في إحدى زيارات وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى المملكة العربية السعودية وجّه سؤالاً إلى قادة البلاد يستفسر فيه عن الهدف من إنشاء التحالف العسكري الإسلامي ضد الإرهاب، و لماذا لا تندرج جهود هذا التحالف الإسلامي ضمن التحالف الدولي الذي تتولى أميركا قيادته، فجاءه الجواب سريعاً لأن الخطر أصبح داهماً على أمن الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه، ولم نعد قادرين على الوقوف مكتوفي الأيدي، تجاه من يعمل على إشعال الحروب الطائفية في المنطقة من جهة، ومن يقوم بعمليات إرهابية تهدف لتشويه صورة الإسلام من جهة أخرى.
فهم وزير الخارجية الأميركي الجواب اللبق الذي قام بتوصيف واقع انعدام ثقة المملكة العربية السعودية ببلاده، وفهم أيضا عمق التناقض القائم بينهما في مقاربة القضايا الإقليمية. كان كيري يراقب بحذر جهود ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الامير محمد بن سلمان باتجاه الدول المنضوية تحت هذا التحالف وكان يأمل في قرارة نفسه ألّا يتعدى هذا التحالف إطاره السياسي، و أن يتحول إلى مجرد ملتقى لتبادل وجهات النظر وللتباحث حول السبل الكفيلة بمكافحة الإرهاب وأن يكون رافعة لجهود التحالف الدولي في هذا الميدان.
ولكن أمال كيري ما لبثت أن تبددت على وقع التعبئة والحشد العسكري الذي شهده تمرين رعد الشمال، والذي بيّن جدية التحالف العسكري الإسلامي في العمل على مكافحة الإرهاب، و خصوصاً أنه ترافق مع الإعلان عن نية الدول العربية إرسال قوات عسكرية لإنهاء معاناة الشعب السوري.
الولايات المتحدة تدرك أن ثمّة تباين بينها وبين المملكة العربية السعودية في طريقة مقاربة القضايا الإقليمية، و تعلم جيداً موقف السعودية الواضح والثابت تجاه العديد من قضايا المنطقة، فالسعودية متمسكة بجنيف واحد لحل الأزمة السورية، و بالمبادرة العربية لحل الأزمة الفلسطينية، وترفض التدخل العسكري الدولي في ليبيا، كما ترفض غض النظر عن محاولات إيران تقويض الاستقرار في العراق وجره إلى حرب طائفية، كل هذا كان من الممكن لأميركا التعايش معه ضمن أجندتها البراغماتية التي تنتهجها في صياغة سياساتها الخارجية، أما أن تقوم المملكة العربية السعودية بحزم أمرها في اليمن، وتولي قيادة تحالف عربي عسكري دون التنسيق مع الولايات المتحدة، فهو أمر بدأ ينذر بأن الأمور لا تسير وفقاً للإرادة الأميركية لكنها مع ذلك ظلّت تحاول التعايش مع هذا الواقع الذي فرضته إرادة المملكة النابعة من حرصها على إعادة الاستقرار للمنطقة العربية.
شكل قيام السعودية بحشد 350 ألف عسكري على أراضيها، وتحت قيادتها ضمن إطار التحالف العسكري الاسلامي نقطة اللاعودة في مسار المواجهة الدبلوماسية ما بين السعودية واميركا. تيقنت اميركا ان هذا التحالف امتلك الذراع العسكرية الضاربة واصبح له القدرة على التأثير المباشر في مصيرالعديد من الازمات المتاججة في المنطقة. ترى اميركا ان امتلاك التحالف لقوة الردع والحسم ومن خارج ارادتها السياسية يتجاوز الخطوط الحمراء ويهدد بالتاثير المباشر على خططها ومصالحها في المنطقة.
أميركا استشعرت الخطر على نفوذها، و خاصة بعد بروز العديد من الانتقادات لسياساتها في التعاطي مع الأزمات في المنطقة و اتهامها بخذلان حلفائها، وتقديمها لوعود لم تلتزم بها، هذا الأمر دفع بسؤال صعب إلى الواجهة ، كيف يمكن للسياسة الخارجية الأميركية احتواء وتقليص دور السعودية ؟
سؤالٌ استوجب على ما يبدو تعميم أمر عمليات دبلوماسي أميركي يهدف إلى ثني السعودية عن لعب دور فاعل ومؤثر في المنطقة، وكان أول تبعيات هذا الأمر إقرار قانون السماح بملاحقة السعودية من قبل ضحايا الحادي عشر من سبتمبر على الرغم من ثبوت عدم تورطها وفقا لوثائق السي اي اي، وتلاه تسريب اعلامي لقرار حظر شحنات الأسلحة العنقودية، ومن بعده جاء تقرير الأمم المتحدة المتناقض والجاحد، ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد، وفي المستقبل القريب قد نرى المزيد من الشائعات والتقارير المغرضة...وقد تكون من جهات مختلفة إلّا أنها لن تصب سوى في خانة واحدة، وهي خانة احتواء السعودية!