الحوثيون من 'سكرة' الانتصار على اليمن إلى شرك التورط في مستنقعه اليوم يجد الحوثيون أنفسهم محاطين بكل مشاكل اليمن بعد أن حملوا على كاهلهم وزر ما تبقى من دولة متهالكه
أفاق الحوثيون من "سكرة" النصر الذي ظنوا أنّهم حقّقوه باستيلائهم على عاصمة البلاد، على دوي العمليات الانتحارية التي نفّذها تنظيم القاعدة مستهدفا تجمّعا لمتظاهرين حوثيين في صنعاء ونقطة عسكرية في أقصى حضرموت جنوب شرق اليمن لـ»لجيش المتحوّث» وهو الإسم الذي باتت تطلقه بيانات القاعدة على القوات المسلّحة اليمنية في إشارة إلى خضوعها لإرادة الحوثيين.
وبينما كانت سيارات الإسعاف تنقل القتلى والجرحى من ميدان التحرير في قلب العاصمة صنعاء، تصاعدت حدّة الخطابات التي يرفعها أنصار الحوثي والتي تشبه في الكثير منها الشعارات التي سبقت الصدام الطائفي الذي اندلع قبل سنوات في أحياء بغداد بين السنة والشيعة.
وعلى الفور أدركت قيادات الحوثيين أنهم وقعوا في شراك فخّ طائفي ساهموا في نصبه بأيديهم، وأنهم باتوا مجرّد ميليشيات مكشوفة لخصومهم في شوارع صنعاء. وماهي إلا ساعات بعد إفاقتهم من وقع ورطتهم الداخلية حتى سارع المجلس السياسي لـ»أنصار الله» لإصدار بيان هو الأول من نوعه منذ شهور ينتقد غياب الأجهزة الأمنية التي غيّبوها ويحمّل المسؤولية لقيادات الدولة المحاصرين في منازلهم.
كما استدرك البيان بضرورة المسارعة في تشكيل الحكومة التي أجهضوها للتو وملء الفراغ الأمني الذي ظنوا أنهم قادرون على ملئه لمواجهة خطر القاعدة ومفخخاتها التي أعلن التنظيم نفسه أنه قد أعدّ مئة منها لاستهداف الحوثيين في كل مكان.
وبالنظر إلى ما حدث حتى الآن من تداعيات متوالية في المشهد اليمني، يبدو جليا أن الحوثيين في طريقهم لتجريع اليمن الكثير من الويلات إثر إخلالهم بالتوازن السياسي والمذهبي والاجتماعي الهش الذي تم الحفاظ عليه طيلة العقود الثلاثة الماضية، رغم كل الظروف، قبل أن ينفرط عقده على يد الحوثيين الذين تعاملوا مع المعادلة اليمنية حتى الآن وفقا لبعد واحد من أبعادها وهو القوة التي ثبت عبر التاريخ أن الرهان عليها في اليمن كان خاسرا ولايزال.
ارتكب الحوثيين الكثير من الأخطاء التي ترقى إلى مرتبة حماقات يقول البعض إنهم «غسلوا» بها ذنوب وخطايا الإخوان المسلمين والنظام السابق مجتمعين ابتداء من شعاراتهم الاجتماعية وما تعلق منها بإلغاء الزيادة في أسعار الوقود، والتي كانت المظلة التي غطوا بها على عقول عامة اليمنيين.
لم يمض وقت طويل حتى أصبح الحوثيون وجها لوجه أمام هدفهم المباشر الماثل في شعارهم القديم المستورد من إيران والذي هتفوا به لملايين المرات «الموت لأمريكا« ولكنهم بعد أن أصبحوا على بعد أمتار من سفارة عدوهم الوهمي الذي صنعوه، نصبوا المتاريس حول السفارة لحمايتها في سقوط سياسي مازال يدور كهمس بين بعض البسطاء ممن انخدعوا بذلك الشعار.
لقد شاهد الحوثيون الساحة اليمنية قاعا صفصا في ظل انشغال الخصوم التقليديين بالصراع بينهم وفق الطرق القديمة وهو ما أغراهم بالركض قدما للسيطرة على أكبر مساحة من ذلك القاع الذي كان مزروعا بالألغام والفخاخ التي تركها الرئيس السابق على حالها.
واليوم يجد الحوثيون أنفسهم محاطين بكل مشاكل اليمن بعد أن حملوا على كاهلهم وزر ما تبقى من دولة متهالكة، فكل الأصابع الداخلية والخارجية باتت تحمّلهم المسؤولية تجاه ما حدث وما سيحدث من سيناريوهات قادمة أدناها انقسام اليمن إلى شطرين أو عدة أشطار، وأكثرها خطرا الحرب الأهلية التي باتت تلوح في الأفق مثل رايات القاعدة السوداء التي ملأت الكثير من بقاع اليمن ممتطية صهوة «الثأر من الروافض» تارة وإقامة «الشريعة الإسلامية» تارة أخرى.
لقد تحوّلت اليمن إلى ساحة جديدة من ساحات الصراع الطائفي في الوطن العربي لتلحق بمثيلتيها في العراق وسوريا وذلك بفعل مغامرة الحوثيين التي مازالت مستمرة حتى الآن ولا يعلم أحد متى ستنتهي وكيف.
تعليق