تواصل تركيا وروسيا مساعيهما لإعادة تطبيع العلاقات الثنائية بشكل كامل وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، بعد سلسلة من الأزمات التي عصفت بهذه العلاقات، أو بعد أحداث كادت تهدد بانهيارها. وفي هذا الإطار، قام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بزيارة إلى موسكو، اليوم الجمعة، للمشاركة في الاجتماع السادس للمجلس الأعلى للتعاون بين روسيا وتركيا. وسيبحث مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، "الطيف الكامل لقضايا العلاقات الروسية التركية مع التركيز على الاستمرار في استعادة العلاقات التجارية الاقتصادية ذات المنفعة المتبادلة".
وتركز البحث حول تحقيق مشاريع مشتركة وبناء محطة "أك كويو" النووية، الأولى من نوعها في تركيا، على قائمة جدول أعمال اجتماع الرئيسين اللذين سيتبادلان الآراء أيضاً حول القضايا الإقليمية الملحة، وفي مقدمتها تسوية الأزمة السورية.
هذه هي المرة الأولى التي يشارك فيها أردوغان في اجتماع "المجلس الأعلى للتعاون" منذ الأزمة في العلاقات الروسية التركية الناجمة عن حادثة إسقاط مقاتلة "سوخوي-24" على الحدود السورية التركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015. ويراهن الأتراك على هذه الزيارة لإزالة كافة العقوبات الاقتصادية والتوصل إلى اتفاقات محددة في ما يتعلق بالقضية السورية، وبشأن الأعمال المشتركة في محيط مدينة الباب والتفاهم حول منبج وعملية تحرير الرقة.
وفي إطار الاتفاقات الثنائية، سيتم التوصل إلى تسهيل نظام تأشيرات الدخول إلى روسيا للمواطنين الأتراك من فئات معينة، كما سيتم رفع الحظر عن توريد بعض المنتجات التركية إلى روسيا". لكن هذه الخطوات، على أهميتها، تبقى محدودة إذا ما قورنت بملفات أخرى، من المستبعد حلحلتها.
على صعيد التعاون العسكري التقني من المستبعد تحقيق أي تقدم في ما يتعلق بتزويد تركيا بمنظومات صواريخ "إس-400" الروسية للدفاع الجوي، والتي تعتبر الأحدث في العالم. كما إن الطرفين ليسا مستعدين بعد لاتفاق كامل حول شروط توريد هذه المنظومات.
وثمة علامات استفهام بشأن العوامل التي ساعدت على الحد من تأثير أبرز حادثتين على العلاقات الروسية التركية؛ أولاً، اغتيال السفير الروسي لدى تركيا، أندريه كارلوف، في ديسمبر/كانون الأول 2016، وثانياً، مقتل عسكريين أتراك بغارة روسية على مدينة الباب في فبراير/شباط الماضي. ويدرك الجانبين أن هناك عناصر هدامة داخل جهات الدولة التركية لا تزال تعمل لصالح دول ثالثة، وخير دليل على ذلك محاولة الانقلاب في يوليو/تموز من العام الماضي". مع الإشارة إلى أن هناك "تحقيقا مشتركا في قضية اغتيال السفير الروسي"، وهو ما يعكس شفافية تركيا في تعاملها مع هذا الملف.
وحول مقتل العسكريين الأتراك، يعتبر المحلللون أن الحادثة جاءت نتيجة لسوء التنسيق بين الطرفين بالإضافة إلى أن التنسيق بين عسكريي البلدين ازداد منذ ذلك الحين، لتجنب تكرار حوادث كهذه.
ومنذ نهاية العام الماضي، تمكنت موسكو وأنقرة من وضع آلية للتعاون في سورية من خلال تأسيس لجنة مشتركة لمراقبة الهدنة، متجاوزتين بذلك خلافاتهما في الملف السوري ورؤيتيهما المتباعدة تجاه مستقبل هذا البلد. كما أن تركيا وروسيا أنجزتا عملاً دبلوماسياً كبيراً، نظراً لإدراكهما بأن الخلافات تضر بمصالح كلا البلدين. وإن عمل اللجنة المشتركة بدأ فعلياً، ولأول مرة كان هناك تنسيق في مدينة الباب. والمعلوم أن حادثة مقتل العسكريين الأتراك جاءت بنيران صديقة، ومثل هذه الفواجع تحدث، نظراً لعدم وجود إمكانية تحديد من هو موجود داخل المبنى (المستهدف) من ارتفاعات كبيرة.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تعمل موسكو وأنقرة على تنفيذ خطة لزيادة حجم التبادل التجاري بمقدار ثلاثة أضعاف، ليصل بالتالي إلى 100 مليار دولار. كا أن التعاون في مجال الطاقة يمثل هدفاً أساسياً بالنسبة للبلدين. مع العلم أن مشروع "السيل التركي" سيساعد تركيا في أن تصبح مركزاً إقليمياً لعبور الغاز، في حين ستتمكن روسيا من الحد من اعتمادها على أوكرانيا في نقل الغاز إلى تركيا (ثاني أكبر مشتر للغاز الروسي بعد ألمانيا) وأوروبا. ومن المنتظر أن يبدأ تحقيق المشروع بمد أنبوب قادر على تمرير 15.75 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، على أن يتم توزيع هذه الكمية في السوق الداخلي التركي، فيما سيتم إنشاء مجمع لنقل الغاز على الحدود التركية اليونانية لاحقاً.
كذلك، تؤكد المعطيات بأن العمل على إنشاء محطة "أك كويو" النووية مستمر بشكل طبيعي، وقد تبدأ ورشة بناء وحدتها الأولى في نهاية عام 2017، بحسب وكالة الأنباء الروسية "تاس".
وعلى الرغم من الأزمة غير المسبوقة في العلاقات بسبب حادثة إسقاط الطائرة الحربية الروسية، إلا أن اعتذار أردوغان عن الواقعة في الصيف الماضي أسفر عن بدء تطبيع العلاقات بشكل تدريجي. كما دفعت محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا نحو مزيد من التقارب بين موسكو وأنقرة، ليعقد بوتين وأردوغان بضع لقاءات منذ ذلك الحين. وتأتي زيارة أردوغان إلى روسيا هذه المرة وسط توترات جديدة بين تركيا وبلدان الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتها ألمانيا.