إنها الأكبر في تاريخ القوات المسلحة السعودية. مناورات "سيف عبد الله" تختص بالمملكة وأمنها وبقواتها المسلحة الحامية لها، ولكن دلالاتها متعددة. فهي تأتي في ظل توترات هي الأعنف والأخطر منذ حرب الخليج الأخيرة، وهي تتم في وقت تعيش فيه السياسة الدولية برمتها حالة من الارتباك لم يسبق لها مثيل، حتى في ظل الحرب الباردة. فهذه الأخيرة كانت حدودها واضحة، ومعاييرها جلية، وأيضاً تفاهماتها معروفة ومفهومة من أطرافها المباشرة وغير المباشرة.
وحتى عندما كانت تشهد بعض التصعيد، فإنه سرعان ما كان ينتهي. ارتباك السياسة الدولية فتح آفاقاً أمام الأطراف الساعية منذ عقود، لنشر ما أمكن من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة كلها. ولم تكن للتطمينات الغربية فاعلية تُذكر. لماذا؟ لأن الذين يطلقونها (التطمينات) ليسوا متأكدين في الواقع من كيفية سير الأمور.مناورات "سيف عبد الله" هي بالتأكيد سعودية 100 في المائة، لكنها أيضاً وبصورة غير مباشرة خليجية - عربية. وحضور عدد من كبار الشخصيات الخليجية والصديقة لهذه المناورات، له دلالاته أيضاً. وهو تأكيد من الدول التي يمثلونها، على محورية المملكة ليس في مجال أمنها، بل في نطاق أمن وسلامة واستقرار المنطقة برمتها. فالنيّات السيئة والخطيرة التي تستهدف هذه المنطقة، حاضرة دائماً، وهي باستمرار في حالة انتظار لأي فرصة، ولها أدواتها ومخططاتها. والجو العام إقليمياً ودولياً حالياً، يغريها بالتحرك، أو على الأقل بالحشد لهذا التحرك. ولأن الأمر كذلك، كانت المناورات كبيرة لم يسبق أن بلغت هذا الحجم والحراك، من قبل القوات المسلحة بمشاركة فاعلة للحرس الوطني، إلى جانب مشاركة عناصر من وزارة الداخلية. فأمن المملكة والمنطقة لا جدال فيه. هو خط أحمر يمنع أي جهة تسعى لتجاوزه.إن جاهزية القوات المسلحة مطلوبة في كل الأوقات، خصوصاً في هذا الوقت بالذات. فالمسألة ليست قابلة للحلول الوسط لا في السابق ولا الآن ولا في المستقبل.
هناك استراتيجيات واضحة، بل (شبه معلنة) لاستهداف السعودية والمنطقة، بأجندات من شر لا حدود له، ولكن هناك في المقابل حماة للمملكة جاهزون دائماً للوقوف في وجه أي عدوان. وزخم مناورات "سيف عبد الله" أعطى مزيداً من التطمينات للأشقاء والأصدقاء. فالأمر يتطلب جاهزية تفوق قوة وقيمة جاهزية المخططات العدوانية الحاضر على الساحة. ولهذه المناورات أيضاً رمزيتها، ليس فقط أنها تحمل اسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، بل لأنها تصادف الذكرى التاسعة لبيعة الملك عبد الله، الذي كرّس حدود الأمن والأمان بما يخص المملكة، وروابط هذا الأمن عربياً وإقليمياً.الفارق لا حدود له، بين مناورات تهدف لمزيد من جاهزية القوات المسلحة لحماية الوطن، وأخرى تجري في دول تهدف أساساً للعدوان، ولتنفيذ استراتيجية يمكن وصفها بـ "استراتيجية الخراب". و"سيف عبد الله"، كانت ضرورية للتأكيد مرة أخرى أن قوات الوطن جاهزة لحماية الوطن، وأنها مستعدة أيضاً لتوفير الأدوات اللازمة لضمان استقرار المنطقة كلها. فمحورية المملكة تحملها مسؤوليات بمستوى قيمتها وأهميتها.
كما أن أي اضطراب في المنطقة، يؤثر بصورة مباشرة في السعودية، ويهدد ما تبقى من استقرار فيها، خصوصاً لا توجد في الآفاق سياسة دولية تسهم في وضع الأمور في نصابها. ولا يبدو أن هذه السياسة ستكون حاضرة في المدى المنظور.إن مناورات "سيف عبد الله"، أظهرت جاهزية القوات المسلحة، وأظهرت أيضاً (ومجدداً) الالتزام السعودي القاطع، ليس فقط بالحفاظ على أمن البلاد، بل بالوقوف في وجه أي تهديد يستهدفها ويستهدف روابطها العربية الإقليمية.
تعليق