رد: التوترات على الحدود السعودية اليمنية
لحلالودي
وقعت حرب الخليج الثانية في 17 كانونالثاني من العام 1991، وكان اليمن يعيشالسنة الأولى من وحدته، وقد استعدللتفاوض حول موضوع الحدود معالسعودية. وعقّدت الحرب بدءالمفاوضات، وتوالت فصول «عاصفةالصحراء» وما جرّت من ذيول علىالعلاقات العربية ـ العربية، حتىتوقفت المفاوضات من قبل أن تتم. وعادملف الحدود اليمنية ـ السعودية لينامنومة أهل الكهف كما أراد له الإماميحيى. لكن الذي استيقظ كان موضوعالحدود اليمنية ـ العُمانية، إذتحركت المفاوضات بين الجمهوريةاليمنية (الموحدة) وبين سلطنة عُمان،وبدأت بشكل جدي على أساس بيان حكومةالعطاس الأولى، أي على أساس «الحلالودي». وتفاوض اليمنيون والعمانيونحوالى السنتين حتى تمّ توقيع اتفاقالحدود بين البلدين في تشرين الأول 1992 الذي قال عنه الدكتور الأرياني «إنهذا الاتفاق لم يبنَ على أساس الحقالتاريخي المطلق، أو الأمر الواقعالمفروض».
عند هذا المنعطف حدث تحرك سعودي أقلقاليمنيين وفتح أعينهم على اللغمالحدودي الذي يجلسون عليه منذ أكثرمن نصف قرن. ففي وقت كانت مفاوضاتالحدود بين اليمن وعُمان، قد قطعتشوطاً بعيداً، وتتجه بإيجابية كبيرةنحو التوقيع، فاجأت السعودية اليمن،بين آذار ونيسان 1992، بتوجيه رسائلإنذار إلى جميع شركات النفط صاحبةالامتياز في التنقيب داخل الأراضياليمنية، تنذرها فيها بأنها تعملوتنقب في أراضٍ متنازع عليها، وهيأراضٍ تعتبر سعودية، وتطلب منالشركات إيقاف العمل. وكان الهدفالسعودي الأساسي من رسائل الإنذارإلى شركات النفط العاملة في الأراضياليمنية، هو «تخويف» هذه الشركاتوتوقيف عمليات التنقيب عن النفط. فالسعودية تدّعي ملكيتها للأراضيالتي تقع جنوب خط جبل ثار (في معاهدةالطائف) أي ما يعرف بخط حمزة (نسبة إلىفؤاد حمزة، اللبناني الذي كان بمثابةوزير للخارجية عند الملك عبد العزيز) وجنوب «خط الاستقلال» (في الإعلانالبريطاني). كذلك «تعطيل» اتفاقيةالحدود اليمنية ـ العُمانية إن أمكن،أو تأخيرها ولو قليلاً، عن طريقإثارة منازعات نفطية بالقرب من هذهالحدود، بغرض التأثير على الجانبالعماني.
وكان الهدف السعودي الآخر هو منعاليمن من تعزيز وضعه الاقتصادي بعدحرب الخليج، وخاصة أن اليمن كانالدولة العربية الأكثر استهدافاً منقبل السعودية والكويت وباقي دولالخليج لموقفه الذي اعتبر حينهامؤيداً للعراق في غزوه الكويت. وكانتالسعودية قبلها قد طردت حوالى مليونيمني كانوا يعملون فيها، مما سببلليمن عبئاً وضائقة اقتصادية، أضيفإليها قطع المساعدات الخليجية التيكانت تُدفع أو مقررة له. فقد أرادتالسعودية بإنذارها هذا إبقاء اليمنرهينة اقتصادية ـ سياسية لها، وفيموقف ضعيف في موضوع الحدود في أيمفاوضات مقبلة. وخشيت السعودية أنهفي حال عثور هذه الشركات على كمياتتجارية من النفط في الأراضي اليمنيةالتي تدّعيها، سوف يجعل من الصعب علىاليمن التخلي عن هذه الأراضي لوأرادت ذلك فيما بعد. إضافة إلى أنمداخيل النفط ستجعل اليمن أكثرإمكانية في التصدي الاقتصاديوالعسكري للسعودية.
وكانت قد شهدت الفترة الزمنية ما بينآب 1990 وأواخر عام 1993 تدهوراً رئيسياًفي العلاقات بين اليمن والسعوديةمماثلاً للتدهور الذي حصل بينهماأثناء الحرب الأهلية اليمنية 1962 ـ 1970 . كما أنّ هذه العلاقات عانت من نكساتعديدة منذ أواخر العام 1979، عندماحاول الرئيس علي عبد الله صالح لأولمرة التصدي للنفوذ السعودي في بلاده.
لقد أثار التدهور الجديد في العلاقاتاليمنية ـ السعودية اهتمام فرنسا ثمالولايات المتحدة التي أصدرت بياناًفي أيار 1992 دعت فيه الجارين لتسويةالخلافات بينهما عن طريق المفاوضاتوالوسائل السلمية.
واستبقت الحكومة الأميركية موقفهابرسالة من الرئيس بوش إلى الرئيسصالح تحمل المضمون ذاته، مارس فيهاضغطاً قوياً على اليمن لكي يتفاوض معالسعودية حول «الحدود غير المحددة». وفي السادس من تموز 1992 ناقش مجلسالرئاسة اليمني ترتيبات الاجتماعالتمهيدي مع السعوديين الذي سيعقد فيجنيف في العشرين من الشهر ذاته. «كانالاجتماع ناجحاً، واتفقنا علىالتحضير للجولة الأولى من المفاوضات»،حسب ما أكد في حينه وزير الدولةللشؤون الخارجية الدكتور عبد العزيزالدالي. وقد عقدت جولات أخرى منالمفاوضات بين صنعاء والرياض في 1992 و1993 .
وكان تعاطي اليمن الناجح بالنزاعالحدودي مع السعودية إشارة بأن صنعاءكانت تبلور سياسة جديدة تجاهالولايات المتحدة. ورغم أنه كان منالمتوقع أن تتوصل صنعاء والرياض إلىاتفاقية مشابهة مع الوقت، إلاّ أنالترسيم النهائي للحدود، في حالحصوله، ما كان لينتج عنه تطبيعالعلاقات. إذ تبقى هناك عوامل متعددةتتابع تقييد الثقة والتعاون وكبحهمابين الحكومتين:
أولاً: نظامان سياسيان مختلفانيقومان بأدوار متباينة في السياسةالإقليمية.
ثانياً: نزاع حدودي مزمن، وتاريخطويل من التعاطي السعودي بالشؤونالداخلية لليمن.
ثالثاً: طرد حوالى مليون عامل يمني منالسعودية.
رابعاً: والأكثر أهمية: أن اليمن باتيتبنى نظام التعددية السياسية،والديموقراطية والصحافة الحرة بعدتوحيده في 22 أيار 1990.
لحلالودي
وقعت حرب الخليج الثانية في 17 كانونالثاني من العام 1991، وكان اليمن يعيشالسنة الأولى من وحدته، وقد استعدللتفاوض حول موضوع الحدود معالسعودية. وعقّدت الحرب بدءالمفاوضات، وتوالت فصول «عاصفةالصحراء» وما جرّت من ذيول علىالعلاقات العربية ـ العربية، حتىتوقفت المفاوضات من قبل أن تتم. وعادملف الحدود اليمنية ـ السعودية لينامنومة أهل الكهف كما أراد له الإماميحيى. لكن الذي استيقظ كان موضوعالحدود اليمنية ـ العُمانية، إذتحركت المفاوضات بين الجمهوريةاليمنية (الموحدة) وبين سلطنة عُمان،وبدأت بشكل جدي على أساس بيان حكومةالعطاس الأولى، أي على أساس «الحلالودي». وتفاوض اليمنيون والعمانيونحوالى السنتين حتى تمّ توقيع اتفاقالحدود بين البلدين في تشرين الأول 1992 الذي قال عنه الدكتور الأرياني «إنهذا الاتفاق لم يبنَ على أساس الحقالتاريخي المطلق، أو الأمر الواقعالمفروض».
عند هذا المنعطف حدث تحرك سعودي أقلقاليمنيين وفتح أعينهم على اللغمالحدودي الذي يجلسون عليه منذ أكثرمن نصف قرن. ففي وقت كانت مفاوضاتالحدود بين اليمن وعُمان، قد قطعتشوطاً بعيداً، وتتجه بإيجابية كبيرةنحو التوقيع، فاجأت السعودية اليمن،بين آذار ونيسان 1992، بتوجيه رسائلإنذار إلى جميع شركات النفط صاحبةالامتياز في التنقيب داخل الأراضياليمنية، تنذرها فيها بأنها تعملوتنقب في أراضٍ متنازع عليها، وهيأراضٍ تعتبر سعودية، وتطلب منالشركات إيقاف العمل. وكان الهدفالسعودي الأساسي من رسائل الإنذارإلى شركات النفط العاملة في الأراضياليمنية، هو «تخويف» هذه الشركاتوتوقيف عمليات التنقيب عن النفط. فالسعودية تدّعي ملكيتها للأراضيالتي تقع جنوب خط جبل ثار (في معاهدةالطائف) أي ما يعرف بخط حمزة (نسبة إلىفؤاد حمزة، اللبناني الذي كان بمثابةوزير للخارجية عند الملك عبد العزيز) وجنوب «خط الاستقلال» (في الإعلانالبريطاني). كذلك «تعطيل» اتفاقيةالحدود اليمنية ـ العُمانية إن أمكن،أو تأخيرها ولو قليلاً، عن طريقإثارة منازعات نفطية بالقرب من هذهالحدود، بغرض التأثير على الجانبالعماني.
وكان الهدف السعودي الآخر هو منعاليمن من تعزيز وضعه الاقتصادي بعدحرب الخليج، وخاصة أن اليمن كانالدولة العربية الأكثر استهدافاً منقبل السعودية والكويت وباقي دولالخليج لموقفه الذي اعتبر حينهامؤيداً للعراق في غزوه الكويت. وكانتالسعودية قبلها قد طردت حوالى مليونيمني كانوا يعملون فيها، مما سببلليمن عبئاً وضائقة اقتصادية، أضيفإليها قطع المساعدات الخليجية التيكانت تُدفع أو مقررة له. فقد أرادتالسعودية بإنذارها هذا إبقاء اليمنرهينة اقتصادية ـ سياسية لها، وفيموقف ضعيف في موضوع الحدود في أيمفاوضات مقبلة. وخشيت السعودية أنهفي حال عثور هذه الشركات على كمياتتجارية من النفط في الأراضي اليمنيةالتي تدّعيها، سوف يجعل من الصعب علىاليمن التخلي عن هذه الأراضي لوأرادت ذلك فيما بعد. إضافة إلى أنمداخيل النفط ستجعل اليمن أكثرإمكانية في التصدي الاقتصاديوالعسكري للسعودية.
وكانت قد شهدت الفترة الزمنية ما بينآب 1990 وأواخر عام 1993 تدهوراً رئيسياًفي العلاقات بين اليمن والسعوديةمماثلاً للتدهور الذي حصل بينهماأثناء الحرب الأهلية اليمنية 1962 ـ 1970 . كما أنّ هذه العلاقات عانت من نكساتعديدة منذ أواخر العام 1979، عندماحاول الرئيس علي عبد الله صالح لأولمرة التصدي للنفوذ السعودي في بلاده.
لقد أثار التدهور الجديد في العلاقاتاليمنية ـ السعودية اهتمام فرنسا ثمالولايات المتحدة التي أصدرت بياناًفي أيار 1992 دعت فيه الجارين لتسويةالخلافات بينهما عن طريق المفاوضاتوالوسائل السلمية.
واستبقت الحكومة الأميركية موقفهابرسالة من الرئيس بوش إلى الرئيسصالح تحمل المضمون ذاته، مارس فيهاضغطاً قوياً على اليمن لكي يتفاوض معالسعودية حول «الحدود غير المحددة». وفي السادس من تموز 1992 ناقش مجلسالرئاسة اليمني ترتيبات الاجتماعالتمهيدي مع السعوديين الذي سيعقد فيجنيف في العشرين من الشهر ذاته. «كانالاجتماع ناجحاً، واتفقنا علىالتحضير للجولة الأولى من المفاوضات»،حسب ما أكد في حينه وزير الدولةللشؤون الخارجية الدكتور عبد العزيزالدالي. وقد عقدت جولات أخرى منالمفاوضات بين صنعاء والرياض في 1992 و1993 .
وكان تعاطي اليمن الناجح بالنزاعالحدودي مع السعودية إشارة بأن صنعاءكانت تبلور سياسة جديدة تجاهالولايات المتحدة. ورغم أنه كان منالمتوقع أن تتوصل صنعاء والرياض إلىاتفاقية مشابهة مع الوقت، إلاّ أنالترسيم النهائي للحدود، في حالحصوله، ما كان لينتج عنه تطبيعالعلاقات. إذ تبقى هناك عوامل متعددةتتابع تقييد الثقة والتعاون وكبحهمابين الحكومتين:
أولاً: نظامان سياسيان مختلفانيقومان بأدوار متباينة في السياسةالإقليمية.
ثانياً: نزاع حدودي مزمن، وتاريخطويل من التعاطي السعودي بالشؤونالداخلية لليمن.
ثالثاً: طرد حوالى مليون عامل يمني منالسعودية.
رابعاً: والأكثر أهمية: أن اليمن باتيتبنى نظام التعددية السياسية،والديموقراطية والصحافة الحرة بعدتوحيده في 22 أيار 1990.
تعليق