بقلم الكاتب عبدالله الجنيد
في السياسة لا وجود لغداء مجاني«No Free Lunch in Politics» هذا ما يقوله الأمريكان، لذلك لنضع علاقاتنا بالدولار على طاولة المفاضلة والتفاوض بعد إقرار الكونجرس قانونا يجيز لضحايا اعتداءات 9/11 وذويهم حق مقاضاة المملكة العربية السعودية «للاشتباه» فقط. وفرضية الاشتباه تلك تستند على فرضية وجود علاقة مباشرة بين أحد منفذي تلك الاعتداءات وأحد العاملين في أحد المراكز الدعوية. ويجدر الذكر هنا أن ذلك الشخص قد تم التحقيق معه مطولا من قبل FBI دون التوصل ولو لقرينة إثبات واحدة. إلا أن مفردة «اشتباه» لا «قرينة إثبات» تقودنا للأهداف الحقيقية لذلك التشريع كونه للاستهلاك المحلي في عام انتخابات رئاسية تخلو من مرشحين حقيقيين أو قضايا حقيقية. وثانيا وللأسف، هو لإدراك المشرع الأمريكي أن لا تكلفة سياسية أو قانونية ولا حتى أخلاقية من استهداف العرب أو الدول العربية. مع معرفتنا المسبقة أن هذا القانون لن يرى النور في حال إقراره من المجلسين بسبب الفيتو الرئاسي، إلا أن ذلك القانون يعد سابقة في التعدي على سيادة الدول.
ذلك التشريع قد يفتح كل صناديق بندورا السياسية وهذا ما أدركته إدارة الرئيس أوباما سريعا بعد كل فضائح التنصت على أقرب حلفاء الولايات المتحدة في زمن هي فيه الأحوج لكل الحلفاء. وقد يكون قبول القضاء البرتغالي ترحيل أحد مواطنيها من العاملين في خدمة جهاز المخابرات الأمريكية إلى إيطاليا لضلوعها في عملية اختطاف قسري لمواطن مصري قد تعرض للتعذيب لاحقا في سجون المخابرات المصرية لاتهامه بالانتماء لتنظيم القاعدة. وقد أدان القضاء الإيطالي غيابيا رئيس محطة السي آي ايه وآخرين على خلفية تلك القضية، بالإضافة لقضايا مماثلة ينظر فيها أكثر من جهاز قضائي أوروبي.
مصالح الدول تتلاقى وتتقاطع دون أن يعني ذلك ارتباطاها بحبل سري، فهناك فقط مصالح دائمة لا صداقات دائمة، وكلنا يتذكر هرع وزراء الخزانة الأمريكان كلما ألمت بالدولار وعكة أو توجسوا إطلاق مشروع عملة خليجية واحدة قد لا تعتمد الدولار قياسا. وهذا ما يتوافق عليه جميع الاقتصاديين، فلقد تحملنا تدهور حالة الدولار طويلا مع أن أمامنا تجربة الكويت الناجحة باعتمادها سلة عملات في تقويم عملتها الوطنية. بل إن تنامي ميزان تجارتنا شرقا وأوروبيا يوجبنا الآن إعادة التفكير سريعا في قطع ذلك الحبل السري مع الدولار، والتعامل معه من منطلق مقتضيات الاقتصاد لا افتراضات السياسية انطلاقا من تكافؤ خدمة المصالح، وأن مستقبل تلك العلاقات سوف يتعاظم لأهمية المنطقة ضمن منظور مصالح أمنها القومي. إلا أن علاقتنا بالدولار قد آن لها أن تنتهي دون رجعة لأنها حالة حب من طرف واحد. أما كلمات الرئيس أوباما فيجب أن تكون محفزا لنا في بناء علاقة أكثر تكافؤا مع الولايات المتحدة بعد وصفنا بالاتكاليين. وبصراحة، إن من يراجع تاريخ علاقتنا بالولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى وقتنا هذا وينكر تلك الاتكالية علية التوقف عن قراءة التاريخ السياسي.
كل ما تقدم يجب أن يقودنا لقراءة حقيقة الاستراتيجية الأمريكية المرحلية والقائمة على أساس استنزاف كل خصومها في أتون الشرق الأوسط لكون ذلك مقبولا أخلاقيا وسياسيا انطلاقا من فرضية «أن العين لا تقاوم المخرز». ففي حين قررنا نحن عزل أنفسنا تنمويا خلال أربعين سنة تحت وهم الاستقرار السياسي فنفذ فينا أحد أخطر فواصل تلك الاستراتيجية عبر تعطيش كل الحواضر العربية. وليس سد النهضة الإثيوبي إلا أحد تلك الفواصل، فالعراق وسوريا عطشتا من خلال السدود التركية والإيرانية، أو عبر تحويل مجرى الأنهر المخالف للمعاهدات الدولية كما جرى لنهر قارون. نحن الآن عند أهم مفترقات الطرق تاريخيا، ويجب تفعيل كل أدوات الإرادة بما فيها القوة للدفاع على أمننا القومي بشرط تحقيق الكتلة الحرجة سياسيا لأنها وحدها القادرة على الحفاظ على هويتنا العربية.
المصدر: صحيفة مكة
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.