نيسان/أبريل 25, 2024
الشريط

تداعيات استفتاء بريطانيا الجيوستراتيجية والدفاعية على المسرح العملياتي الاوروبي Featured

حزيران/يونيو 25, 2016 9724

تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط بل ستطال عدة نواحي جيوستراتيجية.

أبرز هذه التداعيات ما يرتبط بالتعاون والشراكات الدفاعية الأوروبية، لكن أهمها تبقى اتجاهات السياسات الدفاعية البريطانية والميزانيات الدفاعية المخصصة في ظل التعثر الاقتصادي البريطاني المرتقب.

على المستوى الوطني البريطاني سوف تعتمد بريطانيا ميزانيات دفاعية أكثر تشددا وتقشفا، فمن المرجح أن تواجه أزمة اقتصادية ستمتد نحو خمس سنوات قبل أن يستعيد الجنيه الإسترليني عافيته وقبل ان تتمكن السياسات الاقتصادية المرسومة من استيعاب التدهور الاقتصادي وتحقيق أهدافها المرجوة.

وفي هذا الاطار ستقوم بريطانيا بإعادة النظر في ميزانيتها الدفاعية الوطنية وستخفض الأموال المرصودة للبرامج الدفاعية المخصصة لتحديث قدراتها العسكرية، إضافة الى مراجعة وخفض حجم الميزانية المخصصة لحلف الناتو والتي تقدر باثنين بالمائة من إجمالي ميزانية الحلف. ومن المؤكد أن بريطانيا لن توافق على رفع ميزانية الناتو عن ما هي عليه اليوم.

أما الجانب الأكثر اثارة في الموضوع هو مطالبة اسكتلندا باجراء استفتاء حول انفصالها عن بريطانيا. وقد صوتت اسكتلندا مع البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، ويقوم حزب اسكتلندا الوطني بجهود حثيثة لاجراء استفتاء بهدف الانفصال عن بريطانيا، ويرى ان الوقت مناسب لقلب النتيجة السلبية الذي حققها استفتاء مماثل اجري في العام 2014.

أحد أهم البرامج التي يطرحها هذا الحزب هو إغلاق القواعد البحرية في فالاسان بوجه غواصات البحرية البريطانية النووية، وتعتبر هذه الغواصات أحد أعمدة القوى الاستراتيجية الضاربة للجيش البريطاني. وفي حال الانفصال ستواجه بريطانيا مصاعب في إعادة نشر هذه الغواصات مع مقراتها القيادية واللوجستية، كما ستخسر مدى حيوي متقدم في البحر الشمالي مما سيضعف هامش المناورة لديها ويقلص حرية حركتها في مواجهة أي تهديد بحري روسي في المياه الشمالية.

ولعل ابرز التداعيات الجيوسايية هو احتمال خسارة بريطانيا لسيادتها على مضيق جبل طارق. ومنذ العام 1713 سيطرت بريطانيا على حبل طارق في حين استمرت اسبانيا بالمطالبة به باعتباره أراض ذات سيادة اسبانية. ومشكلة السياده على "جبل طارق" تعد محور خلاف بين إسبانيا وبريطانيا.

وفي هذا الاطار قال وزير الخارجية الاسباني  خوسيه مانويل جارسيا- مارجايو "حدث تغير كامل للتوقعات، وهذا يفتح احتمالات جديدة بشأن جبل طارق لم نشهدها منذ فترة طويلة جدا"، قائلا "آمل أن تكون معادلة السيادة المشتركة واضحة". وأضاف إن إسبانيا ستضغط كي تبقي جبل طارق خارج أي مفاوضات عامة مع الاتحاد الأوروبي، في أعقاب خروج بريطانيا من التكتل، مضيفا أن بلاده ستسعى لإجراء محادثات ثنائية أملا في سيادة مشتركة ثم في السيطرة على شبه الجزيرة في نهاية الأمر.

على المستوى الفرنسي أكد الرئيس فرانسوا هولاند في وقت سابق إنه "سيتم الحفاظ على علاقات بلاده الوثيقة مع بريطانيا في مجال الدفاع"، وأعربت مصادر في وزارة الدفاع الفرنسية عن خشيتها أن تخفض بريطانيا حجم طموحاتها العسكرية فور خروجها من الاتحاد الأوروبي لتترك جارتها لتولي دور القوة الكبيرة الوحيدة بالمنطقة.

ونشر وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لو دريان، مقالة في صحيفة "ديلي تليغراف" البريطانية الأربعاء، حث فيه البريطانيين على البقاء في الاتحاد الأوروبي وشدد على أهمية العلاقات الدفاعية لبريطانيا مع شركائها الأوروبيين، في ظل مواجهة الغرب لجماعات متشددة في الشرق الأوسط وأفريقيا، وقال في المقال "أوروبا ستكون أقوى بوجود المملكة المتحدة كما ستكون المملكة أكثر أمناً وتأثيراً إذا بقت معنا"، وتتمثل أهمية بريطانيا بالنسبة لفرنسا بكونها الشريك الرئيسي الأوحد في أوروبا عندما يتعلق الأمر بالدفاع الفرنسي، وتعتبر بريطانيا أفضل بلد لنشر قوات في الخارج عند الضرورة كما حقق التعاون مع بريطانيا مستويات عالية في مجال الصناعات الدفاعية".

بالنسبة لأميركا فتجمعها ببريطانيا شراكة وثيقة لضمان أمن الولايات المتحدة وبريطانيا وأوربا والعالم بأسره. وأكد وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر في اتصال هاتفي مع وزير الدولة لشؤون الدفاع البريطاني ميشيل فالون أن الولايات المتحدة وبريطانيا سيظلان يتمتعان بعلاقات خاصة تنعكس على العلاقات الدفاعية الوثيقة التي تربط بينهما والتي ستبقى حجر زاوية في السياسة الخارجية والأمنية الأمريكية. وقال كارتر إن الولايات المتحدة ملتزمة ازاء حلف شمال الاطلسي (الناتو) الذي تعتبر بريطانيا أحد أعضائه الحيويين ، ورحب بتأكيد التزام الوزير البريطاني بمواصلة دور بريطانيا النشط والمستمر في القضايا الأمنية الدولية خاصة في إطار الناتو والجهود الرامية لتسريع وتيرة القضاء على تنظيم داعش.

بالنسبة لروسيا فهي المستفيد الأول من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتأمل موسكو أن يؤدي ذلك إلى تفكك الاتحاد الأوروبي كحداأقصى أو إلى إضعافه وشل تاثيره الجيوستراتيجي بحد ادنى. وتواجه روسيا اليوم ضغوطا متزايدة على حدودها الغربية وهذه التهديدات ناشئة عن تحركات الناتو الذي لن يتأثر بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كونها عضو فاعل فيه قبل قيامه.

الا ان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والأزمة الاقتصادية التي ستواجهها ستجعل من الصعب على بريطانيا توفير نسبة الاثنين بالمائة المخصصة لنفقات الناتو العسكرية. اضف الى ذلك فان الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو سيقوموا بمراجعة سياساتهم الدفاعية الوطنية في ضوء خسارة شريك أوروبي استراتيجي، وبمراجعة سياساتهم الدفاعية وميزانياتهم الدفاعية المخصصة لحلف الناتو على ضوء تعثر بريطانيا في تسديد متوجباتها تجاه الحلف.

وفي هذا الاطار صرح وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند أن نتائج الاستفتاء في بريطانيا قد بثت السرور في نفس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، معربا عن أمله في استمرار الضغوط على روسيا حتى لو خرجت بريطانيا من الاتحاد الاوروبي.

و سارع الرئيس الروسي بالرد على التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، لافتا إلى أن ذلك "يدل على تدني مستوى الثقافة السياسية."حيث قال "إن تصريحات كاميرون حول مصلحة روسيا في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا أساس لها من الصحة وهي محاولة للتأثير على البريطانيين..  لا أحدا يملك الحق في الحديث عن موقف روسيا بعد نتائج الاستفتاء، وأن ذلك يدل على تدني مستوى الثقافة السياسية."

قد يبدو للوهلة الأولى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون له تداعيات على النظام السياسي العالمي وعلى التوازنات الاستراتيجية في أوروبا. لكن في الحقيقة فان بريطانيا حتى عندما كانت عضوا في الاتحاد حافظت على عملتها ولم تدخل في الوحدة النقدية الأوروبية، كما أنها لم تكن أيضا عضوا في اتفاقية "شينغن"، وهناك عدة اتفاقيات ومجالات أخرى، لم تأخذ بريطانيا بها عند توقيعها على "عضوية" الاتحاد. وبالتالي كانت عضواً غير مكتمل المواصفات في الاتحاد.

وفي التوازنات الاستراتيجة يرى المحللون أنه لن يكون هناك تاثيرا دراماتيكيا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي كانت بريطانيا فيه بمثابة عضو شرف والرافعة الحقيقية لهذا الاتحاد هما فرنسا وألمانيا، وفي المقابل لن تتخلى بريطانيا عن دورها كأحد صقور حلف الناتو الذي يتولى إدارة السياسات الدفاعية وتنفيذها على المسرح العملياتي الأوروبي.

Last modified on السبت, 25 حزيران/يونيو 2016 12:51
Image
الامن الوطني العربي نافذة تطل على كل ما يتعلق بالعالم العربي من تطورات واحداث لها ارتباط مباشر بالمخاطر التي تتهددنا امنيا، ثقافيا، اجتماعيا واقتصاديا...

آخر خبر

تواصلوا معنا

لاعلاناتكم على موقع الامن الوطني العربي نرجو التواصل مع شركة كايلين ميديا الوكيل الحصري لموقعنا

 editor@nsaforum.com