قد يسارع البعض إلى القول إن داعش هو صنيعة دول غربية، أو إقليمية، أو يتسائل عن ماهية الأهداف التي أُنشئ من أجلها، وهذا الأمر لا يعنينا بشيء، ولسنا بصدد كشف أهداف التنظيم، أو أجندته المشبوهة أو مصادر تمويله، جل ما يعنينا هو كيفية القضاء عليه، الحؤول دون بروز تنظيمات أصولية مشابهة له مستقبلاً وأخيرا كيفية حرمانه من قدرته على تجنيد المغرر بهم واستغلالهم لتنفيذ أعماله الإرهابية .
تصاغ الخطط والحملات العسكرية وتوجه الجهود لضرب مركز ثقل العدو لضمان تحقيق الانتصار، ومركز الثقل هو مجموع الخصائص أو القدرات أو المصادر للقوة - حربية أو اقتصادية - التي يستمد منها العدو قدرته على المحافظة على زخم القتال وحرية الحركة.
مركز ثقل داعش، أو أي تنظيم إرهابي أخر يكمن حصرا في قدرته على تجنيد المغرر بهم لتحقيق أهدافه، فهم الذين يوفرون له الملاذ الامن وحرية الحركة، وما يجري في الفلوجة، أو في الرقة، أو منبج أو أي مكان أخر، هو توطئة لشحن النفوس، وتوليد الغضب، وتعبئة من كان من الممكن أن يكونوا اصلا من المناهضين لهذه التنظيمات الإرهابية.
الإرهاب هو مسار انحداري تراكمي يبدأ بفقدان الأمل الذي يولد الخيبة، والخيبة تولد الإحباط، والإحباط يولد التطرف، ويشكل التطرف البيئة الصالحة لتجنيد المغرر بهم، فلا تجعلوا أهل الفلوجة يفقدون الأمل مرة ثانية وثالثة وإلا سيكون إحباطهم عظيما.
قد يذهب البعض الى القول ولماذا لا ينطبق الأمر نفسه على ما يجري في اليمن؟ وبالحقيقة فإن ما يجري في اليمن هو الجواب على صوابية الإشكالية التي نطرحها، فإذا عدنا إلى الوراء، وتذكرنا تطور الأحداث في اليمن، نرى كيف تمكن الحوثيون وبدعم مباشر من ايران من احتلال معظم المدن اليمنية، كان ممكن للحوثيين أن ينجحوا في السيطرة على كامل البلاد، لكن أيضا من المؤكد أن داعش أو القاعدة كانوا سيجدون الأرضية الصالحة لتجنيد أولئك الذين خابت أمالهم بفعل الهزيمة على يد الحوثيين والايرانيين، ولم يروا من يهب لنجدتهم أو للدفاع عنهم. والسؤال الاصح هو إلى ماذا كانت ستؤول عليه أحوال أهل اليمن لو لم يحزم التحالف العربي أمره ويهب لنجدة المجندين المحتملين لداعش أو غيره؟
الحرب على الارهاب هي في الأساس معركة الفكر والعقيدة، ولو اقتضى الأمر استخدام القوة العسكرية فيجب استخدامها بالشكل والمضمون الذي يكفل عدم توليد حركات إرهابية أكثر تطرفا، فالتحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب يمتلك وحده المشروعية العقائدية لضرب مصداقية أولئك الذين يتخذون من الدين مبررا لتنفيذ أعمال لا يقرها دين التسامح والإنسانية، أضف إلى ذلك امتلاكه للمشروعية السياسية وللمقدرة العسكرية لتنفيذ الأهداف التي أنشئ من اجلها. ولم يبقى سوى رسم الاطار القانوني مع جامعة الدول العربية والدول المعنية لتمكينه من تولي قيادة محاربة الجماعات الأصولية والقضاء عليها تلافيا لقيام تنظيمات اكثر تشددا وارهابا اينما اقتضى الامر ذلك.