تعرضت قرية القاع البقاعية اللبنانية، ومراكز العبادة الموجودة فيها لعدة هجمات إرهابية، حيث قام ثمانية انتحاريين بتفجير أنفسهم في البلدة وعلى مداخل كنائسها.
وتعتبر بلدة القاع الواقعة على بعد خمسة كيلومترات عن الحدود اللبانية السورية ممرا إلزاميا للوصول إلى القرى والبلدات البقاعية الجنوبية.
حملت هذه التفجيرات الكثير من التساؤلات حول أهداف المجزرة وأبعادها، فالعديد من متابعي شؤون الإرهاب وجدوا في عمليات تفجير القاع ما هو غريب ومختلف عن باقي العمليات الأخرى التي نفذها تنظيم داعش منذ نشأته، ورجحوا أن يكون هدف هذه التفجيرات إثارة النعرات الطائفية بهدف شرعنة صراع الأقليات في المنطقة.
لكن على ما يبدو لم تكن القاع الهدف النهائي لهذه الهجمات الارهابية، حيث يهدف الانتحاريون في العادة إلى حصد أكبر عدد من الضحايا أو استهداف نقطة معينة مكتظة بالمدنيين، وهما أمران لا ينطبقان على العمليات الارهابية في القاع، وترجح المعطيات أن عشوائية التفجيرات سببها فقدان الإرهابيين لعنصر المفاجأة بعد كشفهم ومحاصرتهم مما حال دون بلوغهم هدفهم النهائي.
وقد أكدت مصادر عسكرية بإنّ “التحقيقات في تفجيرات القاع قطعت شوطاً مهماً، وهناك اعترافات وموقوفون وخيوط ومعطيات شديدة الأهمية في يد مخابرات الجيش، بالتوازي مع معلومات موثوقة على لسان مصادر أمنية بأنّ مخابرات الجيش قد تمكنت نهاية الاسبوع الماضي من إحباط مخطط ضخم لعمل إرهابي مزدوج، كان سيستهدف مرفقاً سياحياً مهماً في إحدى ضواحي بيروت الشرقية، وتوقيف شخصين على صِلة به.
هذا فيما يتعلق بالمضمون، أما من ناحية الشكل فقد ترافقت مع تفجيرات القاع عدة مؤشرات ودلائل أثارت الريبة ودعت إلى التساؤل إن كنا نواجه نشأة فصيل إرهابي جديد أم أنها مجرد أساليب جديدة، وبالرغم من أن مصادر التحقيق أكدت أنّ هويات الانتحاريين باتت معروفة بالكامل لدى مخابرات الجيش وكل الدلائل ترجّح انتماء الإرهابيين إلى تنظيم داعش، إلا أن المستغرب في الامر أنه لغاية تاريخه لم تقم أي جهة بتبنّي التفجيرات، مع العلم أن التنظيمات الإرهابية وخاصة تنظيم داعش كان يسارع إلى تبني العمليات الإرهابية التي ينفذها فور حدوثها، ومن المعروف أيضا أن ارهابيي جبهة النصرة وداعش يعدون أحزمة ناسفة بحرفية عالية وهم يرتدونها على الخصر طوال الوقت في حال تم القبض عليهم. لكن اللافت في تفجيرات القاع أن الانتحاريين حملوا المتفجرات في شنطة على الظهر، فيما كانت العبوات التي حملوها على ظهرهم لا تتجاوز 2 كيلوغرام من الـ"تي ان تي" معجونة بالكرات الحديدية لزيادة التأثير.
كما أن الشهادة المنقوصة للانتحاريين تعزز فرضية الشبهة حول هذه التفجيرات، حيث يعمد الانتحاريون الذين يدّعون أن جرائمهم هي في سبيل نصرة الدين إلى النطق بالشهادة قبل تفجير أنفسهم، ولكن في تفجيرات القاع ووفقا لإفادة شهود عيان لم يقم أي من الانتحاريين بالنطق بالشهادة قبل تفجير نفسه.
الأمر الوحيد الثابت والداعي للقلق في هذه التفجيرات هو الفئة العمرية لهؤلاء الانتحاريين، ويبدو أن المراهقين هم الانتحاريون الجدد للتنظيمات الإرهابية، فقد وقع الخيار لتنفيذ هذه الهجمات الإرهابية على عدد من الانتحاريين الذين تتراوح عمارهم بين 15 عاماً و19 عاماً. والخطورة في الموضوع ان استخدام هذه الفئة العمرية لا يسمح بالشك بأن يكون مراهق يبلغ من العمر 16 سنة هو إرهابي محتمل ويستوجب الامر توقيفه والتحقيق معه.
ومن جهة أخرى يطرح هذا الموضوع تنامي قدرة التنظيمات الإرهابية على تطويع المراهقين والأساليب المعتمدة لذلك من خلال الألعاب الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، ولعل أشنع هذه الجرائم ما شهده حي الحمراء في مدينة الرياض حيث أقدم شابين توأمين في عمر 18 عاما على طعن والديهما حتى الموت عندما منعاهما من الالتحاق بصفوف تنظيم داعش في سوريا.
جريمة حي الحمراء المروعة تكشف زيف الادعاء الديني لهؤلاء التنظيمات الإرهابية. فإذا كان بر الوالدين من شرع الله فكيف تبرر هذه التنظيمات الإرهابية مخالفة جوهر الإسلام وقيمه.
كيف نمنع أطفالنا من الالتحاق بصفوف المنظمات الإرهابية؟ هو السؤال الوحيد المشروع الذي ينبغي أن توجه جهود المعنيين للإجابة عليه، وهذه الجهود لا تنحصر بالاستخدام العسكري لمحاربة الإرهاب، فالمسؤولية تبدأ من الأسرة وصولا إلى سلطة الحاكم مرورا بالمؤسسات الدينة والمؤسسات التعليمية والاجتماعية.
الصراع الفكري والعقائدي مع التنظيمات الإرهابية قد يمتد إلى أجيال قادمة فهل نحن محصنون اليوم لمواجهتها غدا؟