على الرغم من أن تحركات الإدارة الأمريكية السابقة تحت قيادة باراك أوباما زادت من عتادها العسكري في العالم، كما حدث في العراق وأفغانستان على سبيل المثال، إلا أن هذه التحركات لم يصحبها صخب إعلامي، وغالبًّا ما كانت تمر بهدوء.
أما اليوم وفي ظل إدارة الرئيس الجمهوري، دونالد ترامب، فإن الانتشار العسكري للقوات الأمريكية اصبح مصحوبًا بزفة عسكرية تعكس وبوضوح تماهي ترامب أكثر واتساقه مع أفكار الحزب الجمهوري، فعلى مدار السنوات الأخيرة كان لهذا الحزب اليد الطولى في إشعال الحروب في المنطقة، وهنا نجد أن الملياردير الأمريكي الجديد والذي لم يمضِ على تسلمه السلطة ثلاثة أشهر بدأ يستعرض الآليات العسكرية الأمريكية والضربات الصاروخية المكلفة في العديد من مناطق العالم.
سوريا “توما هوك”
قبل أسبوع من الآن شنت البوارج الأمريكية من البحر المتوسط ضربات عدوانية على المنطقة الوسطى في سوريا، اختصت مطار الشعيرات في حمص، واستخدمت القوات الأمريكية صواريخ التوماهوك في تنفيذ هجومها، وبلغ عدد الصواريخ المستخدمة 59 صاروخًا، وصل منهم 23 فقط إلى المطار السوري.
الضربة حملت طابعًا استعراضيًّا أكثر من كونها حربًا أمريكية على سوريا، فالضربة استهدفت مكانًا محدودًا، كما أن المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، قال إن الضربة قضت على 20% من الطائرات السورية، وهذا الرقم يعتبره مراقبون مبالغًا فيه، حيث تشير الأنباء الواردة من مصادر عسكرية إلى أن عدد الطائرات التي دمرت يتراوح بين 6و9 طائرات. بعض هذه الطائرات كانت خارج الخدمة أصلًا أو تحت الصيانة.
ونظرًا لقلة النتائج العملية للضربة الأمريكية، خاصة بعدما عاد المطار السوري للعمل في غضون ساعات من الضربة، نجد أن الضربة الاستعراضية الأمريكية والتي كلفت واشنطن قرابة 90 مليون دولار ثمن الصواريخ فقط، على اعتبار أن عدد الصواريخ هو 59 صاروخًا، وتكلفة إطلاق الواحد منها تصل إلى 1.5 مليون دولار، استهدفت إيصال مجموعة من الرسائل ذات مضامين سياسية وأبعاد اقتصادية تتعلق بالترويج لأسلحتها، فواشنطن استبقت بضربتها لسوريا نتائج أي تحقيق دولي أو أممي يُحمّل المسؤولية لطرف معين للهجوم الكيماوي الذي حدث في خان شيخون.
الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة استخدمت صواريخ “توماهوك” في المراحل الأولى لحرب الخليج عام 1991، كما لعبت دورًا بارزًا في عام 1995 ضد الصرب البوسنيين، وفي الجولات الافتتاحية للعمليات العسكرية في الحروب الأفغانية والعراقية، وكذلك ضد أهداف في ليبيا واليمن.
أفغانستان “أم القنابل”
أمس الخميس استخدمت الولايات المتحدة ولأول مرة واحدة من أكبر قنابلها التقليدية وأسقطتها على مخابئ تنظيم داعش في أفغانستان، وقال البنتاجون إن الضربة استهدفت كهوف تنظيم داعش في مقاطعة ننكرهار القريبة من الحدود مع باكستان.
القنبلة هي من طراز “جي بي يو” المعروفة باسم “أم القنابل”، وتحمل في داخلها ما يعادل 11 طنًّا من مادة “تي إن تي”.
الجانب الاستعراضي في الضربة ظهر بإشادة ترامب باستخدام القنبلة قائلًا إنها دليل على أن الولايات المتحدة أصبحت لديها سياسة خارجية أكثر قوة منذ تولي منصبه في يناير الماضي. ووصف إلقاء القنبلة بأنه كان “مهمة ناجحة جدًّا”.
وبحسابات مادية يظهر البعد الاستعراضي للضربة، فحسب معلومات أفغانية فإن الضربة قضت على 36 داعشيًّا، بينما يبلغ ثمن القنبلة التي استخدمت للقضاء عليهم ملايين الدولارات، فبحسب موقع deagelيبلغ سعر الواحدة من هذه القنابل 16 مليون دولار أمريكي.
وفي الوقت الذي رحبت فيه الحكومة الأفغانية بالعملية العسكرية وتدمير الأنفاق لمسلحي تنظيم داعش شرق أفغانستان، أدان الرئيس الأفغاني السابق، حامد كرزاي، استخدام القنبلة، واتهم الولايات المتحدة باستخدام أفغانستان حقلًا للتجارب.
الجدير بالذكر أن أم القنابل تن تصنيفها بأنها أقوى سلاح غير نووي تم تصميمه على الإطلاق، وذلك حتى اختبرت روسيا بنجاح قنبلة تسمى Father of All Bombs“أبو كل القنابل”، وهي أقوى من القنبلة الأمريكية بأربع مرات.
كوريا الشمالية “كارل فينسون”
قبل أيام وجهت الولايات المتحدة وبشكل مفاجئ مجموعة هجومية بقيادة حاملة الطائرات النووية “كارل فينسون”، نحو شبه الجزيرة الكورية من سنغافورة، حيث تم تغيير اتجاهها من أستراليا إلى شبه الجزيرة الكورية.
وتضم المجموعة، بالإضافة إلى حاملة الطائرات “كارل فينسون” مدمرتين وطرادًا واحدًا بصواريخ موجهة قادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية.
الحديث الأمريكي بلغة التوماهوك انتقل من سوريا إلى كوريا، حيث ذكر موقع “Pravda.ru” أن حديثًا يدور عن سفينة أمريكية معدلة حاملة للصواريخ من فئة “أوهايو” تحمل على ظهرها 154 صاروخ توماهوك ستنضم إلى القطع البحرية المنتشرة قرب سواحل شبه الجزيرة الكورية، وأنها ستصل إلى المنطقة في 18 إبريل الجاري.
وإذا حافظت واشنطن على مواقفها العدائية والتصعيدية لكوريا الشمالية، فقد تأخذ الأوضاع منحى كارثيًّا باتجاه حرب شاملة، فعقب تهديدات جديدة أطلقها ترامب تفيد بأن واشنطن قادرة على التعامل مع الملف الكوري بوجود بكين أو بدونها، حذرت الصين من أن نزاعًا مع كوريا الشمالية يمكن أن يندلع في أي لحظة، مشددة على أن مثل هذا الصراع لن ينتصر فيه أحد.
الاستعراض الأمريكي
يرى مراقبون أن الاستعراضات العسكرية التي يقوم بها ترامب حاليًّا هي جزء من العقلية التجارية للملياردير الأمريكي والقائمة على الفكر الدعائي، فالأهداف التي حققتها مجموع الضربات الأمريكية، سواء في سوريا وأفغانستان، لا تكاد تتجاوز عشرات الضحايا رغم التكلفة الباهظة لهذه العمليات، لكن يبدو أن ترامب يحاول استثمارها في الداخل الأمريكي، في رسالة مفادها: أنا الرئيس القوي على الرغم من أني لا أمتلك أي خبرة سياسية أو حتى عسكرية سابقة.
كما يحاول استثمارها في الخارج بعقد المزيد من صفقات السلاح، والعودة الأمريكية لتزعم حلف الناتو ذي الأغلبية الأوروبية بصورة أكبر نفوذًا، وتوجيه رسائل لدول عديدة، فالعدوان على سوريا يحمل رسالة إلى موسكو وطهران، وأفغانستان يحمل في طياته رسالة إلى طهران، خاصة إذا ما تم ربط هذا الاستعراض باستعراض منظومة مقلاع داؤود الذي تم تدشينه قبل أسابيع برعاية أمريكية إسرائيلية في فلسطين المحتلة والمصمم خصيصًا لصواريخ حزب الله، كما أن التواجد الأمريكي في شبه الجزيرة الكورية فيه رسالة مباشرة للصين.