بقلم عبدالله الجنيد
ضريبة السير على حد السكين هي واجبة الدفع من الجميع في مواجهة كل الخرافات الجائرة، والمظلومية الشيعية اليوم فقدت قابلية التسويف أو التنصل من مسؤوليتها الأخلاقية قبل السياسية وعربيا قبل دينيا. فمواجهة إرث المظلومية هي مسؤولية ضمير الهوية الشيعية قبل غيرها لما آلت إليه حالة الاستقطاب من بشاعة على حساب الوطن والهوية العربية. فتبعات اختزال الانتماء للطائفة بحجة المظلومية التاريخية أسس لتقبل موت الضمير الحي في العراق وسوريا. واليوم لم يعد هناك مجال للمواربة في موقف أخلاقي من جرائم بشار وعصابات القتل الطائفية في العراق المسماة بالحشد الشعبي. فالصراع القائم ليس سياسيا أو اختلافا مذهبيا بل في واقعه جدار دم بهدف تكريس حدود سياسية جديدة ترتكز على خرافة المظلومية البائسة.
برغماتية المظلومية تطورت من الإصلاحية الاجتماعية الوطنية في فترات التحرر الوطني من الاستعمار إلى الولائية المطلقة لدولة الولي الفقيه في عصر الربيع العربي تحت مسمى الصحوة الإسلامية. فالصحوة الإسلامية تشترط «الولاء المطلق» لدولة الولي الفقيه كشعار المرحلة الجديد بعد أن حقق مبدأ تصدير الثورة (نصرة المستضعفين) التوغل الإقليمي والدولي لإيران. كذلك وظفت هي «عظمة» الدولة التي أجبرت الشيطان الأكبر على التفاوض معها لمدة ثلاثة عشر عاما كانت جزيتها العراق وسوريا والقبول بلبنان دولة فاشلة. على النقيض من ذلك كانت البرغماتية المدنية السنية (باستثناء اليسار العربي الساذج) الأقدر على مواجهة التضخم في شخصية الهويات المتأسلمة سياسيا دونما أي معيار طائفي. فكان التيار الأكثر دفعا باتجاه عبور الخنادق الطائفية وحيدا إلى أن اتخذ القرار السياسي بتصنيف كل تلك التنظيمات بالخارجة على القانون.
اليوم نحن نشهد أقبح صور ذلك التحصن خلف المظلومية البائسة مما يرتكب من جرائم وفظائع في حق العراقيين السنة والتي تطفح بالصور الموثقة لفظائع التنكيل والقتل في حق العزل في الفلوجة وأنحائها، أو القتل الممنهج للمدنيين العزل من داريا إلى حلب. هذا الصمت وازعه استكانة ضمير المظلومية الغاصبة لكل ما هو إنساني في تقبل تلك الجرائم ليس لفقدها الأهلية أو الضمير الأخلاقي بل لأنها تدرك أنها قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الدولة الطائفية تحت افتراء «قومية الطائفة» مهما كانت تكلفة الدم.
نحن هنا لا نحرض بقدر ما نخاطب وجدان الإنسان في التحلل من افتراءات المظلومية التاريخية العاجزة عن صناعة مستقبل قابل للاستدامة إنسانيا. فهذه المظلومية الغائرة باتت اليوم موازية من حيث مخرجاتها السياسية والاجتماعية للعقيدة السياسية والاجتماعية للصهيونية إن لم تكن تلميذتها النجيبة. فها هي تسوق حتى قبول التهجير وإحلال شعب بمن لا يستحق الأرض من شيعة أفغانستان وآسيا الوسطى. أما نفاق تلك المدرسة سياسيا فقد تجاوز كل مقبول لحد انتقادها مصافحة دبلوماسية مع شخصية إسرائيلية بوصفها خيانة، في حين نجدها تبرر للعلاقات التجارية والسياسية مع إسرائيل من قبل نظام الولي الفقيه. هذا الفصام ليس سياسيا بل أخلاقيا أوصلنا اليوم إلى أن يتقبل كل عراقي شيعي مؤدلج نحر أخيه السني فقط انتقاما من صدام ويزيد.
المصدر صحيفة مكة