يُلبي الرئيس العماد ميشال عون اليوم الدعوة لزيارة المملكة العربية السعودية التي أعلنت والتزمت في أكثر من مناسبة بموقف حيادي من الإنتخابات الرئاسية ورحّبت بأي خيار يُجمع عليه اللبنانيون. زيارة الرئيس اللبناني مع الوفد الحكومي للمملكة خطوة أساسية في مسار محاولة إعادة وضع لبنان الدولة إلى الخريطة الدبلوماسية العربية.
يحمل الرئيس عون معه أوزار انكسارات قاتلة عاشتها ولا تزال العلاقات اللبنانية الخليجية وتحديداً مع المملكة، على وقع تداعيات الحرب السورية وعلى وتائر المواقف العدائية التي صاغها حزب الله والفريق الدمشقي في لبنان في أكثر من مناسبة. يُدرك الرئيس فداحة الخسائر التي تعرّض لها الإقتصاد اللبناني والتضييق الذي تعرّض له اللبنانيون نتيجة استعراض القوة والتجييش الشعبوي غير المسؤول الذي رافق تلك المرحلة.
الظروف الموضوعية، سواء الميدانية المرافقة للزيارة في كلّ من سوريا والعراق واليمن أو تلك السياسية المرافقة لإعادة التموّضع التركي في المشرق العربي وتشابك المصالح الإيرانية الروسية، تضع آفاق الزيارة ونجاحها على تقاطعات مفصلية، بل وتُخرجها من دائرة الزيارات التقليدية التي إعتاد الرؤساء اللبنانيون القيام بها لأسباب إقتصادية أو لإعادة إعمار بعد عدوان إسرائيلي أو لتقديم المساندة في موضوع اللاجئين السوريين. يُدرك المسؤولون في المملكة المعادلة السياسية اللبنانية الدقيقة وانكشاف الوضع اللبناني ودقّته على امتداد خطوط التماس الجغرافية مع الميدان السوري بمكوّناته الإيرانية والأصولية، كما يدركون خطوط التماس الأمنية السياسية في الداخل اللبناني. وبالمقابل يدرك المسؤولون في لبنان دقّة التّحديات التي يتعرّض لها الأمن القومي العربي على امتداد المجال الحيوي من الخليج الى شواطئ الأطلسي، مروراً بالمضائق والبحر الأحمر وقناة السويس وشواطئ المتوسط، وفداحة نتائج الاشتباك الدولي الإقليمي على الوحدة الوطنية والاستقرار في أكثر من دولة عربية. آفاق الزيارة وما يُمكن أن تؤسّس له يرتبط بالشفافية والواقعية في مقاربة التهديدات والهواجس كما يرتبط بالإلتزام الجدّي والمسؤول في المعالجات والإجراءات لإعادة بناء الثقة.
لقد حافظ المواطنون اللبنانيون والسعوديون على السواء على تعاون وتفاعل عالي الأداء في المجالات كافة، ولعبوا دوراً كبيراً في تطوير الإقتصادين. ويعود النجاح في ذلك إلى التراكم الإيجابي في العلاقات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والمصالح المشتركة التي نسجوها خلال سنين طويلة بالرغم من الشذوذ والنزق السياسي الذي مارسه بعض الأفرقاء ضاربين عرض الحائط بالمصلحة الوطنية وبتداعيات ذلك على أمن اللبنانيين المقيمين في المملكة. ولهذا فإنّ اقتصار زيارة الرئيس عون إلى المملكة على البديهيات لجهة تأكيد أواصر الصداقة والتعاون وتوطيد العلاقات الثنائية لن يقدّم أيّة قيمة مضافة ولن يُفضي إلى أيّ تحوّل يُحسب للعهد في هذا المجال.
ربما تكون المرة الأولى التي لن تتخذ فيها زيارة لبنان الرسمي للمملكة مضموناً رعائياً فقط ، فهي بالإضافة إلى ذلك يجب أن تتّسم بالمسؤولية لأنّ المصالح والتهديدات المشتركة بين البلدين تفرض على لبنان حُكماً التصرف كدولة راشدة في محيط يتعرّض للإعتداء على كلّ مقوّماته ومكوّناته. لبنان الحاضر اليوم في المملكة لن يستطيع أن يقدّم نفسه وطناً يعيش بطريقة ريعية على حساب دول الجوار، فهو آخر حلقات الهلال الشيعي المفترض الذي ينطلق من طهران نحو المتوسط ليعبر حدوده مع سوريا، وهو أحد بلدان شرق البحر المتوسط التي تتقاسم ثروة نفطية واعدة ويتسابق على أمنها المائي وموقعها الاستراتيجي دول إقليمية عدة. الموجبات اللبنانية في هذا المجال يجب أن لا تتجاوز تلك التي تُمليها مصلحة لبنان الوطنية وتماسكه الداخلي، بمعنى الحفاظ على مناعته ووحدته منعاً لاختراق قد يحوّله إلى خاصرة رخوة في الجسم العربي المهدّد.
على هذه الفرضية ستُبنى تطلعات ورؤى العلاقة المستقبلية مع المملكة وبناءً عليها ستترجم نتائج الزيارة وما ستؤول إليه من أهداف ملموسة. لبنان كدولة مؤسسات أمام إختبار وضع رؤية واستراتيجية لعلاقته بمحيطه العربي إلى جانب إضطلاعه بواجباته الأمنية والاقتصادية.
مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات
Twitter: @KMHamade
E-mail: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.