الشريط
الحملة التي تقودها الولايات المتحدة للقضاء على تنظيم داعش ما تزال بعيدة عن تحقيق أهدافها النهائية المرجوة، وذلك لافتقارها إلى أبسط قواعد الترابط الاستراتيجي ما بين الوسائل والأساليب والاهداف.
ولأول مرة يعلن تنظيم داعش الإرهابى، عن هيكلة ولايات دولته المزعومة في العالم، والتي كشف فيها عن أماكن وجود عناصره الذين ينفذون أوامره وعملياته الإرهابية حول العالم.
حيث زعم التنظيم الدموي، من خلال نشر إصدار مرئي، بعنوان "صرح الخلافة"، وجود 35 ولاية داعشية له حول العالم، منها 19 ولاية في العراق والشام، و 16 ولاية توزعت بين السعودية ومصر واليمن والجزائر وأفغانستان وعدد من الدول الأفريقية.
ويُظهر الفيديو شرحاً مفصلاً لهيكلية التنظيم الإرهابي، وأدوار المسؤولين فيها، إضافة إلى دور الولايات، والدواوين، والهيئات المتوزعة في دول عدة، موضحاً أن "هذه الولايات هي بغداد، الأنبار، صلاح الدين، الفلوجة، ديالى، شمال بغداد، الجنوب، نينوى، كركوك، دجلة، الجزيرة، البركة، الخير، الرقة، دمشق، حلب، حمص، حماة، الفرات".
وعن الولايات خارج سوريا والعراق ذكر داعش أنها "نجد، الحجاز، سيناء، برقة، طرابلس، فزان، الجزائر، غرب أفريقيا، اللواء الأخضر، خراسان، القوقاز، عدن، أبين، شبوة، حضرموت، صنعاء، البيضاء"، منوهاً إلى أهمية مجلس الشورى أو اللجنة المفوضة، والتي تقوم بعمل أمير التنظيم في الكثير من الأحيان.
جاء هذا الإعلان بعد قيام واشنطن بنشر تقرير حول الإنجازات التي حققتها حملة التحالف الدولي لمحاربة داعش وتطورها، وكان أبرز ما جاء فيه: " أن جهود التحالف الدولي بدأت تثمر، فقد خسر تنظيم داعش مساحات شاسعة كان يسيطر عليها. وعديد مقاتليه يبلغ اليوم حوالي 18 إلى 20 ألف مقاتل بين سوريا والعراق وحوالي 5 الى 8 ألاف مقاتل في ليبيا، وذلك في مقابل حوالي 40 ألف مقاتل أجنبي سبق والتحقوا بتنظيم داعش في سوريا خلال السنوات الخمس الماضية."
وأُرفق التقرير بخارطة تبين الانتشارالحالي لداعش في سوريا والعراق، حيث بينت الخارطة أن حرية حركة داعش قد تقلصت أكثر من 30 الى 35 % من مساحة الأراضي التي كان يحتلها. وتُظهر الخريطة أيضا اجمالي المناطق التي خسرها داعش والتي تقدر ب 26 الى 27 الف كلم وتوازي هذه المساحة حوالي 47 % من المساحة التي كان يسيطر عليها التنظيم في العراق، كما تظهر أيضاً أن التنظيم خسر حوالي 9 الاف كلم في سوريا ما يوازي 20 % من المساحة التي كان يسيطر عليها .
ترتكز الولايات المتحدة في استراتيجيتها لمحاربة داعش على الحيز الجغرافي المادي للصراع، وتأتي في مقدمتها تجفيف منابع تمويل التنظيم، تصفية قادته، وتقليص رقعة انتشاره أينما استطاعت، وأخيرا تقديم الدعم العسكري للدول الحليفة التي تخوض صراعات مع داعش.
في الحيز الجغرافي للصراع اعترفت الولايات المتحدة أن تنظيم داعش لا زال يمتلك القدرة وحرية المناورة على شن هجمات في المناطق التي لا يسيطر عليها. مما يعني أن خسارة المناطق الجغرافية لن يقضي على قدرة داعش على شن عملياته الإرهابية.
وفي موضوع تجفيف منابع التمويل يتبين من التحقيقيات في الهجمات الإرهابية التي شنها التنظيم أنها شملت أطفال ومراهقين تراوحت أعمارهم ما بين 15 و20 سنة، وهولاء الانتحاريين لم يتم تجنيدهم بناء على الاغراءات المادية ولا العبوات التي استخدموها تظهر أن المواد المتفجرة المستخدمة هي ذات تكلفة عالية او صعبة المنال.
وفي موضوع تصفية قادة التنظيم، وطوال عقد من الزمن عمدت الولايات المتحدة إلى تصفية العديد من قادة تنظيم القاعدة وتنظيم داعش إلا أن ذلك لم يفقد التنظيم حرية حركته واستمرار منظومة القيادة والسيطرة فيه.
وعلى الرغم من اعلان داعش عن هيكلية دولته المزعومة، إلا أن الغالب في أسلوب عمل مثل هذه التنظيمات يرتبط بأقصى درجات اللامركزية في تحقيق القيادة والسيطرة. وان الاعلان الذي عممه التنظيم يرتبط حصرا بمكان تواجد عناصر تابعة له. وفي الحقيقة فان عناصر التنظيم تشمل الذئاب المنفردة، الخلايا النائمة، الفصائل التي تعلن ولائها للتنظيم دون أن يكون هناك أي رابط قيادي سابق بينهما، واخيرا الفصائل المنتظمة ضمن قيادات محددة. وجميع هذه المجموعات قادرة على التكيف والتاقلم بسرعة عند اغتيال قادتها دون ان يؤدي ذلك الى انهيارها او تضعضعها.
وفي تقديم الدعم العسكري للحلفاء المنخرطين في محاربة داعش، فقد أظهرت معركة تحرير الفلوجة أن الحملة نجحت في طرد التنظيم منها لكنها أفضت إلى نقمة عارمة وإلى تأجيج الصراع الطائفي في العراق.
وفي سوريا لا زالت قوى المعارضة المعتدلة التي تدعمها الولايات المتحدة تتعرض للهزائم المتتالية على يد التنظيم من جهة وعلى يد روسيا والنظام من جهة أخرى. ومعركة البوكمال هي اخر نموذج عن تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها في اللحظات الحرجة. حتى ان اقرب حلفاء الولايات المتحدة بداؤا يشكون في جدية الولايات المتحدة في القضاء على التنظيم. فهي رفضت مبدأ إقامة مناطق آمنة في شمال سوريا. كما عارضت وبشدة مبدآ التدخل العسكري البري العربي في سوريا. وأخيرا وفي خطوة مبهمة أعلنت عن رفعها لمستوى التنسيق العسكري مع روسيا في سوريا.
وفي حين تركز الولايات المتحدة على المسرح العملياتي الجغرافي المادي، يخوض التنظيم صولاته وجولاته على المسرح العملياتي الافتراضي، ويبدو أن كلا الطرفين يخوضان حربهما على مسارح عملياتية مختلفة لا تتقاطع.
وإلى حين قيام الولايات المتحدة بمراجعة شاملة لاستراتيجيتها لمحاربة تنظيم داعش، سيبقى التنظيم قادراً على تجنيد المغرر بهم عبر وسائله الإعلامية الدعائية العقائدية التضليلية، وسنشهد المزيد من الجرائم الإرهابية بسبب قدرة التنظيم على تطويع المزيد من المغرر بهم في لحظات، بينما ستاخذنا استراتيجية الولايات المتحدة سنوات للقضاء عليهم هذا إذا لم يقوموا بتفجير أنفسهم قبل تمكنها من القضاء عليهم.
ولطالما ان الولايات المتحدة لم تعترف حتى اليوم كإدارة رسمية بان حربها على العراق وقرارها بحل الجيش العراقي هو السبب الرئيسي امام نشأت تنظيم داعش، فانها لن تتمكن من ادراك اساليب القضاء عليه.