تصعيد جديد للتوتر بين أمريكا وروسيا في القارة الأوروبية، ينذر بعواقب وخيمة قد تهدد القارة بأكملها، حيث تتخذ واشنطن المزيد من الخطوات العسكرية التي تثير استفزازات موسكو، فتحاول الرد عليها بعيدًا عن المواجهات الساخنة؛ لتسود القارة حرب بادرة، يتوقع الكثير من المراقبين تطورها خلال الفترة المقبلة.
خطوات استفزازية جديدة
بعد أيام من تركيب نظام صاروخي جديد على المدمرة “USS Potrer”، قيل إنه محاولة للحماية ضد ما يسمى بالتهديد الروسي، أقدمت أمريكا على خطوة جديدة؛ بذريعة حفظ أمن حلفاء الناتو في أوروبا الشرقية، حيث دخلت الخميس الماضي المدمرة الأمريكية “USS Potrer” إلى البحر الأسود، ورست في ميناء فارنا البلغاري، وذلك قبل بدئها في مهمة دعم وحماية حلفاء الناتو في البحر الأسود من “التهديد الروسي”، الأمر الذي دفع روسيا إلى الإعلان عن وضع خطط من أجل الرد عليها، حيث قال مدير إدارة التعاون الأوروبي في وزارة الخارجية الروسية، أندري كيلين “من وقت لآخر السفن الأمريكية تدخل البحر الأسود. بطبيعة الحال هذا لا يلقى الموافقة لدينا، ويؤدي بلا شك إلى تدابير من خطط الرد”.
بالتزامن مع الخطوة الأمريكية السابقة، أفاد مصدر فغي البنتاغون بأن الولايات المتحدة والسويد ناقشتا موضوع تعزيز الشراكة في ضوء ما أسماه “كبح الاستفزازات الروسية”، وذلك خلال لقاء جمع وزير الدفاع السويدي، بيتر هولتكفسيت، ونظيره الأمريكي، آشتون كارتر، وتم التوقيع على وثيقة حول التعاون في مجال كبح موسكو.
تحركات الناتو تهدد القارة بأكاملها
التحركات التي يُقدم عليها الناتو بدعم وتأييد، بل وقيادة من أمريكا، لم تكن الأولى التي تشكل استفزازًا لروسيا، فقد سبق للحلف أن دشن أول قاعدة أمريكية لمنظومة الدرع الصاروخية في أوروبا، والتي تقع داخل موقع ديفيسيلو في رومانيا، ومن المقرر تزويد المجمع بصواريخ اعتراض من طراز “Standard SM-3” تطلق من منصات مشابهة للمنظومات الصاروخية التي تستخدم على متن السفن العسكرية الأمريكية؛ لإطلاق صواريخ اعتراض متوسطة المدى من طراز توماهوك، كما أعلن الناتو أنه يخطط لاستكمال بناء قاعدة ثانية لمنظومة الدرع الصاروخية في بولندا بحلول نهاية عام 2017، وهو الأمر الذي أثار غضب روسيا بشكل كبير، ولم يستبعد خبراء حينها خروج موسكو من معاهدة الحد من الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى الموقعة مع واشنطن في عام 1987؛ باعتبار أن هذه المعاهدة لم تعد تتوافق مع مصالح الأمن القومي الروسي.
استفزازات الناتو المتلاحقة والردود الروسية التي لم ترتقِ بعد إلى مستوى حرب بين الطرفين، حذر منها العديد من المراقبين والخبراء في الشأن الأوروبي، حيث صرحت صحيفة “دي تسايت” الألمانية قبل أيام، إن حلف شمال الأطلسي سيرتكب خطأ هائلًا قد يصبح الأكبر في تاريخه، حال إقدامه على استكمال بناء منظومة الدرع الصاروخية في أوروبا. وتابعت الصحيفة أن مصير معاهدة الحد من الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى الموقعة بين روسيا وواشنطن بات مهددًا، واعتبرت قرار روسيا بنشر منظومات “إسكندر” العملياتية التكتيكية في مقاطعة كالينينغراد، والتي تعتبر جيبًا روسيًّايحد ليتوانيا وبولندا، رغم أنه ليس انتهاكًا لنص المعاهدة، إلا أنه في الوقت نفسه اختراق لروحها، مشيرة إلى أن موسكو تصر على أن نشر قاعدة الدرع الصاروخية في رومانيا يعد انتهاكًا مباشرًا للمعاهدة.
ودعت الصحيفة حلف الناتو إلى تعليق خططه المتعلقة بالدفاع المضاد للصواريخ فورًا، والتوجه لإيجاد حل وسط مع روسيا، ولفتت في هذا الخصوص إلى أن منظومات الصواريخ الاعتراضية، التي يعتمد الناتو عليها لبناء المنظومة المضادة للصواريخ، غير قادرة على اعتراض الصواريخ الروسية الحديثة، التي تحمل رؤوسًا قتالية عدة.
هل يستطيع الناتو مواجهة روسيا؟
يؤكد الناتو في كل خطوة جديدة أن منظومة الدرع الصاروخية والتعزيزات العسكرية التي يجريها في المنطقة بين الحين والآخر غير موجهة إلى روسيا، بل لمواجهة الخطر الذي تشكله الصواريخ الإيرانية والكورية الشمالية عليها. وعلى افتراض أن هذه التبريرات صحيحة، فبحسب رأي العديد من الخبراء والمراقبين، فإن احتمال تعرض أوروبا إلى هجوم إيراني أو كوري شمالي ضئيل جدًّا، الأمر الذي يعني أن الناتو يعمل على حماية نفسه من الخطر الضئيل للغاية الذي يهدده من إيران وكوريا الشمالية، وبالتزامن مع ذلك يُعرض نفسه لأكبر قدر ممكن من الخطر الناجم عن تعزيز روسيا لقدراتها النووية.
في ذات الإطار أكد نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي والمكلف بشؤون روسيا وأوكرانيا وأوراسيا، مايكل كاربنتر، أن روسيا حاليًّا قادرة على التغلب على حلف شمال الأطلسي في غضون 60 ساعة، حيث أكد كاربنتر صحة ما جاء في تحليل نشرته مؤسسة “RAND” في فبراير الماضي، استنتجت فيه أن الجيش الروسي يقدر على الوصول إلى عاصمتي إستونيا أو ليتوانيا في غضون 60 ساعة، دون أن يكون بإمكان حلف الناتو التصدي لمثل هذا الهجوم. وأكد خبراء المؤسسة حينها أن الانتشار الحالي لقوات الناتو لا يسمح للحلف بالدفاع بصورة فعالة عن أراضي الأعضاء الأكثر عرضة للمخاطر، وأكد المسؤول في البنتاجون أن الحلف يعمل حاليًّا على تعزيز مواقعه الدفاعية في أوروبا الشرقية، لكنه عاد ليشير إلى أن روسيا ما زالت تتمتع بتفوق جغرافي.