في العشرين من يناير كانون الثاني الحالي أقر مجلس النواب الروسي على الاتفاق المبرم بين حكومتي أنقرة وموسكو لإنشاء مشروع السيل التركي الذي سيوفر نقل الغاز الطبيعي الروسي إلى تركيا ومنها إلى أوروبا. وقد سبق ذلك توقيع وزيري الطاقة في البلدين على اتفاق ينص على بناء خطي أنابيب للغاز تحت البحر الأسود تقدر الطاقة السنوية لكل منها بـ15 مليار متر مكعب من الغاز، ومن المخطط الانتهاء من بنائهما في ديسمبر 2019 .
يعد تصديق مجلس الدوما الروسي على الاتفاق خطوة مهمة في تنفيذ المشروع، ولا يتبقى بعد ذلك سوى موافقة الغرفة العليا من البرلمان الروسي والرئيس فلاديمير بوتين حتى يدخل الاتفاق حيز التنفيذ وتبدأ أعمال البناء.
عندما بدأت العلاقات التركية الروسية تتحسن في صيف العام الماضي، كانت المشروعات الاقتصادية ذات الأهمية الاستراتيجية المتبادلة مهمة في سبيل تعزيز العلاقات بين موسكو وأنقرة ـ ويشير محللون إلى أن البلدين يستخدمان هذه المشروعات ولاسيما التيار التركي لممارسة الضغط على الأخرى وتنفيذ أجندتها خاصة فيما يتعلق بالمشكلة السورية، حيث ما تزال هناك خلافات بين الجانبين بشأن بعض القضايا، مثل الأكراد السوريين، ومصير الأسد، ودعم تركيا لجماعات المعارضة المسلحة.
وفي هذا السياق يقول الباحث الروسي أليكسي خليبينوف إن موسكو قد تستخدم مشروع التيار التركي أداة للتأثير في سياسة أنقرة في سوريا، وينوه إلى أن موسكو لم تصدق على المشروع إلا بعد عدة أسابيع من توقيع اتفاق مع تركيا لوقف إطلاق النار في سوريا.
ويرى الباحث الروسي أن مشروع التيار التركي يحقق فائدة كبيرة للبلدين. بالنسبة إلى روسيا يقلل المشروع من مخاطر عبور الغاز عبر أراضي جيرانها. وعلى الرغم من أنه لن يحل مشكلة الغاز نقل الغاز عبر أوكرانيا، فإنه سيمنح موسكو قوة إضافية في مواجهة أوكرانيا وأوروبا.
وعلاوة على ذلك سوف تزيد روسيا من وجودها في سوق الغاز التركي، ففي حين تحصل تركيا حاليا على 16 مليار متر مكعب من الغاز عبر خط أنابيب التيار الأزرق، و12 مليار متر مكعب عبر خط الأنابيب العابر للبلقان، ستزيد إمدادات روسيا إلى تركيا بعد بناء التيار التركي بنسبة تزيد على خمسين من المائة، ويزيد بذلك اعتماد تركيا على الغاز الروسي.
يمنح المشروع لموسكو، كما يقول خاليبينوف، أيضا تأثيرا إضافيا على أوربا، حيث إن خط الأنابيب الثاني سيزود جنوب أوروبا ب15 مليار متر مكعب من الغاز الروسي عبر تركيا، وتزيد روسيا بذلك إمدادات الغاز إلى أوروبا بنسبة 10% .
وينوه خاليبينوف إلى أن بناء التيار التركي مسألة مهمة لروسيا في خضم رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران التي قد تصبح منافسا قويا لروسيا في مجال تصدير الغاز، حيث تخطط طهران لتجديد البنية التحتية لمرافق النفط والغاز القديمة، وإنشاء مرافق جديدة للغاز المسال .مثل هذه الاستراتيجية تنطوي على بعض المخاطر بالنسبة إلى روسيا، ففي حال نجحت إيران على مدى السنوات الثلاث المقبلة في جذب الاستثمارات، فإنها قد تصبح منافسا للغاز الروسي في أوروبا.
أما بالنسبة إلى تركيا فيشير الباحث الروسي إلى أن مشروع التيار يحقق لأنقرة عدة أهداف، أولها تلبية احتياجاتها المتزايدة من الغاز التي ستكبر خلال السنوات المقبلة خاصة إذا وضعنا في الحسبان عدم وجود بدائل حقيقية يمكن أن تلبي الطلب التركي سواء إيران أو قطر أو أذربيجان، فإيران تحتاج إلى تحديث بنيتها التحتية المنتجة للطاقة بأكملها وبناء خطوط أنابيب جديدة لنقل الغاز إلى تركيا، وأذربيجان تحتاج أيضا إلى بناء خطوط أنابيب جديدة، وقطر لا يمكنها سوى نقل الغاز المسال وهو أكثر تكلفة ويتطلب بناء محطات استقبال في تركيا.
الهدف الثاني لأنقرة من مشروع التيار وفقا لخاليبينوف، هو أن تركيا ستصبح مركزا إقليميا للطاقة يمر الغاز من خلالها إلى جنوب أوروبا والدول الأوروبية، وهذا يجعلها لاعبا مؤثرا ويعطيها مزيدا من النفوذ على الساحة الأوروبية، وخاصة فيما يتعلق بإعفاء المواطنين الأتراك من التأشيرة، وقضية اللاجئين، وحصول تركيا على عضوية الاتحاد الأوروبي، وغيرها من القضايا التي يمكن أن تستخدم تركيا فيها ورقة الغاز.
وخلص الباحث الروسي إلى القول بأن المشروع مهم للجانبين التركي والروسي اللذين يسعيان إلى الإسراع في تنفيذه، حيث إنه يمنح فرصة للمصالح الاقتصادية لتكون صاحبة الأولوية على الطموحات السياسية والجيوسياسية لأنقرة وموسكو، ونتيجة لذلك يمكنهما مواصلى التعاون في سوريا. ولذلك يثبت تصديق مجلس الدوما على الاتفاق مدى أهميته بالنسبة إلى روسيا، وإن كان يرسل إشارة بأن الاستمرار فيه يتوقف على التعاون بين روسيا وتركيا في سوريا.