إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الاستراتيجية البحرية والملاحية الإيرانية

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الاستراتيجية البحرية والملاحية الإيرانية

    * تنويه:
    - هذه الدراسة قمت بترجمتها لإحدى الجهات في البحرين، وأخذت منهم الموافقة لنشرها بالمنتدى.
    - تاريخ الدراسة 10 أكتوبر 2013 وقمت بترجمتها في الأول من نوفمبر 2013، أي قبل أيام قليلة من الاتفاق الدولي في اجتماع 5 + 1 حول الملف النووي الإيراني.
    - جميع المصطلحات والتسميات تمت ترجمتها كما وردت في الدراسة، إلا مسمى الخليج فقد قمت بترجمته إلى التسمية الصحيحة "الخليج العربي".
    - الدراسة طويلة، عدد صفحاتها 38 صفحة، وبالتالي سأقسمها إلى عدة أقسام وسأدرجهم تباعاً في شكل ردود.
    - نظراً لطول الدراسة سأحذف الهوامش Foot Notes، ومن يريد الهوامش يمكنه طلب ذلك وسأقوم بإدراجه.


    الاستراتيجية البحرية والملاحية الإيرانية

    ترجمة: عبير البحرين






    اسْتِهْلاَلُ

    من بين الأهداف الاستراتيجية للنظام الإيراني توسيع نطاق نفوذه في الشرق الأوسط وتقليص نفوذ دول الإقليم. وتعتبر القيادة الإيرانية أن الخليج العربي والجزء الأكبر من آسيا الوسطى "منطقة حدودها الخارجية القريبة" والتي ينبغي أن يكون للثقافة والمصالح الإيرانية نفوذ بارز فيها. وتؤكد التطورات الأخيرة التزام إيران بهذا الطموح وبأن لديها استراتيجية لتحقيقه بل وإحراز تقدم كبير نحو تحقق هذا الهدف. ولإيران فضلاً عن ذلك طموحات كبرى ودور بارز على المسرح العالمي مدفوعة بقدرات ونوايا لا يستهان بها ما يستدعي أن توضع في الاعتبار من جانب القوى العظمى.


    وفي معرض تعزيز الأهداف الاستراتيجية لإيران، فإن الدولة تستخدم أركان قوتها البحرية والملاحية المكونة من: القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIN)، سلاح البحرية للحرس الثوري الإسلامي (IRGCN)، وإلى جانب ذلك أسطولها الملاحي التجاري المتمثل في خطوط الشحن التجاري للجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRISL). وقد قامت إيران مؤخراً بتقليص حجم المناورات الملاحية وتحديد نطاقها الجغرافي. ولما كانت إيران دولة معزولة دولياً، فإن تخفيض حجم مناوراتها الملاحية والبحرية قد يبدو وكأن القدرات البحرية للدولة الإيرانية آخذة في التراجع أو أنها تفتقد الموارد الكافية لدعم عملياتها البحرية بما يحقق أهدافها الاستراتيجية، إلا أن طموحاتها الكبرى للعب دور بارز مع قدراتها ونواياها تجعلنا أن نتوقف عند استراتيجيتها البحرية والملاحية للبحث والتحليل وثم الدراسة.

    من حيث النظرة الأكثر شمولاً نجد بأنه على الرغم من تقلص مناوراتها البحرية وتحد من نطاقها الجغرافي، إلا أنها اتخذت ثلاثة خطوات لتعزيز طموحاتها الإستراتيجية الواسعة. فأولاً، أعادت ترتيب الأولويات الخاصة ببعض المناورات الملاحية المحلية لتصبح الأولوية هي السعي لتحقيق مطالبها الإقليمية المزعومة في الخليج العربي ومضيق هرمز وبحر قزوين. ثانياً، قامت القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بزيادة انتشارها على نطاق واسع دعماً لعلاقاتها الاستراتيجية مع شركائها الرئيسيين. ثم ثالثاً، ففي ذات الوقت الذي تستخدم فيه خطوط الشحن التجاري للجمهورية الإسلامية لتوفير الدعم اللوجستي للأهداف الإيرانية، فإنه من المحتمل أيضاً أن القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية تقوم بعمليات مماثلة. فإذا أخذنا كل هذه الخطوات مجتمعة معاً، فإنها تدل على أن إيران تقوم بتعديل وتوسيع نطاق أنشطتها الملاحية دعماً لأهدافها الاستراتيجية.

    ولإيران سيطرة فعلية على جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى في الخليج العربي. وعلى الرغم من أن دولة الإمارات تدفع بملكيتها لهذه الجزر بمقتضى القانون، إلا أن السيطرة الفعلية الإيرانية على الجزر الثلاث ليست محل نزاع عسكري، إذ أن إيران تضع في كل جزيرة من الجزر الثلاث حامية عسكرية ومشروعات تجارية. ومع قيامها بمناورات قصيرة المدى لتأكيد سيطرتها على الجزر المتنازع عليها، فإن إيران تأمل في تعزيز مطالب تملكها للجزر فضلاً عن إبراز قدراتها العسكرية في مواجهة أعدائها المحتملين. كما تستند إيران في مطالبها بملكية الجزر الثلاث إلى الحجج القانونية بضرورة سيطرتها على مداخل مضيق هرمز.

    وفي سياق متصل، استخدمت إيران القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية لتوسيع نطاق مطالبها في بحر قزوين. فإيران تحظى بسيطرة معترف بها دولياً على 12% من بحر قزوين، إلا أنها تدعي أن المساحة المقررة لها هي 20%. وقد قامت إيران في عام 2012 بإطلاق المدمرة (جمران 2) في بحر قزوين، كما أجرت مناورات بحرية لزرع ونزع الألغام. ومن الواضح أن هذه المدمرة وتلك المناورات تم تصميمها وتنفيذها بغرض توسيع نطاق المزاعم الإقليمية الإيرانية في بحر قزوين وهو المنطقة التي تتمتع بثراء في الثروات المعدنية ومصائد الأسماك المنتجة للكافيار والمدرة لأرباح هائلة.

    ولإيران علاقات وطيدة مع الصين تتجاوز تصدير النفط الإيراني. فقد قامت الصين بتصدير معدات عسكرية لإيران وأمدتها بتكنولوجيا متقدمة لدعم صناعاتها العسكرية. ويتم دعم العلاقات الإيرانية الصينية أيضاً بواسطة انتشار قوات بحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في الصين مما يعزز من مصداقية هذه القوات فيما يتعلق بقدراتها وإمكانياتها وبأنها شريك يعتمد عليه ويمكن للصين الوثوق به.

    وتعد إيران وروسيا شريكتان في دعم نظام بشار الأسد في سوريا كما أن للدولتين مصالح مشتركة في منطقة بحر قزوين. وفي الوقت الذي تنتشر فيه القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في المحيط الهادئ وتعزز إيران من علاقاتها مع الصين، فإنها أيضاً تصعد من دعمها للبحرية الروسية بواسطة السماح لها بالانتشار الممتد. وقد وضعت هذه القوات قاعدتها في بندر عباس تحت إمرة البحرية الروسية لتكون مرفأ صديقاً وآمناً يمكن لسفن البحرية الروسية استخدامه للتزود بالوقود والقيام بعمليات الاصلاح الفني إذا لزم الأمر، وهذه التسهيلات تيسر عمليات انتشار ممتد للبحرية الروسية من ميناء فلاديفوستك الروسي إلى قاعدتها في طرطوس بسورية عبر ميناء بندر عباس بالخليج العربي.




    وترتبط إيران مع السودان في شراكة لنقل المعدات العسكرية الإيرانية لعملاء إيران ووكلائها في منطقة البحر المتوسط. ويتم نقل معظم الأسلحة من إيران إلى المتوسط عبر شبكة من المهربين الذين يستخدمون سفن خاصة صغيرة لنقل الأسلحة والمؤن من إيران إلى بورت سودان على البحر الأحمر، ومنه براً إلى منطقة البحر المتوسط. وتستخدم القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية ميناء بورت سودان كنقطة ارتكاز للتزود بالوقود والمؤن مما دعم من أواصر الشراكة الإيرانية السودانية، كما أن هذه الموانئ السودانية يمكن استخدامها لنقل الأسلحة والذخيرة وغيرها من الإمدادات والمعدات من إيران إلى السودان والعكس.

    وإلى جانب القيام بنشر القوات البحرية طويلة الأمد دعماً للعلاقات الاستراتيجية بين الصين وروسيا، فإن النظام الإيراني قد يكون استخدم القوات البحرية للجمهورية الإسلامية لخدمات النقل اللوجستي لمعدات عسكرية عالية القيمة أو للتحويلات النقدية الخاصة بتجارة النفط بين الصين وإيران. ومن الواضح أن النظام الإيراني يستخدم خطوط الشحن التجاري للجمهورية الإسلامية لخدمات النقل اللوجستي للإمدادات الأقل قيمة من وإلى إيران. ولما كانت معظم عمليات انتشار القوات البحرية للجمهورية الإسلامية تستخدم سفن نقل البضائع الثقيلة، فإنه من المرجح أن إيران تستخدم القوات البحرية لخدمة نفس الغرض.

    وتشير مجمل الشواهد على أن الأنشطة الملاحية الإيرانية التي تدعم الأهداف الاستراتيجية لتوسيع النفوذ الإيراني في المنطقة آخذة في الاتساع وليس التقلص. فالدولة الإيرانية ليست متراجعة ولا هي بالدولة المعزولة عن محيطها الدولي. فطموحاتها الاستراتيجية كبيرة والنظام الحاكم فيها يستخدم كياناته البحرية والملاحية المكونة من القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIN)، وسلاح البحرية للحرس الثوري الإسلامي (IRGCN)، والاسطول الملاحي التجاري المتمثل في خطوط الشحن التجاري للجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRISL)، كقوة ضاربة لتحقيق هذه الطموحات.



    البقية سأضعها تباعاً

    يرجى الانتظار قليلاً حتى أضع بقية الدراسة في المشاركات القادمة

  • #2
    رد: الاستراتيجية البحرية والملاحية الإيرانية

    الاستراتيجية البحرية والملاحية الإيرانية




    تشير المناورات البحرية الإيرانية الأخيرة واشتباكاتها الاستراتيجية في البحار إلى أن العقوبات الاقتصادية الدولية التي فرضت على النظام الإيراني لم تؤثر على قدراته في تعزيز خطوط الإمدادات بالأسلحة ودعم الجاهزية العسكرية لقواته بالتدريبات والمناورات المتواصلة والدخول في شراكات استراتيجية. فالواقع، أن النشاط البحري الممتد النطاق اتسع خلال الأشهر الـ 18 الماضية، وهو الاتساع الذي تزامن مع تطوير البرنامج النووي لإيران وزيادة وجودها المباشر داخل سوريا.
    وفي هذه الورقة البحثية سنغوص في أعماق هذه الاستراتيجية الايرانية بهدف معرفة كيف ولماذا قامت إيران بإعادة ترتيب أولويات أنشطتها البحرية.

    من منظور عام، هناك تفسيران محتملان لأسباب التوسع الإيراني في النشاط البحري من المجال المحلي داخل الخليج العربي إلى الانتشار الممتد النطاق خارج محيط الدولة المباشر خلال الأشهر الـ 18 الماضية. فأولاً، ترتبط إيران بشراكات استراتيجية مع روسيا والصين والسودان وسوريا. ومن المحتمل أن تكون إيران قد وضعت كأولوية القيام بنشر قواتها البحرية على نطاق ممتد ومتسع لخدمة هذه الارتباطات الاستراتيجية. فالزيارات المتكررة للسفن الإيرانية إلى موانئ الصين والسودان وسوريا للتزود بالوقود والمؤن، ووضع موانئها في خدمة سفن البحرية الروسية، كلها خدمات من شأنها تعزيز أواصر التعاون مع شركائها.

    وثانياً، قد يكون النظام الإيراني استخدم قواته البحرية والملاحية لتكون بمثابة شبكة نقل المواد عالية القيمة. إذ يبدو أن البحرية الإيرانية تقوم بنقل شحنات حساسة ربما لتزويد اتباعها بالسلاح أو الحصول على دعم وتعزيز لقدراتها العسكرية من شركائها الاستراتيجيين. ومما يدعم هذه الاحتمالية تحول أنشطتها البحرية من المناورات الكبرى بالذخيرة الحية داخل المياه الإقليمية خلال عام 2011 إلى الانتشار البحري خارج المياه الإقليمية في 2012 – 2013 ، خاصة إلى الصين وسريلانكا والسودان.

    وسوف تعكف الدراسة على وصف التوجهات الأخيرة للمناورات البحرية الإيرانية وانتشارها وأنشطة النقل البحري في عامي 2012 – 2013. وسوف تبحث في المصادر الإعلامية الإيرانية والعالمية وتوضيح الرسائل التي تحملها هذه المصادر في تقاريرها الإخبارية عن الأحداث. كما سنقوم بتقييم أهمية الأنشطة البحرية الإيرانية عبر ثلاث زوايا: الجاهزية البحرية الإيرانية، والشراكات الاستراتيجية الإيرانية في البحار، والإمكانيات اللوجستية البحرية لإيران. وسوف تختم الدراسة بتقييم السياق الحالي للأهداف الاستراتيجية الإيرانية على الصعيد العالمي.


    تأثير العقوبات الاقتصادية الدولية على القدرات العسكرية لإيران

    تعرض الاقتصاد الإيراني وصناعة النفط الإيراني لمؤثرات تراكمية من جراء العقوبات القانونية والإدارية والتنفيذية التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية بالإضافة إلى مجموعة العقوبات من الاتحاد الأوروبي. فقد انخفضت صادرات إيران من النفط إلى 1.5 مليون برميل يومياً، وهو أقل مستوى بلغته الصادرات النفطية الإيرانية منذ عام 1986 أثناء الحرب الإيرانية العراقية. وقد أفادت وكالة الأنباء الإيرانية شبه الرسمية "مهر" في تقرير لها صدر في شهر مارس أن تقديرات الحكومة الإيرانية لمعدلات التضخم السنوية في مارس بلغت 31.5%. ويرى العديد من المحللين الغربيين أن الرقم الفعلي للتضخم في إيران أعلى من ذلك كثيراً، مشيرين إلى أن التضخم هو العامل الأكثر تأثيراً في النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الرئاسية الإيرانية. وعلى حين توجد اختلافات في التقديرات الإحصائية، إلا أنه من الواضح أن الصادرات النفطية الإيرانية انخفضت بدرجة كبيرة، مما وضع الاقتصاد المحلي في معاناة قاسية.

    وقد اتخذت إيران عدداً من الإجراءات للالتفاف حول العقوبات. فعلى صعيد الدولة، كثفت الحكومة من علاقاتها التجارية لضمان استمرار تمويل النظام وذلك بواسطة الشركة الوطنية الإيرانية للنفط NIOC والشركة الوطنية الإيرانية للشاحنات NITC . وعلى الرغم من اشتراك الصين واليابان وكوريا الجنوبية ودول آسيوية أخرى في العقوبات الدولية على إيران، إلا أنه جميعهم لازالوا يستوردون النفط الإيراني بكميات كبيرة. بل أن الصين زادت وارداتها من النفط الإيراني مؤخراً، وهي الواردات التي بلغت ما يربو على 500 ألف برميل يومياً في فبراير 2013، بزيادة أكثر من 80% عن فبراير 2012.

    وفضلاً عن تصدير النفط للصين، فإن إيران تستورد من الصين الخبرات الفنية لتعظيم إنتاجها من الغاز والنفط. وفي مؤشر على تنامي الشراكة الاستراتيجية بين إيران والصين، فإن كل من الشركة الصينية الوطنية للنفط CNPC والشركة الوطنية الصينية للنفط البحري CNOOC تستثمران في العديد من مشروعات الغاز والنفط في إيران. وبالإضافة إلى التعاون الرسمي على صعيد الحكومتين، فإن إيران تستخدم شركات أجنبية كواجهة شكلية أو أطراف دولية تلتف على العقوبات ضد إيران وذلك لتهريب البضائع الإيرانية، مثل شركة ديمتريس كامبيس البونانية التي كونت شبكة من 14 شركة تعمل كواجهة شكلية داخل اليونان لتشغيل 8 شاحنات عملاقة لنقل النفط الإيراني. ومن خلال هاتين النافذتين، أي العلاقات الرسمية بين الحكومات وشبكات التهريب، تمكنت إيران من تسهيل مبيعات النفط وتوفير التدفقات النقدية لدعم نظامها. وفيما يتعلق بتهريب البضائع، أنشأت إيران عدداً من الشركات مع العديد من رجال الأعمال في منطقة الشرق الأوسط لتهريب البضائع التي تحتاجها إيران. ولعل أفضل ما يدل على مرونة الاقتصاد الإيراني وقدرته على الإلتفاف على العقوبات صفقات المقايضة التي أبرمتها إيران مع باكستان، حيث تحتاج باكستان إلى النفط والغاز الإيراني، وإيران تحتاج السلع الزراعية من باكستان، أي مقايضة النفط بالقمح، وبذلك تفادت إيران القيود المفروضة على التحويلات الإليكترونية عبر البنوك الغربية.

    ولم تفلح العقوبات في ردع إيران عن مواصلة برنامجها النووي، هذا فضلاً عن أن الإمدادات الإيرانية لدعم نظام الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان والمنظمات التابعة لها داخل سوريا وفي المنطقة كلها شواهد على استمرار قدرة إيران على تصنيع وتوزيع السلاح، وبالمثل فهي لا زالت قادرة على توسيع نطاق مناوراتها البحرية.


    قوتان بحريتان تأتمران بقيادة واحدة

    تنتظم المؤسسة العسكرية الإيرانية في إطار كيانين منفصلين: الأول القوات النظامية أو ما يطلق عليه "آرتيش" Artesh، والثاني هو سلاح البحرية للحرس الثوري الإسلامي، ولكل من الكيانين قوات برية وبحرية وجوية. وعموماً، فإن القوات العسكرية "آرتيش" تتبع الخطوط التقليدية للجيوش النظامية، بينما تضطلع سلاح الحرس الثوري، إلى جانب كونها قوة عسكرية مسلحة، بأنشطة اقتصادية وسياسية بارزة. ومن ثم، فإن البحرية الإيرانية تتكون من قوتين منفصلتين ولكن متكاملتين، لكل منهما أدوار مختلفة ومسئوليات جغرافية، فالبحرية التابعة لقوات "أرتيش" هي القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وأما سلاح البحرية للحرس الثوري الإسلامي فهو تابع للحرس الجمهوري الثوري الإسلامي، وكلاهما يضع على رأس الأولويات شن حروب لا نظامية لتعويض التفوق النوعي للعسكرية الغربية المتقدمة، بحيث أصبحت هذه الحروب هي جوهر الاستراتيجية العسكرية للبحرية الإيرانية.

    ومنذ ما بعد اندلاع الثورة في إيران، كانت كل من هاتين القوتين البحريتين في حالة تنافس. وبداية من عام 2007، قامت رئاسة أركان القوات المسلحة الإيرانية بإعادة هيكلة القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية والقوات البحرية للحرس الثوري الإسلامي بتقسيم الأدوار الجغرافية للعمليات البحرية لكل منها، حيث أنيط بالقوات البحرية للحرس الثوري الإيراني مهمة العمليات التي تجرى في الخليج العربي ومضيق هرمز وبحر عُمان، بينما تضطلع القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بمسئولية انتشار القوات خارج المياه الإقليمية وفي أعالي البحار والمحيطات. وقد ورد في تقرير معهد الدراسات الاستخبارية الحربية الصادر بعنوان "القوتان البحريتان لإيران" تفاصيل التعاون الوثيق بين القوتين بعد إعادة هيكلتهما مما انعكس على التناسق بينهما على صعيد تلقي الأوامر المشتركة والخطط التكتيكية للعمليات البحرية.

    وبينما تعد كل من القوتين البحريتين الإيرانيتين كيانان منفصلان لكل منهما معداته وأسلحته ونطاقه الجغرافي، إلا أنهما ينضويان تحت قيادة واحدة يرفعان إليها التقارير والممثلة في القائد الأعلى للثورة الإسلامية أية الله علي خامنئي الذي يرأس المجلس الأعلى للأمن الوطني، وقد تحقق لكل من القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية والقوات البحرية للحرس الثوري درجة من درجات الاستقلالية مؤخراً، إلا أن كلاهما يدين بالولاء والخضوع للقائد الأعلى الذي ترفع إليه التقارير وهو الذي يعين قيادات القوتين البحريتين.

    وبذلك فإن كل من القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وسلاح البحرية للحرس الثوري الإسلامي هيئة منفصلة ومستقلة بذاتها إلا أنها تنضوي تحت راية قيادة واحدة. ومن منظور استراتيجي، فإن كل منهما يتعاون مع الآخر ويدعمه. فالقوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني معدة إعداداً جيداً بالعتاد والأفراد للقيام بدور خفر السواحل وتنهض بمسؤوليته مراقبة المياه الإقليمية والبنية الأساسية للطاقة في الخليج العربي ومضيق هرمز، وهي مسلحة بالمعدات المخصصة لهذا الغرض والمتمثلة في قوارب الدوريات البحرية الصغيرة سريعة الحركة والمناورة في نطاقات محددة ومحدودة فضلاً عن قدرتها على نقل المعدات الثقيلة. وبذلك، فإن القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية تتفرغ للعمليات البحرية الخارجة عن نطاق المياه الإقليمية لتنطلق في مناورات استراتيجية في أعالي البحار والمحيطات ومع الدول المجاورة والشريكة لإيران.


    نموذج الجاهزية للبحرية الإيرانية



    من الأهمية الإشارة إلى أن القوات المسلحة الإيرانية تستخدم نموذجاً للجاهزية القتالية يختلف عن النموذج الأمريكي. فالأخير يعتمد على الأفراد من ذوي الكفاءة العالية ممن تلقوا تدريبات مكثفة، وعلى أنظمة الاتصالات والنقل المتقدمة والأسلحة التكنولوجية المتقدمة، فضلاً عن الدورات التدريبية المركبة والتي تُصمم بناء على سينوريات مختلفة للعمليات الحربية بالإضافة إلى قدرة المؤسسة العسكرية على نشر قواتها في الخارج لمدد زمنية تصل إلى عام وأكثر. وتتمتع البحرية الأمريكية يتفوق نوعي على القوتين البحريتين الإيرانيتين والقوات البرية الإيرانية مجتمعة في حالة نشوب صراع مسلح تقليدي.

    وتدرك المؤسسة العسكرية الإيرانية أنها ليست على قدم المنافسة مع العسكرية الأمريكية أو غيرها من جيوش الدول المعادية فيما يتعلق بالصراعات المسلحة التقليدية، ولذلك فإن نموذج الجاهزية القتالية لإيران يعتمد على الحروب غير النظامية، وهو الدرس الذي خرجت به من حربها مع العراق 1980 – 1988.

    ففي بداية حربها مع العراق، كانت إيران في وضع غير متكافئ مقارنة بالقدرات العسكرية التي تمتع بها صدام حسين. إذ كان العراق قد بذل من الجهد والموارد الضخمة قبيل اندلاع الحرب لبناء قوة عسكرية ضاربة ومجهزة بأحدث المعدات والأسلحة السوفيتية المتوفرة في ذلك الوقت. أما على الجانب الإيراني، كانت قوات الثورة الإسلامية الإيرانية قد قامت إما بتصفية قادتها أو تطهير صفوفها من القيادات البارزة في أعقاب اندلاع الثورة الإيرانية في عام 1979. وبناء عليه، فعندما اجتاح العراق إيران، كان من الواضح أن القوات العراقية هي الأفضل تسليحاً وقيادة والأكثر قدرة في العمليات القتالية. ولذلك، اضطرت إيران سريعاً إلى تبني التكتيكات غير النظامية بما في ذلك استخدام أسلوب الهجمات المكثفة من "الأمواج البشرية" لإزالة حقول الألغام.

    وفي حرب الناقلات في حقبة الثمانينات، واجهت القوتان البحريتان لإيران البحرية الأمريكية حيث اشتبكت معها في معارك قتالية مباشرة كانت كارثية على الجانب الإيراني حيث دمرت البحرية الأمريكية العديد من قوارب الدوريات الإيرانية ومنصات المتابعة والمنشآت العسكرية البرية، كما أغرقت البحرية الأمريكية خمس سفن حديثة إيرانية من بينها الفرقاطة سابلان.

    أسفرت هذه الخبرات القتالية عن قناعة النظام الإيراني بعجزه عن منافسة أعدائه في اي حرب تقليدية. وكان مما عزز هذه القناعة لدى إيران النتائج التي أسفرت عن حرب الخليج الثانية في عام 2003 خاصة استخدام السفن الحربية المزودة برؤوس الصواريخ والقذائف. ولقد أصبح التكتيك القتالي غير النظامي الذي استخدمه النظام الإيراني خلال الحرب مع العراق هو الأساس الذي أقيمت عليه العقيدة العسكرية الإيرانية. وتمارس إيران هذا الأسلوب التكتيكي القتالي ليس فقط بواسطة قوات "أرتيش" وقوات الحرس الثوري بما فيها قوات فيلق القدس، ولكن أيضا تستخدم في الأجهزة الإيرانية الأخرى ومن بينها شرطة الإنترنت Cyber Police.

    ولسبب اعتمادها على تكتيكات الحرب غير النظامية، فإن إيران لا تستطيع شراء المعدات البحرية التقليدية من تجار السلاح العالميين فضلاً عن عدم قدرتها تصنيع السفن والبوارج الحربية التقليدية محلياً. ولذلك ركزت إستراتيجية القوات البحرية الإيرانية للتزود بالمعدات البحرية خلال الثمانينات على شراء مئات المركبات البحرية الصغيرة القادرة على شن هجمات محتشدة وزرع حقول الألغام وغيرها من أساليب القتال غير النظامية. وعلى عكس البحرية في الدول التي تستخدم معدات بحرية متقدمة، فإن البحرية الإيرانية بشقيها لا تستلزم تدريبات عسكرية معقدة ومركبة لتأكيد جاهزيتها القتالية. ولما كانت قوارب الدوريات والسفن البحرية والغواصات في مركز يسمح لها لإطلاق أسلحتها بمجرد إنطلاقها من الموانئ الإيرانية، فإن نموذج المعارك البحرية غير النظامية الذي تطبقه إيران في أي معركة بحرية هو التعامل من نقطة مرمى قريبة دون الحاجة إلى وضع ترتيبات معقدة وتبادلية مسبقة للسفن الحربية. ولذلك فإن العنصر الأهم يصبح عدد وسرعة القوارب والسفن الحربية وليس التدريبات البحرية المتقدمة.

    يتكون أسطول القوات البحرية لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIN) من إجمالي 175 سفن قتالية وناقلات لوجستية، من بينها أقل من عشر سفن قتالية وزنها يزيد على 750 طن مما يتيح لها التزود بكميات الوقود الكافية المنقولة على متنها ولديها المساحة الكافية لتخزين المعدات اللازمة للانتشار طويل المدى. ولما كانت القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIN) مجهزة حالياً بالزوارق والقوارب الصغيرة ذات الانتشار قصير المدى إلى جانب القليل من السفن القتالية الكبيرة ذات الانتشار طويل المدى، فإن هذا يؤكد صدقية القول بأن نشر القوات البحرية الإيرانية في نطاقات طويلة وممتدة خارج حدود مياهها الإقليمية ليست تعبيراً عن استعراض العضلات العسكرية ولا هي دليل على استبدال أسلوب الحرب غير النظامية بنماذج قتالية متقدمة.

    وتركز التدريبات البحرية الإيرانية على القدرات القتالية الأساسية فحسب باستخدام التكتيكات الحربية ذات الوسائل التكنولوجية البسيطة وذلك لأن الاستراتيجية البحرية لإيران لا تتطلب انتشار طويل المدى لقواتها والتحريك المتزامن للسفن والبوارج الحربية. ولا يمكن مقارنة قدرات البحرية الإيرانية بنظيرتها الأمريكية، والواقع أن إيران ليست بحاجة لأن تقف رأساً برأس مع الولايات المتحدة على صعيد القوات البحرية وذلك لاعتماد إيران على أسلوب الحرب غير النظامية غير المعقدة، وإنما لدى إيران طموحات واسعة للعب دور بارز على المسرح الإقليمي والدولي.


    المصادر المفتوحة للإعلام عن التمارين العسكرية الإيرانية

    تأتي البيانات الخاصة عن التمارين العسكرية الإيرانية من مصادر إعلامية مفتوحة ومعلنة وهي وكالة أنباء فارس ووكالة أنباء الجمهورية الإسلامية والإذاعة الإيرانية ووكالة أنباء مهر ووكالة أنباء سيبها وأخبار التليفزيون الإيراني وغيرها من القنوات الإعلامية. وبعض هذه الوكالات مملوكة للحكومة، والبعض الآخر وكالات خاصة ولكن تصدر تقاريرها بموافقة حكومية. وبغض النظر عن هياكل ملكية القنوات الإعلامية المختلفة، فإن التقارير المستقلة عن التمارين البحرية العسكرية الإيرانية قليلة للغاية، إذ أن معظم هذه البيانات والتقارير تصدر عن النظام الحاكم ويتم بثها عبر القنوات الإعلامية المملوكة للحكومة ثم تنقلها عنها وكالات الأنباء العالمية. وقد نتج عن ذلك اعتماد التقارير الخاصة بالتمارين البحرية على الدولة التي تمد القنوات الإعلامية بالتفاصيل المتعلقة بها من حيث عدد ونوعية السفن المستخدمة. وهناك تغطية من جانب الوكالات العالمية للتمارين الكبيرة ولو أن التفاصيل الخاصة بالعدد والنوعية لا يمكن تحديدها من قبل هذه الوكالات بشكل مستقل. هذا بالإضافة إلى أن الاستخدام الواسع لشبكات التواصل الإجتماعي وأجهزة المحمول وفرت مزيداً من المصادر المفتوحة للمعلومات خاصة صور السفن الحربية المختلفة. ولقد كانت الموانئ التي تزود القوات البحرية الإيرانية بالمؤن والذخيرة في الصين والسودان إلى جانب نقطة الترانزيت في قناة السويس موضع تغطية إعلامية ليس فقط من جانب الوكالات العالمية ولكن أيضا بواسطة شبكات التواصل الإجتماعي.


    استراتيجية الرسالة الإعلامية الخاصة بالتمارين الإيرانية

    ينهج النظام الإيراني استراتيجية خاصة بالرسائل الإعلامية التي تتناول التمارين البحرية التي تبثها وكالات الأنباء الرسمية. ويقوم الحرس الثوري الإسلامي بتوجيه دفة هذه الإستراتيجية الإعلامية، كما تعكس البيانات الصادرة عن مختلف أعضاء النظام الحاكم درجة كبيرة من المنهجية. وتتضمن هذه الاستراتيجية لتوجيه الرسائل الإعلامية التي يتم ضبطها داخل الحرس الثوري، رغبة النظام الحاكم في تعظيم عملية الترويج الإعلامي للتمارين العسكرية سعياً لإعطاء انطباع عن قوة القدرات العسكرية للدولة الإيرانية. ولما كان فرض التفوق العسكري الإيراني في الخليج العربي أو بحر عُمان غير ممكن على أرض الواقع، فإن الحكومة الإيرانية تستعرض عضلاتها العسكرية كعنصر ردع لأعدائها المحتملين. وهذا الاستعراض للعضلات بدوره يتيح لإيران تنفيذ مهام استراتيجية أخرى منها دعم نظام بشار الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان الذي تستخدمه كذراع عسكرية لها ضد اسرائيل.

    وتقوم القيادة العسكرية الإيرانية بتقديم بيانات عن التمارين العسكرية التي تجريها القوات البحرية وذلك بصفة دورية للوكالات المملوكة للدولة والخاضعة للسيطرة الحكومية. والجمهور المباشر المعني بهذه الرسائل الإعلامية هو الشعب الإيراني، إلا أن البيانات ذات الرنين والتي تصدر عن قيادات عسكرية رفيعه فتسمع أيضا في المحيطين الإقليمي والعالمي.

    بالإضافة إلى ذلك، فإن النظام الإيراني يستخدم الإعلام المملوك للدولة لنشر تقارير لا تتسم بالدقة عن القدرات العسكرية الإيرانية، مثلما جرى في عام 2008 عندما نشرت وكالة سيبها - الذراع الإعلامية للحرس الثوري الإسلامي - صورة يفهم منها ظاهرياً إطلاق إيران لأربعة صواريخ متتالية. وخلال برهة قصيرة، نقلت وسائل الإعلام الغربية الصورة ومن بينها نيويورك تايمز وشيكاغو تريبيون ولوس انجلوس تايمز. إلا أنه تبين بعد ذلك بفترة وجيزة أن الصورة تعرضت لتلاعب وتغيرات رقمية ليتضح بعد التحقيقات فشل انطلاق أحد الصواريخ. وبالمثل، عندما كشفت إيران عن امتلاكها نفاثه لا تلتقطتها أجهزة الرادار "القاهر 313" فإنه سرعان ما اكتشف خبراء الطيران أن النفاثة لا تزيد عن مجرد نموذج للنفاثات غير قادر على التحليق ناهيك عن القيام بأي عمليات قتالية.

    من الواضح إذاً أن إيران تنتهج استراتيجية إعلامية تبث رسائل خاصة فيما يتعلق بأخبار التمارين العسكرية هدفها إعطاء صورة مضخمة عن قدراتها القتالية والترويج الإعلامي الواسع النطاق لهذه الصورة. فالنظام الإيراني يرغب في تصوير قدراته العسكرية للجمهور المحلي والعالمي المتلقي للرسائل الإعلامية بما يفوق الحقيقة على أرض الواقع.



    البقية سأضعها تباعاً
    يرجى الانتظار قليلاً حتى أضع بقية الدراسة في المشاركات القادمة

    تعليق


    • #3
      رد: الاستراتيجية البحرية والملاحية الإيرانية

      التمارين البحرية الإيرانية

      انخفاض هامشي في الحجم والنطاق وزيادة التمارين البحرية المكثفة



      على الرغم من تضخيم الرسائل الإعلامية لحجم ونطاق وكثافة التمارين العسكرية الإيرانية فثمة بعض الأبعاد القليلة للتمارين البحرية التي تتسم ببعض الشفافية النسبية. فعلى سبيل المثال، فإن البيانات الخاصة بالموقع والمدى الزمني لهذه التمارين لا يمكن بأي حال إخفاؤها، خاصة عندما تجرى في ممرات ملاحية تعج بالسفن والناقلات مثل الخليج العربي ومضيق هرمز وخليج عُمان. ولقد لوحظ وجود انخفاض هامشي في الحجم والنطاق والمدى الزمني وكثافة التمارين البحرية المحلية، بما في ذلك ولايات 91 وفجر 91 وفتح 91 وذلك في 2012 – 2013. وكان هذا الانخفاض واضحاً جلياً مقارنة بولايات 90 مع ولايات 91 والتي سنعرض لتفاصيلها في الجزء التالي.

      وفي نفس الوقت، قامت القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIN) بزيادة الانتشار طويل المدى. هذا، وتواصل القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIN) والسلاح البحري للحرس الثوري الإسلامي (RGCN) تدريبات للحفاظ على اللياقة والاستعداد القتالي بواسطة تمارين لا تحمل أسماء محددة وذلك لتظل القوات على أهبة الاستعداد والجاهزية لتعزيز المطالب الإقليمية الإيرانية في الأراضي المتنازع عليها مثل جزر أبو موسي وطنب الكبرى والصغرى في مضيق هرمز والمياه الإقليمية في بحر قزوين.


      ولايات 90 : 26 ديسمبر 2011 – 7 يناير 2012

      تعد سلسلة "ولايات" من التمارين السنوية واسعة النطاق متعددة الخدمات وتستخدم الذخيرة الحية، وقد تم تنفيذها في شهر ديسمبر من كل عام منذ عام 2005 على أقل تقدير. يبدأ التمرين البحري في مقر البحرية الإيرانية بميناء بندر عباس الواقع مباشرة عند نقطة المنتصف في مضيق هرمز. وهذا هو التمرين العسكري الإيراني الذي يستخدم الذخيرة الحية وهو الأكثر شهرة. وعلى الرغم من كونه تمريناً بحرياً في المقام الأول، إلا أنه يضم أيضاً كل من الأفرع الرئيسية في المؤسسة العسكرية الإيرانية من قوات برية وجوية وبحرية في "أرتيش" ونظرائها في القوات البحرية للحرس الثوري الإسلامي ومن بينها قوات فيلق القدس. وتستخدم تمارين ولايات الاشتباكات الدفاعية والهجومية وتجرى في منطقة كبيرة تمتد من الخليج العربي عبر مضيق هرمز وخليج عُمان حتى المحيط الهندي. وتتمتع هذه التمارين بتغطية إعلامية مكثفة في إيران حيث تلتقط أفلام الفيديو التي تصور السفن والبرمائيات والغواصات والطوربيدات والصواريخ وهي تناور بالذخيرة الحية.

      وبالإضافة إلى القنوات الإعلامية الإيرانية التقليدية مثل وكالة أنباء فارس وأخبار التليفزيون ووكالة أنباء مهر، فإن النظام الإيراني يستخدم أيضا شبكات التواصل الإجتماعي من خلال الخلايا التي زرعتها إيران عبر المواقع على النت لإلقاء مزيداً من الأضواء على سلسلة تمارين ولايات. ومن المألوف أن تتناول وسائل الإعلام الملوكة للدولة أو الخاضعة للرقابة الحكومية هذا الحدث بمزيد من الحفاوة والتغطية المكثفة بتركيز خاص على استخدام الذخيرة الحية. وهذا هو الحدث العسكري الأعلى قيمة الذي تخصص له المؤسسة العسكرية الإيرانية كافة قدراتها المتاحة.

      وفي ديسمبر 2011 أعلن عن ولايات 90 والتي وضع لها مدى زمني عشرة أيام وامتداد جغرافي يصل حتى خليج عدن. وشمل التمرين ما لا يقل عن عشرين سفينة وثمان غواصات. وطبقاً للتقارير الإعلامية الإيرانية والغربية بما فيها البيانات الصحفية الصادرة عن الأسطول الخامس للولايات المتحدة في المنامة بالبحرين، فإن تمرين ولايات 90 استمر لعشرة أيام من 26 ديسمبر 2011 حتى 7 يناير 2012 وامتد حتى خليج عدن. وقد اشتركت في التمرين أعداد هائلة من السفن وانتشرت في العديد من مناطق العمليات. وفي نفس الوقت، كان هناك اهتماماً دولياً بتهديدات إيران بإغلاق مضيق هرمز. فقد ترددت شائعة في وول ستريت أن إيران أغلقت المضيق إلى حين إشعار آخر مما تسبب في ارتفاع هائل لأسعار النفط الخام. وقد وصف الجنرال آموس يادلين رئيس المخابرات العسكرية في جيش الدفاع الإسرائيلي ولايات 90 بأنها "أحد أكبر المناورات البحرية في التاريخ" والتي صممت بغرض "إلقاء الضوء على تكلفة أي مواجهة عسكرية محتملة".

      وعلى خلفية هذا الاهتمام العالمي الواسع النطاق، صور المسئولون الإيرانيون عملية ولايات 90 كإشارة واضحة ومباشرة على التفوق الإيراني والنفوذ الإقليمي لها. وقد صرح أحد أعضاء لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني زوهري الاهيان بقوله "إن هذه العملية تبث رسالة هامة إلى العالم بأسره، خاصة القوى الاستعمارية ..... كما توضح جلياً القوة العسكرية لإيران خاصة البحرية" وأضاف يقول "أن إيران لديها القدرة – إذا ما تطلب الأمر – على فرض سيطرتها على مضيق هرمز".

      وذكر قائد الجيش الإيراني أية الله صالحي أن تمارين ولايات 90 أجبرت البحرية الأمريكية على تحريك إحدى حاملات الطائرات إلى خارج الخليج، وأضاف أن إيران سوف تتخذ اللازم إذا ما عادت هذه الحاملة مرة أخرى، قائلاً "إن إيران لن تكرر تحذيرها مرة أخرة ... فحاملة الطائرات المملوكة للعدو تحركت إلى خليج عُمان على إثر التمرين البحري الإيراني. وأكد على أن هذه الحاملة للطائرات لا ينبغي أن تفكر في العودة إلى الخليج ... فإيران ليس من عادتها أن تكرر التحذير مرتين".

      وقد أحاطت بتمرين ولايات 90 شهرة واسعة النطاق واتسمت بكثافة المناورات ودامت لعشرة أيام وامتدت على نطاق جغرافي واسع وتزامن معها مواجهات علنية تصادمية من جانب المسئولين الإيرانيين والقيادات العسكرية.


      29 ديسمبر 2012 – 2 يناير 2013:
      ولايات 91

      استغرق تمرين ولايات 91 ستة أيام فقط وقلص من نطاقه الجغرافي فلم يمتد حتى خليج عدن. وهو بذلك كان أصغر حجماً وأقل طموحاً واضيق نطاقاً وأقصر في المدة الزمنية، ولم تصحبه تعليقات من القيادة السياسية الإيرانية. وقد اشترك في التمرين عدد قليل من السفن والغواصات، وهو أقل كثيراً مقارنة بعملية ولايات 90.

      وإذا كان من المرجح أن العقوبات الدولية المفروضة على إيران كانت سبباً في هذا الحجم المحدود لتلك العملية، إلا أن هذا لم يكن هو السبب الأوحد. إذ أن إيران كانت قد وسعت من نطاق نشر القوات البحرية في الوقت الذي قلصت فيه حجم ونطاق التمارين البحرية، ولذا فمن المنطقي أن تكون قد اتخذت قراراً استراتيجياً بإعادة توزيع الموارد (الوقود وقطع الغيار والإمدادات ... إلخ) وتحويلها من التمارين البحرية إلى عمليات الانتشار واسع النطاق للقوات لتصل إلى الصين وسوريا والسودان وبذلك تعوض الضغوط المالية التي فرضت على الميزانية الإيرانية من جراء العقوبات. ومن المؤكد أن هذه العقوبات كان لها بعض التأثير على القدرت العسكرية لإيران، ولكنها لم تؤثر على قدرة الآلة العسكرية الإيرانية من نشر القوات البحرية على امتدادات جغرافية متسعة النطاق خدمة لأهدافها الاستراتيجية.

      والمقارنة بين العمليتين البحريتين ولايات 91 و ولايات 90 تشير بوضوح إلى أن إيران اتخذت قراراً استراتيجياً بخفض التمارين البحرية المكثفة لصالح انتشار القوات على نطاق واسع دعماً لشراكاتها الاستراتيجية مع الأنظمة الصديقة. وفي نفس الوقت، تواصل إيران التمارين العسكرية التي تضمن بها سلامة الجاهزية القتالية لقواتها البحرية.


      الحفاظ على الجاهزية العسكرية / التمارين العسكرية المحلية

      تدل المقارنة بين ولايات 91 و ولايات 90 على تقليص إيران نطاق التمارين العسكرية المحلية بالذخيرة الحية. إلا أنه ينبغي أن نضع في الحسبان بأن إيران تواصل التمارين العسكرية البحرية حفاظاً على الخط الأساس ألا وهو التركيز على المهام الرئيسية والأهداف الاستراتيجية للدولة ممثلة في توفير البنية الأساسية للمنشآت الإيرانية لضخ الغاز والنفط في الخليج العربي وتعزيز المطالب الإقليمية لإيران في الجزر الثلاث "أبو موسي وطنب الكبرى والصغري" بالخليج العربي ومطالبها الإقليمية في بحر قزوين ودعم عمليات الإغاثة الإيرانية.

      وفيما يلي استعراض لخمسة تمارين بحرية إيرانية تصلح مثالاً على هذه الاستراتيجية.


      17 - 18 سبتمبر 2012: إطلاق جمران 2، تمرين نزع الألغام في بحر قزوين



      هناك نزاع بين إيران واذربيجان حول عدة مسائل منها التنافس على المطالب الإقليمية لكل منهما في بحر قزوين. كانت الصحافة الإيرانية قد نشرت تقارير تفيد بأن تمرين بحر قزوين يركز على عمليات زرع ونزع الألغام. إلا أن إلقاء نظرة عن كثب توضح أن هذا التمرين كان جزء من جهود إيرانية أكبر لتعزيز مزاعمها الإقليمية في بحر قزوين والتي لديها فيها مساحة تبلغ حوالي 12% من المنطقة لا ينازعها فيها أحد، غير أن إيران لا تملك الإمكانيات التقنية التي تسمح لها بالاستغلال الكامل للموارد الكامنة في أعماق هذه المياه من مياه بحر قزوين، وقامت إيران في عام 2002 بشن حملة إعلامية تدعي فيها أنها تملك حق السيطرة على 20% من بحر قزوين، وهنا بدأ النزاع بينها وبين اذربيجان، والأخيرة تتمتع بالتأييد الدولي لمطالبها الإقليمية في نفس المساحة من مياه هذا البحر، وهي المياه التي تزخر بثروات معدنية ونفطية وسمكية بالإضافة إلى الغاز، فضلاً عن كافيار "ستارغيون" والمعروف بتجارته العالية الربحية. وقد وصف معهد بحوث بحر قزوين المطالب الإيرانية بفرض السيطرة على 20% من هذا البحر بأنها بمثابة "حرب باردة خافتة".

      وتأكيداً على التزام إيران بحماية وتوسيع نطاق مصالحها في بحر قزوين، دشنت في مارس 2013 ثاني مدمرة من طراز مودج وهي جمران 2 وذلك في ميناء بندر أنزالي ببحر قزوين، بحضور الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ووزير الدفاع ورئيس الأركان.

      وبرغم ما لإيران من نية واضحة على توسيع نطاق مياهها الإقليمية في بحر قزوين، إلا أن من دواعي الدهشة أن تعطي أولوية لنشر بوارجها الحربية في بحر قزوين دون غيرها من الأولويات الاستراتيجية الأخرى مثل تطوير برنامجها النووي والالتفاف حول العقوبات الدولية ونشر قواتها البحرية في نطاق واسع، كل ذلك في نفس الوقت الذي تدعم فيه سوريا وحزب الله وحماس بالأسلحة والعتاد. وعلى الرغم من أن التوتر الخافت بين إيران واذربيجان حول المناطق الحدودية وفي بحر قزوين لا يلقي كثيراً من الانتباه على الصعيد الدولي، إلا أنه يعد مؤشراً على قدرة إيران في مقاومة الضغوط المفروضة عليها وعمق إمكانياتها الصناعية بما يمكن النظام الإيراني القيام بتمارين عسكرية كبيرة في نفس الوقت الذي يدشن فيه سفناً حربية تعمل في عدة جبهات.


      25 – 28 ديسمبر 2012: تمرين فجر 91

      قامت بهذا التمرين القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإسلامي، بفرض حماية حقول الغاز والنفط في أقاليم عسلويه وجنوب بارس. وطبقا لفيديوهات تم بثها على اليوتيوب، تضمنت هذه العملية استعراض القدرات القتالية وقدرات الاستقصاء والإغاثة، والهندسة المدنية. وقد ظهرت في الفيديوهات السفن الصغيرة التي تستخدمها في هذه الأغراض القوات البحرية التابعة للحرس الثوري. تعد تمارين فجر91 مثالاً على التمارين ضيقة النطاق الجغرافي وقصيرة المدى الزمني والتي صممت بغرض التأكيد على القدرات العسكرية لإيران وهو ما يعزز مطالبها في المناطق الغنية بالموارد الطبيعية في الخليج العربي وفي جزر الطنب وأبوموسى والدفاع عن مياهها الإقليمية.

      وكان لتزامن التوقيت الذي جرت فيه تمارين فجر 91 مع ولايات 91 أثره في توضيح قدرة القوات البحرية الإيرانية على تنظيم العمليات العسكرية والقيام بالتدريبات في نفس الوقت. وعلى الرغم من أن هذه الإمكانيات لا تتوفر إلا للقوات البحرية للدول الغربية، فإنها تعد جديدة على البحرية الإيرانية مما يؤكد على أن التعاون بين القوتين البحريتين الإيرانيتين الذي بدأ منذ عملية إعادة الهيكلة لكل منهما في عام 2009 أتى بثماره الجيدة.

      وعلى الرغم من أن حقل غاز بارس مقسم بالتساوي تقريباً بين إيران وقطر، إلا أن إيران لم تستخرج من غاز هذا الحقل كميات تماثل تلك التي استخرجتها قطر. وتستخدم قطر في عمليات ضخ الغاز شركات دولية كبرى تستخدم تكنولوجيا متقدمة مثل إكسون موبيل وشل جلوبال وغيرها. وعلى عكس قطر، فإن إيران تفتقر لهذه التكنولوجيا المتقدمة التي تستخدمها الشركات الغربية العملاقة، وهذا أدى إلى استخدامها لتقنيات محدودة ممولة ذاتياً لتطوير حقول الغاز. وعلى حين تتخلف إيران عن قطر في مجال استغلال حقل بارس، إلا أنها تزيد من عمليات البحث والتنقيب والإنتاج.

      قامت كل وسائل الإعلام الإيرانية، بالإضافة إلى الإعلام الروسي والصيني، بتغطية تمرين فجر 91 ومما يثير الانتباه أن الإعلام الصيني أبرز أهمية الموقع الذي جرت فيه هذه العملية وهو حقول بارس كما أكد على ملكية إيران لهذه الحقول مناصفة مع قطر. ومن المرجح أن هذا يرجع جزئيا إلى المفاوضات الجارية بين إيران والمؤسسة الوطنية الصينية للبترول لتمويل وتطوير الأجزاء التي تملكها إيران من حقل غاز بارس.

      ويأتي ضمن الاستراتيجية الإيرانية للالتفاف حول العقوبات تشييد خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان. ففي مارس 2013، اشترك الرئيسان الإيراني أحمدي نجاد والباكستاني زارداري في احتفال كبير في شاه بهار بإيران لبدء أعمال تشييد هذا الخط.

      وتتوقف قدرة إيران على ضخ الغاز في خط الأنابيب الإيراني - الباكستاني على إمكانية استغلالها لحقول عسلويه وجنوب بارس. وكانت تمارين فجر 91 مؤشراً واضحاً على رغبة إيران التأكيد لشركائها بأنها تملك القدرة على حماية حقول الغاز البحرية وتنظيم التدريبات العسكرية في نفس الوقت الذي تجرى فيه عمليات واسعة النطاق في مدى زمني واحد.


      13 – 15 يناير 2013 : تمرين بحري لسلاح البحرية للحرس الثوري الإسلامي في جزر أبوموسى والطنب



      قامت القوات البحرية للحرس الثوري الإسلامي بتدريب عسكري لم تطلق عليها إسماً لاختبار سلامة المعدات والأجهزة الجديدة وكذلك المستجدات في الأساليب التكتيكية وكيفية مواجهة الكوارث الطبيعية. اتخذ التدريب مقراً له في قاعدة بندر عباس وجرت عملياته في خليج هرمز إلى جانب بعض المناورات في الخليج العربي وخليج عُمان بالقرب من مضيق هرمز.

      جاء هذا التدريب غير المسمى ضمن سلسلة من التدريبات المستمرة التي تقوم بها القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإسلامي الإيراني في مضيق هرمز وذلك طبقاً للأدميرال رضا ترابي، وهو التدريب الخامس في سلسلة هذه العمليات البحرية. هذا ولم يتم الإعلان عن التدريبات السابقة سواء من حيث توقيتها الزمني أو الوحدات المشاركة فيها أو نطاقها الجغرافي.

      ولما كانت التدريبات الأربع السابقة قد افتقدت للتغطية الإعلامية، وعلى ضوء الموقع الجغرافي لمضيق هرمز، فإنه يبدو من المرجح أن هدف هذا التدريب هو التأكيد على قدرة إيران العسكرية على الدفاع عن مصالحها وتعزيز حامياتها العسكرية المتمركزة في جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، وكانت إيران قد احتلت هذه الجزر الثلاث ذات الموقع الاستراتيجي الحيوي في مضيق هرمز والخليج العربي منذ عام 1971، والذي نشب على إثره نزاع إقليمي بين إيران ودولة الإمارات. وترجع أهمية الجزر الثلاث إلى ثلاثة أسباب، أولهما، أن الدولة التي تملك هذه الجزر يكون لها الحق قانوناً في استغلال الثروات المعدنية المتوفرة في الحدود البحرية للجزر الثلاث والسيطرة البحرية بالخليج العربي. وثانياً، فإن هذه الجزر تتمتع بموقع مثالي يتيح إقامة أجهزة مراقبة لكافة العمليات البحرية والخطوط الملاحية في هذا الجزء من الخليج العربي المطل على مضيق هرمز. وثالثاً، فإن إيران أعلنت أنها تملك الحق القانوني بالسيطرة على حركة الملاحة في مضيق هرمز وتملك إغلاقه وفتحه في اي وقت، وهذا الحق يعزز سيطرتها على الجزر الثلاث.

      ويقضي القانون الدولي للبحار بأن المياه الإقليمية لأي دولة تمتد لمسافة 12 ميل بحري من الساحل البحري للدولة. وهذا التعريف القانوني للمياه الإقليمية يدخل ضمن العديد من المواثيق الدولية مثل قانون الأمم المتحدة للبحار ( UNCLOS). وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تصدق على هذه الوثيقة، إلا أنها تعترف ببعض البنود الواردة ومنها القاعدة التي تنص على أن المياه الإقليمية للدولة تمتد 12 ميل بحري من سواحلها.

      وتطبق البحرية الأمريكية التوصيف الخاص بقانون البحار الدولي الذي يقضي بأن لكل السفن "حق المرور" في مصيق هرمز. وتبلغ مساحة مضيق هرمز، في أضيق نقطة له، 21 ميل بحري. وقد نتج عن ذلك أن المياه الإقليمية لكل من عُمان وإيران، الواقعتان على المضيق، تلتقيان عند نقطة واحدة، بما يعني أن أي سفينة تعبر المضيق تمر بالفعل بأي من المياه الإقليمية لإيران أو عُمان.

      وطبقاً لنظام "فصل الحركة الملاحية" المطبق في خليج هرمز، فإن السفن القادمة إلى الخليج العربي تمارس حق العبور من المياه الإقليمية لإيران، والسفن الخارجة من الخليج تمارس حق العبور من المياه الإقليمية لعُمان. وقد نشأ هذا النظام بمقتضى المنظمة الملاحية الدولية تأسيساً على قواعد قوات خفر السواحل الأمريكية المطبقة على كل السفن التي ترفع علم الولايات المتحدة والتي تعبر خليج هرمز.

      وقد أكدت إيران أنها قادرة على رفض حق عبور السفن في بعض الحالات المحددة، برغم أن هذا الموقف يلقى معارضة دولية. فإذا ما تسنى لإيران الاستحواذ على جزر الطنب وأبو موسى بلا منازع، فإن البحرية الأمريكية سوف ترفض سيطرة إيران على مضيق هرمز. غير أن الحجج القانونية لا تكون ذات أهمية في النزاعات الإقليمية، إذ كثيراً ما هددت إيران بإغلاق المضيق في وجه الحركة الملاحية.



      في 3 نوفمبر 2012 ، كشفت قوات الحرس الثوري الإيراني عن قاعدة جديدة في بندر لنجة، على بعد 40 ميل فقط شمال جزر الطنب، وأشارت إلى الدور الذي ستلعبه هذه القاعدة في تعزيز مطالب إيران في جزر الطنب وأبو موسى. وكان وزير الدولة للشئون الخارجية في دولة الإمارات قد أعلن بعد هذه الخطوة ببرهة قصيرة أن الجزر الثلاث المتنازع عليها تتبع الإمارات، وناشد إيران بالدخول في مفاوضات حول حق السيادة على هذه الجزر. غير أن الرد الإيراني جاء قاطعاً بالرفض، إذ أكد نائب وزير خارجية إيران في أوائل ديسمبر 2012 أن "الجمهورية الإسلامية تتمسك بحقها القانوني في السيادة على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى".

      وعلى ضوء التسلسل الزمني للأحداث، والذي تضمن تأسيس قاعدة إيرانية جديدة في بندر لنجة في نوفمبر 2012 والربط بينها وبين مطالب إيران بالسيادة على الجزر الثلاث، وعرض الإمارات بإجراء مفاوضات حول هذه المشكلة في ديسمبر بالإضافة إلى التمارين البحرية لإيران في مضيق هرمز في يناير 2013، فإن هذه الأحداث، كل منها على حدة، تمثل جزء من الاستراتيجية الإيرانية لتعزيز موقفها من السيطرة على الحركة الملاحية في مضيق هرمز.

      وفي مؤشر على الأهمية الكبيرة التي يوليها النظام الإيراني، سياسياً وعسكرياً، لهذه الجزر، فقد قامت القيادات العليا بزيارات متكررة لها، إذ زار أحمدي نجاد جزيرة أبو موسى في أبريل 2012 وألقى خطاباً في حشد كبير من السكان المحليين. وفي مايو من نفس العام، زار قائد القوات البحرية للحرس الثوري وقائد الحرس الجمهوري الجزر الثلاثة وتفقدا الحامية العسكرية الإيرانية هناك. وفي أبريل 2013، رأس نائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني وفداً من أعضاء البرلمان لزيارة الجزر المتنازع عليها. كما قام العديد من ممثلي السلطات التنفيذية والتشريعية والمؤسسة العسكرية بزيارة هذه الجزر في العام الماضي.


      20 – 22 يناير 2013: تدريب على عمليات الإنقاذ البحري والإغاثة المشترك بين إيران وعُمان

      نظمت القوات البحرية الإيرانية والعُمانية تدريباً مشتركاً لم تعطه إسماً على عمليات الإنقاذ البحري والإغاثة في بحر الشمال العربي خارج مضيق هرمز مباشرة. وكان الهدف المعلن لهذا التدريب هو القيام بعمليات الإنقاذ والإغاثة، أما الهدف الحقيقي فكان التأكيد على العلاقات الاستراتيجية بين إيران وعُمان وتعزيزها. وتعد عُمان، من بين كافة الدول العربية في شبه الجزيرة العربية، هي الأكثر تقارباً وتعاوناً مع إيران حيث ترتبط الدولتان بعلاقات خاصة في مجالات الأمن القومي وبينهما إتفاقات تجارية عديدة.

      وفي يوليو من عام 2009، قام السلطان قابوس بزيارة لإيران هي الأولى من نوعها منذ الثورة الإيرانية في 1979. وكانت هذه الزيارة تعبيراً عن أواصر التعاون الإقتصادي والعسكري بين البلدين. وفي 2010، أبرمت إيران وعُمان إتفاقية تعاون أمني صّدق عليها البرلمان الإيراني. ويأتي ضمن هذه الإتفاقية التزام الطرفين بتنظيم تدريبات بحرية سنوية مشتركة لعمليات الإنقاذ والإغاثة. وجاء تدريب يناير 2013 تطبيقاً لهذه الإتفاقية ويمثل قاعدة لإنطلاق التعاون بين البلدين في المستقبل. وعقب هذا التدريب، أعلن قائد القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية أن التدريب المشترك لعام 2014 سيجرى في الخليج العربي.

      ويعد نقل هذا التدريب من خليج عُمان خارج مضيق هرمز إلى الخليج العربي داخل المضيق، بمثابة نقله جغرافية صغيرة، إلا أنه في حقيقة الأمر يعكس الأهمية الكبيرة للتأثير الاستراتيجي لهذا التدريب، وذلك لأربعة أسباب. أولاً، فإن إجراء هذا التدريب في مضيق هرمز والذي تتمتع فيه القوات البحرية للحرس الثوري الإسلامي (IRGCN) بالتفوق، وبمشاركة دول أجنبية في التدريب، يعد بمثابة التأكيد على أهمية وتفوق قوات (IRGCN) . ثانياً، فإن إيران تكثف بذلك من الدعاية الموجهة للإيرانيين في الداخل والشيعة في دول شبه الجزيرة العربية والتي تفيد بأن لإيران شركاء لها من العرب لديهم الرغبة في التعاون معها في شئون الأمن والاقتصاد. وثالثاً، فإن إجراء التدريب في الخليج العربي يعزز موقف إيران بالسيطرة على مضيق هرمز والخليج العربي خاصة وأنها تضم عُمان إلى موقفها. وأخيراً، فإن عُمان تتبنى الرأي القائل بأنه لما كانت المياه الإقليمية العُمانية والإيرانية تغطيان مجمل مساحة مضيق هرمز، فإن للدولتين حق توسيع نطاق سيادتهما وسيطرتهما على هذا المضيق.

      وكانت السفن العُمانية قد تحركت إلى بندر عباس قبل التدريب المشترك، كما قامت السفن الإيرانية بزيارة ميناء صلالة العُماني. وتعتبر تدريبات الإنقاذ والإغاثة البحرية من العمليات اليسيرة قليلة التكلفة وغير المعقدة، وهي تركز على الإمكانيات البشرية التي تستخدمها القوات البحرية في الواقع العملي. فمن بين الحوادث المتكررة تلك التي تقع لسفن الصين وشاحنات البضائع الصغيرة، وتقوم القوات البحرية الإيرانية والعُمانية بعمليات الإغاثة بصفة دورية لهذه السفن. وهذه تقع ضمن المهام الأساسية التي تحتاج الأساطيل البحرية للتدريب على ممارستها. هذا كما تمثل هذه التدريبات آلية مناسبة تستخدمها إيران وعُمان للعمل معاً دون كلفة مرتفعة أو أسرار خفية غير معلنة.


      27 – 30 يناير 2013: تمرين فتح 91 للقوات البحرية للحرس الثوري الإسلامي (IRGCN)

      قامت القوات البحرية للحرس الثوري الإيراني بتنفيذ عملية تدريبية تحت اسم فتح 91 استغرقت ثلاثة أيام وجرت داخل وحول مضيق هرمز والخليج العربي، وخارج خليج عُمان، وذلك في أواخر يناير 2013. وقد اشترك في المران مشاة البحرية الإيرانية ووحدات من قوات الدفاع الجوي والصواريخ وقوارب الدوريات البحرية. ولم تكن هناك مشاركة أجنبية في هذا التدريب.

      وتعد السفن التي تستخدمها القوات البحرية للحرس الثوري (IRGCN) أصغر حجماً من سفن القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIN)، وهي مثالية للعمليات ذات السرعات العالية كما تتمتع بقدرات كبيرة في المناورة والتي تتطلبها العمليات العسكرية البحرية غير النظامية التي تقوم بها إيران في مضيق هرمز والخليج العربي، وكثيراً ما تتولى هي زمام قيادة سفن القوات البحرية في هذه البقعة الجغرافية.

      وقد أعلن قائد قوات الحرس الثوري (IRGCN) أن الهدف الرئيسي من تمرين فتح 91 هو التدريب على "الخطط الدفاعية المصممة لأغراض الحروب غير النظامية والتي تتناسب مع الأحداث الجارية". وفي هذا السياق، فإن تعبير "الأحداث الجارية" قد يكون فيه إشارة لقدرات إيران على شن حرب إيرانية غير نظامية في المنطقة. كما أنها قد تكون أيضاً إشارة إلى ما كانت البحرية الأمريكية قد أعلنته قبل تاريخ تمرين فتح 91 بثلاثة أيام باحتمال إلغاء الخطة التي كانت تقضي بنشر قوات حاملة الطائرات "سترايك" Strike في الخليج العربي لأسباب تتعلق بالميزانية. وأضاف قائد القوات البحرية الإيرانية أنه إلى جانب التدريب على العمليات القتالية غير النظامية، فإن تمرين فتح 91 تهدف أيضا إلى "التنسيق بين القوات في المناطق المختلفة". وبذلك، فإنه برغم من أن النطاق الجغرافي ومشاركة الوحدات المختلفة لتمرين فتح 91 كانت محدودة، إلا أنها ركزت على تنسيق العلاقات والقيادة بين القوتين البحريتين الإيرانيتين وهما الكيانين المعروفين بسلاح البحرية للحرس الثوري الإسلامي (IRGCN) والقوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية ( IRIN).

      وعلى الرغم من قصر المدة الزمنية والنطاق الجغرافي المحدود للعملية، إلا أنها جاءت كدلالة على احتفاظ سلاح البحرية للحرس الثوري الإسلامي (IRGCN) بقدرات أساسية تتسق مع نموذج الجاهزية العسكرية الإيرانية، كما تشير إلى الأهمية الفائقة التي توليها القيادات السياسية والعسكرية في إيران لتكتيك الحرب غير النظامية وتوضيح هذه الحقيقة ليس فقط للبحرية الأمريكية ودول الجوار بل وأيضاً للإيرانيين في الداخل.

      وقد حظى هذا التدريب بتغطية إعلامية من جانب وكالات الأنباء الإيرانية منها وكالة فارس ووكالة مهر وأخبار التليفزيون الإيراني إلى جانب العديد من وكالات الأنباء الغربية. وتعد كالة الأنباء الروسية "ريانوفوستي" ضمن العديد من وكالات الأنباء الروسية التي تغطي التدريبات العسكرية ومن بينها فتح 91.




      البقية سأضعها تباعاً
      يرجى الانتظار قليلاً حتى أضع بقية الدراسة في المشاركات القادمة

      تعليق


      • #4
        رد: الاستراتيجية البحرية والملاحية الإيرانية

        عمليات انتشار القوات البحرية الإيرانية واشتباكاتها الاستراتيجية

        استراتيجية محكمة لزيادة انتشار القوات والتدريبات البحرية المشتركة


        من الواضح أن إيران قامت بخفض هامشي لحجم ونطاق تدريباتها البحرية، إلا أن الأسباب وراء هذا التوجه لا زالت مثيرة للجدل. ففي غياب أي شواهد تدل على العكس، فإن إيران قلصت من حجم التدريبات البحرية لأسباب تتعلق بقلة الموارد المالية المتاحة وذلك على إثر العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. إلا أنه لما كانت إيران قد قامت في نفس الوقت بزيادة انتشار قواتها البحرية في البحر المتوسط والمحيط الهادئ بالإضافة إلى زيادة العمليات البحرية المشتركة مع روسيا والصين والسودان وسوريا، فإن الخلاصة المنطقية لذلك هي أن إيران لم تقلل من تركيزها على التدريبات البحرية من باب الخضوع القسرى للضرورة ولكن كجزء من استراتجية إعادة توزيع الموارد المتاحة لصالح أنشطة عسكرية ذات قيمة أعلى. ومما يدعم هذا الرأي تصريح القائد البحري الأدميرال حبيب الله سياري في أبريل 2013 الذي قال فيه "إن المثلث الذهبي المكون من مالاقا وباب المندب ومضيق هرمز هو مثلث غاية في الأهمية ويمثل ركيزة أساسية لاهتمام البحرية الإيرانية على النحو الذي صدرت به تعليمات الزعيم". فإذا كان الزعيم الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي قد أصدر تعليمات بأن تركز القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIN) على العمليات بين مضيق مالاقا في الطريق من المحيط الهندي إلى المحيط الهادئ، وعلى مضيق باب المندب، في الطريق من خليج عدن إلى البحر الأحمر، فإن هذا يعد مؤشراً على وجود استراتيجية لإعادة توزيع الموارد لصالح الأنشطة العسكرية البحرية ذات القيمة الأعلى.

        وقد قامت القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIN) مؤخراً بعمليتين غير مسبوقتين لنشر القوات في المحيط الهادئ والبحر المتوسط، إلى جانب سلسلة من عمليات الانتشار المتكررة إلى السودان. وعلى الرغم من أن عمليات الانتشار بعيد المدى مسألة مألوفة للبحرية الأمريكية، إلا أنها تمثل خطوة كبيرة ومتقدمة للبحرية الإيرانية. ولا يتم نشر قوات الجمهورية الإسلامية البحرية (IRIN) ذات النطاق الواسع لشن عمليات عسكرية تجرى في مناطق بعيدة عن إيران لأنه من غير المرجح أن تشتبك هذه القوات في عمليات عسكرية تقليدية في المحيط الهادئ، بل أنها ستواصل تعزيز العمليات البحرية المشتركة مع الصين وروسيا والسودان وسوريا وتوسيع نطاقها بالانتشار واسع المدى وهو الأسلوب الذي تدعم به استراتيجيتها البحرية.

        ومما يؤكد صحة هذا الرأي العلاقات المتبادلة بين إيران وشركائها الاستراتيجيين. فعلى حين قامت إيران بأول عملية لنشر قواتها البحرية في المحيط الهادئ بالإضافة إلى السودان، فقد قامت البحرية الروسية بما يبدو أنه سلسلة من استخدامات ميناء بندر عباس في إيران للتزود بالمؤن والوقود.

        ويرى القادة الإيرانيون أن نشر القوات البحرية على نطاق واسع هو جزء من استراتيجية طويلة المدى لتوسيع النفوذ العسكري فقد أشار الأدميرال سياري إلى أن نشر القوات البحرية في المحيط الهادئ هو بمثابة مقدمة "للوجود الإيراني في المحيط الاطلنطي" مضيفاً أن الوجود المستمر والمكثف لإيران في المياه الدولية سيكون على رأس أجندة البحرية الإيرانية. لذا فمن المنطقي أن نستخلص من ذلك أن النظام الإيراني قلل من التركيز على التدريبات البحرية بالذخيرة الحية لصالح تخصيص موارد أكبر لعمليات الانتشار واسعة النطاق لقوات البحرية.


        يناير – مارس 2013: نشر الأسطول الإيراني الـ 24 والعمليات الاستراتيجية بالمشاركة مع الصين



        غادرت المدمرة البحرية الإيرانية "سبالا" وحاملة المروحيات الإيرانية "خارك" ميناء بندر عباس حوالي يوم 26 يناير 2013 في أكبر عملية انتشار واسع النطاق في تاريخ البحرية الإيرانية. حملت هذه العملية اسم الأسطول 24، وحملت أنباءها وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية والعربية في دول مجلس التعاون الخليجي ومنها قناة (العربية) والتي عادة ما تتخذ موقفا عدائياً تجاه الأنشطة العسكرية لإيران. تحركت العملية "الأسطول الـ 24" من بندر عباس إلى خارج مضيق هرمز وعبرت المحيط الهندي من خلال مضايق مالاقا وصولاً إلى المحيط الهادئ.

        ويعتقد أن هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي تدخل فيها السفن الحربية الإيرانية المحيط الهادئ، وهي بالتأكيد أول مرة لمثل هذا الحدث منذ الثورة الإيرانية في 1979. وعلى الرغم من أن هذه العملية كانت جزء من تدريبات الحفاظ على اللياقة والجاهزية، إلا أن النطاق الجغرافي الواسع لها والمواقع التي امتدت إليها كان له أهمية بارزة. وقد دخلت السفن الإيرانية إلى ميناء "جان جياجانج" الصيني في 4 مارس 2013 وغادرته في 7 مارس. وقد أبرزت وسائل الإعلام هذه العملية كان من بينها فيديو أظهر كل من المدمرة سبلان وحاملة المروحيات خرج داخل الميناء الصيني. كما غطى الإعلام الغربي هذا الحدث.

        وبعد مغادرة الميناء الصيني، توجه الأسطول الـ 24 إلى سريلانكا حيث رسا في ميناء كولومبو في 21 مارس 2013، وهناك استقبل العديد من كبار الزوار.

        كانت هذه العمليات تخدم أغراض الشراكة الاستراتيجية لإيران أكثر منها دليل لإثبات قدراتها القتالية. فهي أكبر عملية نشر للقوات في تاريخ البحرية الإيرانية استخدمت فيها أقصى قدراتها اللوجستية. ومع ذلك، فإن مجرد إبحار المدمرة الإيرانية وحاملة المروحيات من الخليج العربي وصولاً إلى المحيط الهادئ ثم العودة يدل على تمتع البحرية الإيرانية بحالة جيدة للغاية، وبامتلاكها لإمكانيات الصيانة والإمدادات لتغطية مثل هذه المسافة ذهاباً وعودة.

        وعلى الرغم من عدم الإعلان عن إجراء تدريبات مشتركة مع البحرية الصينية، إلا أنه جرى تبادل للزيارات بين قادة القوتين البحريتين الإيرانية والصينية، إذ أظهرت الفيديوهات التي صورت زيارة ضباط البحرية الصينية للسفن الإيرانية، وزيارة الوفد الإيراني للقيادات العسكرية والمدنية الصينية.

        وهناك عدة أسباب لأهمية كل من الصين وسريلانكا بالنسبة لإيران. فالصين هي أكبر مستورد للنفط الإيراني، وتظل هي الحليف الدائم لإيران، ولكن بشئ من الحذر والحنكة، داخل الأمم المتحدة. وقد لعبت الصين دوراً بارزاً في تطوير القدرات العسكرية لإيران من بينها برنامجها النووي. كما أن معظم إن لم يكن كل الصواريخ الإيرانية المضادة للسفن هي إما صناعة صينية أو ترتكز على التكنولوجيا المستوردة من الصين. وبالإضافة إلى شراء النفط الإيراني، فإن هناك علاقات مالية تربط بين رجال الصناعة والبنوك في الصين وإيران.

        وقد وقعت العديد من الشركات الصينية تحت طائلة العقوبات الأمريكية لنقلها الأسلحة والتكنولوجيا لإيران. ومن أبرز هذه الشركات China National Precision Machinery Import Export Corporation المملوكة للدولة والتي فرضت عليها عقوبات من قبل وزارتي الخزانة والخارجية الأمريكية.

        وفي يناير 2013، تم ضبط سفينة تهريب والاستيلاء عليها بواسطة قوات خفر السواحل اليمنية بالتعاون مع البحرية الأمريكية وذلك قبالة ساحل اليمن. وكانت هذه السفينة، التي كان يقودها طاقم يمني، قد غادرت إيران حاملة على متنها شحنة كبيرة من المعدات العسكرية والأسلحة من بينها صواريخ أرض – جو محمولة على الظهر صينية الصنع. وأعلنت السلطات الأمريكية واليمنية أن هذه السفينة كانت تمد المتمردين الحوثيين في اليمن بالأسلحة وتم الاستيلاء عليها بناء على ذلك.
        إلا أنه من غير المرجح أن للحوثيين حاجة إلى مثل هذا النوع من الصواريخ أرض – جو، لأن النظام اليمني لا يستخدم سلاح الطيران في العمليات العسكرية ضد هؤلاء المتمردين. لذا يبدو أن الاحتمال الأرجح هو أن لإيران نقطة ما سرية في اليمن تنقل منها السفن الإيرانية المعدات العسكرية لمواقع أخرى. وهناك ممرات ملاحية موجودة بالفعل للتهريب بين إيران والسودان التي تعد نقطة رئيسية للسفن الإيرانية لنقل المعدات العسكرية لكل من حماس في غزة وحزب الله في لبنان.

        ومن الواضح وجود علاقات تكنولوجية مكثفة ومستمرة بين إيران والصين تتجاوز مجرد نقل المعدات والأجهزة المصنعة، ومن المحتمل أن تكون عمليات انتشار القوات البحرية الإيرانية تستخدم لخدمة هذا الغرض. ومن الملفت للنظر في هذا السياق الإمكانيات الكبيرة المتوفرة لحاملة المروحيات "خارك" لنقل البضائع. فعلى الرغم من مهمتها الرئيسية كحاملة للطائرات المروحية، فإن "خارك" ليست مصممة لهذا الغرض، بل تم بناؤها في بريطانيا كسفينة تزويد للوقود وكان من المقرر بيعها لإيران قبل ثورة 1979. إلا أن هذه الحاملة تم نقلها إلى إيران في 1984 بعد عدة مناورات قانونية. وحاملة المروحيات "خارك" هي سفينة مخصصة لغرض محدد ألا وهو تزويد السفن بالوقود، وهي قادرة على نقل حمولات كبيرة من البضائع منها الأسلحة والمؤن والذخيرة، وأيضاً نقل الطائرات المروحية تحت مظلة آمنة.

        وإذا أرادت الحكومة الصينية نقل معدات معينة إلى إيران في ظل ظروف مؤمنة، فإن حاملة المروحيات "خارك" هي الأمثل لنقل البضائع الثقيلة مثل الأسلحة والذخيرة. ومع ذلك فإن تهريب الصواريخ ارض – جو المحمولة على الظهر تشير إلى أن إيران والصين ترغبان في إخفاء نقل هذه الأسلحة عن الأعين.

        ومن المحتمل أن تكون "خارك" قد حملت على متنها عملات. ذلك أن الصين تدفع ثمن شرائها للنفط الإيراني نقداً. وقد جعلت العقوبات الأمريكية من الصعوبة أي تحويلات نقدية إلى إيران بالعملات المتداولة. لذا فمن الواضح أن الصين سددت بعضاً من ثمن النفط الإيراني بعملتها اليوان. وثمة شكوك بأن الصين دفعت مقابل وارداتها من النفط الخام من إيران ذهباً. ومن المعروف أنه في حالة تعذر التحويلات الاليكترونية، فإنه يتم نقل الذهب والعملات بين المتعاملين يداً بيد. كما أنه من المحتمل أن تكون هناك صفقات مقايضة بين الدولتين، والشاهد على ذلك إغراق السوق المحلية الإيرانية مؤخراً بالبضائع الصينية الرخيصة. والاحتمال الآخر أن الصين تسدد بعضاً من ثمن وارداتها النفطية من إيران بواسطة نقل أسلحة وتكنولوجيا دقيقة لإيران مثل صواريخ SAM التي تم ضبطها قبالة السواحل اليمنية.

        وإذا كانت الصين تدفع جزء من ثمن النفط الإيراني بمقايضته بالأسلحة والتكنولوجيا الصينية، فإن الحاملة "خارك" تصبح الوسيلة الأمثل لنقل هذه البضائع. وبينما قد لا تحتاج الحكومة الإيرانية استخدام سفينة نقل بضائع مثل "خارك" لنقل بضائع زهيدة التكلفة من الصين لإيران، إلا أنها تحتاج بالفعل لاستخدام مثل هذه السفينة إذا كانت البضائع المنقولة ذات قيمة مرتفعة مثل الأسلحة أو الذخيرة صينية الصنع والتي تتسم بحساسية سياسية. لذا فإن "خارك" هي السفينة الأمثل لنقل مثل هذه البضائع، كما أن وجود المدمرة "سبالا" المصاحبة لها والمسلحة تسليحاً ثقيلاً تضمن عدم تعرضها لهجمات القراصنة وتحول دون اقتراب أي سفن بحرية أجنبية منها. وهذه الاعتبارات ترجح أن يكون هدف زيارة هذه القطع البحرية الإيرانية للصين هي نقل العملات والذهب الذي تسدد به الصين ثمن وارداتها من نفط إيران. وفي مثل هذا السيناريو، تكون حاملة المروحيات "خارك" هي سفينة الشحن الحاملة للأسلحة والمدمرة "سبلان" هي البارجة الحربية المصاحبة والحامية لها .



        ومن الشواهد الأخرى الدالة على العلاقات الاستراتيجية التي تربط إيران والصين أنه في 21 مارس 2013 قامت ناقلة النفط الصينية العملاقة "يوان يانج هو" التابعة لشركة داليان للشحن والمملوكة للدولة بدخول جزيرة خرج الإيرانية على الخليج العربي لتحميل شحنة نفط بلغت 2 مليون برميل، في أول حدث من نوعه تقوم به ناقلة صينية لنقل النفط الخام الإيراني مباشرة وذلك منذ توقيع العقوبات الاقتصادية على إيران. ولما كانت هذه الواقعة قد حدثت بعد أسبوعين فقط من زيارة الأسطول الـ 24 الإيراني للصين، فإنه من المرجح أن يكون هناك ارتباط بين الحدثين. ومن الواضح أن الناقلة الصينية "يوان يانج هو" أصبحت مخصصة تماماً للتحرك ذهاباً وإياباً على الطريق التجاري بين إيران والصين، إذ أنها عادت مرة أخرى إلى ميناء خرج الإيراني في 31 مايو 2013 لنقل شحنة ثانية.

        وفي مؤشر على عمق العلاقات بين إيران والصين، فإن وزارة الخزانة الأمريكية أعلنت في 31 يوليو 2012 أن بنك (كون لون) الصيني انتهك العقوبات المفروضة على إيران بتحويله لمئات الملايين من الدولارات لستة بنوك إيرانية على الأقل. وتمتلك شركة الصين الوطنية للبترول وهي شركة مملوكة للدولة بنك (كون لون) بالكامل، وهي أيضاً الشركة التي تضخ استثمارات كبيرة في عمليات تطوير حقول النفط في إيران والعراق. وقد جاء هذا الاتهام من جانب وزارة الخزانة الأمريكية للصين متزامناً مع استيراد الصين لكميات ضخمة غير مسبوقة من النفط الإيراني. ففي يوليو 2012، استوردت الصين حوالي 590 ألف برميل يومياً من إيران، بزيادة كبيرة عن حجم وارداتها المماثلة في عام 2011. كما أن هذه الخطوة الأمريكية تعد ذات أهمية خاصة لأنها كانت المرة الأولى التي تواجه فيها الحكومة الأمريكية مباشرة شركة صينية مملوكة للدولة بتهمة خرق العقوبات المفروضة على إيران. وقد احتجت الصين على الاتهام الأمريكي حيث أعلن المتحدث باسم الخارجية الصينية أن "الصين تشعر باستياء شديد ونعترض بشدة على هذا الاتهام". غير أن الاتهام الأمريكي لم يثني الصين عن عزمها في مواصلة الشراكة مع إيران، إذ أن وارداتها من النفط الإيراني استمرت بشكل مطرد، وقامت القوات البحرية الإيرانية بزيارة لميناء في الصين وتوجهت الناقلة الصينية لجزيرة خرج لنقل النفط الإيراني مما عمق من العلاقات التي تربط البلدين على نحو ما ذكرنا آنفا.

        وعلى الرغم من أن البحرية الإيرانية لم تجري اتصالات عسكرية علنية ومباشرة مع كوريا الشمالية مثل زيارات متبادلة، إلا أن هناك علاقات وثيقة تربط بين كوريا الشمالية وإيران. وتلعب الصين دور المظلة لهذه العلاقات وذلك بتسهيلها لتبادل المعدات والتكنولوجيا بين كوريا الشمالية وإيران. وهذه العلاقات العسكرية بين تلك الدولتين يمكن للولايات المتحدة وحلفائها اختراقها بسهولة لو أنها تتم علانية وبشكل مباشر، وليس بطريقة غير مباشرة بوساطة الصين، مما يصعب مهمة اختراقها من جانب الولايات المتحدة. ومن مجالات التعاون البارزة بين إيران وكوريا الشمالية استيراد الأولى لأنظمة الصواريخ الكورية. وتستفيد أنظمة الصواريخ الإيرانية والكورية الشمالية من تبادل البحوث والخبرات مع الصين، والأخيرة تستفيد بدورها من علاقاتها الوثيقة مع إيران خاصة في تعزيز الاستراتيجية الصينية لمصادر الطاقة في البحر المتوسط.

        وفي مجال العلاقات بين إيران وسريلانكا، فقد مثل النفط الإيراني ما يزيد على 90% من واردات سريلانكا من النفط في عام 2012. وهذه العلاقات الاقتصادية الوثيقة تصلح وحدها سبباً كافياً لكي تضعها إيران ضمن أولويات شراكاتها الاستراتيجية. ففي يونيو 2013، قام وزير الدفاع الإيراني بزيارة قائد القوات البحرية لسريلانكا بمقر قيادة القوات البحرية في كولومبو. وجاءت هذه الزيارة مباشرة بعد الاتهام الذي وجهته الولايات المتحدة لسريلانكا بخرق العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران باستيرادها النفط الإيراني. وجاء رد سريلانكا على لسان وزير التنمية الاقتصادية فيها الذي احتج على الموقف الأمريكي بقوله أن الدول الصغيرة مثل سريلانكا هي التي تتعرض للوم والعقاب بينما تفلت منه الدول الكبرى في المنطقة. هذا ولا تعد علاقات إيران وسريلانكا بنفس أهمية علاقاتها مع الصين، ومع ذلك، فإن زيارة وزير الدفاع الإيراني لكولومبو تؤكد على تصميم إيران تعزيز علاقاتها الاقتصادية والاستراتيجية مع سريلانكا.


        19 ديسمبر 2012: المدمرة الروسية "مارشال شابوشينكوف" طراز Udalay ترسو في ميناء بندر عباس



        رست هذه المدمرة الروسية في ميناء بندر عباس الإيراني وسط تغطية إعلامية مكثفة. وعلى الرغم من أن هذا الحدث لم يكن تدريباً بحرياً، إلاأن أهميته تعزى لسببين. أولاً، فإن ميناء بندر عباس يمثل نقطة قريبة لتوقف السفن الروسية القادمة من ميناء فلاديفوستك بروسيا إلى الشرق الأوسط أو البحر المتوسط عبر المحيط الهادئ. وتتمتع البحرية الأمريكية بالعديد من القواعد البحرية في الشرق الأوسط من بينها البحرين في الخليج العربي ودييغو غارسيا في المحيط الهندي، أما البحرية الروسية فليس لها قواعد في المحيط الهندي والخليج العربي. لذاك فإن ميناء بندر عباس يسهل على البحرية الروسية عمليات الانتشار الواسع لقواتها في المنطقة. وعلى الرغم من إمكانية نشر السفن والبوارج الروسية القادمة من فلاديفوستك في البحر المتوسط دون توافر ميناء آمن للتزود فيه بالوقود والمؤن، إلا أن وجود مثل هذا الميناء بكل ما تتوافر فيه من العناصر العسكرية المتاحة في قاعدة بحرية يسهل من عمليات انتشار قوات البحرية الروسية ويجعلها روتينية. وثانياً، قال الأدميرال الروسي سيرجي الكمنسكي أن ميناء بندر عباس هو الأول ضمن بضعة موانئ إيرانية أخرى سوف تستخدمها البحرية الروسية، وأضاف "آمل أن نتمكن في العام القادم من زيارة سفننا لإيران بعد صدور قرار من وزارة الخارجية فلدينا رغبة في التعامل مع البحرية الإيرانية التي نلاحظ أنها آخذة في التطور".

        وتأتي زيارة البحرية الروسية للميناء الإيراني في ديسمبر 2012 مؤشراً على التحول الكبير في ديناميكيات العلاقة بين الحكومتين الروسية والإيرانية. فروسيا تدعم إيران بقوة على الصعيد السياسي في الأمم المتحدة، وهي راغبة أيضا في توثيق علاقاتها مع إيران بتعزيز التعاون العسكري بينهما. وقد اتخذت روسيا مؤخراً قراراً بتفعيل قوات بحرية عسكرية لها تقيم في شرقي البحر المتوسط، وهذه القوات سوف تدعمها وتعزز قدراتها الخدمات اللوجستية التي يقدمها ميناء بندر عباس للسفن الروسية في رحلة الذهاب والعودة من وإلى البحر المتوسط. ويوجد حالياً في البحر المتوسط ست سفن روسية على الأقل تابعة لأسطول الباسفيك الروسي، توقفت ثلاث منها في ميناء بندر عباس كميناء ارتكاز للتزود بالوقود والمؤن وذلك في أبريل 2013.


        20 أبريل 2013: ثلاث سفن تابعة لأسطول الباسفيك الروسي ترسو في ميناء بندر عباس

        دخلت ثلاث سفن روسية تابعة لأسطول الباسفيك ميناء بندر عباس في 20 أبريل 2013 وهي في طريقها للبحر المتوسط، حيث انضمت إلى الأسطول الروسي الصغير الذي تم تكوينه مؤخراً في المنطقة، والمكون من المدمرة "ادميرال بانتلييف" وسفن النقل البرمائية "برسفيت" و "أدميرال نوفلسكي".

        وبعد وصول سفن أسطول الباسفيك إلى البحر المتوسط بوقت قليل، أعلن قائد البحرية الروسية الأدميرال فيكتور تشيركوف أن البحرية الروسية تنوي إقامة وجود دائم لها في البحر المتوسط، وقال "لدينا خطة بوجود خمس أو ست سفن حربية وسفن دعم في البحر المتوسط، وسيتم استبدالها بالتناوب مع سفن أساطيل البحر الأسود والبلطيق والأسطول الشمالي وفي بعض الأحيان أسطول الباسفيك. كما سيتم زيادة عدد السفن الحربية المنضمة إلى الأسطول الروسي الصغير في البحر المتوسط حسب طبيعة ونطاق المهام الموكلة إليه".







        وتمثل التسهيلات والخدمات التي يوفرها ميناء بندر عباس كنقطة لوجستية على الطريق فائدة كبرى لتعزيز خطط البحرية الروسية لتبادل السفن الحربية وانتقالها من أسطول الباسفيك إلى البحر المتوسط. فعمليات الانتشار تستلزم توفير نقاط ارتكاز تلجأ إليها السفن للتزود بالوقود والمؤن والركون لفترات من الراحة حتى تتمكن من استئناف مهمتها. ولا يختلف لجوء البحرية الروسية إلى ميناء بندر عباس الإيراني في منتصف الطريق بين ميناء فلاديفوستك وشرق البحر المتوسط عن استخدام البحرية الإيرانية لكولومبيا في سريلانكا والتي تقع في منتصف الطريق بين إيران والصين. وبذلك، فإنه لا يمكن النظر إلى نشاط البحرية الروسية في بندر عباس كحدث منفرد بمعزل عن المسائل الإقليمية الأخرى. إذ توجد علاقة بين استخدام السفن الروسية لميناء بندر عباس الإيراني وبين إنشاء قوة بحرية روسية مقيمة في شرق البحر المتوسط. فبدون وجود الخدمات التي يقدمها الميناء الإيراني، لم يكن ليتسنى للبحرية الروسية تحريك سفنها بصفة متواترة وروتينية من الباسفيك إلى البحر المتوسط، وهذا بدوره سهل من مهمة إنشاء القوة البحرية الروسية في البحر المتوسط وأتاح إمكانية نقل الأسلحة الروسية المتقدمة لسوريا.



        البقية سأضعها تباعاً
        يرجى الانتظار قليلاً حتى أضع بقية الدراسة في المشاركات القادمة

        تعليق


        • #5
          رد: الاستراتيجية البحرية والملاحية الإيرانية

          إمكانية استخدام القوات البحرية للجمهورية الإيرانية (IRIN) وخطوط الشحن التجاري (IRISL) للدعم اللوجستي

          يقدم النظام الإيراني دعماً كبيراً وجوهرياً ومستمراً لنظام بشار الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان والمنظمات الموالية لإيران والتي تخوض حرب بالوكالة عن إيران في سوريا ولبنان. ويقدم هذا الدعم بطرق عديدة منها التمويل المالي المباشر ونقل المعدات والإمدادات العسكرية والمؤن والذخيرة بالإضافة إلى عمليات الاستخبارات المشتركة والتدريب العسكري للقادة والكوادر. ففي أول مايو 2013، نشرت كل من معهد المخابرات الحربية ومراكز استخبارية للدراسات والأبحاث العسكرية دراسة بعنوان "الاستراتيجية الإيرانية في سوريا" تضمنت تفاصيل الدعم الإيراني لسوريا وحزب الله والمنظمات الموالية والتابعة لإيران. وقد انتهت الدراسة بخلاصة مفادها أن الالتزام الإيراني بدعم نظام الأسد وحزب الله وغيره من المنظمات التابعة لإيران يرمي إلى الإبقاء على بشار الأسد لأطول مدة ممكنة في الحكم، وأنه حتى في حالة سقوطه، فإن إيران تريد ضمان استمرار نفوذها في سوريا ولبنان.

          ومعظم إمدادات إيران من الأسلحة والمعدات هي محلية الصنع، تصنع في هيئة صناعات الدفاع الإيرانية (DIO)، وهي الذراع الصناعية لوزارة الدفاع وهيئة لوجستيات القوات المسلحة (MOFADL) لديها العديد من الشركات التابعة التي تقوم بتصنيع الجزء الأكبر من المعدات العسكرية الإيرانية. وتستخدم هيئة صناعات الدفاع الإيرانية (DIO) إمكانياتها تلك لدعم حلفائها في المنطقة. وقد أسفر ذلك عن اتهام وزارة الخزانة الأمريكية للعديد من المنظمات والهيئات ذات العلاقة مع (DIO) بخرق العقوبات المفروضة على إيران.

          وعلى حين تقوم (DIO) بإنتاج معظم المعدات والذخيرة والأسلحة التي تحتاج إليها إيران وسوريا وحزب الله والمنظمات التابعة لإيران، فإن هذه المواد تكون في حاجة لنقلها إلى مستخدميها في المناطق المختلفة. ولذلك، فإن القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIN) وخطوط الشحن للجمهورية الإيرانية (IRISL) تعد جزء من شبكة توزيع الأسلحة والمعدات والذخيرة.


          الدعم البحري الإيراني لسوريا

          يتم نقل الجزء الأكبر من الدعم الإيراني لسوريا بواسطة الجو. وإلى جانب ذلك، استخدمت إيران قواتها البحرية لنقل المعدات والأسلحة إلى سوريا وكانت هذه السفن ترسو في ميناء طرطوس السوري. إلا أن هذا الطريق تحف به المخاطر لأنه يعبر من قناة السويس ويتخذ طريقاً بالقرب من إسرائيل. ولذلك فإن توجه السفن البحرية الإيرانية التي تنقل الدعم لسوريا إلى السودان ثم تهريب حمولاتها براً إلى وجهتها النهائية في سوريا يعد أقل خطورة.

          ومن الدلائل المؤكدة على استخدام إيران لقواتها البحرية قامت بثلاث زيارات لإمداد سوريا بالدعم العسكري توجه السفن التابعة لخطوط الشحن للجمهورية الإيرانية (IRISL) ثلاث مرات إلى موانئ على السواحل الليبية. وعلى الرغم من أن خطوط الشحن للجمهورية الإيرانية (IRISL) هي شركة للنقل التجاري، إلا أنها وقعت تحت طائلة عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية لعلاقاتها الوثيقة مع القوات البحرية للحرس الثوري الإيراني (IRGC). وفي واقع الأمر، فإن شركة خطوط الشحن التجاري للجمهورية الإيرانية (IRISL) تعمل تحت سيطرة وزارة الدفاع الإيرانية.


          فبراير 2012: النشر اللوجستي للقوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني (IRISL) لسوريا



          على الرغم من أن معظم الدعم اللوجستي الإيراني يتم نقله عن طريق الجو، إلا أن القوات البحرية للحرس الثوري الإيراني (IRIN) أثبتت قدرتها على القيام بعمليات النقل البحري لسوريا بواسطة المدمرة الإيرانية "شهيد قندي" وشاحنة البضائع "خارك" عبر البحر المتوسط في فبراير 2012. وقد عبرت هذه السفن الممر الملاحي في قناة السويس في طريقها للرسو إلى جانب سفن البحرية الروسية في ميناء طرطوس بسوريا. وكان هذا الانتشار مماثلاً لعملية الانتشار لسوريا التي قامت بها المدمرة الإيرانية "الفند" وشاحنة البضائع "خارك". وتشير هذه العمليات إلى المرونة الفائقة التي يتمتع بها النظام الإيراني في دعم سوريا وحزب الله والمنظمات الأخرى التابعة لإيران ونقل الإمدادات لهذه الأطراف. والآن وقد اصبح لروسيا أسطول بحري شرق البحر المتوسط ونقطة ارتكاز بحرية في ميناء بندر عباس، فإن الطريق بات مفتوحاً وممهداً لتوثيق أواصر التعاون بين القوات البحرية الروسية والإيرانية في دعمها لسوريا، بالإضافة إلى ميزة وجود قاعدة بحرية روسية في ميناء طرطوس.

          من الواضح أن النظام الإيراني لديه مصالح طويلة الأمد في البحر المتوسط، وتؤكد عمليات انتشار القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIN) في البحر المتوسط أن إيران لديها القدرة والطموح الاستراتيجي لنشر سفنها في البحر المتوسط واستخدام هذه السفن لدعم ملفاتها.


          أغسطس – سبتمبر 2012: سفن خطوط الشحن للجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRISL) تبحر إلى ليبيا

          قامت ثلاث سفن على الأقل تابعة لخطوط الشحن للجمهورية الإسلامية الإيرانية في سبتمبر 2012 – والتي اتهمتها الولايات المتحدة بخرق العقوبات الاقتصادية على إيران – بالإبحار إلى البحر المتوسط إلى موانئ بنغازي وسرت ومسراتا في ليبيا. وكانت سفينة واحدة (وهي سفينة بارميس) على الأقل قد غادرت من ميناء بندر عباس، وهو المقر الرئيسي لسلاح بحرية الحرس الثوري الإسلامي (IRGCN) والقوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIN) وتوقفت على الطريق في كل من دبي ومصر في طريقها إلى ليبيا. وترفع سفن خطوط الشحن للجمهورية الإيرانية (IRISL) أعلاماً لدول مختلفة حسبما تقتضيه المصلحة، إلا أنها في حقيقة الأمر تعمل كفرع تابع للحرس الثوري الإسلامي (IRGC). ومن المحتمل أن هذه السفن المبحرة إلى ليبيا لم تكن تحمل على متنها أسلحة أو ذخيرة ولكنها كانت تنقل الأسلحة التي تشتريها من أسواق السلاح المفتوحة في ليبيا. فمن المعروف أنه بعد سقوط نظام معمر القذافي، كانت هناك كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر تحت إمرة القذافي وأصبحت متاحة من بعده للبيع لمن يريد من عملاء أسواق السلاح. وقد أصدرت الامم المتحدة تقريراً في إبريل 2013 اشارت فيه إلى نقل الأسلحة العديدة من ليبيا إلى مالي وسوريا وسيناء وإلى مناطق أخرى في العالم. وعلى الرغم من أن إيران تقوم بتصنيع معظم أسلحتها، إلا أنه من المحتمل أن تكون سفن خطوط الشحن للجمهورية الإيرانية قد توجهت إلى السواحل الليبية في سبتمبر 2012 لشراء أسلحة ليبية من السوق المفتوحة هناك، ثم نقلها إلى سوريا وحزب الله والمنظمات الموالية لإيران.


          الزيارات المتكررة للسفن الإيرانية إلى ميناء بورت سودان

          تقوم السفن الإيرانية بزيارات متكررة لميناء بورت سودان وذلك لخدمة مصالح استراتيجية عديدة للنظام الإيراني. فأولاً، هناك طرق تهريب للبضائع والأسلحة الإيرانية من إيران إلى السودان بحراً، ثم براً عبر مصر وقطاع غزة. وهذا هو الطريق الأساسي للإمدادات التي تصل إلى حركة حماس والتي تنقل على متن سفن صغيرة لنقل البضائع تخرج من إيران. وطبقاً لتقرير بحثي صدر عن الكونجرس الأمريكي في عام 2011، فإن "المهربون ينقلون الأسلحة على سفن متجهة من البحر الأحمر إلى السودان ثم يقومون بنقلها براً عبر صحراء سيناء حيث يتم التهريب بواسطة الأنفاق التي تصل بين شقي مدينة رفح".

          وبنقل معظم الشاحنات الصغيرة من الأسلحة والذخيرة على متن السفن الصغيرة، فإن النظام الإيراني يجعل من شبه المستحيل على البحرية الأمريكية وحلفاء أمريكا في الناتو ضبط هذه الشحنات. فالقوات البحرية الغربية مجهزة بسفن كبيرة لأغراض الانتشار ذات النطاق الجغرافي الواسع والمدى الزمني الطويل، ولهذا فهي غير مؤهلة للتصدي لآلاف سفن الشحن الصغيرة التي تنشط في حركة سريعة في مياه خليج عُمان وخليج عدن والبحر الأحمر. وتعمل الزيارات المتكررة لسفن البحرية الإيرانية لميناء بورت سودان على تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين إيران والسودان. ولطالما استمرت هذه الشراكة، فإن السودان سوف يوفر البيئة المناسبة والمواتية للمهربين على السواحل السودانية المطلة على البحر الأحمر.

          ومع ذلك، فإن صغار المهربين ليس في استطاعتهم نقل شحنات كبيرة من الأسلحة أو توفير مقتضيات الأمن لنقل المعدات العسكرية خاصة الصواريخ أرض – أرض. وتستخدم إيران سفن الشحن لنقل مثل هذه المعدات الكبيرة، وهذا هو السبب الذي اتهمت لأجله خطوط الشحن للجمهورية الإيرانية من قبل الولايات المتحدة بخرق العقوبات المفروضة على إيران. ففي يونيو 2011، أصدر المدعي العام لمانهاتن الحكم القضائي 317 الذي جاء فيه "إن مكتب المدعي العام اليوم يلقي الضوء على العمليات الاحتيالية التي تقوم بها شركة خطوط الشحن للجمهورية الإسلامية الإيرانية التي اتهمت بواسطة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بتهريب أسلحة الدمار الشامل".

          وكان من بين الزيارات التي قامت بها سفن البحرية الإيرانية مؤخراً لميناء بورت سودان زيارة السفينة "بوشهر" والتي شيدت بواسطة شركة بناء السفن ومجمع الصناعات البحرية (ISOICO) الإيرانية لتكون سفينة شحن بضائع، إلا أنه تم ضمها إلى أسطول سفن القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIN).

          فإذا كانت هناك شحنة كبيرة ومرتفعة القيمة من الأسلحة والمعدات مما يتعذر نقله بواسطة صغار المهربين، فإن حاملة المروحيات "بوشهر" تصبح هي الناقلة المناسبة لهذا الغرض. فهي مصممة لنقل الشحنات الكبيرة من البضائع والمعدات التي تنتجها هيئة صناعات الدفاع الإيرانية (DIO)، كما أنها تابعة لأسطول سفن سلاح البحرية للحرس الثوري، وفي البداية صنعت "بوشهر" لخطوط الشحن التجاري للجمهورية الإيرانية (IRISL) ولكن فيما بعد أصبحت من ضمن أسطول القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIN). ولذا فإنها تصبح بمنأى عن أي خطوة استفزازية باعتراضها وتفتيشها من جانب البحرية الأمريكية أو سفن حلف الاطلنطي.
          وعلى الرغم من ان البحرية الأمريكية تقوم باعتراض وتفتيش السفن الصغيرة الخاصة في البحر الأحمر وخليج عدن وخليج عُمان والخليج العربي، إلا أنها تتجنب ذلك مع سفن القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIN).

          وتوضح الصورة التالية السفينة " بوشهر " بعد أن رست على رصيف بورت سودان في 8 ديسمبر 2012 وقد ظهر واضحاً مدفع 30 ملليمتر على مقدمة السفينة.



          ومع وجود احتمالات مخاطر اعتراض البحرية الأمريكية أو حلف الأطلنطي أو الاتحاد الأوروبي على السفن الحربية، فإن إيران تلتف حول هذا الاحتمال بانشاء مصانع لانتاج الذخيرة في السودان. ففي أكتوبر 2012، شنت قوات الدفاع الجوي الإسرائيلي ضربة جوية طويلة المدى على مصنع كبير للذخيرة في الخرطوم. وعلى الرغم من انكار إيران والسودان وجود علاقة لهما بهذا المصنع، إلا أن المعارضة السودانية أصرت على أن المصنع تم بناؤه بواسطة قوات الحرس الثوري الإيراني وهو أيضاً مملوك لها. وطبقاً للسجل التاريخي الحافل لنقل الأسلحة والذخيرة الإيرانية عبر السودان، فإنه من المرجح أن تكون سفن خطوط الشحن التجاري للجمهورية الإيرانية وسفن القوات البحرية للجمهورية الإيرانية (IRIN) قد تم استخدامها لنقل المعدات اللازمة لبناء وتجهيز المصنع المذكور في الخرطوم.

          وخلال الأشهر الـ 18 الماضية، قامت سفن القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIN) بأربع زيارات رسمية على الأقل لبورت سودان.



          ومن بين الزيارات الأربع لميناء بورت سودان، كانت هناك ثلاث زيارات لحاملة مروحيات / ناقلة بضائع. ويشير الوجود الروتيني لشاحنات البضائع الثقيلة إلى أن هذه الزيارات ربما استخدمت لنقل البضائع من وإلى إيران والسودان.

          ويشير التعاون العسكري المستمر بين القوات البحرية الإيرانية والسودان إلى أن إيران تولي اهتماماً كبيراً لشراكاتها الاستراتيجية الإقليمية بغرض تعزيز الدعم اللوجستي لحلفائها في المنطقة.


          البقية سأضعها في المشاركة القادمة


          تعليق


          • #6
            رد: الاستراتيجية البحرية والملاحية الإيرانية

            الخاتمة

            يضع النظام الإيراني ضمن أهدافه الاستراتيجية توسيع نطاق نفوذه في الشرق الأوسط وتقليص النفوذ الدولي والإقليمي في المنطقة. ولخدمة هذه الأهداف، فإن إيران تقوم بتدريبات عسكرية وعقد شراكات استراتيجية مع حلفائها وتمدهم بالعتاد والتمويل. وعلى الرغم من أن إيران قامت بتقليص حجم ونطاق وكثافة بعض التدريبات البحرية، إلا أن ذلك يأتي ضمن استراتيجية توسيع نطاق عمليات انتشار القوات البحرية والشراكات الاستراتيجية مع الحلفاء الرئيسيين لإيران، وليس بسبب عدم توافر الموارد اللازمة.

            وتركز البحرية الإيرانية على محيطها المباشر خاصة مضيق هرمز. فمن خلال التدريبات البحرية متوسطة المدى التي تعزز مطالبها الإقليمية بالسيادة على جزر طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى المتنازع عليها، فإن إيران تصور نفسها للإيرانيين في الداخل على أنها الطرف الذي يتحرك من قاعدة قوية وصلبة. وهذا الاستعراض للقوة موجه أيضاً للخارج، إذ أن جزر الطنب وأبو موسى تمثل نقاط قوة ممتازة لشن حروب غير نظامية على الأعداء. وتشير الزيارات من كبار القيادات السياسية والعسكرية إلى الأهمية التي تعطيها إيران لتصوير موقفها القوي لكل من جمهورها المحلي وجمهورها في الدول الأجنبية والدول المجاورة. والواقع أن فرض السيادة الإيرانية على هذه الجزر الثلاث يوفر لها موارد غنية من الثروات المعدنية تحت المياه. ولا تعترف الولايات المتحدة والدول الأخرى بحق إيران في إغلاق مضيق هرمز، إلا أن هذا الموقف الأمريكي قد لا يكون له جدوى في حالة نشوب صراع مسلح تستغل فيه إيران المزايا الاستراتيجية التي توفرها لها الجزر الثلاث.

            وتأتي التدريبات البحرية لإيران في محيطها الخارجي القريب ضمن استراتيجيتها الخاصة ببحر قزوين ومنطقة القوقاز. فإيران تزيد توسيع نطاق مياهها الإقليمية في بحر قزوين من 12% إلى 20% حتى توسع من حصتها في الثروات المعدنية والسمكية في هذه المنطقة. وتدعم إيران هذا المطلب بتخصيص موارد صناعية ضخمة لبناء السفن الكبرى ذات السعة الكبيرة مثل المدمرة (جمران 2)، بالإضافة إلى التدريبات العسكرية البحرية في المنطقة، إلى جانب تعزيز أواصر التعاون مع روسيا. وترى كل من إيران وروسيا أن التوتر بين الدول المطلة على بحر قزوين مسألة إقليمية بحتة، وتتعاونان معاً للحيلولة دون تدخل أطراف دولية. وعلى العكس من ذلك، ترحب اذربيجان بالتدخل الدولي في المنطقة، وهي عضو نشط في هيئة خطة العمل للشراكة الفردية التابعة لحلف الأطلنطي Individual Partnership Action Plan (IPAP).

            وإلى جانب هذا الموقف السياسي لإيران في بحر قزوين، فإنها ترغب في التوسع شمالاً صوب منطقة القوقاز. فعلى الرغم من أن طموحاتها الاستراتيجية تبدو وكأنها تركز على الخليج العربي والممر الذي يمتد من إيران عبر العراق إلى سوريا ولبنان، إلا أنها ترغب في أن توسع نطاق نفوذها الإجتماعي والديني والثقافي على الشيعة في أذربيجان. ومما يدعم كل هذه الطوحات لإيران علاقاتها الاستراتيجية المتنامية مع روسيا والصين.

            وعلى الرغم من أن المصالح الروسية والإيرانية في بحر قزوين والقوقاز ليست متماثلة، إلا أن ما بينهما من الأرضية المشتركة ما يسمح بالتعاون في بعض المجالات مثل الوقوف يداً واحدة في وجه إقامة خط أنابيب الغاز العابر لبحر قزوين. وهذا الخط الذي تؤيده الولايات المتحدة من المقرر له أن يمر تحت سطح بحر قزوين ومنه إلى اذربيجان وجورجيا وتركيا قبل أن يصل إلى نقطة النهاية عند ساحل البحر المتوسط ومنه إلى الأسواق العالمية.

            هذ وقد تبادلت إيران وروسيا الزيارات بين موانئهما، إذ فتحت إيران ميناء بندر عباس للسفن الروسية وفي المقابل استقبلت قاعدة استراخان التي تعد المركز الرئيسي للأسطول الروسي (بحر قزوين) زيارة من السفن الإيرانية. ويمتد التعاون بين القوات البحرية الإيرانية والروسية إلى بحر قزوين. كما أن التعاون بين الدولتين مستمر في سوريا. هذا ولا تتسم العلاقات الاستراتيجية بين إيران وروسيا بالجمود ولكنها متنامية من حيث الكثافة والامتداد الجغرافي.

            وقد التقت مصالح الصين مع المصالح الروسية والإيرانية في بحر قزوين ذلك أن الصين في حاجة إلى توفير مصادر آمنة للغاز الطبيعي، وإقامة خط أنابيب الغاز العابر لبحر قزوين المزمع إنشاؤه والذي من المقرر أن ينقل الغاز إلى الغرب بعيداً عن الصين من شأنه تعويق وصول الغاز إلى الصين وعلى الرغم من أن الصين لم تنضم علانية إلى الموقف الإيراني والروسي لإقامة هذا الخط من الأنابيب الناقلة للغاز، إلا أنها ضخت استثمارات لإنشاء خطين منافسين لأنابيب الغاز والنفط وهما خط أنابيب الصين كازاخستان وخط أنابيب غاز الصين تركمانستان (والمعروف أيضا باسم خط أنابيب الصين – آسيا الوسطى). وعلى الرغم من عدم علانية وحدة المواقف بين الصين وروسيا وإيران في بحر قزوين والقوقاز، إلا أن هذه الدول الثلاث لديها من المصالح المشتركة ما يسمح بوجود تعاون وثيق بينها.

            وتشير عمليات انتشار القوات البحرية الإيرانية مؤخراً إلى المحيط الهادئ مدى التقدم والكفاءة التي أحرزته هذه القوات في السنوات الماضية، وهي بذلك تدعم صورتها كقوة إقليمية لا يستهان بها وتقدم نفسها كشريك استراتجي مناسب للصين. وقد ازدهرت العلاقات الإستراتيجية بين إيران والصين، حيث حققت واردات الصين من النفط الإيراني مستوى غير مسبوق بالإضافة إلى قيام الناقلات البحرية الصينية بنقل النفط الإيراني من جزيرة (خرج). وهذه العلاقات الاقتصادية المكثفة تجري جنباً إلى جنب مع التعاون العسكري بين البلدين في مجال الأسلحة والتكنولوجيا والدعم الصيني لبرنامج إيران النووي. وتتسم استراتيجية الطاقة الصينية في الشرق الأوسط بالتنوع، إلا أن مصدرها الرئيسي للطاقة يتمثل في إيران التي تمدها باحتياجاتها من النفط الخام والذي يعزز طموحات الصين الاستراتيجية في المحيط الهادئ. كما تمد الصين إيران بالأسلحة والتكنولوجيا المصنوعة في الصين وكوريا الشمالية، مما يعزز الطموحات الاستراتيجية لإيران في الشرق الأوسط.

            وتخدم عمليات الانتشار البحري واسعة النطاق لإيران في البحر المتوسط الأهداف الاستراتيجية الإيرانية أغراض توفير الدعم اللوجستي لسوريا وحزب الله. وكانت معظم المساعدات الإيرانية تنقل لسوريا بواسطة الجو، خاصة في المراحل المبكرة من الحملة الجوية ومعركة دمشق. إلا أن لإيران خط اتصال آخر بسوريا بواسطة القوات البحرية الإيرانية وسفن خطوط الشحن التجاري للجمهورية الإيرانية مما يعطي عمقاً استراتيجياً مع سوريا، خاصة وأن هذه العمليات البحرية تعزز من موقف إيران كشريك بحري لروسيا جدير بالاعتماد عليه. وتنوي روسيا الإبقاء على أسطولها الجديد في البحر المتوسط كمركز دائم لها حيث تتناوب عليه السفن الروسية القادمة من أسطول الباسفيك. وقد قامت السفن البحرية الروسية بزيارتين لميناء بندر عباس.

            ومؤخراً، قامت شركة SADRA لبناء السفن العملاقة والمملوكة لقوات الحرس الثوري الإيراني IRGC ببناء الناقلة العملاقة "سوروكيما" لأغراض التصدير لفنزويلا. وهذه الناقلة هي أكبر السفن العملاقة التي تم بناؤها في الشرق الأوسط. ويواصل المجمع الصناعي الإيراني انتاج الأسلحة والذخيرة للحلفاء والمنظمات التابعة لإيران. ويتم نقل معظم هذه الأسلحة والذخائر عن طريق السودان. وقد أكدت الزيارات المتكررة الأخيرة لسفن القوات البحرية لبورت سودان عمق العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين، بالإضافة إلى تأكيد التزام إيران بتسليح حلفائها والمنظمات الموالية لها في المشرق وشبه الجزيرة العربية.

            وعلى الرغم من الأولوية الاستراتيجية لإيران في المستقبل القريب والمنظور هو توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، إلا أن اتساع نطاق علاقاتها مع روسيا والصين وكوريا الشمالية (والأخيرة بواسطة الصين) يؤكد أن لإيران طموحات دولية. وقد قامت القوات البحرية بالانتشار في البحر المتوسط والمحيط الهادئ، كما قامت بزيارة ميناء كولومبو في سريلانكا، وهذا يشير إلى إرساء إيران لقاعدة نفوذ لها في المنطقة. كما أن زيارات البحرية الروسية لميناء بندر عباس تشير إلى أن سفن أسطول الباسفيك الروسي سوف تكرر استخدام هذا الميناء في طريق عبورها إلى البحر المتوسط. وبالمثل، فقد أعدت القوات البحرية الإيرانية العدة لإجراء زيارة للقاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس، وتخطط أيضاً لعمليات انتشار متكررة لكل من البحر المتوسط والمحيط الهادئ. وهكذا تريد القيادة الإيرانية التأكيد بأن إيران دولة إقليمية لها نفوذ مترامي الأطراف وليست دولة معزولة بل هي توثق أواصر التعاون مع حلفائها وشركائها وتوسع من مناطق نفوذها.

            وتؤدي كل الأحداث التي تم ذكرها في هذه الدراسة إلى الخلاصة بأن لإيرن طموحات كبرى ونفوذ واسع في منطقة الشرق الأوسط امتداداً من الخليج العربي إلى البحر المتوسط، ونفوذ ماثل في مناطق متفرقة من العالم تمارسه بواسطة أتباعها من المنظمات الموالية لها وتستخدم إيران بكفاءة عالية أصولها البحرية لتعزيز هذا الطموح ودعم علاقاتها الاستراتيجية مع شركائها.


            ترجمة عبير البحرين

            إنتهى بحمد الله

            تعليق


            • #7
              رد: الاستراتيجية البحرية والملاحية الإيرانية

              شكرا اخت عبير وماهو تقييمك للقوات البحريه الخليجيه مقارنه بالبحريه الايرانيه وشكرا

              تعليق


              • #8
                رد: الاستراتيجية البحرية والملاحية الإيرانية

                رائع ,,,
                مجهود ممتاز يا استاذة ومشرف ومثار للفخر لبنات الخليج العربي
                ماهو المصدر لهذة الدارسة ؟

                كنت دوما اسال على اي شئ تعتمد ايران في تخطيطها الاستراتيجي
                هي لا تملك مقاومات ذلك الطموح ميدانيا
                وتعتمد فقط على تعقل او جبن دول الجوار
                والا فان دولتين خليجيتين فقط قادرتين عمليا على حصارها واذلالها بحريا بشكل كامل
                قطع بحرية غاية في الضعف والسوء ولا تمت للعصر بشئ فضلا ان تمت لطموح ايران المرضي
                اداء عملياتي يعتمد الانتحار قبل الفن العسكري على اساس انهم سيواجهون دولة كل سكانها ربع مليون

                من يتخيل ان القطع البحرية الايرانية الرئيسية لا تمتلك وسائل دفاعية ضد التهديد سطح سطح اي ان اقدم بطارية اتومات ستحرق اسطول مدمراتهم المزعوم قبل ان تدرك ايران ماذا حصل

                من ناحية اخري لا يجب اهمال التحول المباشر في الاستراتيجية الروسية ضدنا
                ولا يجب اهمال ان ذلك حصل بالتنسيق مع امريكا وبضوء اخضر منها

                تتسرب اخبار ان روسيا تتشاور لتحديث اسطول الكيلو وهو الاداة الايرانية الاخطر خارج الخليج العربي طبعا لا يمكن اهمال اداء الغواصات الصغير كونو ومشتقتها

                بالذات ضد السفن المدنية او ناقلات النفط الغير مزوده بوسائل دفاعية ضد الغواصات

                نحتاج الى نقاش كبير هنا



                يوم كلٍ من خويه تبرا .. حطيت ا
                لأجرب لي خويٍ مباري

                تعليق


                • #9
                  رد: الاستراتيجية البحرية والملاحية الإيرانية

                  موضوع يبي له قرائة على روقاان ,,
                  sigpic

                  تعليق


                  • #10
                    رد: الاستراتيجية البحرية والملاحية الإيرانية

                    الأخ المشرف العام typhon99

                    الله لا يهينك عندي طلب ولا عليك أمر
                    في أخطاء إملائية وكنت ابيك تسوي شوية تعديلات
                    أنا عندي نسختين من ترجمة الدراسة واحدة منقحة من الأخطاء الإملائية والثانية مو منقحة
                    وللأسف البارحة لما أدرجت الموضوع كنت أسوي كوبي من النسخة غير المنقحة
                    وما انتبهت إلا اليوم العصر لما دخلت الموضوع وطبعاً انتهى وقت التعديل

                    الله لا يهينك بأعطيك التعديلات بالصور عشان تسوي التعديلات ولا عليك أمر
                    بس ما ابي يظهر في أسفل المشاركات أن في تعديلات أجريت
                    أعتقد فقط الاداريين هم من يستطيعون عمل اي تعديل من غير ما يظهر أسفل المشاركة
                    يعني الاداريين اللي لونهم أحمر غامق والمشرف العام
                    وعشان ما يظهر في اسفل المشاركات أن في تعديلات أجريت أعتقد المفروض تجاهل مربع التعليمات الذي يقول ما هو سبب التعديل



                    التعديل الأول: تجده في الرد رقم 2
                    كلمة اليونانية ,, تعديل حرف الياء



                    التعديل الثاني: تجده في الرد رقم 3
                    إضافة حرف I قبل حرف R




                    التعديل الثالث: وتجده في الرد رقم 3
                    تعديل كلمة مضيق



                    التعديل الرابع: وتجده في الرد رقم 4
                    كلمة والتدريبات ,, تُعدل إلى والعمليات



                    التعديل الخامس: وتجده في الرد رقم 4
                    كلمة لاهتمام تُعدل إلى لإهتمامات



                    التعديل السادس: وتجده في الرد رقم 4
                    كلمة خرج تُعدل إلى خارك




                    التعديل السابع: وتجده في الرد رقم 5
                    كلمة توجه تُعدل إلى توجهت




                    التعديل الثامن: وتجده في الرد رقم 5
                    - تعديل: التابعة للحرس الثوري الإيراني إلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية
                    - تعديل: (IRISL) إلى (IRIN)




                    التعديل التاسع: وتجده في الرد رقم 5
                    تعديل: القوات البحرية للحرس الثوري الإيراني إلى القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية




                    التعديل العاشر: وتجده في الرد رقم 5
                    إضافة (IRISL) في المكان الموضح بالصورة




                    التعديل 11: وتجده في الرد رقم 6
                    كلمة الطوحات تُعدل إلى الطموحات




                    وأخيراً ,, يرجى إضافة المصدر في نهاية الموضوع قبل جملة ترجمة عبير البحرين

                    المصدر: معهد الاستخبارات الحربية
                    ضمن سلسة تقارير عن أمن الشرق الأوسط


                    ولك مني جزيل الشكر والامتنان

                    تعليق


                    • #11
                      رد: الاستراتيجية البحرية والملاحية الإيرانية

                      المشاركة الأصلية بواسطة F15SA مشاهدة المشاركة
                      شكرا اخت عبير وماهو تقييمك للقوات البحريه الخليجيه مقارنه بالبحريه الايرانيه وشكرا
                      مرحبا أخي
                      القوات البحرية الخليجية عقيدتها مختلفة اختلاف كلي عن نظيرتها الإيرانية
                      البحرية الإيرانية تتبع عقيدة البلطجة
                      وأعتقد هذا هو اللي يحسبون له ألف حساب
                      العالم ما تحسب لك حساب إذا أنت ماشي جنب الحيط وخايف وتتلفت يمين ويسار وتبي منهم يزودنك بالمعدات العسكرية والأسلحة
                      وحاط لك ناطحات السحاب وأبراج من الشوكالاته على سيف البحرعند حدودك البحرية مقابل دولة عدوة وخايف على الشوكالاته
                      وأما بالنسبة للتقييم هناك العديد من الدراسات التي تطرقت لهذه النقطة
                      ولكن فلنتظر رأي الخبراء العسكريين الموجودين بالمنتدى يقيمون لنا القوتين
                      وفيهم الخير والبركة

                      تعليق


                      • #12
                        رد: الاستراتيجية البحرية والملاحية الإيرانية

                        اختي هل تطوير العلاقات السعودية الهندية سوف تنعكس على الصين ؟؟







                        هذه الصوره تذكر بتسريب نقل الاس 300 الى ايران

                        وممكن اختي نعرف اكثر عن دور الجزائر في محور الصين ايران روسيا

                        للعلم الجزائر تعاقدت على قطع بحرية صينية

                        تعليق


                        • #13
                          رد: الاستراتيجية البحرية والملاحية الإيرانية




                          ما اسم الميناء الذي يوشر عليه في سلطنة عمان ؟؟

                          -------------------------



                          أبعاد التواجد الإيرانى فى إريتريا وجنوب البحر الأحمر


                          تعليق


                          • #14
                            رد: الاستراتيجية البحرية والملاحية الإيرانية

                            شكرا اخت عبير قرأت لك قبل فتره في منتدى اخر موضوع مميز عن القوات الجويه السعوديه اذاممكن تعيدين طرحه مع تحديث المعلومات

                            تعليق


                            • #15
                              رد: الاستراتيجية البحرية والملاحية الإيرانية

                              المشاركة الأصلية بواسطة عبير البحرين مشاهدة المشاركة
                              مرحبا أخي
                              القوات البحرية الخليجية عقيدتها مختلفة اختلاف كلي عن نظيرتها الإيرانية
                              البحرية الإيرانية تتبع عقيدة البلطجة
                              وأعتقد هذا هو اللي يحسبون له ألف حساب
                              العالم ما تحسب لك حساب إذا أنت ماشي جنب الحيط وخايف وتتلفت يمين ويسار وتبي منهم يزودنك بالمعدات العسكرية والأسلحة
                              وحاط لك ناطحات السحاب وأبراج من الشوكالاته على سيف البحرعند حدودك البحرية مقابل دولة عدوة وخايف على الشوكالاته



                              اقرأ يا اخي بخروش بن علاس
                              وانت اشغلتنا في موضوع لماذا-لا-تسلح-السعودية-اليمن
                              عن الذل والضعف


                              تعليق

                              ما الذي يحدث

                              تقليص

                              المتواجدون الآن 0. الأعضاء 0 والزوار 0.

                              أكبر تواجد بالمنتدى كان 170,244, 11-14-2014 الساعة 09:25.

                              من نحن

                              الامن الوطني العربي نافذة تطل على كل ما يتعلق بالعالم العربي من تطورات واحداث لها ارتباط مباشر بالمخاطر التي تتهددنا امنيا، ثقافيا، اجتماعيا واقتصاديا... 

                              تواصلوا معنا

                              للتواصل مع ادارة موقع الامن الوطني العربي

                              editor@nsaforum.com

                              لاعلاناتكم

                              لاعلاناتكم على موقع الامن الوطني نرجو التواصل مع شركة كايلين ميديا الوكيل الحصري لموقعنا

                              editor@nsaforum.com

                              يعمل...
                              X