كانون1/ديسمبر 19, 2024
الشريط

المناطق الآمنة والخيارات الاستراتيجية الاميركية

 

قرر الرئيس الاميركي باراك اوباما محاربة تنظيم الدولة الاسلامية باعتماد ما سماه "الاستراتيجية الشاملة Strategy Comprehensive". عمادها استخدام الضربات الجوية لاضعاف [*] التنظيم من ثم القضاء عليه؛ تدريب وتقديم المشورة، ومساعدة المعارضة المعتدلة بالتوازي مع استشراف امكانات الحلول السياسية؛ بالاضافة الى التعاون مع الحلفاء لمحاربة الارهاب وحرمانه من مصادر التمويل ومنع تدفق المتشددين الى منطقة الشرق الاوسط؛ مع استمرار تقديم المساعدات الانسانية لشعوب المنطقة.

بنت اميركا خياراتها على مقاربة إقليمية دولية من شأنها ان تؤدي الى عزل الصراع والى منع زعزعة الاستقرار الاقليمي. لذلك سعت الى تقييم خياراتها بحيث يؤدي استخدام القوة العسكرية الى تحقيق الحالة النهائية المرجوة. اذ تعي اميركا المخاطر – ليس فيما يتعلق بقواتها فقط، بل كون لديها مسؤوليات أخرى عالمية. ففي الوقت الحرج الذي تفقد فيه قواتها جاهزيتها القتالية بسبب التخفيضات في الميزانية وعدم اليقين المالي. ولعلمها بان بعض الخيارات غير قابلة للتحقيق، في الوقت أو التكلفة دون المساس او المساومة على أمنها في أماكن أخرى. وبمجرد المباشرة باجراء ما، يجب عليها أن تكون على استعداد تام لما قد يليه. ولذلك من الصعب بالنسبة لاميركا تجنب التورط الأعمق في سوريا في حال قررت تبني خيار إقامة المناطق الآمنة.

ان الصراع الحقيقي على مسرح العمليات السوري وان اتخذ بعدا جيواستراتيجيا على تخوم وداخل بلدة عين العرب، انما في الحقيقية تدور رحاه في كواليس الدبلوماسية العالمية ما بين اميركا وحلفائها داخل التحالف الدولي. فهي ترفض خيار اقامة منطقة آمنة على الحدود السورية التركية، في حين تشترط تركيا مدعومة من فرنسا تبني هذا الخيار كمنطلق اساسي لدعم جهود التحالف الدولي، والسماح باستخدام قاعدة انجلريك وتقديم المساعدة للحؤول دون سقوط كوباني، في حين تؤيد بريطانيا خيار الحل السياسي المتمثل بقيام حكومة للمعارضة على الاراضي السورية يتم الاعتراف بشرعيتها ويكون التدخل البري العسكري مستقبلا بناء لطلبها.

ويبدو ان التحالف استطاع اليوم بلورة توافق ضمني مع تركيا على الاستراتيجية القائمة مع بعض التعديلات الطفيفة لجهة تسريع نمط وزخم العمليات العسكرية انطلاقا من الاراضي التركية دون تدخلها مباشرة، بالتوازي مع تبني الحل السياسي الذي طرحته بريطانياـ فقد وافقت تركيا على امكانية استخدام قواعدها من قبل قوات التحالف الدولي كما وافقت على اقامة مخيمات لتدريب المعارضة المعتدلة واستضافة فريق تخطيط عسكري اميركي مشترك من القيادة الوسطى والقيادة الاوروبية لوضع مناهج التدريب. في مقابل ذلك تضمن الادارة الاميركية وحلف شمال الاطلسي امن تركيا ومصالحها القومية والاقتصادية. من جهته اعلن وزير الخارجية الاميركي جون كيري عن اسفه لامكانية سقوط كوباني لكن ذلك لن يبدل في خيارات اميركا الاستراتيجية. كما ابدى الجنرال مارتن ديمبسي خشيته من احتمال سقوط كوباني وما قد ينتج عن ذلك من مجازر، لكنه قال انه لم يطلب منه اقامة منطقة حظر جوي، لكن هذا الخيار ممكن، وانه يتوقع مستقبلا ان تكون هناك ظروف يمكن ان تقضي بان يكون هذا الخيار جزءا من الحملة العسكرية.

يرتكز رفض اميركا لخيار اقامة المناطق الامنة الى عدم رغبتها بتعديل استراتيجيتها المبنية على الاولويات التالية: اضعاف داعش، تمكين المعارضة المعتدلة، والتعامل لاحقا مع النظام السوري. اذ ان انشاء المناطق الامنة سيضطرها الى اعادة ترتيب هذه الافضليات ويضعها في المواجهة المباشرة مع النظام السوري وما يترتب عنه من مخاطر وتكلفة.

تستوجب إقامة المناطق الامنة استخدام القوة العسكرية لحماية مناطق جغرافية محددة عبر الحدود مع تركيا وتكون بمثابة مناطق آمنة لتوزيع المساعدات الإنسانية وتسمح بتنظيم المعارضة وتدريبها. لكن ستكون هناك حاجة في المقابل الى استخدام القوة العسكرية للدفاع عن هذه المناطق ضد الهجمات الجوية والبرية والصاروخية. وهذا يتطلب إنشاء منطقة حظر جوي. وستكون هناك حاجة الى الآلاف من القوات البرية لدعم أولئك الذين سيدافعون فعليا عن تلك المناطق. لذلك يحتم خيار انشاء المناطق الامنة قيام منطقة الحظر الجوي فوقها.

وبالتالي فإن إنشاء منطقة حظر جوي يضع اميركا في مواجهة مباشرة مع النظام السوري كونها ستضطر الى شل انظمة الدفاع الجوي المتطورة لديه واستخدام القوة العسكرية لمنعه من استخدام طائراته العسكرية للقصف الجوي ولاعادة التسليح. وباسقاط طائراته وضرب مطاراته، وضرب الطائرات الجاثمة على الأرض، والبنى التحتية الداعمة لها، والقضاء شبه التام على قدرة النظام على قصف معاقل المعارضة وإدامة قوات النظام عن طريق الجو. يتطلب ذلك مئات الطائرات المتمركزة برا وبحرا بالاضافة الى الدعم الاستخباراتي ودعم الحرب الالكترونية، والقدرة على اعادة التزود بالوقود والاتصالات. كما يحتم هذا الخيار تنفيذ ضربات جوية وصاروخية بواسطة مئات الطائرات والسفن والغواصات. كما تشمل مخاطر هذا الخيار احتمال فقدان الطائرات الأمريكية مما يتوجب زج عناصر قوات الاخلاء. تقدر الكلفة الاولية لهذا الخيار ب500 مليون دولار، حيث سيبلغ متوسط الكلفة مليار دولار شهريا وعلى مدار السنة.

تعلم اميركا مخاطر هذا الخيار الاستراتيجي كونه قد يفشل بالحد من العنف أو تحويل زخم المعركة لصالح داعش، كون المعارضة غير جاهزة اليوم للعب دور محوري في امتلاك زمام المبادرة وملء الفراغ الناجم عن احتمال انهيار النظام. فقد تعلمت اميركا خلال السنوات العشرة الماضية أنه لا يكفي ببساطة تغيير ميزان القوى العسكري، بدون اجراء مراجعة دقيقة لما هو ضروري للحفاظ على قدرات الدولة الفاعلة. لأنه في حال انهيار مؤسسات النظام مع غياب المعارضة القادرة على الحكم، فسيسمح ذلك بتعاظم قوة داعش عوض القضاء عليها وهذا الامر لا يمكن ان تسمح اميركا اليوم بحصوله.

العميد الركن الطيار المتقاعد اندره بومعشر
المدير التنفيذي "الأمن الوطني العربي"

Image
الامن الوطني العربي نافذة تطل على كل ما يتعلق بالعالم العربي من تطورات واحداث لها ارتباط مباشر بالمخاطر التي تتهددنا امنيا، ثقافيا، اجتماعيا واقتصاديا...

آخر خبر

تواصلوا معنا

لاعلاناتكم على موقع الامن الوطني العربي نرجو التواصل مع شركة كايلين ميديا الوكيل الحصري لموقعنا

 editor@nsaforum.com