سيرث الرئيس الأميركي المنتخب علاقة مشحونة مع روسيا بشكل متزايد. قرار موسكو الأخير بالانسحاب من الاتفاق التاريخي بشأن التخلص من أطنان من البلوتونيوم المستخدم في صنع الأسلحة، إلى جانب تقارير بأن روسيا نشرت صواريخ ذات قدرة نووية جديدة في كالننغراد على بحر البلطيق، يؤكدان الطرق التي يلوي فيها بوتين قوة روسيا بطرق جديدة ولا يمكن التنبؤ بها في معظم الأحيان.
يقول المراقبون إنه سيتعين على خلف أوباما الاختيار بين نطاق من الخيارات غير السارة والمحفوفة بالمخاطر عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع روسيا المتمردة. موقف أكثر تصالحاً يهدف إلى عقد صفقة كبرى مع روسيا بالتركيز على أوكرانيا، يخفف التوترات في المدى القصير، لكن على حساب تعزيز موقف بوتين في نهاية المطاف. أما الخط الأكثر تشدداً، مثل الذي تدافع عنه هيلاري كلينتون، فيخاطر بالتصعيد مع احتمال حدوث مواجهة عسكرية في سوريا أو دول البلطيق.
في أعقاب فشل محاولة إدارة أوباما «إعادة ضبط» السياسة مع الكرملين، والتي توجت بعودة بوتين إلى الرئاسة في عام 2012، أصرت روسيا على نحو متزايد على ربط القضايا المختلفة، ورفضت التعاون حتى في مجالات ذات اهتمام مشترك في سبيل الضغط على واشنطن في نزاعات أخرى، على نقيض كيف كانت تسير الأمور في حقبة «الانفراج» في علاقات القوى العظمى في السبعينات.
وقالت موسكو بشأن اتفاق 2009 المتعلق بالتخلص من البلوتونيوم المستخدم في صنع الأسلحة، إنها سوف تنظر في إحياء الاتفاق فقط إذا حجمت الولايات المتحدة وجودها العسكري قرب حدود روسيا، ورفعت كل العقوبات ضد روسيا، ودفعت لموسكو تعويضات على الخسائر الاقتصادية الناجمة عن العقوبات.
وأفاد مسؤول في الإدارة الأميركية لفورين بوليسي إن التقارير بشأن نشر صواريخ إسكندر في جيب كاليننغراد في «البلطيق»: مثلت الحلقة الأخيرة ضمن سلسلة تصريحات وتحركات روسية كانت تثير الشكوك بشأن التزام روسيا بخفض المواد النووية الأكثر خطورة في العالم، وتقوض الدرب الطويل نحو نزع الأسلحة.
في السنوات الأخيرة، تبنت روسيا مبدأ أكثر تشدداً بشأن الأسلحة النووية، ففي أثناء الترشح للانتخابات في عام 2012، رفع بوتين دور الأسلحة النووية في مبدأ روسيا الاستراتيجي، مشيراً حتى إلى أنه يمكن أن تستخدم في حرب تقليدية. وبعد التوقيع على معاهدة ستارت الجديدة للحد من التسلح في 2010، رفضت روسيا مبادرات من أوباما للتفاوض على تخفيضات إضافية في الأسلحة النووية. وسوف تنتهي هذه الاتفاقية في 2021 ومن دون اتفاق جديد، فإن المكاسب التي تم جنيها من الحد من التسلح على مدى الـ25 عاماً الماضية ستتعرض للخطر.
ومن جهتها، انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية في عام 2002. واتهمت موسكو ناتو والولايات المتحدة بالتهور، مستشهدة بنشر المزيد من الدبابات الأميركية والجنود الأميركيين في دول «الناتو» على الحدود مع روسيا، واستخدام قاذفات «بي-2» في تدريبات قريبة من الحدود الروسية.
وفي ظل التدهور الحاد في العلاقات الأميركية الروسية، فإن إيجاد طريق جديد لتخفيف حدة التوتر المتصاعد بين البلدين سوف يترك للإدارة الأميركية المقبلة. وفي سوريا، نجح نشر أسراب من الطائرات المقاتلة والمدفعية الروسية في عام 2015 في تحويل مجرى الحرب لصالح نظام الأسد. وقد مكن التدخل الروسي من فرض جدول الأعمال في سوريا، مقلصاً نفوذ واشنطن، وواضعاً حداً للخيارات الأميركية العسكرية إلى حد كبير.
بعض التحديات الحالية تحمل أصداء السبعينات، لكن حينها كان للجانبين تفاهم مشترك يقيد منافستهما. بعد زوال الاتحاد السوفييتي، شعرت روسيا بأنها مهددة ومذلولة بتوسع «ناتو» والاتحاد الأوروبي إلى أوروبا الوسطى والشرقية. وقد أغضبتها التدخلات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في صربيا ولاحقاً في العراق، من دون تفويض كامل من مجلس الأمن.
يقول سميث: نستطيع رؤية التكتيكات التي يستخدمها بوتين، وكيف يدخل نفسه في الأزمات العالمية المختلفة، ولسنا متأكدين إلى أي مدى يريد أن يمضي في هذا الأمر.
تقرن موسكو خطابها النووي الأكثر حدة مع مناورات قواتها التقليدية. وقد أرسلت قاذفات نووية للتحليق بالقرب من حدود المجال الجوي لناتو والولايات المتحدة. وفي مارس 2015، قال السفير الروسي في كوبنهاغن إن سفن الدانمارك «سوف تستهدف من جانب الصواريخ النووية الروسية» إذا نصبت عليها رادارات متطورة.
وفيما تصور الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو روسيا باعتبارها لاعباً استفزازياً على المسرح الدولي، تتهم موسكو الولايات المتحدة بالتحريض على «انقلابات» في فنائها الخلفي .