قوات المعارضة المدعومة من قبل الولايات المتحدة في مدينة حلب السورية تواجه هجوماً شرساً من قبل القوات الروسية وقوات النظام المدعومة من ايران والجماعات الموالية لها، ما يثير المخاوف حول إمكانية القضاء على تلك المعارضة في غضون أسابيع.
السؤال الطبيعي الذي يطرح نفسه هو ما هو موقف الولايات المتحدة حيال المخاطر التي تتهدد جماعات المعارضة التي قامت بتدريبها وتجهيزها لتتمكن من الصمود بوجه الهجمات الشرسة التي تتعرض لها؟ والسؤال أيضا ما هو موقف الأجهزة التابعة لوزارة الدفاع الأميركية في المقارنة مع مواقف وخطط وكالة الاستخبارات المركزية؟
يبدو من تطور الاحداث ان وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات الأميركية على ضفتي نقيض حيال ما تتعرض له المعارضة السورية وان ما يغلب على هذا الموضوع هو التشاجر والمشاحنات فيما بينهما.
ويعود السبب الرئيسي لهذا التناقض والمواجهة المستترة حينا والعلنية أحيانا بين الأجهزة الأميركية المعنية بالازمة السورية الى غياب الرؤية السياسية لحل هذه الازمة وعدم الترابط ما بين الأهداف العسكرية والحالة النهائية المرجوة. ويفول احد المراقبين ان السياسة الخارجية الأميركية لم تشهد يوما تخبطا وضبابية في صياغة مواقفها تجاه أي موضوع إقليمي مثل ما تواجهه في مقاربة موضوع الازمة السورية. فهي تريد القضاء على داعش ولا تسمح بتنفيذ حملة برية لتنفيذ ذلك، وهي تريد دعم المعارضة ولا تقبل باقامة منطقة حظر جوي لحمايتها، وهي تريد اسقاط النظام لكن هذا الامر ليس في اولوياتها لكن ليس قبل القضاء على داعش.
وحول انعكاس هذا التخبط على عمل الأجهزة الأميركية صرح اثنان من مسؤولي وزارة الدفاع لصحيفة "دايلي بيست" الأميركية أنهما لا يرغبان في دعم المعارضة في مدينة حلب، نظراً لاعتبارها مرتبطة بتنظيم القاعدة في سوريا أو جبهة النصرة، وترفض الاستخبارات المركزية الأميركية، التي تدعم تلك الجماعات المعارضة هذه المزاعم، وتشير إلى أن تحالفات هذه المعارضة في وجه الاعتداءات الروسية المتصاعدة أدت إلى خلق تحالفات عسكرية آنية، وليست عقائدية.
وذكر مسؤول أميركي يؤيد موقف الاستخبارات “من الغريب أن تحاكي وزارة الدفاع الدعاية الروسية”، مشيراً في هذا الصدد إلى مزاعم وزارة الدفاع بشأن توحيد صفوف المعارضة وجبهة النصرة.
وحتى في حالة استقلال المعارضة تماماً عن النصرة، يبقى هنالك صراع استراتيجي مع أهداف الجيش الأميركي، ويشير مسؤولو البنتاغون إلى أن المعارضين في حلب يقاتلون نظام بشار الأسد، بينما الجهود العسكرية الأميركية تستهدف القضاء على تنظيم داعش.
وأوضح أحد مسؤولي وزارة الدفاع لدايلي بيست “ليس لدينا دور في حلب، القوى التي ندعمها تقاتل تنظيم داعش”.
وتعتقد الاستخبارات المركزية ، التي تدعم قوات المعارضة في حلب، أنه لا يمكن هزيمة داعش طالما أن بشار الأسد يسيطر على السلطة.
كما يرون أن أحوال الجماعة الإرهابية تنتعش في الأقاليم غير المستقرة. ولا يستطيع التخفيف من حدة هذه المخاطر سوى القوات المحلية، مثل القوات التي تدعمها الاستخبارات المركزية الأميركية.
ونقلت دايلي بيست عن مسؤول استخباراتي أميركي قوله “وضع المعارضة يتسم بالمرونة في وجه الهجمات الشرسة التي تشنها القوات السورية والروسية.
وتعد هزيمة الأسد شرطاً أساسيا للقضاء على داعش. فطالما هناك قائد غير ناجح في دمشق ودولة لا دور لها في سوريا، سوف يظل تنظيم داعش يجد الإقليم الذي يستطيع العمل من خلاله”.
وأضاف المسؤول الأميركي “لا يمكنك مواجهة داعش إذا كانت الدولة مخفقة”.
وتعد المشاحنات بين أجهزة الدولة دليلاً على تصاعد حدة التوتر بشأن التوجه الأميركي لتسليح المعارضة، وهو ما يحدث بصورة غير متسقة في أنحاء سوريا.
وتتولى وزارة الدفاع حالياً مساعدة بعض المعارضين الذين يقاتلون تنظيم داعش شمال وشرق سوريا، حيث يتوجه أكثر من 250 خبير عسكري أميركي برفقة القوات نحو عاصمة التنظيم في الرقة، وتهاجم هذه المجموعة من المقاتلين مدينة منبج، التي كانت بمثابة ممر رئيسي لنقل مقاتلي تنظيم داعش وأسلحته ومؤنه من تركيا إلى سوريا.
وفي غضون ذلك، تدعم وكالة الاستخبارات المركزية بعض قوات المعارضة في حلب، أكبر مدن سوريا التي استهدفتها الضربات الجوية الروسية والسورية خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وذكرت جنيفر كفاريلا، المحللة السورية في معهد دراسة الحروب في واشنطن "لدى الولايات المتحدة برنامجان مستقلان يدعم كل منهما الآخر ويتعارض في بعض الأحيان معه”.
في الواقع، يمكن أن يتغير الدعم الأميركي لجماعة محددة من مكان لآخر داخل سوريا، ويؤيد البنتاغون على سبيل المثال القوات الكردية الموالية للقوة المسلحة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني في شرق سوريا، وليس في شمال حلب. فقد هاجمت قوات حزب الاتحاد الديمقراطي شمالي حلب القوات التي تدعمها الولايات المتحدة من خلال مساعدات روسية.
وأخبر دافيد غارتنشتاين، كبير زملاء مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، دايلي بيست “لسنا دولة تتصارع هيئاتها مع بعضها البعض. يجب أن يقرر البيت الأبيض توجهه بشأن الأسد وجماعات المعارضة. أعتقد أن لديهم سياسة محددة تجاه تنظيم داعش”.
وتأتي الانقسامات داخل إدارة أوباما في مرحلة حرجة من الحرب في سوريا، ويمكن أن تخضع حلب لحصار يدوم لشهور بين قوات المعارضة والقوات الحكومية الموالية لروسيا، بما يعرض المدنيين للمخاطر ويخلق فيضاً جديداً من اللاجئين. وذلك هو السيناريو الأفضل حالاً.
وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن تخضع حلب لسيطرة الأسد خلال أسابيع، بما يضمن بقاءه في الحكم. ومع ذلك، لن يؤدي سقوط حلب إلى حسم نتيجة الحرب، بل يمكن أن يؤدي إلى تشجيع خصوم الأسد، مثل تركيا، على زيادة دعم المعارضة التي تقاتل في خطوط المواجهة.
وبغض النظر عن ذلك، استعرض الأسد حجم الثقة التي يتمتع بها حينما ألقى كلمة أمام البرلمان وذكر أنه سيخلص حلب من الإرهابيين وذهب إلى أن حلب سوف تصبح مقبرة للأتراك.
وذكر الأسد خلال كلمته أمام البرلمان التي بثها التليفزيون الرسمي “حربنا ضد الإرهاب مستمرة. وكما حررنا تدمر ومن قبلها العديد من المناطق، سوف نحرر كل شبر من سوريا من أيديهم. خيارنا الوحيد هو النصر، وإلا فلن تبقى سوريا".
وذكرت روسيا أن الضربات تستهدف الجماعات الإرهابية فقط، مثل النصرة؛ ومع ذلك، يصعب للغاية أخذ تلك المزاعم على محمل الجدية. فقد أصابت الضربات الروسية العديد من المستشفيات والطرق التي تستخدمها المعارضة الأكثر اعتدالاً.
ولقي يوم الأربعاء 15 شخصاً على الأقل مصرعهم خلال ضربتين جويتين في حلب، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يتولى متابعة ورصد حالات الوفيات بين المدنيين.
ويُذكر أن إحدى الضربتين قد أصابت مستشفى البيان وأودت بحياة 10 أشخاص على الأقل. وذكر المرصد أن القنابل التي أسقطتها الطائرات الحكومية أدت إلى مصرع خمسة أشخاص آخرين على الأقل، بما في ذلك طفلين في حي المرجه في مدينة حلب.
وتضاعف عدد الأماكن التي تعرضت للهجمات الروسية في مختلف أنحاء البلاد على مدار الأيام الخمسة الماضية لثلاثة أضعاف، من 10 إلى 30 منطقة، بحسب معهد دراسة الحروب، الذي يرصد الاعتداءات في أنحاء سوريا.
ويتمثل أحد الأساليب التي تستخدمها روسيا في إطلاق سلسلة من الهجمات على امتداد طريق كاستيلو، وهو الممر الرئيسي لتزويد المعارضة بالمؤن.
ومع ذلك، لا يوجد لدى إدارة أوباما أي دوافع لتوفير المزيد من السلاح إلى جماعات المعارضة أو زيادة الدعم؛ ويقر مسؤولو وزارة الدفاع والبيت الأبيض، أن صياغة استراتيجية تروق لجميع الأطراف صعب للغاية.
وذكر غارتنشتاين روس “ليس واضحاً ما إذا كان هناك مجموعة محددة من السياسات لمساعدة المعارضة حينما تفوق المزايا التكاليف، ويرجع ذلك إلى المشكلة مع القاعدة، التي تمثل قوة كبرى تساند المعارضة. فكيف تعزز قوى المعارضة دون دعم تنظيم القاعدة؟”
لا يحظى التحالف الذي تتزعمه الولايات المتحدة بأي سلطة تخوله تعقب النظام السوري والقضاء على إرادة المعارضة، حيث تسمح المهمة العسكرية الأميركية بتوجيه ضربات تستهدف تنظيم داعش فقط. ومن الناحية العملية، هناك تحديات أيضاً.
وتسعى الولايات المتحدة وروسيا حاليا إلى تجنب النزاع فيما بينهما لتجنب وقوع أي كوارث خلال الحملات الجوية. ويمنح ذلك روسيا القرار بشأن الأماكن التي يمكن للولايات المتحدة أن تشن حملاتها عليها، وربما كان ذلك هو السبب وراء عدم قيام التحالف الذي تتزعمه أميركا بشن أي ضربات في نطاق حلب منذ أسابيع، وذلك وفقاً لإحصائيات البنتاغون.
ومهما كانت النتائج في حلب، يرى النقاد أن الافتقار إلى وجود توجه واضح بشأن المعارضة يقوض قدرة أميركا على المساعدة في تسوية النزاع والحرب الأهلية التي دامت لخمس سنوات.
وذكرت كفاريلا “ النتيجة المرجّحة تتمثل على المدى القصير في توحد تلك الجماعات حول عناصر متشددة تعمل بفعالية”.