نيسان/أبريل 18, 2024
الشريط

الجزائر و معضلة تأمين الحدود

تشرين2/نوفمبر 17, 2015 1508

*يقلم توفيق هامل باحث استراتيجي

 صحيح أن الوضع العام في الجزائر هشّ وغير واضح المعالم، لكن الوضع الأمني تحسن كثيرا مقارنة بالعشرية السوداء، لدرجة أن المسؤولين الجزائريين يصفون الجمعات الإرهابية "ببقايا الفلول". الإرهاب في الجزائر أصبح ظاهرة محدودة لكنها مثيرة للقلق و الجمعات الإرهابية بمختلف أنواعها وأسمائها وولاءاتها لم تعد تشكل تهديدا سياسيا للنظام الجزائري لافتقارها لقاعدة شعبية ،  و إنما هي مصدر قلق أمني لا يمكن تجاهله بالرغم من أن قدراتها تآكلت في السنوات الأخيرة. ففصائل الساحل هي الأكثر خطرا على الأمن الوطني الجزائري مباشرة وإما لأنها تمثل تهديدا أمنياً كبيراً لبلدان الساحل حيث أن المنطقة اصبحت مسرح عملياتي رئيسي لها. فتجربة وقدرات دول المنطقة في هذا المجال محدودة بالمقارنة مع الجزائر مما قد يفتح لها الطريق لزيادة نفوذها الإقليمي، وتعزيز دورها كـ :مُقَدِم/مُصَدِر للأمن والاستقرار وجعله أداة لتحقيق طموحات سياستها الخارجية.

 لكن ذهنية باندونغ لا تزال راسخة في السياسة الخارجية و الاستراتيجيات الأمنية الجزائرية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام الشرعية ألدولية وتفضيل الحلول السياسية على الحلول العسكرية. وقد أكد الجيش الجزائري أن ضمان أمن واستقرار المنطقة يعتمد على تأمين الحدود مع دول الجوار بنشر وحدات عسكرية بهذه المناطق ومن خلال نشاط دبلوماسي يعتمد على الوساطة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة ، حيث جاء في افتتاحية مجلة "الجيش" فبراير 2015 أنّ "ضمان أمن الجزائر و استقرار المنطقة كلها وتجنب المخاطر والتهديدات, يعتمد على محورين أساسيين أولهما أمني يعتمد على نشر وحدات عسكرية وقوات أمنية مدعمة بكل الوسائل و التجهيزات الضرورية لتأمين الحدود مع دول الجوار ومنع أي تسلل لعناصر إرهابية وتنقل السلاح". أما المحور الثاني فيتمثل في "الدبلوماسية باعتماد الوساطة التي انتهجتها الجزائر لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة وتحقيق المصالحة الوطنية  بهذه الدول والتنسيق والتعاون معها في مجال مكافحة الإرهاب بالتركيز على تبادل المعلومات".

تعتبر مسألة تأمين الحدود الجزائرية معضلة أمنية فرضتها الاضطرابات المتنامية في الجوار الجغرافي المغاربي-الساحلي، وهي متنوعة ومتعددة، وذات مسارات غامضة. لقد كانت العلاقات بين الدول سابقًا السبب في المشكلات على الحدود، لكن التهديدات غير الدولتية حاليًا هي سبب الاضطرابات على الحدود، نتيجة هشاشة الدولة أو غيابها. وفي أية بيئة عملياتية يجب الأخذ بعين الاعتبار وجود وانتشار البؤر الإجرامية، مع إمكانية وجود تداخل متزايد بين النشاطات الإجرامية والنزاعات الداخلية والأنشطة المسلحة المحتملة. لذلك أي استراتيجية لمكافحة الإرهاب يجب أن تكون شاملة و متعددة الأبعاد. فالحلول العسكرية ليست دائما ناجعة. فمن خلال دراسة تحليلية للجماعات الإرهابية الناشطة عبر العالم بين 1968 و 2006 تبيّن أن معظمها أنهت أنشطتها الإرهابية لأسباب تعود اساسا الى عمليات الشرطة أو المخابرات التي مكنت تصفية أو إلقاء القبض على أعضائها الرئيسيين (40٪) أو بسبب انضمام  هذه المجموعات في العملية السياسية (43٪).  بالطبع، القضاء على الجماعات التي تستعين بالدين كستار لتحقيق أهدافها يستغرق وقتا أطول مقارنة بالجماعات ألأخرى فهي نادرا ما تصل إلى أهدافها. الحقيقة هي انها لا توجد جماعة  تمكنت من تحقيق النصر، واحتمال أن تنظيم القاعدة/داعش يطيح بحكومة في الشرق الأوسط هي صفر.

 إذا كانت هذه الأرقام تدعم مدى صحة المقاربة الجزائرية، لكن يجب إبقاء جميع الخيارات على الطاولة مع اعطاء الأولوية لبناء قدرات دول المنطقة وتعزيز شرعيتها. حيث يتطلب تأمين الحدود اتفاقًا بين طرفين لضمان تنسيق المهام والأعباء الأمنية، وبسبب غياب الطرف الآخر في المعادلة الأمنية الساحلية، فإن السياسة الجزائرية تَعتبر معالجة الاختلالات الوظيفية الأمنية في الدول المجاورة ذات أولوية قصوى؛ حيث تمر تونس بمرحلة انكشاف أمني بسبب طبيعة الفترة الانتقالية، خاصة أن الجيش التونسي محدود في موارده وتجهيزه وتنقصه الخبرة في التعامل مع الجماعات المسلحة. أمَّا جنوبًا، فإن تأمين الحدود مع مالي مرهون بالتوصل إلى تسوية سياسية لأزمة حركة أزواد، حتى لا تتحول إلى ملاذ ومعقل للجماعات المسلحة. أمَّا ليبيا فإنها على وشك أن تتحول إلى حاضنة استراتيجية لانتشار الأزمات، فهي تعاني من غياب الدولة وتفكك المجتمع وتعدد الميليشيات المسلحة، وظهور نموذج الحرب بالنيابة، خصوصًا تلك التي تغذي الحرب الأهلية فيها.

وهذه كلها معطيات جعلت من تأمين الحدود الجزائرية مسألة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، وفي نفس الوقت فرضت على الجزائر تحمل الجزء الأكبر من جهود تأمين الحدود مع جيرانها .في هذه البيئة الأمنية المضطربة، بإمكان المغرب دعم الجهود الجزائرية، لكن من غير المحتمل أن يحدث ذلك نظرًا لعلاقتهما المتوترة بسبب أزمة الصحراء الغربية والتنافس من أجل الهيمنة الإقليمية، ودخولهما في سباق للتسلح لضمان التفوق العسكري أو على الأقل تحقيق توازن استراتيجي، وكل منهما يسعى إلى تحييد مبادرات الأخر.

إن التركيز على تأمين الحدود الجزائرية ضروري لكنه سيُبعد الدولة عن أولوياتها التنموية ودفع عجلة الاقتصاد وتقليص نسبة البطالة، ذلك أن جزءًا كبيرًا من الميزانية سيُخصَّص للإنفاق العسكري. وسيزيد الانتشار العسكري الجزائري على طول الشريط الحدودي، نظرًا لتكلفته، الضغط على النظام، خاصة في ظل الأزمة المالية العالمية وتذبذب سوق النفط. صحيح أن »أن قوة الأمم ترتبط بشكل وثيق بقوة جيوشها التي تقوم بدور فعال في توفير الظروف الملائمة لقيام و استمرار دولة قوية« )افتتاحية مجلة “الجيش"، أبريل2015)، لكن القوة العسكرية لم تعد لوحدها معيارا أساسيا في حساب قوة الدول. فالقوة تعتمد على القدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة وعلى حماية المواطنين وامتصاص الصدمات و إدارة على النزاعات دون اللجوء إلى العنف. انقطاع مفاجئ وتأكل تدريجي في قدرات الدولة على تلبية تطلعات ورغبات مواطنيها واعتماد عملية سياسية تفاعلية لإدارة التفاعلات التي تطرأ بين الدولة والمجتمع أو الحفاظ على سلامة أراضيها هي من بين العوامل الرئيسة لهشاشة الدولة. ببساطة الشرعية والقدرة والفعالية مترابطة فيما بينها فكل منهما تؤثر على الأخرى .

{jcomments on}

Last modified on الثلاثاء, 17 تشرين2/نوفمبر 2015 10:37
Image
الامن الوطني العربي نافذة تطل على كل ما يتعلق بالعالم العربي من تطورات واحداث لها ارتباط مباشر بالمخاطر التي تتهددنا امنيا، ثقافيا، اجتماعيا واقتصاديا...

آخر خبر

تواصلوا معنا

لاعلاناتكم على موقع الامن الوطني العربي نرجو التواصل مع شركة كايلين ميديا الوكيل الحصري لموقعنا

 editor@nsaforum.com