نيسان/أبريل 24, 2024
الشريط

متفجـرات الطريـق وأدوات التفجيـر المرتجلة IED

تموز/يوليو 25, 2016 12675

في أواخر شهر فبراير من العام 2010 ، قامت قوات من منظمة حلف شمال الأطلسي الناتو وأخرى أفغانية بشن هجوم رئيسي في جنوب أفغانستان والذي أطلق عليه الاسم الرمزي "عملية مشترك" Operation Moshtarak . . وانحصر هدف القوات المتحالفة في تحرير الأجزاء الإستراتيجية من محافظة "هيلمند" Helmand من سيطرة قوات الطالبان. وكانت العمليات القتالية تسير بشكل منتظم وجيد، الا انهم قرروا أخيراً إبطاء زخم تقدمهم خوفاً من خطر تعرض الياتهم للمتفجرات المزروعة على جوانب طرق تقدم القوى المشاركة في الهجوم.

تعرضت العديد من اليات التحالف للضرر بسبب متفجرات الطريق او ما يعرف بأدوات التفجير المرتجلةIEDImprovised Explosive Device . وهي في الغالب محلية الصنع ، حيث تنشر وتطرح على جانب الطرق والممرات المتوقع ارتيادها من قبل قوات العدو. وهي إما أن تكون مصنوعة من المتفجرات العسكرية التقليدية ، أو من رزم قذائف المدفعيةArtillery Rounds الملحقة بآلية تفجير عن بعد . اضف الى ذلك تعرض اليات التحالف الى خطر الألغام الأرضية المضادة للدروع Anti-tank mines ، حيث أعداد كبيرة منها كانت قد أعدت ونصبت من قبل مسلحي الطالبان لكي تعرقل وتوقف تقدم القوات المتحالفة .

 

أصبحت هذه الوسائل القتالية الفعالة الاختيار الأول ليس فقط لقوات الطالبان، لكن أيضاً للعديد من التنظيمات المسلحة والتشكيلات غير النظامية في الشرق الأوسط. إختبرت قدرات أدوات التفجير المرتجلة IED أيضاً على نطاق واسع في الحرب العراقية الثانية وما تبعها.

خلال السنوات 2003-2011 أستخدمت جماعات مسلحة عراقية شحنات مرتجلة في الغالب ضد عربات قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة . ومع نهاية العام 2007 بلغت نسبة وفيات جنود الائتلاف الدولي في العراق بسبب المتفجرات المرتجلة 64% من اجمالي الوفيات الإئتلافية في العراق .وفي التفصيل أظهرت دراسة فرنسية أن عدد حالات الوفيات المسجلة لجنود قوات الإئتلاف بقيادة الولايات المتحدة بلغت خلال الفترة ما بين - مارس 2003 إلى نوفمبر 2006-  3,070 حالة وفاة منها 1,257 حالة مردها الى الإصابة بهذا النوع من المتفجرات .

في العام 2014 عرضت إحدى الجماعات العاملة بالعراق فيديو يظهر بوضوح هجوم عنيف تتعرض له ناقلة جند مدرعة عراقية (من نوع Badger تعني الغرير، طلب العراق في العام 2007 التعاقد على 378 عربة من هذا النوع). ناقلة الجند كانت تسير على الطريق العام وتم تفجيرها بواسطة عبوة طريق فجرت عن بعد. تسبب الهجوم في ارتفاع العربة التي يبلغ وزنها نحو 16 طن لبضعة أمتار في الهواء قبل أن تسقط مجدداً بعنف على الأرض. أصيب طاقم العربة والأفراد الجالسين في الداخل (العربة في المجمل قادرة على حمل مجموعة من 10 أفراد مسلحين) بإصابات قاتلة من شدة الإنفجار وإنقلاب العربة رأساً على عقب.

تجدر الإشارة الى ان هذه العربة مصممة لمواجهة هذا النوع من التهديدات وفق تصميم الكبسولة capsule design المبنية على أساسه . حيث كان بالإمكان مشاهدة تبعثر الأشلاء وتناثرها بالقرب من موقع الهجوم. كما ان العربة مجهزة بذراع آلي robotic arm للتحقق عن بعد ونبش المواضع الأرضية المشبوهة. العبوة التي إستخدمها المسلحون كانت شديدة الإنفجار وتم زرعها تحت طبقة الإسفلت ، وتسببت في حدوث حفرة كبيرة يقدر قطرها بنحو 3 متر أو أكثر ، وبعمق 90-100 سم .

 

تعتبر "الأدوات المتفجرة المرتجلة وألغام الطريق" الوسيلة الفعالة والمجزية للقوات المتمردة والميليشيات غير النظامية لمهاجمة القوات الراجلة وللعربات المدرعة بكافة أصنافها. وعلى الرغم من أن العربات العالية التدريع يمكن أن توفر لشاغليها حماية أكثر تجاه الأدوات المتفجرة المرتجلة والألغام الأرضية بالمقارنة مع تلك المكشوفة أو خفيفة التصفيح ، إلا أنه من الممكن أيضا ان يتعرض مشغلي هذه الاليات للإصابات ولجروح جدية serious injuries وربما حالات وفاة، إذا انفجرت هذه الأدوات بالقرب أو أسفل عرباتهم المدرعة مباشرة .

تنجم هذه الإصابات عند تعرض العربة للهجوم الى سببين رئيسيين ومرتبطين بشكل وثيق ببعضهما البعض. الأول هو الانفجار والعصف الابتدائي initial blast الذي يرفع العربة للأعلى من الطريق . أما التأثير الثاني فينتج عن ما يسمى بالضرب للأسفل slam-down ، عندما تعود العربة وترتطم بقسوة وعنف بالأرض بعد الانفجار الابتدائي وطيرانها بالهواء.

في الحقيقة دراسات عديدة تناولت الموضوع وأثبتت أن أدوات التفجير المرتجلة وكذلك الألغام الأرضية المضادة للدبابات Antitank landmines هي من المسببات الرئيسة للجروح الخطيرة والقاتلة لأطقم العربات المدرعة الأخرى عند الانفجار أسفل منها مباشرة . فهذه الأدوات في معظمها تشتمل على شحنات ناسفة بأوزان من 20-50 كلغم (غالباً RDX) ، أما بالنسبة للألغام فيمكن أن تتراوح بين 4-5 كلغم أو ضعف ذلك الرقم . هذه الشحنات قادرة عند انفلاقها ونتيجة الضغط العالي للانفجار blast over pressure على التسبب وإحداث تأثيرات مباشرة وعاجلة لأفراد الطاقم .

التأثيرات الملحقة بالعربات المدرعة تكون مضاعفة عن تلك الملحقة بدبابات المعركة الرئيسة ، منها رمي الطاقم وبعثرتهم في الفسحة الداخلية للهيكل ، مما قد يترتب عليه كسور شديدة Closed fractures وكدمات قاسية في أجزاء متفرقة من العمود الفقري . فإذا كانت الضربة في مقدمة العربة ، فإن المحرك قد يزاح من مكانه نهائياً ، وستتحطم أرضية العربة وترفع العربة عن سطح الأرض وتنقلب إذا كانت في وضعية الحركة ، وسينتج عن ذلك شظايا داخلية حادة من قطع الصفائح المعدنية .

الأفراد الذين لا يرتدون أحزمة المقاعد seatbelts سوف يقذفون للأعلى بقوة الانفجار ، ويصطدمون بسقف العربة ، معرضين أنفسهم للإصابات الحادة أو القاتلة في مواضع الرقبة والرأس وربما كسور في الجمجمة cranium fractures ، وفي النهاية تعتمد نتائج ومستوى التأثير على حجم المادة المتفجرة ونوعها وموضع إصابة العربة . فهذه الأسلحة مصممة بقصد تحقيق التدمير الهائل K-killللهدف وقتل الطاقم وشاغلي العربة ، أكثر منها لمجرد تعطيله عن طريق تدمير جنازيره وشل حركته M-kill .

"متفجرات الطريق" أو "أدوات التفجير المرتجلة" Improvised explosive devices وإختصارها IED هي عبارة عن شحنات تفجير أو قنابل محلية الصنع يتم إنتاجها ونشرها بوسائل مغايرة للعمل العسكري التقليدي . هي قد تكون مصنعة من متفجرات عسكرية تقليدية military explosives مثل تلك الخاصة على سبيل المثال بقذائف المدفعية والهاون ، لتلحق بعد ذلك بآلية تفجير كهربائية أو ميكانيكية بغرض التحفيز على الإنفجار .

يمكن أن تستخدم أدوات التفجير المرتجلة في أعمال قتالية أو خلال حروب غير تقليدية unconventional warfareمن قبل مجموعات مدنية أو شبه عسكرية في مسرح العمليات . فقد تم إستخدامهم في أفغانستان من قبل مجموعات المعارضة ، وتسببوا في العام 2001 بنحو 66% من الإصابات في قوات التحالف . وطبقا لتقرير مركز البحث الأمني الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية ، فإن عدد أدوات التفجير المرتجلة المستعملة في أفغانستان زاد بنسبة 400% منذ العام 2007 ، وعدد أفراد القوات التي قتلت بواسطتهم بلغت 400% ، وأولئك الذين أصيبوا بجروح بلغوا 700% ، حتى قيل أن هذا النوع من الأدوات كان السبب الأول والرئيس للوفيات بين قوات الناتو في أفغانستان.

وهناك حادثة لا يمكن تجاهلها وقعت في نوفمبر العام 2007 للقوة الكندية العاملة في أفغانستان ، عندما أبلغ عن أداة تفجير مرتجلة هاجمت قرب مدينة قندهار إحدى دبابات Leopard 2A6M .  ، وقدرت الشحنة الناسفة على نحو 15 كلغم من المواد شديدة الانفجار ، مما زاد بشكل ملحوظ من قوة التأثير بالمقارنة مع الألغام التقليدية المضادة للدبابات . ثلاثة أفراد من طاقم الدبابة عانوا من كدمات ورضوض متفرقة ، في حين أصيب الفرد الرابع من الطاقم بكسر في عظمة وركه اليسرى .

أدوات التفجير المرتجلة تتميز ببساطة تركيبها ، إذ تشتمل مكوناتها في الغالب على خمسة عناصر :

-        مفتاح التنشيط أو التشغي activator switch

-        بادئ الإشعال أو الصمام fuse

-        الحاوية أو صندوق الحفظ container

-        الشحنة المتفجرة explosive charge

-        مصدر كهربائي أو بطارية تشغيل  battery

هذا النوع من الشحنات معد في الأساس للإستعمال تجاه الأهداف المدرعة مثل ناقلات الجنود أو دبابات المعركة الثقيلة ، حيث هي قادرة على خرق وتحطيم دروع هذه الأهداف وذلك باستخدام إما الخوارق المشكلة إنفجارياً EFP أو الشحنات شديدة الإنفجار (عصف وتشظية) .

قد تتضمن الشحنات شديدة الإنفجار أجزاء وقطع مضادة للأفراد مثل المسامير أو الكرات الفولاذية أو حتى الحصى الصغيرة ، وذلك لكي تتسبب في إحداث جروح غائرة عند المسافات الأعظم مقارنة بتأثيرات موجات الضغط والعصف فقط .

ويمكن إطلاق الشحنات المرتجلة بطرق وآليات مختلفة ، إذ يمكن تحفيزها على الإنفجار بواسطة جهاز للتحكم عن بعد remote control ، أو عن طريق أسلاك إعثار trip wires مشغلة من قبل الضحية . في بعض الحالات يتم توصيل شحنات متعددة ببعضها سلكيا ، ويتم تفعيلها وتحفيزها سوية في سلسلة متعاقبة لمهاجمة قافلة عربات منتشرة على طول طريق.

ما يميز هذا النوع من الشحنات هو إمكانية تصنيعها من قبل عناصر عديمة الخبرة inexperienced designers وبإستخدام مواد متوافرة أو يمكن الحصول عليها بسهولة نسبية . مع ذلك ، فإن تصنيعها بشكل غير متقن أو دون المستوى قد يتسبب في إخفاقها في الإنفجار ، وفي بعض الحالات إنفجارها قبل الأوان . بعض المجموعات المسلحة تعلمت إنتاج أدوات تفجير متطورة التي هي مبنية ومقتبسة من مكونات الذخيرة التقليدية ، وكذلك من مكونات بعض الأجهزة الإلكترونية الإستهلاكية القياسية ، مثل الهواتف الجوالة ، مؤقتات الغسالات timers ، أجهزة فتح الأبواب الكهربائية .

تتكون أدوات التفجير المرتجلة أحيانا من قذائف المدفعية والهاون أو الشحنات شديدة الإنفجار التقليدية كحمولة قياسية لتحقيق تأثيرها بالإضافة إلى إمكانية تطوير واستخدام تشكيلة من المتفجرات المحلية homemade explosives . المواقع المشتركة لوضع هذه القنابل على الأرض تتضمن جثث وفطائس الحيوانات ، أكوام النفايات ، الحاويات والصناديق الجانبية ، أو أنها تطمر وتدفن تحت السطح . في الحالات النموذجية يتم اعداد هذه المتفجرات للإنفجار أسفل أو إلى جانب هيكل العربة للتسبب بالمقدار الأعظم من الضرر . جدير بالذكر أن حجم موجة الانفجار الناتج يعتمد من ضمن أمور أخرى على الوسط أو العمق الذي وضعت فيه الشحنة charge depth ، بالإضافة إلى شروط التربة المستخدمة  soil conditions (رطبة ، قاسية ، مخلخلة/رملية) .

أخيراً نشير اهم وسائل الحماية ضد هذا النوع من المتفجرات يرتكز على إتباع وسائل الكشف البصري Visual detection والذي هو جزء مدرج وموضح في جميع العمليات القتالية . ويوصى جميع الأفراد والجنود بالكشف البصري وتتبع التضاريس الأرضية أثناء تقدمهم لرصد متفجرات الطريق والألغام ومصائد المغفلين booby traps، خصوصاً في المناطق المشبوهة . التعليمات توجه نحو مراقبة الأجسام الجانبية المشبوهة وعلامات تصليح أو ترميم الطريق ، مثل الملء الجديد أو التبليط والترصيف ، رقع ولطخات الطريق ، الحفر والثقوب ، وهكذا . هناك أيضاً ميزات ومعالم شاذة في الأرض Odd featuresليست موجودة في الطبيعة . مثل نمو نبات ذابل أو متغير اللون ، أو جرف مياه الأمطار لبعض غطاء قمة اللغم ، فتبدوا هذه القمة مثل التل المتسخ . 

انور الشراد باحث عسكري

انقر هما للمناقشة وابداء الراي

موقع المدونة

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Last modified on الخميس, 28 تموز/يوليو 2016 21:36
Image
الامن الوطني العربي نافذة تطل على كل ما يتعلق بالعالم العربي من تطورات واحداث لها ارتباط مباشر بالمخاطر التي تتهددنا امنيا، ثقافيا، اجتماعيا واقتصاديا...

آخر خبر

تواصلوا معنا

لاعلاناتكم على موقع الامن الوطني العربي نرجو التواصل مع شركة كايلين ميديا الوكيل الحصري لموقعنا

 editor@nsaforum.com