على مدى عقود، كانت تركيا مجرد مشتر وسوق لأنظمة الأسلحة الأجنبية ومصنعيها. في العقد الماضي أو نحو ذلك ارتقت تركيا إلى أن أصبحت المشتري والمنتج والمنتج المشارك وشريكا في عدد لا يحصى من الأنظمة الدفاعية العسكرية التي اعتادت في السابق أن تشتريها جاهزة.
تهدف تركيا في الوقت الحالي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي شبه التام بما يتمشى مع طموحاتها الإقليمية والعالمية من أجل مزيد من النفوذ السياسي.غير أن بعض برامجها قد تحتاج إلى مزيد من الوقت والتكلفة العالية حتى تحقق ما تأمل فيه.
كان التقدم الذي حققته تركيا كبيرا، ففي عام 2002 لبت الصناعة المحلية التركية 24% من احتياجات البلاد، وبلغت هذه النسبة في الوقت الحالي حدا مثيرا للإعجاب يصل إلى 64%، على الرغم من أن بعض الخبراء لا يوافقون على كيفية حساب هذا العدد بشكل موضوعي في نظام صناعي معقد، حيث يمكن بسهولة خلط النظم الفرعية المحلية والمستوردة.
قال وزير الدفاع التركي، فكري إيشيك، إن بلاده تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة 80% فى المستقبل القريب. وفي تعبير عن الرؤية التركية قال إسماعيل دمير، وكيل وزارة الدفاع لشؤون الصناعات العسكرية، في كلمة ألقاها في شهر نيسان/ أبريل الحالي، "نهدف بحلول عام 2023 إلى التخلص من الاعتماد على النظم الأجنبية والنظم الفرعية".
إن الأساس المنطقي لهذا الاكتفاء الذاتي عملي بقدر ما هو طموح؛ ذلك أن الطلبات التي تقدمت بها تركيا لشراء بعض النظم العسكرية من الحلفاء قد قوبلت بالتأخير أو الرفض. وقد أشار دمير إلى حادث وقع في الآونة الأخيرة حين رفضت شركة أمريكية بيع أبراج مدفعية إلى تركيا، كما أشار في وقت سابق إلى أن تلكؤ الولايات المتحدة في تسليم تركيا طائرات بدون طيار تحفز تركيا على تطوير صناعتها المحلية، وقال "إن مثل هذه القيود تتسبب في تأخير برامجنا للشراء، لكن في هذه الحالة بالذات سنتمكن من إنتاج هذا النظام محليا في غضون ستة أشهر".
في السنوات العشر الأخيرة بادرت تركيا إلى تصميم وتطوير وإنتاج عدد كبير من النظم المحلية من الطرادات والفرقاطات، إلى الصواريخ والجيل الجديد من دبابات القتال الرئيسية والطائرات بدون طيار والطائرات المقاتلة وطائرات التدريب، وأساطيل من العربات المدرعة بأنواع مختلفة.
تدير الصناعة العسكرية التركية حاليا ملفا يضم أكثر من 460 برنامجا بقيمة 35 مليار دولار. وقد اكتملت بعض هذه البرامج، وبعضها يتطور ببطء، ويواجه بعضها الآخر عقبات تقنية أوارتفاع الكلفة، لكن جميع البرامج تواصل التقدم بسرعة أو ببطء.
وقال فايق أكين، المدير التنفيذي لشركة أسيلسان للصناعات الإلكترونية والعسكرية، وهي أكبر شركة دفاعية تركية، "أعتقد أن تقدم قطاع الصناعات الدفاعية التركي الدفاع سيصبح أكثر وضوحا بمجرد أن تكون هذه المنتجات متاحة لسوق التصدير". وتصدر أسلسان منتجاتها إلى أكثر من 60 بلدا، وتصل مبيعاتها السنوية إلى أكثر من 1.2 مليار دولار أمريكي.
وقال تورغوت سينول الرئيس التنفيذي لشركة آر بي إس إس (RBSS) وهي شركة مشتركة بين بي إم سي BMC التركية وراينميتال الألمانية (RHEINMETAL) وإيتيكا الماليزية (ETIKA) المتعاونة في إنتاج دبابات تركية، "إن الصناعة العسكرية المحلية حققت الاكتفاء الذاتي تماما في الأنظمة العسكرية البرية، وتسعى إلى تطوير دبابة محلية حتى تكتمل الصورة".
كما أحرزت الصناعات العسكرية التركية تقدما في منتجات برية أخرى، ففي عام 2016 وحده طورت شركة روكيتسان التي تسيطر عليها الدولة والمتخصصة في إنتاج الصواريخ أربعة منتجات. وقال سيلجوك ياشار المدير العام للشركة: "إن الشركة تخطط خلال السنوات السبع القادمة للانتقال من منظومات القذائف والصواريخ ذات ارتفاع مترين إلى سبعة أو ثمانية أمتار. زُودت طائرة التدريب هوركوس، وهي طائرة تدريب طورتها شركة توساش للصناعات الفضائية والطيران التركية،أخيرا بصاروخ L-UMTAS وهو صاروخ موجه بالليزر وطويل المدى مضاد للدبابات طورته روكيتسان وتم اختباره في عرض فى وسط تركيا".
وقال سينول إن "جهود تركيا الرامية إلى تطوير النظم الوطنية ستحرز تقدما أسرع تماشيا مع سياسات الرئيس، رجب طيب أردوغان التى تدعم بقوة صناعات الدفاع المحلي".
ويبدو أن برامج الصناعة المحلية قد أعطت دفعة واضحة للصادرات، فقد تضاعفت صادرات تركيا الدفاعية والجوية تقريبا من 883 مليون دولار في عام 2011 إلى 1.68 مليار دولار في العام الماضي. وشهدت الصادرات في عام 2016 زيادة طفيفة عن عام 2015 الذي بلغت فيه 1.65 مليار دولار ، مسجلة ارتفاعا بنسبة 1.4%. ومن بين الصفقات الأكثر ربحا في شباط/ فبراير الماضي الصفقة التي وقعتها شركة أوتوكار لصناعة العربات المدرعة مع الإمارات العربية المتحدة بقيمة 661 مليون دولار لإنتاج 400 مركبة مدرعة ذات دفع رباعي.
تعد هذه الصفقة نجاحا بارزا لأوتوكار التي صنعت النماذج الأولية للدبابة ألتاي، أول دبابة قتالية تركية. في عام 2016 قدمت أوتوكار أفضل عرض نهائي لوكيل وزارة الدفاع لشؤون الصناعات الدفاعية لبرنامج ألتاي الذي يتضمن إنتاج 1000 دبابة. وستقرر الحكومة التركية في هذا العام قبول هذا العرض أو إطلاق مسابقة.
عقبة أمام الاكتفاء الذاتي
من بين التحديات الرئيسة التي واجهتها صناعة تركيا المحلية في تعزيز البرامج المحلية الدفاعية على مدى السنوات العديدة الماضية، عدم وجود محرك موثوق به للمنصات العسكرية، بما في ذلك الدبابة التاي والمقاتلة التركية تي إف إكس.
وقال تورجوت سينول إن هناك جهودا تبذل لتطوير محرك محلي لتشغيل الأنظمة الجوية والبرية والبحرية في المستقبل. لكنه يعترف بعدم وجود تكنولوجيا المحرك، وإن إخفاق محاولات تطوير محرك تمثل مشكلة للصناعة المحلية.
لم تنجح مفاوضات تركيا التي استمرت شهورا مع شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة من أجل تطوير وإنتاج محرك مشترك لشركة ألتاي في عام 2014. وفي عام 2015، وقعت شركة توموسان، وهي شركة تركية لصناعة المحركات، عقدا بقيمة 190 مليون يورو (206.35 مليون دولار) مع الحكومة لتصميم محرك الدبابة ألتاي. وقالت الشركة إن برنامج محركها سوف ينهي اعتماد تركيا على النمساوية لتقديم الدعم التقني لمحرك ألتاي،لكن العقد ألغي أخيرا بسبب خلافات لم تحل حول تراخيص التصدير.
وفي الوقت الحالي تسعى الصناعة العسكرية التركية إلى الاستفادة من الخبرة الأوكرانية في مجال المحركات، حتى تتمكن في نهاية المطاف من بناء محرك "وطني" تركي للدبابة ألتاي. كما أشار أحد المتخصصين في الشأن تركيا من لندن، فإن "المحرك هو الحلقة الضعيفة في الجهود التركية لإنتاج أنظمة طموحة".