المسلمون في البرازيل
تكتسب بطولة «كأس العالم لكرة القدم» اهتماماً خاصاً لدى كافة شعوب العالم، حيث إنها تظاهرة عالمية يشارك فيها الملايين من كافة أنحاء المعمورة، ويزيد من إثارتها وحيويتها أنها ستقام المرة المقبلة (هذا العام 2014م) في البرازيل التي تعشق كرة القدم، وتقدم آلاف اللاعبين أصحاب الخبرات والمهارات الخاصة حتى أصبحوا محط أنظار الكثير من أقطار العالم.وبمناسبة هذه التظاهرة العالمية، نلقي الضوء على التواجد الإسلامي في البرازيل من خلال هذه الدراسة، التي تتعرض بشكل مختصر لتاريخ المسلمين في البرازيل، والواقع الدعوي، وأهم المؤسسات الإسلامية العاملة على الساحة، ومقترحات مستقبلية للنهوض بالدعوة الإسلامية في البرازيل.
تعد البرازيل أكبر دول أمريكا اللاتينية مساحة، حيث تبلغ 8.5 مليون كم2، وأكثرها سكاناً (200 مليون نسمة)، يدين 98% منهم بالديانة المسيحية، وأغلبهم من الكاثوليك.
طبائع البرازيليين
يتميز الشعب البرازيلي ببساطته وتواضعه، ويتربى في بيته ومدرسته على حسن المعاملة وعدم التعصب، ويقول الشيخ محمد بن ناصر العبودي، الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي سابقاً، وهو الذي زار البرازيل أكثر من مرة وألَّف حولها سلسلة من كتب أدب الرحلات: «وحسن المعاملة أمر عرفناه من البرازيليين سواء في الطائرات أو خارجها، وهم في هذا الأمر ليسوا من المجاملين المنافقين» (على أرض القهوة البرازيلية، ص 10)، ويضيف في كتاب «في غرب البرازيل» (ص 5): « رأيت فيها شعباً ودوداً واضح التفكير، حسن المعاملة، يشعر بالمساواة الإنسانية ويمقت التفرقة العنصرية بين السكان».
وقد تعرض الكثير من الباحثين لهذا الأمر وبيَّنوه، ومن ذلك دراسة الأستاذة شيماء حطب حيث قالت حول إيجابيات العمل الدعوي في بلاد أمريكا اللاتينية: «ما تتميز به شعوب أمريكا اللاتينية من التسامح والانفتاح على ثقافات الآخرين؛ عدم وجود أي إرهاصات أو نعرات قديمة مع شعوب أمريكا اللاتينية بعكس الدول الأوروبية التي تنظر إلى المسلمين بعين وتنظر إلى الحروب الصليبية بعين أخرى». «أمتي في العالم»، (ص771).
البرازيل.. والعالم العربي والإسلامي: درجت السياسة البرازيلية على التضامن مع قضايا العالمين العربي والإسلامي، والعمل على تفعيل قيام تحالف اقتصادي وسياسي بين الحكومات العربية واللاتينية، وتمثل ذلك في عقد مؤتمري البرازيل 2005م، والدوحة 2009م، وقد تمثلت هذه السياسة في الانفتاح الاقتصادي الفعال على الدول العربية والإسلامية؛ مما رفع حجم التبادل التجاري إلى 18 مليار دولار، وتدعم الدولة القضية الفلسطينية.
وتعد البرازيل نموذجاً حقيقياً للتعايش السلمي والاحترام المتبادل بين الأديان المختلفة، وتكفل الحكومة حرية الأديان وممارستها والدعوة إليها ونشرها، وتساعد المؤسسات الإسلامية التي تريد بناء مساجد أو مدارس بمنحها أرضاً مجانية لإقامة مشاريع عليها، وقد صدر قرار جمهوري باعتبار يوم 25 مارس من كل عام يوماً لتكريم الجالية العربية، وقرار من برلمان ولاية «ساو باولو» باعتبار يوم 12 مايو من كل عام يوماً للإسلام، وقرار من برلمان البرازيل باعتبار يوم 29 نوفمبر من كل عام يوماً للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ويكفل الدستور البرازيلي للمرأة المسلمة استخراج الأوراق الرسمية بالحجاب.
محطات تاريخية
تعد الجالية المسلمة أكبر جالية من حيث العدد في أمريكا اللاتينية، إذ تقدر بمليون ونصف مليون مسلم، وهم منحدرون من أصول شامية وبعض الأصول الأخرى وممن اعتنق الإسلام من أبناء البرازيل، وسنعرض لأهم المحطات التاريخية لتواجد المسلمين في البرازيل.
المرحلة الأولى: الاستكشاف:
تؤكد أكثر الروايات أن مكتشفي أمريكا والبرازيل اصطحبوا معهم بعض المرشدين المسلمين المتمرسين في علوم البحار، وتتحدث بعض الروايات عن هروب بعض المسلمين (المورسكيين) من «محاكم التفتيش» في إسبانيا إلى البرازيل، وقد أقيمت لهم محاكم تفتيش من قبل البرتغاليين في مدينة «باهية» 1594م، وتم تحديد بعض المواصفات التي تبين المسلم المتخفي حتى لو جهر بالنصرانية كالاغتسال والاستيقاظ المبكر والصيام ونظافة الملابس.
المرحلة الثانية: استقدام الأفارقة:
تم استقدام الملايين من أفريقيا، ممن كانوا يجيدون الكتابة والقراءة، وكانوا أصحاب حضارة وثقافة عالية، كان هؤلاء «الماليز» يتمتعون بمستوى ثقافي عالٍ إذا ما قورنوا بمستوى البرازيليين، وكانوا قادرين على القراءة والكتابة باللغة العربية، وأقر البرتغاليون أنفسهم بأنه «لولا العبيد الأفارقة ما استطاعوا أن يجنوا ثمرة واحدة من البرازيل، وما استطاعوا أن يفعلوا ما فعلوه»، وقال الأستاذ أحمد شاكر: «الزنجي هو الذي صنع البرازيل.. هذه هي الحقيقة الكبيرة.. لم يكن ممكناً أن تتحول هذه القارة إلى أرض مأهولة وزراعية ومدن ومناجم وطرق دون الزنجي الذي أعطاها جسمه وروحه معاً وحضارته الإسلامية».
فالإسلام ليس غريباً على البرازيل، لقد وصلها مع الأفارقة الذين حافظوا على إسلامهم وكادت أن تقوم لهم دولة بعد حركة جهادية مستمرة كان آخرها «ثورة العبيد» عام 1835م، ولكنها أخمدت، وبدأ صوت الإسلام يخفت في هذه البلاد.
المرحلة الثالثة: الهجرة الحديثة:
بدأت الهجرة الحديثة للعرب إلى البرازيل عام 1867م، بعد زيارةٍ قام بها إمبراطور البرازيل لكل من لبنان وسورية ومصر، وبدأت هجرة المسلمين عام 1914م وازدادت بعد عام 1936م، وظلت في ازدياد، وخصوصاً بعد النكسات والنكبات والحروب التي كانت تشهدها بلاد المسلمين.
وبدأ المسلمون يهتمون بشؤونهم الإسلامية، كنتيجة حتمية لاستقرارهم في البرازيل، وكان أغلب الذين هاجروا من أصحاب الحرف والمزارعين البسطاء، وقد انصب اهتمامهم في المحافظة على أداء بعض الشعائر الدينية، وتعليم دروس اللغة العربية لأبنائهم، ولذلك لم تنتقل الدعوة الإسلامية خطوات إلى الأمام، وظلت أسيرة داخل بعض المساجد أو ممارسة بعض العادات والتقاليد.
وغالبية هؤلاء المهاجرين وصلوا من لبنان ثم فلسطين فسورية وبقية البلدان الإسلامية، وتتراوح التقديرات عن أعداد المسلمين حول رقم مليون ونصف المليون، ويتمركزون في ولاية ساوباولو، حيث يوجد فيها 70% من المسلمين، ثم ولاية «بارانا»، ثم «ريو جراندي»، «دوسول»، «باهيا»، »ريو دي جانيرو».
بدايات العمل الإسلامي
كان لوصول الشيخ د. عبدالله عبدالشكور كامل مبعوثاً لوزارة الأوقاف المصرية لمسجد البرازيل عام 1956م أثر عظيم في التأسيس للدعوة الإسلامية الحديثة، حيث استطاع أن يؤسس المدرسة الإسلامية البرازيلية بضاحية «فيلا كارون»، والمقبرة الإسلامية في ضاحية «جواروليوس»، ونادياً اجتماعياً في ضاحية «سانتو أمارو» للقاء العائلات المسلمة، وتتلمذ على يديه الكثير من قيادات العمل الإسلامي في البرازيل، منهم الحاج حسين الزغبي، مؤسس اتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل، والأستاذ سمير الحايك، صاحب أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة البرتغالية، ود. حلمي نصر، صاحب ترجمة معاني القرآن باللغة البرتغالية المعتمدة من مطبعة الملك فهد، والأستاذ عز الدين البعلبكي، مؤسس مجلة «الرسالة»، وله الكثير من الكتب حول الإسلام في البرازيل، والأستاذ محمد سعيد صالح، من قيادات العمل الإسلامي في لبنان.
ويعود لـ د. عبدالله عبدالشكور الفضل في انعقاد أول مؤتمر إسلامي بأمريكا اللاتينية عام 1970م.
ويعتبر هذا المؤتمر علامة تحول كبيرة في تاريخ الدعوة الإسلامية داخل البرازيل، حيث قامت المملكة العربية السعودية بإرسال الدعاة، وكان أول من تم ابتعاثه الشيخ أحمد صالح محايري، عميد دعاة البرازيل الذي قام بمجهود طيب وزيارات متتالية لكثير من تجمعات المسلمين؛ أسفرت عن تبني السعودية مساعدة الجالية المسلمة في بناء الكثير من المساجد والمراكز الإسلامية.
الواقع الدعوي
أرض البرازيل واسعة، وكذلك أعداد المسلمين الذين يتوزعون على الولايات المختلفة، ولا يوجد إحصاء دقيق لعدد المؤسسات الإسلامية، ولكنها تقدر بـ80 مؤسسة، وكذلك يقدر عدد المساجد والمصليات بحوالي 110 مساجد، فيما يبلغ عدد الدعاة والمشايخ 65 شيخاً وداعية، ويعجز هذا العدد عن القيام بشؤون المسلمين المختلفة.
المسلمون الجدد
يزداد معدل انتشار الإسلام في البرازيل رغم أنه أقل بكثير من أوروبا وأمريكا الشمالية، ومرد ذلك لعدة أسباب، منها قلة الكتب المترجمة للغة البرتغالية، وقلة الدعاة وخصوصاً الذين يجيدون التحدث باللغة البرتغالية، وافتقاد المؤسسات الإسلامية لمنظومة من البرامج والخطط المتكاملة التي تُعنى بشؤون المسلمين الجدد.
ويقدر عدد المسلمين الجدد بـحوالي 10 آلاف مسلم، ينحدرون من أصول مختلفة؛ إسبانية وإيطالية وألمانية وأفريقية، ويمثلون شرائح اجتماعية مختلفة فمنهم الأغنياء ومتوسطو الدخل والفقراء، وبعضهم يحتل مناصب عالية كبعض القساوسة الذين أسلموا، وأساتذة الجامعات، والتجار، ومنهم أصحاب الثقافة المحدودة.
وتحظى مدينة «ساو باولو» بالعدد الأكبر من المسلمين الجدد 60%، تليها ولاية «ريو جراندي» و«دو سول» 20%، ثم ولاية بارانا 10%.
ويتحرك المسلمون الجدد في الدعوة بشكل مرضٍ على وجه العموم، وبعضهم نشط جداً، وقد دفعهم نشاطهم للسفر لبعض الدول الإسلامية لدراسة العلوم الإسلامية، ولكنهم لم يستمروا طويلاً لأسباب عديدة، منها صعوبة البيئة واختلافها، وصعوبة المناهج وطرق التدريس، وصرامة بعض الجامعات في التعامل مع الطلاب.
وتعاني نسبة من هؤلاء نوعاً من التهميش وعدم الاهتمام بل والتمييز العنصري في المعاملة من بعض المؤسسات الإسلامية الموجودة في البرازيل.
وقد أطلق اتحاد المؤسسات الإسلامية مشروع «اعرف الإسلام» بهدف توزيع الكتاب الإسلامي باللغة البرتغالية مجاناً، من خلال طاولات الدعوة والمعارض السنوية، وإرسال الكتب للأشخاص والمؤسسات المهتمة بالتعريف بالإسلام، وقام بعمل دورات لدراسة الشريعة للمسلمين الجدد وبرامج مجانية للحج والعمرة، كما يدعم الاتحاد مؤسسات يديرها بعض هؤلاء المسلمين.
وقد افتتح بعض الدعاة المعهد اللاتيني الأمريكي للدراسات الإسلامية، ويتولى إدارته د. الشيخ محمد القاسم الرهيدي، ويقوم بتدريس العلوم الإسلامية عن طريق الإنترنت، ويضم عدداً كبيراً من المسلمين الجدد.
إن رعاية المسلمين الجدد تحتاج للمزيد من الخطط والبرامج والتعاون والتنسيق بين المؤسسات المختلفة داخل البرازيل وخارجها، ويقع على المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل العبء الأكبر، إذ يجب أن يعتمد منهجاً علمياً موحداً لتدريس الإسلام والتعريف به يعتمد على الوسطية ومراعاة الواقع، وحتى لا تكون الساحة عرضة لمناهج منحرفة أو أفكار متطرفة تكون سبباً في نفور الناس من الإسلام.
دور المؤسسات الإسلامية
تهتم المؤسسات الإسلامية في البرازيل بالمحافظة على هوية الجالية من خلال برامج مختلفة تشمل إقامة الشعائر، ونشر الكتاب الإسلامي باللغة البرتغالية، وإقامة المخيمات والمؤتمرات، والعناية بالمسلمين الجدد.
*الأمين العام للمجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل.
تكتسب بطولة «كأس العالم لكرة القدم» اهتماماً خاصاً لدى كافة شعوب العالم، حيث إنها تظاهرة عالمية يشارك فيها الملايين من كافة أنحاء المعمورة، ويزيد من إثارتها وحيويتها أنها ستقام المرة المقبلة (هذا العام 2014م) في البرازيل التي تعشق كرة القدم، وتقدم آلاف اللاعبين أصحاب الخبرات والمهارات الخاصة حتى أصبحوا محط أنظار الكثير من أقطار العالم.وبمناسبة هذه التظاهرة العالمية، نلقي الضوء على التواجد الإسلامي في البرازيل من خلال هذه الدراسة، التي تتعرض بشكل مختصر لتاريخ المسلمين في البرازيل، والواقع الدعوي، وأهم المؤسسات الإسلامية العاملة على الساحة، ومقترحات مستقبلية للنهوض بالدعوة الإسلامية في البرازيل.
تعد البرازيل أكبر دول أمريكا اللاتينية مساحة، حيث تبلغ 8.5 مليون كم2، وأكثرها سكاناً (200 مليون نسمة)، يدين 98% منهم بالديانة المسيحية، وأغلبهم من الكاثوليك.
طبائع البرازيليين
يتميز الشعب البرازيلي ببساطته وتواضعه، ويتربى في بيته ومدرسته على حسن المعاملة وعدم التعصب، ويقول الشيخ محمد بن ناصر العبودي، الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي سابقاً، وهو الذي زار البرازيل أكثر من مرة وألَّف حولها سلسلة من كتب أدب الرحلات: «وحسن المعاملة أمر عرفناه من البرازيليين سواء في الطائرات أو خارجها، وهم في هذا الأمر ليسوا من المجاملين المنافقين» (على أرض القهوة البرازيلية، ص 10)، ويضيف في كتاب «في غرب البرازيل» (ص 5): « رأيت فيها شعباً ودوداً واضح التفكير، حسن المعاملة، يشعر بالمساواة الإنسانية ويمقت التفرقة العنصرية بين السكان».
وقد تعرض الكثير من الباحثين لهذا الأمر وبيَّنوه، ومن ذلك دراسة الأستاذة شيماء حطب حيث قالت حول إيجابيات العمل الدعوي في بلاد أمريكا اللاتينية: «ما تتميز به شعوب أمريكا اللاتينية من التسامح والانفتاح على ثقافات الآخرين؛ عدم وجود أي إرهاصات أو نعرات قديمة مع شعوب أمريكا اللاتينية بعكس الدول الأوروبية التي تنظر إلى المسلمين بعين وتنظر إلى الحروب الصليبية بعين أخرى». «أمتي في العالم»، (ص771).
البرازيل.. والعالم العربي والإسلامي: درجت السياسة البرازيلية على التضامن مع قضايا العالمين العربي والإسلامي، والعمل على تفعيل قيام تحالف اقتصادي وسياسي بين الحكومات العربية واللاتينية، وتمثل ذلك في عقد مؤتمري البرازيل 2005م، والدوحة 2009م، وقد تمثلت هذه السياسة في الانفتاح الاقتصادي الفعال على الدول العربية والإسلامية؛ مما رفع حجم التبادل التجاري إلى 18 مليار دولار، وتدعم الدولة القضية الفلسطينية.
وتعد البرازيل نموذجاً حقيقياً للتعايش السلمي والاحترام المتبادل بين الأديان المختلفة، وتكفل الحكومة حرية الأديان وممارستها والدعوة إليها ونشرها، وتساعد المؤسسات الإسلامية التي تريد بناء مساجد أو مدارس بمنحها أرضاً مجانية لإقامة مشاريع عليها، وقد صدر قرار جمهوري باعتبار يوم 25 مارس من كل عام يوماً لتكريم الجالية العربية، وقرار من برلمان ولاية «ساو باولو» باعتبار يوم 12 مايو من كل عام يوماً للإسلام، وقرار من برلمان البرازيل باعتبار يوم 29 نوفمبر من كل عام يوماً للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ويكفل الدستور البرازيلي للمرأة المسلمة استخراج الأوراق الرسمية بالحجاب.
محطات تاريخية
تعد الجالية المسلمة أكبر جالية من حيث العدد في أمريكا اللاتينية، إذ تقدر بمليون ونصف مليون مسلم، وهم منحدرون من أصول شامية وبعض الأصول الأخرى وممن اعتنق الإسلام من أبناء البرازيل، وسنعرض لأهم المحطات التاريخية لتواجد المسلمين في البرازيل.
المرحلة الأولى: الاستكشاف:
تؤكد أكثر الروايات أن مكتشفي أمريكا والبرازيل اصطحبوا معهم بعض المرشدين المسلمين المتمرسين في علوم البحار، وتتحدث بعض الروايات عن هروب بعض المسلمين (المورسكيين) من «محاكم التفتيش» في إسبانيا إلى البرازيل، وقد أقيمت لهم محاكم تفتيش من قبل البرتغاليين في مدينة «باهية» 1594م، وتم تحديد بعض المواصفات التي تبين المسلم المتخفي حتى لو جهر بالنصرانية كالاغتسال والاستيقاظ المبكر والصيام ونظافة الملابس.
المرحلة الثانية: استقدام الأفارقة:
تم استقدام الملايين من أفريقيا، ممن كانوا يجيدون الكتابة والقراءة، وكانوا أصحاب حضارة وثقافة عالية، كان هؤلاء «الماليز» يتمتعون بمستوى ثقافي عالٍ إذا ما قورنوا بمستوى البرازيليين، وكانوا قادرين على القراءة والكتابة باللغة العربية، وأقر البرتغاليون أنفسهم بأنه «لولا العبيد الأفارقة ما استطاعوا أن يجنوا ثمرة واحدة من البرازيل، وما استطاعوا أن يفعلوا ما فعلوه»، وقال الأستاذ أحمد شاكر: «الزنجي هو الذي صنع البرازيل.. هذه هي الحقيقة الكبيرة.. لم يكن ممكناً أن تتحول هذه القارة إلى أرض مأهولة وزراعية ومدن ومناجم وطرق دون الزنجي الذي أعطاها جسمه وروحه معاً وحضارته الإسلامية».
فالإسلام ليس غريباً على البرازيل، لقد وصلها مع الأفارقة الذين حافظوا على إسلامهم وكادت أن تقوم لهم دولة بعد حركة جهادية مستمرة كان آخرها «ثورة العبيد» عام 1835م، ولكنها أخمدت، وبدأ صوت الإسلام يخفت في هذه البلاد.
المرحلة الثالثة: الهجرة الحديثة:
بدأت الهجرة الحديثة للعرب إلى البرازيل عام 1867م، بعد زيارةٍ قام بها إمبراطور البرازيل لكل من لبنان وسورية ومصر، وبدأت هجرة المسلمين عام 1914م وازدادت بعد عام 1936م، وظلت في ازدياد، وخصوصاً بعد النكسات والنكبات والحروب التي كانت تشهدها بلاد المسلمين.
وبدأ المسلمون يهتمون بشؤونهم الإسلامية، كنتيجة حتمية لاستقرارهم في البرازيل، وكان أغلب الذين هاجروا من أصحاب الحرف والمزارعين البسطاء، وقد انصب اهتمامهم في المحافظة على أداء بعض الشعائر الدينية، وتعليم دروس اللغة العربية لأبنائهم، ولذلك لم تنتقل الدعوة الإسلامية خطوات إلى الأمام، وظلت أسيرة داخل بعض المساجد أو ممارسة بعض العادات والتقاليد.
وغالبية هؤلاء المهاجرين وصلوا من لبنان ثم فلسطين فسورية وبقية البلدان الإسلامية، وتتراوح التقديرات عن أعداد المسلمين حول رقم مليون ونصف المليون، ويتمركزون في ولاية ساوباولو، حيث يوجد فيها 70% من المسلمين، ثم ولاية «بارانا»، ثم «ريو جراندي»، «دوسول»، «باهيا»، »ريو دي جانيرو».
بدايات العمل الإسلامي
كان لوصول الشيخ د. عبدالله عبدالشكور كامل مبعوثاً لوزارة الأوقاف المصرية لمسجد البرازيل عام 1956م أثر عظيم في التأسيس للدعوة الإسلامية الحديثة، حيث استطاع أن يؤسس المدرسة الإسلامية البرازيلية بضاحية «فيلا كارون»، والمقبرة الإسلامية في ضاحية «جواروليوس»، ونادياً اجتماعياً في ضاحية «سانتو أمارو» للقاء العائلات المسلمة، وتتلمذ على يديه الكثير من قيادات العمل الإسلامي في البرازيل، منهم الحاج حسين الزغبي، مؤسس اتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل، والأستاذ سمير الحايك، صاحب أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة البرتغالية، ود. حلمي نصر، صاحب ترجمة معاني القرآن باللغة البرتغالية المعتمدة من مطبعة الملك فهد، والأستاذ عز الدين البعلبكي، مؤسس مجلة «الرسالة»، وله الكثير من الكتب حول الإسلام في البرازيل، والأستاذ محمد سعيد صالح، من قيادات العمل الإسلامي في لبنان.
ويعود لـ د. عبدالله عبدالشكور الفضل في انعقاد أول مؤتمر إسلامي بأمريكا اللاتينية عام 1970م.
ويعتبر هذا المؤتمر علامة تحول كبيرة في تاريخ الدعوة الإسلامية داخل البرازيل، حيث قامت المملكة العربية السعودية بإرسال الدعاة، وكان أول من تم ابتعاثه الشيخ أحمد صالح محايري، عميد دعاة البرازيل الذي قام بمجهود طيب وزيارات متتالية لكثير من تجمعات المسلمين؛ أسفرت عن تبني السعودية مساعدة الجالية المسلمة في بناء الكثير من المساجد والمراكز الإسلامية.
الواقع الدعوي
أرض البرازيل واسعة، وكذلك أعداد المسلمين الذين يتوزعون على الولايات المختلفة، ولا يوجد إحصاء دقيق لعدد المؤسسات الإسلامية، ولكنها تقدر بـ80 مؤسسة، وكذلك يقدر عدد المساجد والمصليات بحوالي 110 مساجد، فيما يبلغ عدد الدعاة والمشايخ 65 شيخاً وداعية، ويعجز هذا العدد عن القيام بشؤون المسلمين المختلفة.
المسلمون الجدد
يزداد معدل انتشار الإسلام في البرازيل رغم أنه أقل بكثير من أوروبا وأمريكا الشمالية، ومرد ذلك لعدة أسباب، منها قلة الكتب المترجمة للغة البرتغالية، وقلة الدعاة وخصوصاً الذين يجيدون التحدث باللغة البرتغالية، وافتقاد المؤسسات الإسلامية لمنظومة من البرامج والخطط المتكاملة التي تُعنى بشؤون المسلمين الجدد.
ويقدر عدد المسلمين الجدد بـحوالي 10 آلاف مسلم، ينحدرون من أصول مختلفة؛ إسبانية وإيطالية وألمانية وأفريقية، ويمثلون شرائح اجتماعية مختلفة فمنهم الأغنياء ومتوسطو الدخل والفقراء، وبعضهم يحتل مناصب عالية كبعض القساوسة الذين أسلموا، وأساتذة الجامعات، والتجار، ومنهم أصحاب الثقافة المحدودة.
وتحظى مدينة «ساو باولو» بالعدد الأكبر من المسلمين الجدد 60%، تليها ولاية «ريو جراندي» و«دو سول» 20%، ثم ولاية بارانا 10%.
ويتحرك المسلمون الجدد في الدعوة بشكل مرضٍ على وجه العموم، وبعضهم نشط جداً، وقد دفعهم نشاطهم للسفر لبعض الدول الإسلامية لدراسة العلوم الإسلامية، ولكنهم لم يستمروا طويلاً لأسباب عديدة، منها صعوبة البيئة واختلافها، وصعوبة المناهج وطرق التدريس، وصرامة بعض الجامعات في التعامل مع الطلاب.
وتعاني نسبة من هؤلاء نوعاً من التهميش وعدم الاهتمام بل والتمييز العنصري في المعاملة من بعض المؤسسات الإسلامية الموجودة في البرازيل.
وقد أطلق اتحاد المؤسسات الإسلامية مشروع «اعرف الإسلام» بهدف توزيع الكتاب الإسلامي باللغة البرتغالية مجاناً، من خلال طاولات الدعوة والمعارض السنوية، وإرسال الكتب للأشخاص والمؤسسات المهتمة بالتعريف بالإسلام، وقام بعمل دورات لدراسة الشريعة للمسلمين الجدد وبرامج مجانية للحج والعمرة، كما يدعم الاتحاد مؤسسات يديرها بعض هؤلاء المسلمين.
وقد افتتح بعض الدعاة المعهد اللاتيني الأمريكي للدراسات الإسلامية، ويتولى إدارته د. الشيخ محمد القاسم الرهيدي، ويقوم بتدريس العلوم الإسلامية عن طريق الإنترنت، ويضم عدداً كبيراً من المسلمين الجدد.
إن رعاية المسلمين الجدد تحتاج للمزيد من الخطط والبرامج والتعاون والتنسيق بين المؤسسات المختلفة داخل البرازيل وخارجها، ويقع على المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل العبء الأكبر، إذ يجب أن يعتمد منهجاً علمياً موحداً لتدريس الإسلام والتعريف به يعتمد على الوسطية ومراعاة الواقع، وحتى لا تكون الساحة عرضة لمناهج منحرفة أو أفكار متطرفة تكون سبباً في نفور الناس من الإسلام.
دور المؤسسات الإسلامية
تهتم المؤسسات الإسلامية في البرازيل بالمحافظة على هوية الجالية من خلال برامج مختلفة تشمل إقامة الشعائر، ونشر الكتاب الإسلامي باللغة البرتغالية، وإقامة المخيمات والمؤتمرات، والعناية بالمسلمين الجدد.
*الأمين العام للمجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل.
تعليق