تستغل روسيا المعاهدة التي وقَّعتها العام 2016 مع رئيس النظام في سوريا بشار الأسد، والتي تقضي ببقاء القوات الروسية في قاعدة طرطوس على الساحل السوري مدة 49 عاماً، وتمنحها سلطات واسعة للتحكم في القاعدة كما ترغب، دون أن يكون للأسد صلاحية التدخل بعمل القاعدة.
مايكل بيك، الكاتب المتخصص في قضايا الدفاع والأمن القومي، أشار في مقال له نشره بمجلة “National Interest” الأميركية، إلى أن روسيا تجهز قاعدة طرطوس لجعلها قاعدة عسكرية لسفنها النووية، مشيراً أن ذلك يسبب القلق لإسرائيل على عملياتها البحرية.
ويتساءل الكاتب عن سبب تحصين قاعدة طرطوس وتجهيزها بهذا النوع من الأسلحة، مشيراً أن ما تقوم به القوات الروسية لا يمكن اعتباره نشاطاً لأحد يخطط لحزم حقائبه، لافتاً أن موسكو تتطلع إلى طرطوس من عدسة صراع محتمل مع قوى خارجية، ولا سيما أميركا وحلف الناتو.
نص المقال:
خلال السبعينات، أصبحت قاعدة طرطوس البحرية السورية ميناءً رئيسياً يخدم الأسطول الخامس للاتحاد السوفييتي في البحر المتوسط.
انتهى الاتحاد السوفييتي، وانتهت كذلك سوريا كدولةٍ مُوحَّدة. لكنَّ روسيا عادت، وهي تبني قاعدة طرطوس من جديد كقاعدةٍ بحريةٍ يمكنها استقبال أكبر السفن الحربية الروسية التي تعمل بالطاقة النووية.
وبالفعل، تقول إسرائيل إنَّ قاعدة طرطوس تؤثر على عملياتها البحرية. وقد يأتي الدور على عمليات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وبموجب المعاهدة التي وقَّعتها روسيا وسوريا العام الماضي، 2016، وتمتد لـ49 عاماً، فإنَّ: “الحد الأقصى لعدد السفن الحربية الروسية المسموح بها في المنشأة البحرية الروسية في المرة الواحدة هو 11 سفينة، مُتضمِّنةً السفن الحربية التي تعمل بالطاقة النووية، شريطة الحفاظ على قواعد الأمن البيئي والنووي”، حسب ما جاء في موقع أخبار “روسيا اليوم”. وسيُسمَح لروسيا أيضاً بتوسيع مرافق الميناء من أجل استيعاب السفن.
ويعني الشرط المتعلِّق بالسماح للسفن الحربية التي تعمل بالطاقة النووية باستخدام القاعدة، أنَّ روسيا ترغب في أن تكون قادرةً على إرساءِ سفن السطح الكبيرة الخاصة بها، أي الطرَّادات من طراز كيروف التي تعمل بالطاقة النووية، وكذلك غواصاتها النووية في القواعد البحرية بسوريا.
وبحسب “روسيا اليوم”، تتيح المعاهدة بالإضافة إلى ذلك: “السماح لروسيا بجلب وإخراج أي نوع من “الأسلحة، والذخائر، والمعدات، والتجهيزات” لتوفير الأمن للعاملين بالمنشأة، والطاقم، وعائلاتهم في مختلف أنحاء إقليم الجمهورية العربية السورية “دون أي رسوم أو ضرائب”.
ووفقاً لمصدر مجهول نقلت عنه وكالة “سبوتنيك” الروسية للأنباء، سيستغرق توسيع الميناء نحو 5 سنوات. وذكرت الوكالة: “أضاف المصدر أنَّ الأعمال ستُركِّز على عمليات التجريف من أجل السماح للطرَّادات، وربما حتى حاملات الطائرات، باستخدام البنية التحتية للمنشأة. وبحسب المصدر، تحتاج روسيا أيضاً إلى تطوير البنية التحتية الأرضية للمنشأة، من خلال بناء صرف صحي، ومحطات توليد كهرباء، وثكنات للجنود”.
واستعرضت وكالة سبوتنيك كذلك أحكاماً أخرى وردت في المعاهدة. وتتضمَّن:
- ستكون روسيا مسؤولة عن الأمن الجوي والبحري للقاعدة، في حين تتولى سوريا مسؤولية الدفاعات الأرضية.
- يمكن لروسيا نشر “نقاط عسكرية أمامية متنقلة مؤقتة” خارج القاعدة، طالما سيجري التنسيق مع السوريين.
- يمكن لروسيا أن تُجدِّد وتُصلِح القاعدة وفق رغبتها، بما في ذلك المنشأة الموجودة تحت الماء، وأن تبني منصَّات بحرية.
- وسترسل روسيا، بناءً على طلبٍ سوري، خبراء لخدمة السفن الحربية السورية، وإجراء عمليات البحث والإنقاذ في المياه السورية، وتنظيم الدفاع في طرطوس.
- توافق سوريا على “عدم تقديم أي اعتراضات تتعلَّق بالأنشطة العسكرية للقاعدة، والتي ستكون خارج نطاق ولاية دمشق”.
- “تتعهَّد سوريا أيضاً بتسوية أي نزاعات قد تُثَار إذا ما اعترض طرفٌ ثالث على أنشطة القاعدة”.
وتُعَد اتفاقية طرطوس مهمة على عدة مستويات. ففي البداية، يشير الذكر الصريح لتقديم خدمات قاعدة طرطوس إلى السفن التي تعمل بالطاقة النووية إلى أنَّ روسيا ربما تُشغِّل أكبر سفنها في شرق المتوسط، مثل الطرَّاد النووي بطرس الأكبر. وعلى الأقل، يشير إلى أنَّ الغواصات النوية قد ترسو في طرطوس.
وتُوحي إمكانية نشر روسيا لنقاطٍ عسكريةٍ أمامية خارج القاعدة إلى أنَّ روسيا ستنتهج نظرةً شاملة للدفاع عن طرطوس ضد هجمات المعارضة. وستكون روسيا أيضاً مسؤولة عن الأمن البحري والجوي في طرطوس. وطالما أنَّ المعارضة السورية لا تمتلك قوةً جوية أو بحرية، بينما من يمتلك تلك القوى هم الأميركيون والإسرائيليون، فإنَّ ذلك يشير إلى أنَّ موسكو تتطلَّع إلى طرطوس من خلال عدسة صراعٍ محتمل مع قوى خارجية.
ومع ذلك، تحتوي المعاهدة أيضاً على حكمين متناقضين. فمن ناحية، تمنع المعاهدة سوريا من الاعتراض على الأنشطة العسكرية الروسية في القاعدة، وهي الأنشطة التي لن تكون ضمن نطاق الولاية القضائية السورية. وبالتالي، في حال قرَّرت السفن وحاملة الطائرات الروسية في أي وقتٍ من الأوقات أن تتحرَّش بقوات الناتو أو القوات الإسرائيلية في البحر المتوسط، تماماً كما فعلت روسيا في البحر الأسود، فإنَّ سوريا لن يكون بمقدورها إيقاف روسيا.
ومن الناحية الأخرى، تلتزم سوريا بـ”تسوية أي نزاعات” إذا اعترض “طرفٌ ثالث” على الأنشطة في قاعدة طرطوس. وإذا كان ذلك يعني أنَّ الولايات المتحدة أو إسرائيل تشكوان، فإنَّه يجب على سوريا إذن أن تُسوِّي المشكلة، حتى رغم أن القاعدة أو العمليات التي تُجرى من هناك ليست ضمن نطاق سلطتها.
وعلى أي حال، فهمت إسرائيل الرسالة. إذ قال العميد درور فريدمان، رئيس أركان سلاح البحرية الإسرائيلية، لصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية: “لقد كانت هناك حالات قيَّمنا فيها الوضع وغيَّرنا أو اخترنا ألّا نُنفِّذ عمليات”.
وأضاف: “ترى أنشطتهم في الميدان وتراهم يرسون أُسُساً لهم، وترى أنشطتهم في ميناء طرطوس وتفهم أنَّ هذا ليس نشاطَ أحدٍ يُخطِّط لحزمِ حقائبه والرحيل في صباح الغد”.