بعد إعلان كوريا الشمالية قطع اتصالاتها مع الولايات المتحدة، قامت بإطلاق ثلاثة صواريخ (اثنين من طراز سكود والثالث من طراز نودونغ). لكن الكثير من الأمور في تحركات كوريا الشمالية كانت متوقعة بطريقة ما. فمنذ مطلع التسعينات، أصبحت برامج كوريا الشمالية النووية والصاروخية محط اهتمام دولي، كان يقل أو يزداد أحياناً، وبالتالي، ليس هناك من سبب يدعو إلى توقع صدور قرار أممي يرضي الولايات المتحدة (أو كوريا الشمالية) قريباً، وقد اتبعت الولايات المتحدة سيناريو مماثلاً في رد فعلها على عملية إطلاق الصواريخ الأخيرة، مهددة بمزيد من العقوبات والمزيد من العزلة.
لكن هذا لا يعني أن شيئاً لم يتغير. فقد عاملت كوريا الشمالية برنامج سلاحها النووي، في وقت من الأوقات، كورقة مساومة، وطريقة لرفع الرهان وإقناع الولايات المتحدة بتقديم تنازلات ومساعدات. لكن تطوير الأسلحة النووية لم يعد شيئاً تقبل بمقايضته بيونغيانغ حالياً مقابل دعم اقتصادي ووعود بعدم الاعتداء. وقد كثفت بيونغيانغ دورة تجارب منظومتها الصاروخية المتعددة، وقد تستعد لاختبار نووي جديد. وإذا لم يكن في نية بيونغيانغ وقف أو عكس برنامج أسلحتها النووية، فربما حان الوقت لتعيد واشنطن النظر باستراتيجيتها في التعامل مع كوريا الشمالية المسلحة نووياً.
جسد الرئيس الليبي معمر القذافي أسوأ مخاوف بيونغيانغ، في التخلي عن الردع العسكري ومن ثم الوقوع ضحية تحرك للمعارضة بتسهيل خارجي. ومع وفاة زعيم البلاد كيم يونغ إيل بعد أشهر من مصرع القذافي، وصعود بديل صغير السن مكانه، هو كيم يونغ أون، تضاعف الإحساس بعدم اليقين في كوريا الشمالية.
ومنذ ذلك الحين، رفضت البلاد بشكل قاطع فكرة مقايضة برنامج أسلحتها النووية. وخلال العام الماضي، تسارعت وتيرة دورة اختبار الأسلحة لكوريا الشمالية.
بعد أن توقف برنامج كوريا الشمالية النووي عن أن يكون ورقة مساومة، أصبح مكوناً حيوياً في أمنها الوطني. السؤال المطروح، إذاً، ليس في كيفية منع كوريا الشمالية من الحصول على القدرات النووية، إنما في كيفية إدارة العلاقات الإقليمية، ما إن تصبح لديها هذه القدرات.
ويكمن الخطر في أن قدرات بيونغيانغ النووية سوف تدفع باليابان وكوريا الجنوبية وتايوان إلى الحذو حذوها، أكثر مما يكمن في توجيهها ضربة استباقية. وفي سبيل منع تأثير الدومينو هذا، يمكن للولايات المتحدة أن تزيد وجودها العسكري ونشاطها في منطقة آسيا – المحيط الهادي، وأن تضاعف الضمانات الأمنية للحلفاء والشركاء. لكنّ أياً من هذين السيناريوهين لا يعد مثالياً من وجهة نظر الصين: فوجود أميركي أكبر سوف يحد من خيارات الصين وتحركاتها، فيما تحول اليابان وكوريا الجنوبية إلى نوويتين (وربما تايوان) سيغير ميزان القوى والاعتبارات الأمنية في المنطقة بشكل جذري.
ويتعين على الولايات المتحدة إجراء حسابات سياسية أيضاً. وفي حال لم تتراجع كوريا الشمالية عن برنامجها النووي، فإن الولايات المتحدة ستحتاج إلى استراتيجية مختلفة لإدارة الديناميات الإقليمية الجديدة الذي سيوجدها هذا البرنامج. من الناحية المثالية، فإن النهج الجديد لن يطمئن الحلفاء على أمنهم فحسب، لكنه أيضاً سوف يدرج كوريا الشمالية وباكستان والهند وربما حتى الصين وإسرائيل في مباحثات أوسع نطاقاً حول أعداد الأسلحة النووية وإجراءات الحد من التسلح. وللقيام بذلك، سيكون على الولايات المتحدة أن تعترف بقدرات كوريا الشمالية النووية. فالحلول البديلة أثبتت عدم فاعليتها، فيما تجاهل الواقع الجديد لن يغير منه شيئاً.
حاولت واشنطن وقف تطور بيونغيانغ النووي، لكن الوسائل المختلفة فشلت. والفشل يعود إلى سوء فهم كبير بين الجانبين في ما يتعلق بمخاوفهما الأمنية، و إلى الأولوية المنخفضة التي كان عليها تسلح كوريا الشمالية لدى الولايات المتحدة.
لكن من دون عمل وقائي، وأزمة سياسية في كوريا الشمالية، أو حادث كبير يقنعها بأن المخاطر لا يستهان بها، فإن كوريا شمالية مسلحة نووياً تبدو أمراً لا مفر منه. وفي حال لم تتراجع كوريا الشمالية، فإن أميركا ستحتاج إلى استراتيجية مختلفة .