بُسطت سجادة حمراء على مدرج الطائرات في مطار موسكو، حيث هبطت طائرة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، إلا أنه ليس من المتوقع أن تلقى مطالباته بوقف الدعم الروسي لبشار الأسد في سوريا الترحيب نفسه.
وعلى الرغم من أن قرار وزير الخارجية الأميركي بعدم حضور قمة الناتو وزيارة موسكو بدلاً من ذلك، أبرز رغبة الولايات المتحدة في تحسين العلاقات مع روسيا، إلا أن الهجوم الصاروخي على القاعدة الجوية السورية الأسبوع الماضي -الذي أمر به دونالد ترامب- خيب تلك التوقعات، بعدما ندد الكرملين بالضربة الأميركية، بحسب ما ذكرت صحيفة “الغارديان” البريطانية.
انقضت الأيام التي تحدث فيها الساسة الروس عن تعزيز العلاقات، والتي روج فيها التلفزيون الرسمي لترامب باعتباره “رجلاً حقيقياً”.
مع بدء تيلرسون اجتماعاته، الأربعاء 12 أبريل/نيسان 2017، لم يكن السؤال القائم هو إمكانية الوصول إلى اتفاق بشأن سوريا، بل إن كان بإمكانه بدء المباحثات. بدأ اجتماع تيلرسون الأول مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، في قمة مجموعة العشرين في ألمانيا في فبراير/شباط الماضي، باختلاف ظاهر حول وجود الصحفيين. وبدت علاقتهما أكثر برودة، مقارنة بالعلاقة بين لافروف ووزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري.
وصرح ديميتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم بوتين، الثلاثاء 11 أبريل/نيسان 2017، أن جدول فلاديمير بوتين لا يضم اجتماعاً مع تيلرسون في الوقت الحالي، كما قالت السفارة الأميركية إنه لا معلومات لديها بشأن اجتماع محتمل.
بينما يرى المحللون الروس أن بوتين ربما يقابل تيلرسون إن أسفرت مباحثاته مع لافروف عن نتائج مثمرة وودية.
وقال أليكسي ماكاركين، المحلل السياسي: “إن استمرّا على اختلافهما التام، وتحدثا فقط حول الإنذار الذي تقدمه أميركا والرفض الروسي، فالاجتماع مع بوتين سيكون دون جدوى”.
لم يكن المزاج العام السابق للزيارة مشجعاً. ففي ضوء الهجوم الكيميائي الذي أسفر عن مقتل ما يزيد على 17 شخصاً في سوريا الأسبوع الماضي، قال تيلرسون إن روسيا “فشلت في الوفاء” بالوعد الذي قطعته في 2013 بتدمير أسلحة الأسد الكيميائية، مضيفاً أن واشنطن لا ترى دوراً مستقبلياً للأسد كزعيم للبلاد، وهو موقف أكثر قسوة تجاه الأسد عما اتُّخذ من قبل.
ضاعف بوتين دعمه للأسد، رداً على ذلك، مُشبهاً اتهامات الغرب للنظام بمسؤوليته عن الهجوم الكيميائي، بالتأكيدات الخاطئة على امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل قبل الغزو الأميركي للعراق في 2003. ودعا الأمم المتحدة للتحقيق في الهجوم، زاعماً أن هناك قوات عدائية “تخطط لزرع بعض المواد مرة أخرى واتهام السلطات السورية باستخدام الأسلحة الكيميائية”.
أما الرد الأقسى فجاء من وزارة الدفاع الروسية، التي تعهدت بتعزيز إمكانات سوريا المضادة للطائرات. كما أعلن برنامج على إحدى قنوات التلفزيون الروسي أن السبيل الوحيد لإيقاف ترامب في سوريا هو “استعراض القوة”.
وفي تحرك آخر من المحتمل أن يزيد من استفزاز روسيا، صدَّق ترامب على انضمام الجبل الأسود للناتو، وهو التحالف الذي ترى فيه موسكو التهديد الأكبر.
إلا أن هذه الضغائن تحمل في طياتها احتمالية لحوار جديد، خاصة مع تحذير أميركا لروسيا قبل إطلاق الضربات الصاروخية يوم الخميس، بالإضافة إلى عودة القاعدة الجوية للعمل مرة أخرى في اليوم التالي، حسبما أفادت التقارير.
قال المحلل فيودور لوكيانوف، إن الهجمات منحت الولايات المتحدة موقفاً أكثر قوة للتفاوض حول سوريا، كما مهدت الطريق لمباحثات “غير أحادية الجانب”. وأضاف ألكساندر بونوف من مركز كارنيجي موسكو، أن “التوقعات الواقعية” حلت محل “مبالغات العلاقات الجيدة” قبل الاجتماع.
وتابع أيضاً: “كان الطرفان يتعاملان وكأنهما مدينان لبعضهما البعض. الآن لا يتصرف أحد وكأنه مدين للآخر”.
وفي إشارة لاحتمالية رغبة روسيا في التفاوض، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، ماريا زاكاروفا، إن بيان تيلرسون لم يكن تحذيراً، بل محض “استعداد للمباحثات”. بينما صرَّح بيوتر تولستوي، نائب رئيس البرلمان، لوكالة إنترفاكس الإخبارية أنه ليس من المتوقع أن تسفر المفاوضات عن إنجاز عظيم، وأضاف أن مضي الجميع قدماً هو علامة جيدة، مشيراً إلى أنه “كان من الممكن ألا يحدث هذا مطلقاً”.
وحذر من أن محاولات فرض المزيد من العقوبات على روسيا “لن تسفر عن شيء”. إلا أن هذا التهديد انتهى يوم الثلاثاء، حين رفضت قمة دول السبع الكبار المنعقدة في إيطاليا، دعم الطلب البريطاني بفرض عقوبات جديدة، وهو ما مثل انتصاراً صغيراً لروسيا.
لم يعد الاتفاق حول مستقبل الأسد مطروحاً على طاولة المباحثات، الأربعاء 12 أبريل/نيسان 2017، أو الشراكة بين الشرق والغرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، والتي تحدث عنها ترامب وبوتين في الماضي.
وقال باونوف إن بطاقة المفاوضات الرئيسية التي تستخدمها موسكو –وهي مساعدة القوات الروسية والسورية في قتال داعش- لم تعد جيدة بما يكفي، بعدما أصبح “الجيش السوري خصماً عسكرياً” للولايات المتحدة.
إلا أن الوصول إلى اتفاق أكثر وضوحاً حول كيفية تفادي الحوادث التي قد تتطور إلى مواجهات مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا يبقى احتمالاً، إن لم يكن ضرورة. عقب الهجمات الصاروخية، أعلنت روسيا إلغاء اتفاقية التنسيق التي تجمع بينها وبين الولايات المتحدة منذ عام 2015.
إلا أنه بحلول الجمعة، قال مسؤولون أميركيون إن الخط الساخن بين القوات الروسية والأميركية، والمصمم لتفادي الحوادث الجوية بين المقاتلات الروسية ومقاتلات قوات التحالف، ما زال يعمل. بينما أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قطع قناة الاتصالات المقصودة، سيتم بحلول منتصف ليل السبت 8 أبريل/نيسان 2017.
بالإضافة إلى الحملة الجوية، تمتلك روسيا الكثير من المستشارين العسكريين في سوريا، من ضمنهم اثنان قُتلا في هجوم بقذائف الهاون الثلاثاء، لذا فإن استمرار الهجمات الأميركية على المواقع الحكومية السورية، سيعرض القوات الروسية للخطر.
وقال ماكاركين: “هناك فرصة للاتفاق على القضايا التقنية المتعلقة بفصل القوات وعدم الاشتباك. أما على صعيد القضايا العالمية، وموقف الأسد، فإن مواقفهما شديدة التعارض”.
تبقى استراتيجية ترامب المستقبلية في سوريا مبهمة، وهو ما يمكن أن يسفر عن المزيد من تعقيد المباحثات مع روسيا، إلا أن باونوف وماكاركين توقعا تشبث تيلرسون بموقفه المتشدد فيما يخص تورط روسيا في البلاد.
ويرى ماكاركين أنه في حالة فشل وزير الخارجية الجديد في إظهار صبر كيري على مواصلة الحوار، و”البحث عن أصغر فرص التوافق” مع روسيا، فقد يتسبب خطابه القاسي في تبعات سلبية، متابعاً: “التحذيرات لن تجدي، إلا في جعل روسيا والأسد أكثر قرباً”.