الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حسم قبل ان يبدا وعلى لسان ملكة بريطانيا عندما سالت ضيوفها عن جدوى الاتحاد الأوروبي.
هذه العبارة برمزيتها تلخص وجدان وتاريخ الامة البريطانية – الوطن المنعزل في جزيرة – الذي وقف وحيدا وصمد وانتصر في مواجهته على المانيا النازية ابان الحرب العالمية الثانية وبقيادة ونستون تشرشل.
انتصرت إرادة الشعب البريطاني واكبر الخاسرين كانوا أولئك الزعماء البريطانيين الذين تناسوا تاريخ عظمة الإمبراطورية البريطانية وتناسوا ايضا ثقافة الشعب البريطاني الذي يفاخر بتميزه واستقلاليته، وطالبوه بالتصويت الايجابي للبقاء في شراكة مع اتحاد ضبابي الأهداف، مكسور الإرادة ويرزح تحت أعباء التناقضات السياسية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
انتصرت بريطانيا التي تؤمن بعظمة تاريخها وابرز الخاسرين هو الاتحاد الأوروبي الذي لم يستطع لغاية تاريخه ان يقدم اطارا تفاعليا لتطوير علاقات دينمايكية بناءة وناجحة بين شعوب وملل تناحرت وتخاصمت وتواجهت على مر التاريخ.
ولعل ابرز الخاسرين ايضا هي القيادة السياسية الحالية لبريطانيا وابلغ ما قيل في هذا الاطار هو ما جاء على لسان دايفيد كاميرون أمام مقره في داونينج ستريت عقب الإعلان عن نتائج الاستفتاء "لا أعتقد أنه سيكون من الملائم لي أن أمسك بدفة قيادة البلاد إلى وجهتها المقبلة."
وفي اطار حملة التهويل للتاثير المسبق على نتائج الاستفتاء سارع العديد الى الترويج بان تداعيات هذا الخروج سيكون دراماتيكيا على بريطانيا واقتصادها. وبشروا بفداحة الانهيارات التي ستلي الخميس الأسود كمؤشر لانهيار سعر صرف الجنيه الإسترليني بنسبة 9 في المئة، ليصل إلى 1.3459 دولار.
لكن في الحقيقة فان هذه القيمة المتدنية سبق ووصل اليها الجنيه في العام 1985 واستطاع الجنيه بعدها استعادت عافيته. وفي ميزان التبادل التجاري ان تدني سعر العملة الوطنية سيساعد في زيادة الصادرات البريطانية. وبالتالي فان مساوئ انخفاض سعر العملة يتساوى غالبا مع محاسنها.
ليست بريطانيا من عليه ان يشعر بالقلق بل الاتحاد الاوروبي باجمعه سوف يكون عليه مواجهة تداعيات هذا التفكك التراكمي الذي سيهدد مصداقية وحدته وقدرته على مواجهة تنامي الاتجاهات الانفصالية لدى شعوب اعضائه. فالتكافلية التضامنية في تحمل اعباء وتداعيات اقتصاديات بعض الدول الاعضاء فيه اصبح هاجسا لمن يؤمن بانه لا يجب عليه تحمل وزر فشل هذه الدول بتننمية اقتصادها. وفشلها في ايجاد الحلول الجزرية لمشاكلها الاجتماعية والانسانية.
على الاتحاد الاوروبي قراءة هذه النتيجة بتمعن والمباشرة الفورية باعادة صياغة اهدافه وسياساته وممارساته قبل بلوغه مرحلة الانهيار الكامل.