الشريط
تمكنت منظومة الذكاء الاصطناعي الفا ALPHA من القضاء على طيار قتال جوي في تمارين محاكاة قتال جوي متقارب بواسطة حاسوب لا تتجاوز قيمته 500 دولار أميركي. كما استطاعت منظومة الفا التغلب على منظومة الذكاء الاصطناعي المعتمدة من قبل مختبر ابحاث القوات الجوية الأميركية.
منظومة الذكاء الاصطناعي الفا تم تطويرها من قبل احد خريجي الدكتورا في جامعة سينسناتي نيقولا ارنست، وتم تقييمها من قبل طيار قتال جوي أميركي العقيد جيني لي ذات خبرة في القتال الجوي والتدريب وإدارة القتال الجوي المتقارب.
وبعد انتهاء المواجهة الجوية الافتراضية قال لي :" انها منظومة الذكاء الاصطناعي الأكثر عدوانية واستجابة وديناميكية وذات موثوقية التي شاهدتها في حياتي"
وقال لي انني متفاجئ من درجة الوعي وسرعة الاستجابة التي امتلكتها هذه المنظومة فقد بدا لي ان "الفا" كانت مدركة لنواياي واستطاعت التعامل بسرعة مع التغييرات في مؤشرات الطيران التي كنت أقوم بها ومؤشرات نشري لمنظوماتي الصاروخية. واستطاعت ان تتعامل مع الصواريخ التي اطلقتها وتمكنت من المناورة بشكل مستمر ما بين الحالات الدفاعية والحالات الهجومية.
وأضاف لي ان أي طيار مقاتل جوي ذو خبرة يمكنه التغلب اليوم على أي منظومة ذكاء اصطناعي كونه لا توجد اليوم منظومة يمكنها التعامل مع الضغط الحقيقي ونمط الاعمال القتالية.
"المنظومة لم تصمم لاستبدال طياري القتال الجوي" وفقا لنيقولاس ارنست، "وهذه المنظومة يمكنها ان تكون منظومة رقمية مساعدة. اذ يمكنها ان توفر النصيحة الانية للطيارين، او ممكن تكليفها قيادة طائرة بدون طيار او ان تكون الطيار المساعد (Wingman ) ضمن رف جوي بقيادة طيارين حقيقيين."
"لا يمكن لالفا ان تقوم بكل ما يقوم به الطيار الحقيقي" يقول ارنست " لكن يمكنها المساعدة على تحليل البيانات الضخمة التي تلتقطها مختلف الحساسات في طائرات الجيل الحديث. كما انها ليست مصممة لتنفيذ القتال الجوي المتقارب (Dogfight) او ان تحل محل عيني الطيار للنظر خارج قمرة القيادة. انها بالحقيقة تنظر الى البيانات التي ترد من الحساسات وأجهزة الطائرة وتحللها وتقول لك ما اذا كان موقفك الجوي في لحظة ما يمنحك تفوقا تكتيا وما يجب ان تكون عليه ردة فعلك"
تعتمد منظومة الفا على خوارزميات المنطق المبهم “Fuzzy Logic Algorithm” وتم تطويرها من قبل شركة بسيبيرنيتيكس Psibernetix, Inc التي يملكها مبتكر النظرية نيقولا ارنست. وقد بلغت كلفة تطوير هذه المنظومة حوالي 200 الف دولار أميركي وقد شارك مركز أبحاث القوات الجوية الأميركية بجزء من هذا التمويل.
ووفقا لهذا المفهوم فان الحواسيب تمتلك تفوقا ملحوظا. فمثلا تقوم غوغل وفايسبوك بتحليل البيانات المرتبطة بتفاعلنا الاجتماعي وتقوم بالنهاية باتخاذ القرار في عرض الدعايات الملائمة لهذا التفاعل. هكذا تقوم الفا بتحليل بيانات الطائرة وتقوم باتخاذ القرار المناسب في اللحظة الحرجة وتحدد كيفية الرد.
تختلف منظومة الفا الذكية عن منظومات غوغل وفايسبوك ومايكروسوفت اذ تستخدم الأخيرة مفهوم "عصب الشبكات Neural Networking " والتي تستوحي الإجابة من فكر الانسان. الفا تستخدم مقاربة مختلفة تدعى "المنطق المبهم Fuzzy Logic " والتي تهتم بشكل خاص " بالنماذج الحسابية Mathematical Rules" ويفسر ارنست هذه بالمقاربة على انها تقوم بوظيفة تقدير ما يفكر به الانسان عوضا عن القيام بوظيفة الدماغ نفسه.
"المنطق المبهم" مستخدم على نطاق واسع ومنذ عقود في تطبيقات التحكم الصناعي. لكن التطبيقات السابقة كان ينقصها خاصية مقارنة القياس.(Scalability). . تتميز تطبيقات المنطق المبهم بقدرتها على التنبؤ باستخدام مدخلات Inputs بسيطة لكن مع زيادة عدد هذه المدخلات تصبح المنظومة اكثر تعقيدا ليتم استخدامها على الحواسيب العادية.
وعلى العكس فان الفا قادرة على التعامل مع المئات من المدخلات من خلال استخدام "شجرة المنطق المبهم الجيني “Genetic Fuzzy Trees " والتي طورها ارنست في جامعة سينسناتي . وتقوم هذه المقاربة على تقسيم المشاكل الكبيرة الى مشاكل اقل حجما مع المحافظة على العلاقة الجينية بين مختلف المدخلات. وسمحت هذه المقاربة بإمكانية استخدام منظومة الفا على الحواسيب التجارية او الهواتف الذكية.
وفي حالة القتال الجوي تقوم الفا بتجزئة التحديات الكبيرة الى اقسام فرعية اقل حجما لاتخاذ القرار مثل: التكتيك ذات المستوى العالي، اطلاق النيران، الهروب من وجه العدو، الحالة الدفاعية، الحالة الهجومية....
وقد طور مبتكروا المنظومة خورازميات مبنية على برمجة لغوية مرتبطة بسيناريوهات وقواعد اذا / اذن IF/THEN والتي يمكنها ان تتضمن تحليل الالاف من المتغيرات. وهذه المقاربة اللغوية للبرجمة هي اقل تعقيدا من البرمجيات الحسابية ويمكن تقييمها والتحقق من جودتها.
وتبرز أهمية هذه المقاربة اللغوية للبرمجة في سهولة تعديلها وتطويرها وفقا للسيناريوهات المحتملة، ومن خلال زيادة مضمنات مستقلة Plugins. على سبيل المثال عمل ارنست على مضمن " نصيحة المناورة والتكتية Tactical and Maneuverability Advice " تمت اضافته على منظومة الفا. وبعض الأمثلة التي يشملها هذا التضمين، سلسلة من المفاهيم المحددة مثلا قريب مقابل بعيد بالنظر الى المسافة عن الهدف، والقواعد اذا / اذن المرتبطة بهذه المفاهيم المحددة، بالإضافة الى مدخلات القواعد الأخرى او المميزات المرتبطة بها.
ويقول ارنست انه لغاية تاريخه تم تدريب الفا في العالم الافتراضي وبدأ النظام بمحاربة نفسه في أجهزة محاكاة الطيران. ومن هناك تطورت التجارب لتنفيذ مجابهة مع المنظومة الذكية المعتمدة من قبل مركز أبحاث القوات الجوية الأميركية. وانتهى المطاف بمواجهة مدرب القتال الجوي العقيد الطيار جيني لي في عالم افتراضي. ووفقا لارنست من المتوقع ان ينتهي الامر باستخدام منظومة الفا على المنصات الجوية الحقيقية.
ومن السهل جدا لمنظومة الفا ان تكون في وضعية المنظومة المساندة لقائد السرب الجوي وفي وضعية الطيار المساعد ضمن الرف الجوي ويمكن لالفا ان تحدد الطريقة الفضلى للتصرف وتوفر وعي الحالة التكتية للطيار وتقدم النصح لسائر أعضاء السرب الجوي.
ويسعى ارنست الى زيادة قدرات منظومته الذكية واجراء تجارب مواجهة إضافية مع طيارين مقاتلين وستؤدي هذه المنظومة بالنهاية دورا كبيرا في تدريب الطيارين على القتال الجوي بدقة اكبر.
وفي العالم الحقيقي يقوم الطيارين بتنفيذ الاقتراب الجوي المقاتل على سرعات تتجاوز 1500 كلم /س والتحليق على ارتفاعات تفوق الاربيعين الف قدم والجزئية من الثانية لها أهميتها وكلفة الخطا تكون باهظة. وبالتالي فان الفا تستطيع استيعاب كافة المؤشرات والبيانات الجوية تحليلها وإعادة تركيبها ضمن سيناريو قتال جوي وتقوم باتخاذ القرارات او تعديلها لسرب جوي مؤلف من أربعة طائرات في اقل من جزء من الثانية . وهنا يقول ارنست ان منظومته الذكية قادرة على التحليل واتخاذ القرار بشان افضل خطة جوية تكتية 250 مرة اسرع من العقل البشري.
تجدر الإشارة الى ان كافة المعطيات المدرجة في هذا الشرح صادرة عن فريق العمل التابع للشركة المصنعة للمنظومة ومبتكري هذه النظرية. يبقى الحكم على جودة هذه المنظومة رهن بالتجارب التي سيقوم بها مركز أبحاث القوات الجوية الأميركية للتاكد من جودة عمل المنظومة، التحسينات المطلوب اضافتها وأخيرا اتخاذ القرار بنقل مستوى خدمة هذه المنظومات من مشبهات الطيران الى مستوى تضمينها على المنصات الجوية كاجهزة مساعدة وأخيرا اتخاذ القرار بإمكانية ان تحل هذه المنظومات مكان الطيار المقاتل نفسه.
وفي هذا الاطار يكثر الحديث عن مستقبل الطيار المقاتل واحالته على التقاعد بسبب توافر منظومات الذكية قادرة على القيام بهذه المهمة (للمزيد انقر على الرابط) وهنا يقول الخبراء ان العامل البشري في مفهوم القتال الجوي يرتبط بمعايير غير ملموسة كالشجاعة والاقدام والمحافظة على رباطة الجأش وبذل النفس او حتى الشهادة في سبيل الحق. وهذه الامور لم يستطع الذكاء الاصطناعي بلوغها بعد.او حتى تحليلها وتحويلها الى قواعد حسابية جامدة
يمكن القول اليوم انه يمكن للطائرات المسيرة عن بعد تنفيذ بعض مهام الدعم الجوي، اكن مفهوم القتال الجوي فهو شئ اخر لا يمكن ادراكه الا من خلال مفهوم الصراع وخوض غمار المواجهات والصراع للبقاء. وبالتالي فان مهنة الطيار المقاتل هي ركن من اركان مهام القتال الجوية حاضرا ومستقبلا، وستبقى كذلك كون المفاضلة ما بين منظومات الذكاء الاصطناعي والطيار المقاتل مؤجلة الى حين ابتكار منظومة ذكاء اصطناعي قادرة على "الابتكار نفسه" وقادرة على التفوق على العقل البشري في ما يرتبط بمفهوم الاحساس والمخاطرة والتحدي والجرأة والمغامرة.
