بقلم الكاتب عبدالله الجنيد
عبدالله الجنيد |
تعد مشاركة الأمير تركي الفيصل في المؤتمر السنوي للمعارضة الإيرانية في باريس نقطة تحول حقيقي في الدبلوماسية السعودية من الاحتواء إلى المواجهة في تعاطيها مع السياسات الإيرانية. وإن كانت مشاركة الفيصل بصفة شخصية غير رسمية إلا أن المشاركة ستقرأ إيرانيا بدلالاتها السياسية لا المعنوية أو الإعلامية. لكن ما هو شكل خطوات الاستتباع المطلوبة سعوديا وخليجيا لترجمتها سياسيا، كذلك يجب ألا ننشغل بردود الفعل الإيرانية أو مصفوفتها الإعلامية في التشويش على ذلك.
وحقيقة، إن ذلك هو العنصر المفقود في تعاطينا مع إيران سياسيا. فمشروعها التوسعي جاء بعد أن فرضت هي على المجتمع الدولي الاعتراف باستحقاقاتها الإقليمية والجيوسياسية بعد إثباتها (من وجهة نظر المجتمع الدولي) بسياسات مباشرة وبراغماتية تمثلت بتخليها عن برنامجها النووي العسكري، ناهيك عن مكانتها في استراتيجية احتواء طموحات الصين والاتحاد الروسي في التمدد غربا. لذلك ما نراه نحن تهديدات لأمننا القومي، ينظر له من الآخرين حقا مكتسبا كونها قوة إقليمية يحق لها فرض الاستقرار في مناطق نفوذها الطبيعية. فهي من وجهة نظرهم القادرة على لجم طموح حزب الله في كل مغامراته العسكرية، أو التأثير السياسي المباشر في ثلاث دول عربية كبرى جغرافيا وكثافة بشرية. كذلك تأمينها قنوات اتصال مأمونة في كل عمليات التفاوض على تبادل الأسرى مع إسرائيل عبر قنوات دبلوماسية أو استخبارية. في حين ترانا تلك المنظومة الدولية على أننا نفتقد القدرة والإرادة السياسية في تمثيل مصالحنا كما تفعل إيران، وثقافيا وإنسانيا، فإننا نرفض التصالح مع التاريخ بما يتناسب ومسؤولياتنا أو طموحاتنا، وأكبر تلك العقبات الثقافية قبولنا التعاطي النسبي مع داعش ضمن حيز الجدل الفقهي لا الجريمة الأخلاقية والسياسية.
وسواء قبلنا أو رفضنا فإن ذلك لن يغير من الأمر في شيء إلا عندما نبادر نحن في توظيف أدواتنا السياسية لخدمة أهدافنا الاستراتيجية من إيران أو أي دولة لا تحترم حقنا في الأمن والاستقرار. لذلك علينا الاستثمار في سياسة واضحة لمجابهة إيران سواء كان ذلك عبر المعارضة الإيرانية أو غيرها من القوى القادرة على ضمان حدود نسبية قابلة للبناء عليها مستقبلا. ويجب أن ندرك أنها جميعا فارسية القناعة والتكوين الفكري أو السياسي. وقد كان لي شخصيا مجموعة من الحوارات مع بعض ممثلي المعارضة الإيرانية، تمحور جلها في الاستفسارات التالية: هذا النظام سوف سيسقط إما عاجلا أو آجلا بفعل تراكمات ستحدث الكتلة الحرجة المطلوبة إيرانيا، وأسئلتي لكم: أولا، مفهومكم لحسن الجوار مع دول الخليج تحديدا، ثانيا، المبادئ التي سيقوم عليها حسم المسائل الخلافية القائمة وأولها الجزر الإماراتية المحتلة، وهل ستقبلون بتحكيم دولي في هذا الأمر. ثالثا، أخلاقيا قبل سياسيا، ماذا سيكون عليه موقفكم من قضايا الأقليات كعرب الأحواز أو البلوش. وأخيرا هل من الممكن أن نسمع من السيدة رجوي تلميحات قد تقرأ كتطمينات حول تلك القضايا، لأن حاكمية الجوار تفرض ذلك قبل السياسة.
تلك الحوارات انتهت إما بصمت أو تملص من الإجابة، لذلك علينا إدراك أن إرث الثقافة الفارسية هو الحاكمية المعتمدة قوميا قبل سياسيا، لذلك علينا إظهار حيوية تقاطع مصالحنا مع كل الأطراف المعارضة لنظام الملالي بما يتناسب وخدمة مصالحنا أولا، لكن كيفية إقناعهم بأن لا غداء مجانيا في السياسة تبقى مسؤوليتنا نحن، دعم المعارضة الإيرانية بكل السبل الممكنة يجب أن يبنى عليه طالما كان ذلك يتفق وتحقيق الاستقرار لنا. كذلك علينا ألا ننسى أن «الفارسي» ابن سوق حصيف يستوجب انتخابنا لأفضل دبلوماسينا إلماما بفنون التفاوض التجاري المعقد مثلما يحدث في «البازار»، بالإضافة إلى ذلك ضرورة معرفة التاريخ الفارسي من رباعيات الخيام وصولا للقصص المنسوجة على السجاد القاشاني.
إيران الحاضر أو القادم هي المطالبة بإبداء حسن النوايا أولا، أما اختزال معاناة الشعوب والعرقيات من الاضطهاد العرقي والطائفي من قبل نظام الملالي الفاشي بالبلوش فقط كما جاء في خطاب رئيسة المعارضة مريم رجوي فإنه غير كاف. وهو كذلك أكبر دلالة على أقصى الحدود الممكنة أن تذهب إليه هذه المعارضة مما يستوجب تحفيزها المستمر لكي تلتفت منذ الآن لقضايا أكثر حيوية بالنسبة لنا كالأحواز العربي المحتل. إيران يجب أن تواجه الآن أو مستقبلا بنفس النوايا والأدوات دائما انطلاقا من مبدأ «العقاب من جنس العمل».
المصدر: صحيفة مكة
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.