب سات، ولايزال العرب يعتمدون على الوكالات الدولية والسوق العالمية في كل ما يتعلق بالتقنية الفضائية، أو التقنيات الأخرى. ولم يحفزهم أو يثير الغيرة لديهم أن دولة بحجم إسرائيل، أو بقدرات الهند، أو محاولات إيران، ويجعلهم يتحركون لحماية مصالحهم والمحافظة على أجوائهم من الانتهاك والتجسس الفضائي إن فاقد الشيء لا يستطيع أن يشارك فيه حتى لمصلحته الذاتية. إن صناعة الفضاء اليوم أصبحت في غاية الأهمية من الناحية العسكرية، والاقتصادية، والأمنية، وبالتالي لابد وأن يتم إيلاء ذلك الموضوع أهمية ترقى إلى مستوى أهميته، من ذلك كله نقول إن المملكة اليوم مندوبة للاهتمام بصناعة الفضاء؛ وذلك لما تتمتع به المملكة من مساحة شاسعة؛ ولأنها اليوم تعتمد على الأقمار الصناعية في مجال الاتصالات، ولأنها تحتاج إلى الأقمار الصناعية في مجال مراقبة الحدود، والمياه الاقليمية، والأجواء، وكذلك في مجال الاستكشاف عن الماء، والنفط، وغيرهما من الثروات، فضلاً عن متابعة التغيرات المناخية، والعواصف الرملية، وغيرها من الخدمات المهمة؛ لذلك فإن المملكة اليوم مندوبة أكثر من غيرها إلى إنشاء وكالة للفضاء تعنى بالأمور السابقة وغيرها مما لم يذكر أو يستجد؛ لأن ذلك جزء من أمنها الوطني لا ينبغي أن يتم التعاقد مع الآخرين للقيام به؛ لأن هذا جزء من السيادة الوطنية على الأجواء، والحدود، والاقتصاد، والاتصالات، وغيرها من الأمور الجوهرية. إن إنشاء وكالة الفضاء السعودية أصبح من الأهمية بمكان وذلك لأن: * تلك الوكالة سوف تقوم بتوطين جميع التقنيات اللازمة للخدمات المنوطة بها، سواء في مجال الاتصالات، أو مراقبة الأجواء والحدود، أو استكشاف الثروات، أو الأبحاث ذات العلاقة، أو الدراسات البيئية والعسكرية والأمنية. * إن إنشاء وكالة فضاء على درجة عالية من المهنية سوف يجعل منها مركزاً عالمياً ينشده عدد كبير من المحتاجين إلى تلك الخدمات، مثل: تصميم الأقمار الصناعية، أو اطلاقها، أو غير ذلك من الخدمات، وهذا سوف يجعل منها مصدر دخل اقتصادي واعد. * كما أن إنشاء الأقسام والمختبرات المساندة، والتعاون مع الجامعات، وحثها على تدريس العلوم ذات العلاقة، وتخريج المتخصصين في تلك المجالات، والاستفادة من العقول العربية المهاجرة والعاملة في تلك المجالات، من أهم واجباتها. * إن الأجواء العربية أصبحت منتهكة بواسطة الأقمار الصناعية، التي تطلقها الدول المناوئة، مثل: إسرائيل، أو تستطيع الاستفادة من المعلومات التي تجمعها الأقمار الصناعية، التي تجوب الفضاء العربي لمصلحة بعض الدول المتقدمة، مثل: أمريكا وغيرها. * حيث إن الشرق الأوسط يفتقر إلى وجود وكالة فضاء مؤهلة؛ لتقديم الخدمات السابقة، فإن إنشاء وكالة الفضاء السعودية يعد سبقاً لدولة متوازنة ومأمونة وموثوق بها، وبذلك سوف تكون مثل تلك الوكالة في خدمة الأمن والاستقرار العربي من المحيط إلى الخليج. * إن البدء في إعداد الدراسات الميدانية، والجدوى الاقتصادية والأمنية والبيئية، يجب أن يكون بأيد وطنية مخلصة، على قدر عال من الوعي والإدراك والمهنية والتخصص، آخذة في الحسبان التجارب العالمية والوقوف عليها، وعدم الاعتماد على نصائح الآخرين الذين لا يرغبون في أن نملك مثل ذلك الصرح العلمي المميز. * إن البداية لابد أن تكون قوية وطموحة ومتواكبة مع إعداد كوادر وطنية متخصصة ومخلصة، وذات وعي بالطموحات والأبعاد التي يجب أن تضطلع بها تلك الوكالة وما تحمله من رسالة في غاية الأهمية لتحقيق الغاية المرغوبة. * نعم إن إنشاء وكالة الفضاء السعودية أصبح في غاية الأهمية، ذلك أن المملكة اليوم، تملك المقومات الأساسية لمثل ذلك التوجه، فضلاً عن حاجة المملكة إلى امتلاك مثل ذلك الصرح التقني العالي الأهمية، إضافة إلى قدرتها المادية على تحقيق ذلك. ليس هذا فحسب بل إن المملكة اليوم - بقيادة الملك عبدالله وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني - حفظهم الله - لديها طموحات كبرى تسعى إلى تحقيقها، ووكالة الفضاء السعودية واحدة من تلك الطموحات، ليس هذا فحسب، بل إن المملكة لديها نواة في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لديها كثير من البرامج التي يمكن أن تكون نواة نحو ذلك التوجه. هذا وقد شاركت المملكة في الرحلات الفضائية عام 1986م من خلال رائد الفضاء العربي والمسلم والأول، صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، الذي كان له صدى كبيراً. وهذا ما يعني أن المملكة لاتزال تولي ذلك الموضوع اهتماماً كبيراً.. والله المستعان.
http://www.alriyadh.com/2009/07/24/article447092.html
د. حمد بن عبدالله اللحيدان
الإسلام دين الانفتاح على الآخر والبحث والتحقق والريادة في كل شيء، سواء في الحياة أو بعد الممات. وقد كان من أهم وسائل دين الإسلام للاقناع والفهم، دعوته إلى التفكير في كل شيء متاح، بما في ذلك ملكوت السموات والأرض، وهذا يعني إطلاق ملكة التفكير والبحث عن الحقائق، قال الله تعالى: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الأرض كيف سطحت). وقال تعالى: (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون). وقال تعالى: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون). نعم القرآن يشتمل على عدد كثير من الآيات التي تحث على التدبر والتفكر في ملكوت السموات والأرض والكون بصورته العامة، وذلك للوصول إلى الإيمان من خلال الحقائق التي يجب أن يكون المسلمون روادها والمبدعين فيها، خصوصاً ان العرب برعوا في الاهتداء بالنجوم والكواكب في حلهم وترحالهم. والعلماء المسلمون برعوا في علم الفلك، فكانوا الرواد في هذا المجال، وتفوقوا على من سبقهم من علماء الحضارات السابقة مثل اليونان والرومان وغيرهم. نعم ان الإيمان مع العلم هو أسمى أنواع الإيمان، وقد قال تعالى:
(هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون). هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن العبادات الإسلامية لها بعد كوني، مثل: أهمية رؤية الأهلة لتحديد بداية الشهور العربية، خصوصاً شهري رمضان وذي الحجة، ومثل متابعة حركة الشمس لتحديد أوقات الصلوات. وكذلك أهمية تحديد اتجاه القبلة، والجهات الأصلية، وقد حدد الإسلام صلوات خاصة للأحداث الفلكية، مثل: صلاة الخسوف، وصلاة الكسوف، وأهمية تدبرهما. كل ذلك جعل علم الفلك ذا أهمية في حياة المسلمين الأوائل. أما مسلمو اليوم فإنهم يكتفون بالحصول على المعلومات من مراكز الفلك المتقدمة في الدول المتقدمة، وكأن الأمر لا يعنيهم. لقد حمل المسلمون الأوائل لواء البحث والتحقيق والاستكشاف في مجال علم الفلك، وقد برز منهم البيروني، وابن الهيثم، وأبو برزة الجبلي، والبرزجاني، وتعاسيف، وثاقب بن قدة، والخوارزمي، والدينوري، والسرقطي، وشجاع بن أسلم، والصاغاني، والضرير البيهقي، وغيرهم كثير. وقد اشتهرت كل من بغداد ودمشق والقاهرة كمراكز للبحث في علم الفلك وكمواقع للعدد من المراصد الفلكية المشهورة والعلماء المميزين. وقد نشطت في تلك العهود حركة الترجمة والتأليف في علم الفلك، خصوصاً في عهد الدولة العباسية وما بعدها. وقد امتد البحث من شرق الدولة الإسلامية إلى غربها في الأندلس. وقد خلفت تلك الجهود عدداً كبيراً من المؤلفات العربية والفارسية وغيرها من المواقع واللغات الإسلامية. ولا زال عدد من تلك المؤلفات مجهولة؛ لأنها لا تزال على شكل مخطوطات لم تمتد إليها يد الباحثين والمحققين المتخصصين، ولا يزال تاريخ الفلك الإسلامي غير مكتمل. هذا وقد كان من أهم معالم اهتمام المسلمين بعلم الفلك بناء المراصد، حيث بنى الخليفة المأمون مرصداً عظيماً في بغداد، وآخر على جبل قاسيون في دمشق، وبنى الحاكم بأمر الله الفاطمي مرصداً على جبل المقطم قرب القاهرة. وكانت هناك مراصد في كل من أصفهان، وانطاكية، والشام، واستنابول، إضافة إلى أعداد أخرى في أماكن متفرقة من الدولة الإسلامية. أما أهم الآلات الفلكية الإسلامية فهي الاصطرلاب، ثم ذات الربعين. نعم لقد كانت جهود المسلمين في مجال علم الفلك هي المنطلق الذي بدأ من الغرب بانطلاقته الفلكية، التي جعلته اليوم يغزو الفضاء ويجوب أركانه بينما المسلمون يتفرجون مبهورين بما يحققه غيرهم من إنجاز وتفوق وطموح. العالم العربي يقع في قلب العالم، ولديه من المميزات الجغرافية، والديموغرافية، والثروات الطبيعية، والممرات المائية، إضافة إلى توسطه العالم وملتقى مواصلاته جواً وبراً وبحراً فضلاً عن امتداد مساحته، وتنوع طبوغرافيته، لذلك فهو مؤهل لأن يؤدي دوراً حيوياً في جميع المجالات السياسية، والاقتصادية، والعلمية. إلا ان ذلك قد تم إدراكه من قبل أعداء الأمة لذلك لجؤوا إلى سياسة فرق تسد، لحرمان هذه الأمة من تلك المميزات التي قل أن تجتمع لأمة واحدة. وسياسة فرق تسد هي التي مزقت الصف العربي، وأذهبت ريحهم، وجعلت منهم أضحوكة العالم؛ لأنهم غير مدركين وغير قادرين على الارتقاء إلى مستوى النعمة التي يملكونها. إن العصر الحاضر يشهد ثورة تقنية هائلة في مجال الاتصالات وأبحاث الفضاء، وقاعدتها الأساسية علوم الحاسب الآلي، فضلاً عن أهمية ذلك في مجال اقتصاد المعرفة ومفرداته. إن مواكبة التطور العالمي لا تتم من خلال استيراد مخرجات التقنية واستخدامها إنما يتم من خلال توطين تلك التقنية، ومن ثم تطويرها من خلال البحث والتطوير والابتكار، وبالتالي تصديرها وجعلها سلعة وطنية المنشأ، واستخدامها في الأغراض المختلفة، سواء كانت علمية، أو صناعية، أو استكشافية، أو اقتصادية، ذلك أن من يملك الوسيلة يستطيع الوصول إلى الغاية. نعم إن التقدم ليس مظاهر، بل هو جوهر لابد من امتلاكه؛ لكي يكون المظهر انعكاساً للجوهر. إن الجوهر يصمد عند الاحتكاك، أما المظاهر البراقة فإنها تسقط عند وضعها على المحك. وقد أثبتت الأزمة المالية والاقتصادية التي أحاقت بالعالم صدق ذلك، وأهمية الاعتماد على الأمور الجوهرية، وعدم الركون إلى المظاهر البراقة. نعم لقد تم إنشاء عدد من المؤسسات العلمية العربية، وذلك مثل المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية، إلا أن الأهداف الكبرى لتلك المؤسسة لاتزال أقل من الطموح، حيث إن دورها في مجال إجراء البحوث والدراسات الخاصة بعلوم الفضاء وتشجيع الصناعات اللازمة لتجهيزات القطاع الفضائي، والمحطات الأرضية، والمساعدة على توطين تقنية الاتصالات لم يتم. ومازالت تلك المؤسسة مثل غيرها من المؤسسات تعتمد على غيرها في وضع أقمارها الصناعية في مدارها حول الأرض، على الرغم من عمرها المديد. نعم الأمريكيون يملكون وكالة ناسا الفضائية، والفرنسيون يملكون وكالة إيروسباسيال الفضائية، والأوروبيون يملكون وكالة ايربان الفضائية، واليابانيون يملكون وكالة ان اي سي الفضائية، والألمان يملكون شركة ديناكون الفضائية. أما العرب مجتمعين، أو متفرقين، لا يملكون محطة فضاء واحدة، بل هم يعتمدون على الوكالات السابقة في مجال التصميم، والاشراف، والتصنيع، والإطلاق، لكل من الجيل الأول والثاني والثالث، من أقمار عرب سات، ولايزال العرب يعتمدون على الوكالات الدولية والسوق العالمية في كل ما يتعلق بالتقنية الفضائية، أو التقنيات الأخرى. ولم يحفزهم أو يثير الغيرة لديهم أن دولة بحجم إسرائيل، أو بقدرات الهند، أو محاولات إيران، ويجعلهم يتحركون لحماية مصالحهم والمحافظة على أجوائهم من الانتهاك والتجسس الفضائي إن فاقد الشيء لا يستطيع أن يشارك فيه حتى لمصلحته الذاتية. إن صناعة الفضاء اليوم أصبحت في غاية الأهمية من الناحية العسكرية، والاقتصادية، والأمنية، وبالتالي لابد وأن يتم إيلاء ذلك الموضوع أهمية ترقى إلى مستوى أهميته، من ذلك كله نقول إن المملكة اليوم مندوبة للاهتمام بصناعة الفضاء؛ وذلك لما تتمتع به المملكة من مساحة شاسعة؛ ولأنها اليوم تعتمد على الأقمار الصناعية في مجال الاتصالات، ولأنها تحتاج إلى الأقمار الصناعية في مجال مراقبة الحدود، والمياه الاقليمية، والأجواء، وكذلك في مجال الاستكشاف عن الماء، والنفط، وغيرهما من الثروات، فضلاً عن متابعة التغيرات المناخية، والعواصف الرملية، وغيرها من الخدمات المهمة؛ لذلك فإن المملكة اليوم مندوبة أكثر من غيرها إلى إنشاء وكالة للفضاء تعنى بالأمور السابقة وغيرها مما لم يذكر أو يستجد؛ لأن ذلك جزء من أمنها الوطني لا ينبغي أن يتم التعاقد مع الآخرين للقيام به؛ لأن هذا جزء من السيادة الوطنية على الأجواء، والحدود، والاقتصاد، والاتصالات، وغيرها من الأمور الجوهرية. إن إنشاء وكالة الفضاء السعودية أصبح من الأهمية بمكان وذلك لأن: * تلك الوكالة سوف تقوم بتوطين جميع التقنيات اللازمة للخدمات المنوطة بها، سواء في مجال الاتصالات، أو مراقبة الأجواء والحدود، أو استكشاف الثروات، أو الأبحاث ذات العلاقة، أو الدراسات البيئية والعسكرية والأمنية. * إن إنشاء وكالة فضاء على درجة عالية من المهنية سوف يجعل منها مركزاً عالمياً ينشده عدد كبير من المحتاجين إلى تلك الخدمات، مثل: تصميم الأقمار الصناعية، أو اطلاقها، أو غير ذلك من الخدمات، وهذا سوف يجعل منها مصدر دخل اقتصادي واعد. * كما أن إنشاء الأقسام والمختبرات المساندة، والتعاون مع الجامعات، وحثها على تدريس العلوم ذات العلاقة، وتخريج المتخصصين في تلك المجالات، والاستفادة من العقول العربية المهاجرة والعاملة في تلك المجالات، من أهم واجباتها. * إن الأجواء العربية أصبحت منتهكة بواسطة الأقمار الصناعية، التي تطلقها الدول المناوئة، مثل: إسرائيل، أو تستطيع الاستفادة من المعلومات التي تجمعها الأقمار الصناعية، التي تجوب الفضاء العربي لمصلحة بعض الدول المتقدمة، مثل: أمريكا وغيرها. * حيث إن الشرق الأوسط يفتقر إلى وجود وكالة فضاء مؤهلة؛ لتقديم الخدمات السابقة، فإن إنشاء وكالة الفضاء السعودية يعد سبقاً لدولة متوازنة ومأمونة وموثوق بها، وبذلك سوف تكون مثل تلك الوكالة في خدمة الأمن والاستقرار العربي من المحيط إلى الخليج. * إن البدء في إعداد الدراسات الميدانية، والجدوى الاقتصادية والأمنية والبيئية، يجب أن يكون بأيد وطنية مخلصة، على قدر عال من الوعي والإدراك والمهنية والتخصص، آخذة في الحسبان التجارب العالمية والوقوف عليها، وعدم الاعتماد على نصائح الآخرين الذين لا يرغبون في أن نملك مثل ذلك الصرح العلمي المميز. * إن البداية لابد أن تكون قوية وطموحة ومتواكبة مع إعداد كوادر وطنية متخصصة ومخلصة، وذات وعي بالطموحات والأبعاد التي يجب أن تضطلع بها تلك الوكالة وما تحمله من رسالة في غاية الأهمية لتحقيق الغاية المرغوبة. * نعم إن إنشاء وكالة الفضاء السعودية أصبح في غاية الأهمية، ذلك أن المملكة اليوم، تملك المقومات الأساسية لمثل ذلك التوجه، فضلاً عن حاجة المملكة إلى امتلاك مثل ذلك الصرح التقني العالي الأهمية، إضافة إلى قدرتها المادية على تحقيق ذلك. ليس هذا فحسب بل إن المملكة اليوم - بقيادة الملك عبدالله وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني - حفظهم الله - لديها طموحات كبرى تسعى إلى تحقيقها، ووكالة الفضاء السعودية واحدة من تلك الطموحات، ليس هذا فحسب، بل إن المملكة لديها نواة في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لديها كثير من البرامج التي يمكن أن تكون نواة نحو ذلك التوجه. هذا وقد شاركت المملكة في الرحلات الفضائية عام 1986م من خلال رائد الفضاء العربي والمسلم والأول، صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، الذي كان له صدى كبيراً. وهذا ما يعني أن المملكة لاتزال تولي ذلك الموضوع اهتماماً كبيراً.. والله المستعان.
http://www.alriyadh.com/2009/07/24/article447092.html
تعليق