يتنافس تحالفان على الزحف نحو مدينة الرقة السورية، معقل تنظيم ( داعش) وعاصمته الإدارية، فمن جنوب غرب المدينة يتقدم الجيش السوري بغطاءٍ جوي روسي، فيما يتقدم التحالف الكردي المدعوم بغطاءٍ جوي أميركي من جهة الشمال.
ويتسابق كلا التحالفين إلى “تحرير” المدينة تماماً مثلما تسابقت في الماضي قوات الحلفاء والقوات السوفييتية في الزحف نحو برلين عام 1945، حسب تقرير نشره موقع سي إن إن الأميركي، الإثنين 30 مايو/أيار 2016.
يتزايد الضغط على تنظيم داعش ليس في الرقة وما حولها فحسب، بل كذلك في العراق حيث تبذل القوات العراقية والكردية جهدها في الانقضاض على أطراف مناطق النفوذ الداعشي شرق الموصل في شمالي العراق، وكذلك تحاصر مجموعات عراقية متعددة منها الجيش الحكومي مناطق داعش في الفلوجة بالقرب من بغداد.
هكذا وجد داعش نفسه محاصراً يتعرض للضرب على عدة جبهات، كما يعاني من نقص في خطوط الإمدادات لديه، فيما تتدهور أحوال المدنيين العالقين في كل تلك المناطق.
وفيما عدا أي سيناريو مفاجئ لسقوط داعش، فإن المعركة لتحرير الرقة ستكون طويلة النفس قد تمتد حتى عام 2017، يزيدها بطئاً فشل جميع أعداء داعش بالتعاون والتنسيق فيما بينهم.
لماذا الرقة؟
ليست هذه أول مرة في التاريخ يلمع اسم الرقة فيها على خارطة الحروب والسياسة، فالرقة (وتعني بالعربية المستنقع) كانت في نهاية القرن الثامن عاصمة خلافة هارون الرشيد التي امتدت إلى شمال أفريقيا والعراق وسوريا، فبموقعها على ضفاف نهر الفرات كانت الرقة تضاهي بغداد وتنافسها حجماً ومكانة ومركزاً للإشعاع العلمي والثقافي.
ثم تعرضت الرقة في الحروب التي مزقت المنطقة للتدمير على يد المغول عام 1265، وتابعت اضمحلالها حتى باتت مجرد مركز زراعي وصناعي في سوريا الحديثة.
وعندما وصل داعش إلى هناك في أغسطس/آب 2013 لم يكن تعداد سكان المدينة سوى 200 ألف نسمة أو يزيدون قليلاً.
تقريباً منذ بداية الحرب السورية والرقة تتعرض لاستهداف مجموعات الثوار المختلفة، وقد طرد داعش الجيش السوري الحر من المدينة وكذلك ألحق الهزيمة بمنافسيه من التنظيمات الإسلامية الأخرى أوائل عام 2014.
من بعدها أصبحت الرقة أهم مراكز سيطرة داعش في سوريا وأول محافظة يسيطر عليها، كما صارت هي المركز الإداري الذي يرسم منه داعش خططه وهجماته الإرهابية ضد أوروبا.
عمق استراتيجي
سيطرة داعش على الرقة منحتها كذلك عمقاً استراتيجياً أبعد من العراق، فقد تحولت إلى قبلة للمقاتلين. كذلك توجد شمال المدينة سدودٌ ضخمة مشيدة على ضفة الفرات لتوليد الطاقة الكهربائية المائية.
أما الطرقات فجيدة وتصل الرقة بالموصل (ثاني أكبر مدن العراق) ودير الزور، وهي مدينة سورية شرق الرقة تخضع بشكل كبير لنفوذ وسيطرة داعش.
الفرق المتنافسة
لا تريد الولايات المتحدة أن يسبقها الجيش السوري ولا حليفه الروسي إلى الرقة. في شهر أبريل /نيسان 2016، قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر”يصعب على الناس أن يتحرروا من داعش ليسقطوا مرة أخرى في قبضة نظام ارتكب الفظائع بحق شعبه.”
أما نائب وزير الخارجية الروسي أوليغ سيرومولوتوف فقال أواخر مارس/آذار 2016، إن الولايات المتحدة وروسيا تتناقشان وتتفاوضان بشأن “نواحٍ معينة” لتنسيق تحرير المدينة بينهما، بيد أن المسؤولين الأميركيين ينفون تماماً أي مزاعم تعاون في الزحف نحو الرقة.
الجيش السوري أواخر مارس /آذار كان استعاد مدينة تدمر الأثرية التي تبعد 225 كم عن الرقة، غير أنه استدعى الكثير من المساعدة من المروحيات الروسية المقاتلة وأنظمة الصواريخ المتعددة؛ ولقي موظف عمليات خاصة روسي واحد مصرعه على الأقل فيما استغرقت عملية تفكيك مئات العبوات الناسفة المتروكة وراءه أياماً وأياماً.
من جهته تفاخر الجيش السوري بأن عملية استعادة تدمر ستكون منصة لشن وإطلاق عمليات عسكرية واسعة نحو محافظتي الرقة ودير الزور.
منذ ذلك الحين أحرز الجيش السوري تقدماً في البادية بيد أنه لم يظفر بمدن أو بلدات تذكر، فيما تعاني وحدات جيشه من الاستنزاف والإنهاك بعد 5 سنوات مضنية من الحرب، فلا طاقة بها لشن هجوم مباشر على عاصمة داعش.
الكرد
ولعل القوة الأقرب إلى مدينة الرقة هي قوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالفٌ يضم ألافاً من القوات العربية والكردية، المدعومة أميركياً، ولا تبعد في بعد المناطق عن الرقة سوى 30 كم شمالاً، وتشن هجومها من 3 جبهات.
تتقدم قوات سوريا الديمقراطية عبر السهول الصحراوية مدعومة بالقصف الجوي من التحالف وبفريق قوات أميركية خاصة مؤلف من 250 عميلاً يتمركزون في شمال سوريا مهمتهم “تقديم المشورة والمساعدة”.
وقد ظهر في الآونة الأخيرة مقطع فيديو يصور قواتهم تتعاون مع وحدات حماية الشعب الكردية وتركب معهم شاحنات مدججة بالرشاشات الثقيلة.
لكن القيادة الكردية لهجوم قوات سوريا الديمقراطية تقول أن الحملة الموجهة لتحرير “ريف شمال الرقة” تتباطأ بسبب كثرة العبوات الناسفة والألغام التي زرعها داعش.
القضية التركية
يمثل الكرد طليعة قوات سوريا الديمقراطية، ولكنهم لا يرغبون في استعادة المناطق التي يسكنها الكرد ويسدوا الطريق أمام تنظيم داعش لدخول الحدود مع تركيا وحسب، بل ولديهم أيضاً ميل نحو السيطرة على الرقة، وهي مدينة ذات أغلبية سكانية عربية.
بدلاً من ذلك، يحاول الكرد التركيز على ربط الجيوب الكردية التي تقع على الحدود مع تركيا، مما يخلق منطقة حكم ذاتي تُمكنهم من السيطرة على معظم الحدود السورية التركية، حيث تصير الأمور أكثر تعقيداً.
يعتبر الأتراك أن كرد سوريا إرهابيون، وقد حذروا الولايات المتحدة أنهم لن يتسامحوا في أي تمدد محتمل لوحدات حماية الشعب الكردية على الحدود. كما أنهم يشعرون بالغضب حيال دعم الولايات المتحدة للكرد.
وقد قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال عطلة الأسبوع “نُدين الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب الكردية، فما يحدث ليس ما وعدتنا به الولايات المتحدة”.
وقد يتسبب رفض تركيا للدور الرئيسي الذي تلعبه وحدات حماية الشعب الكردية، وكذلك المجموعات المتناحرة بشمال سوريا، في زيادة صعوبة الموقف على المساحة الحدودية التي لا يزال تنظيم داعش يسيطر عليها، والتي تبلغ 62 ميلاً