ديمونا... والبرغماتية الأميركية
العميد خالد حمادة
لم يخفِ الرئيس دونالد ترامب خلال الأسابيع التي تلتّ انتخابه واستلامه السلطة، اندفاعه الأكيد نحو تغيير ما اعتبر من الثوابت في المشهد الإستراتيجي الدولي. عدد كبير من مراكز الدراسات دأب على توصيف طروحاته بالشخصانية، وعزاها إلى انعدام الخبرة السياسية، فيما كان عدد آخر يرى بواقعية الخلل الذي أصاب حضور الولايات المتّحدة في العالم، والإنتكاسات التي منيّت بها منظومة تحالفاتها ومصالحها لاسيما في الشرق الأوسط وأوروبا. الجموح الأميركي الهادف لإسقاط كلّ قواعد الإشتباك لا يمكن إلا فهمه من خلال جملة الحصارات التي تعانيها واشنطن، في الإقتصاد والأمن والتحالفات العسكرية، حيث بدا أنّ كلّ شئ بحاجة إلى إعادة تقييم وإلى توصيف جديد. الإدارة الاميركية الجديدة أعلنت عن أهدافها على لسان رئيسها ونائبه ووزير دفاعه في أكثر من مناسبة، قتال الإرهاب ومكافحة النفوذ ايراني واعتباره أحد رعاة الإرهاب في الشرق الأوسط.
المنحى الأميركي الجديد يبدو وكأنّه أطلاق رصاصة الرحمة على مرحلة ما بعد سقوط جدار برلين وإنتهاء الحرب الباردة، وهذا يعني إسقاط كلّ التحالفات والإعتبارات التي اعتمدت في المرحلة السابقة والتي يجب أن تتغّير وإزالة مفاعيل الفشل. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ما لبث أن لاقى الرغبة الأميركية، بدعوته، في مؤتمر ميونيخ للأمن خلال الأسبوع المنصرم، إلى قيام نظام عالمي جديد لا تهيمن عليه الدول الغربية، أسماه «نظام ما بعد الغرب»، طالباً من قادة العالم أن يحددوا خيارهم. المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» بدورها لم تتردّد في التعبير عن الفشل في استيعاب التموّضع الروسي حين صرّحت إلى شبكة «روسيا اليوم» «أنّ محاولات تطبيع العلاقات مع روسيا بعد الحرب الباردة لم تنجح بشكل كامل..... ولا يوجد لدينا حتى الآن نظام دولي واضح، ولم نتمكن خلال السنوات الـ25 الفائتة من إقامة علاقات مستقرّة مع روسيا».
كيف ستغيّر البرغماتية الأميركية قواعد المشهد الجيوستراتيجي في الشرق الأوسط، لإدارة مرحلة ما بعد فشل الأحاديّة القطبية الأميركية بالتزامن مع البرغماتية الروسية الصاعدة التي أثبتت جدارتها في سوريا ؟
شكّلت البرغماتيه الثابت الوحيد في السياسة الأميركية الخارجية التي لم تتوقف يوماً عند أي التزام قيمي. اللإلتزام هو الإلتزام الوحيد. تندفع البرغماتية الأميركية حالياً في العراق بمواجهة حلفاء الأمس، مع دعم عسكري لامحدود لإستعادة النفوذ الذي تخلّت عنه لإيران في العام 2011 وعلى حساب الطموحات الكردية. وفي هذا المجال، يلاقي الإنفتاح السعودي على العراق المشروع الأميركي، وربما تأتي الإنشقاقات الشيعية داخل البيت العراقي، ولا سيما المعارضة التي يبديها تيار السيد مقتضى الصدر بوجه كل الوجود الميليشيوي على الأراضي العراقية، واغتيال مسؤول حزب الله في العراق وعجز إيران عن إعادة تعويم نور المالكي لتساهم في خدمة البراغماتية الجديدة. في الميدان اليمني، تبدو التوافقات الأميركية السعودية على السواحل اليمنية وفي المحيط الهندي مقدّمةً لتقليص الدور الإيراني في ما يُسمى حماية التجارة الدولية حيث أعادت الولايات المتّحدة المدّمرة كول التي يتمّ تعزيزها بقطع بحرية أخرى إلى المحيط الهندي. وفي الساحة السورية تلتقي البرغماتية الأميركية بالبراغماتية الروسية على وقع ضبابية المفاوضات حول المرحلة الإنتقالية في جنيف. وترتسم في الشمال السوري ملامح إتّفاق جزئي روسي أميركي تمكّن من وضع حدود لمناطق النفوذ في جنوب مدينة الباب تتعايش على أطرافها قوات النظام مع قوات الجيش الحرّ حيث تبدو إمكانية التصعيد الإيراني غير متاحة.
يكمن التحدي الكبير للنجاح الروسي الأميركي في ترسيم النظام الجديد في الشرق الأوسط بامكانية ضبط الدور الإيراني. الإندفاعة الإيرانية ذهبت باتّجاه يناقض تقاطع المصالح الأميركية في العراق والبحر الأحمر والمحيط الهندي، ويناقض المصالح الروسية في سوريا. تندفع إيران الى مزيد من إظهار القوة في الخليج العربي عبر المناورات البحرية وعبر التجارب الصاروخية وعبر تصريحات الأمين العام لحزب الله في لبنان. التصعيد الإيراني بلغ ذروته بتهديد الأمين العام بقصف مفاعل ديمونا. وبصرف النظر عن المفاعيل التي يمكن أن يحدثها القصف الصاروخي على المفاعل المذكور، فإنّ التهديد المعلن بقصف ديمونا يعني أنّه ليس هناك من قيود في التسبب بكارثة تدميرية وإشعاعية قد تصل مفاعيلها إلى كامل فلسطين ولبنان ومصر والأردن!!!!
كيف يقرأ أصدقاء لبنان في العالم العربي هذه المغامرة ؟ وهل يشكّل هذا التهديد دعوة للبراغماتية الأميركية لتتحرر من قيودها؟
مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات
Twitter: @KMHamade
E-mail: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.